ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات استثنائية لمقاولين مغاربة : سراً مستلهما من 27 قصة نجاح مغربية

عن دار النشر «ملتقى الطرق» صدر باللغة الفرنسية كتاب يستحق القراءة والتأمل، وسمه مؤلفاه، محمد المنجرة وكريم عمور، ب«مبادرون مغاربة لامعون» ووضعا له عنوانا فرعيا جد دال هو "12 سرا مستلا من 27 نجاحا مغربيا.
يكتشف القارئ عبر صفحات الكتاب، الذي وضع مقدمته التهامي الغرفي، مسارات 27 مغربيا يشتركون جماعيا في النجاح المهني وفي التألق في الحياة، مثلما يكتشف أسرار نجاحهم وتألقهم.
انطلاقا من حوارات مع الفاعلين المغاربة الناجحين ومن رصد تجاربهم، يستخلص الكاتبان السبل التي عبدت لهؤلاء طريق التميز كل في مجاله، مجالات جد مختلفة ومتباينة تهم العلوم والصناعة والطب والحكامة والعقار والجيش والتأمين والفلاحة والرياضة والصحافة والسينما والعمل الجمعوي والتعليم والطبخ والسياحة والإشهار والغناء والسياسة.
ورغم تباين مجالات الفعل، فإن الشخصيات المغربية المنتقاة من طرف الكاتبين تشترك جميعها في إرادتها الأولية لتحقيق النجاح وفي عملها الدؤوب لنيل مبتغاها. ومن خلال تجارب هذه الشخصيات، يقدم المؤلفان 12 وصية مفيدة خاصة للشباب، وصايا هي خارطة طريق كل من أراد التحليق عاليا فوق سرب معدمي الطموح:
- كل فرد سيد مصيره،
- الشغف بما يبتغيه المرء،
- الاشتغال المضني على الذات والصرامة إزاءها،
- تحديد أهداف دقيقة،
- الانتقال إلى العمل والاشتغال بعناء،
- التقييم المستمر والتكيف الدائم مع الإكراهات،
- الصبر والانخراط بشكل شمولي في الاختيارات المنتقاة،
- تبني نسق مبادئ واضحة،
- توجيه الأحداث لصالح الذات،
- تطوير روح الابتكار وتوسيع مجالات الممكن تحقيقه،
- التحكم في فزع الذات وتجاوز الرفاهية المكتسبة،
- تحديد أهداف سامية تتجاوز الذات (الوطنية، رفاهية الآخرين...).
اثنا عشر درسا إذن تشكل معالم طريق النجاح، وهي معالم مشتركة بين مغاربة لا شيء يوحد مساراتهم وتجاربه غير إرادة النجاح وتحقيقه، مغاربة ينتمون لقارات مختلفة، قاسمهم المشترك أنهم بلغوا أقصى درجات التفوق في مجال فعلهم. أجل، النجاح وروح المبادرة والعمل بقسوة على الذات هو القاسم المشترك بين كل من: رئيس مجلس المنافسةعبد العالي بنعمور، وعميد المنتخب الفرنسي للكرة المستطيلة عبد اللطيف بن عزي، والراحل البروفسور عبد اللطيف الهروشي، والوزير الاستقلالي السابق عاد الدويري، والمعتقل العسكري في تزممارت أحمد المرزوقي، والفاعلة الجمعوية ماما عائشة الشنا، والطيار علي نجاب، ورجل الأعمال أمين بنكيران، والمقاول العقاري أنس الصفريوي، والحارس والمدرب بادو الزاكي، وأيقونة الطبخ المغربي شميشة الشافعي، والبطل الرياضي هشام الكروج، والمقاول جمال شقرون، والرياضية التي هزمت الإعاقة ليلى الكرعة، والشامخ أبدا المهدي المنجرة، ورئيسة الباطرونا مريم بنصالح، ورجل الأعمال ميلود الشعبي، والفاعل السياحي محمد بنعمور، ومؤسس سابريس محمد برادة، والرئيس السابق للمقاولين المغاربة مولاي حفيظ العلوي، والمتعدد الاهتمامات نور الدين عيوش، والمصرفي عثمان بنجلون، بالإضافة إلى العربي السقاط وماء العينين محمد تقي الله ونجاة عتابو وأحمد الجامعي وليلى المراكشي.
إن مؤلف محمد المنجرة وكريم عمور يستحق مكانا متميزا في مكتبات كل المغاربة. ليس لمقاربته البيداغوجية الرصينة والسهلة الاستيعاب فحسب، بل كذلك لأنه يفتح أفقا للتفاؤل في رحم مغرب لا صوت يعلو في سمائه اليوم على صوت الأزمة والنكوص.
كل
شخص
سيد
مصيره
الكاس طاح ليا!،
النعاس خانني!
القطار هرب عليا!
من منا يستطيع أن يؤكد أنه لم يستعمل مثل هذه التبريرات الجميلة في أحاديثه!
التربية تخبأ لنا أيضاً بعض المفاجئات، لأنه في المغرب، النظام الذي أفرزته المدرسة التي أرادها شارلمان، ينتج أدمغة مليئة بدل أدمغة تفكر بشكل جيد. هذا «الشحن» والتعلم «بالحفظ» يبعدنا أكثر عن استقلالية التفكير التي تمكننا من التفكير بطريقة مغايرة.
أساتذتنا ومعلمونا، الذين أنتجهم نفس النظام ليسوا دائماً مؤهلين لتدبير هذه «الثقة في النفس» الضرورية لأي تبادل منفتح يحترم اختلافاتنا. فالمدرسة بنظام مراقبتها وامتحاناتها يمكن تلخيصها في «ضمن ما يفكر فيه الأستاذ».
آباؤنا الذين هم أيضاً نتاج نفس القالب يقتصرون في الغالب على فرض قرارات، لأن الأمور هكذا وليس غير ذلك. والدين الذي يمكن تبسيط قراءته قد يدعونا إلى تسليم حياتنا للقدر واحترام الرغبة الإلهية لوضعيتنا.
ولكن هل تعرفون إلاها يقبل أن يعيش الإنسان هذا الوضع طيلة حياته، وضع الفقر بكل أشكاله؟ الله رحيم في الدين الإسلامي، وهناك 99 صفة تحاول وصف القوة الوحيدة التي يمكن أن تكون فوق كل وصف: الله. وهذه القدرية لا توجد إلا في النفوس الضعيفة والكسولة.
والتعبيرات المشتركة التي تؤطر لغتنا المتداولة يومياً تسير في نفس السياق. لنأخذ المعجم، توجد فيه الكلمات السلبية أكثر من الكلمات الإيجابية. أكثر من ذلك، ما بين ولادتنا وسن 18 سنة، التعابير السلبية أو التي يمكن أن تحدنا بشكل أو بآخر تستعمل 23 مرة أكثر من الكلمات التي تشجعنا.
تتفقون معي بأن الأشخاص الذين نتواصل ونلتقي بهم منذ الولادة لهم تأثيرات قوية على حياتنا المستقبلية. نفس الأمر بالنسبة للأحداث التي نشهدها ونعيشها، والتي يمكن أن تؤثر إلى الأبد على حياتنا.
كيف استطاع الأشخاص الذين استجوبناهم العيش في هذه الغابة من الكلمات والأحداث واللقاءات التي تنحث مستقبلنا؟ كيف استطاعوا التغلب على الأحكام الجاهزة؟ كيف استطاعوا الوصول إلى قمة أحلامهم رغم العوائق التي تؤطر مجتمعنا؟
لقد التقوا ب«بستانيين أياديمه خضراء» أخصبوا تجاربهم ومكنوهم من الوعي بأن المسؤول الأول عن حياتهم هم أنفسهم أولا.
لنأخذ وضعية قصوى حتى يحس كل واحد منا في مستواه أن كل شيء ممكن، عندما يمتلك الشخص كلياً مسؤولية حياته.
الضابط أحمد المرزوقي قضى أكثر من 18 سنة وثلاثة أشهر في معتقل تازمامارت في أعقاب الأحداث الأليمة ليوليوز 71 بالصخيرات. يحكي المعاناة التي عاشها في عزلته التامة وسط الظلام ودون أن يتمكن من التواصل مع المعتقلين الآخرين «تصوروا شخصاً يأخذ هكذا ويوضع في قبو مظلم وانتهى الأمر»، هكذا يصف ليلته الطويلة والقاسية التي دامت أكثر من 18 سنة.
ولكن، سيقول قائل وما علاقة أحمد المرزوقي بالنجاح في المغرب؟ فهو لم يتألق بإنجازات باهرة، ولم يقم بمهمة في خدمة المجتمع، ولم ينجح في الأعمال... إذن؟ لكن المرزوقي معني بالنجاح، حتى وإن كان الأمر يتعلق بنجاح خارق. ستكتشفون أن هناك مفاجئات أخرى.
طفولة أحمد المرزوقي لم تكن وردية عندما يحكي قائلا: «عندما أتحدث عن طفولتي، كنت فعلا خاضعاً لبرنامج قاس. كنت أقطع 7 كلمترات للذهاب إلى مدرسة القرية. تصوروا 7 كلم يقطعها طفل عليه أن يجتاز نهراً وهو شيء لم يكن سهلا خاصة في فصل الشتاء. النهر كان قاسياً وكان يتعين اجتيازه اعتماداً على الذات.
هذا الضابط كان له «العديد من البستانيين». والده، الأمام خريج جامعة القرويين بمدينة فاس، ألهمه كثيراً ومنحه ذلك التمكن الرائع من اللغة العربية من خلال حفظ قصائد الشاعر المتنبي والآيات القرآنية.
هذا الطفل الصغير عشق الأدب منذ صغره، وسيصبح ذلك مهرباً رائعاً له خلال اعتقاله. والدته التي كانت تسير البيت كانت امرأة صارمة جداً، وبما أن والده كان يسافر باستمرار، كان عمه يتكفل به عندما يكون الوالد بعيداً عن البيت . هذا الرجل القاسي صنع لدى ابن أخيه انضباطاً صارماً «الانضباط يعني أنه منذ الفجر، نذهب إلى المسجد كل يوم في نفس التوقيت ، ونعود الى المنزل في نفس التوقيت... وأمي تصدر التعليمات من خلال نظرتها».
«لاشيء مستحيل عندما نؤمن به ولدينا الإرادة للوصول إليه»
عبد الرحيم الهاروشي
بهذه الكلمات، دشن البروفيسور عبد الرحيم الهاروشي ، أول طبيب جراح في طب الأطفال بالمغرب خلال سنوات الستينات، لائحة هؤلاء الرجال والنساء الذين بدأ النجاح بالنسبة لهم من الذات. هذا النجاح الذي يبني من داخل كل إنسان، والذي ليست النتيجة التي سنلاحظ على طول هذا الكتاب سوى جزءاً بسيطاً.
عبد الرحيم الهاروشي بنى لنفسه نظام قيم متين، رافق حياته اليومية منذ صغره. عندما أنهى دراساته، اختار العودة الى المغرب لتدبير أول قسم لطب الأطفال بالمغرب ، مصلحة لم تكن موجودة آنذاك.
طيلة أيام وليالي وبدون وسائل ، فقط بمساعدة الأقارب والأصدقاء، وأصدقاء الأصدقاء، استطاع البروفيسور الهاروشي بناء وإحداث نواة مصلحة لطب الأطفال بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء الذي سيتحول بسرعة إلى أول مركز لعلاج الأطفال، وبعد ذلك، سيتحول الى مرجع وطني ودولي.
كان يعلم أن مهمته هي بناء هذه المصلحة لطب الأطفال، وأن لا شيء يمكن أن يمنعه من ذلك حتى لحظات الإحباط، عندما تتعقد الأمور نظرا لعدم توفر أشياء بسيطة.
المسار الباهر لهذا الطبيب المتخصص، البروفيسور والباحث والخبير في العلوم الإنسانية وفي البيداغوجيا، الوزير والزوج الحنون، هو تكرار لتحديات تدبر دائماً بذلك الهدوء البريطاني الرائع الذي لا توازي عفويته سوى إصراره الفولاذي.
والسر في ذلك؟ زرع مفهوم العدالة في كل شيء.
«الوسط العائلي الذي كبرت فيه مهم، إنه قناة أساسية مركزة من القيم»
عادل الدويري
عادل الدويري، القيادي الشاب في حزب الاستقلال، المنتمي للمسار السياسي لوالده، كان من الأوائل في مجال المال بالمغرب من خلال إنشاء أول بنك للأعمال (CFG) سنة 1992، أصبح عضواً في مجموعة التفكير التي شكلها الملك الراحل الحسن الثاني ثم بعد ذلك تقلد منصب وزير السياحة من سنة 2002 إلى 2007 في حكومة الوزير الأول ادريس جطو. ورغم ذلك، يعترف خريج مدرسة البولتكنيك اللامع، بدور العائلة، وبالأخص، الدور الذي لعبه والده في طريقة تصوره للحياة. مبكراً، استوعب عادل مفهوم التميز في كل ما يقرر العمل فيه.
«التميز أو لاشيء،
لا مكان للتردد... »
عادل الدويري
عادل فرض نفسه أن يكون في مستوى التأقلم الذي تشبع به بفضل العلاقة مع والديه. بالنسبة له النجاح هو إيمان، شيء بديهي لا مفر منه يتعين توفير شروطه من خلال العمل، الإصرار، عادل في صراع دائم، وهدوءه الظاهر تغذيه وتدعمه روح قتالية لا تتزحزح. عادل دخل الحرب من أجل احترام المعايير التي بناها لنفسه، والتي كان هدفها هو أن يكون في انسجام وسلام مع نظامه القيمي.
«كان لابد من تحويل واقعنا إلى سخرية. في بعض الأحيان، كان لابد من القيام بذلك من أجل مواصلة الكفاح. السخرية أساسية وإلا سنضيف إلى هذا الوضع الحزين كثيراً من المرارة والتشاؤم. وتلك هي النهاية». أحمد المرزوقي من خلال حواراتنا مع أحمد المرزوقي، أثارنا حس الدعابة لديه. كيف لرجل قضي ثلث حياته مقطوعا عن كل شيء، ان يحتفظ بالابتسامة؟
حقيقة الاشياء كانت في حالته الفريدة. لقد كان ميتا حيا في تابوت من الاسمنت، بعيدا عن كل شيء، يعتبر كميت مسبقا. تفسيره لهذا الواقع كان شيئا اخر. وكان يعلم انه سينجو. في كل مرة كان يستيقظ، كان عليه ان يجد القوة لتحمل الساعات والأيام والشهور بل والسنوات. الزمن لم تعدد له اهمية، وفي كل الاحوال، لم تعد لديه وسائل قياسه.
الاشخاص الناجحون دائما ما يجدون تفسيرا للاحداث الايجابية في خدمة أهدافهم. الدين ، تصوراتهم وقوة شفهم تلطف معاناتهم، تسحق آلامهم، وتقوي عزيمتهم. هم ينظرون الى ابعد من الوضعية التي يوجدون فيها.
تصور انك تقود سيارة سباق؟ عند المنعطف تفقد السيارة توازنها. ماذا ستفعل لاستعادة مسار السيارة وضمان خروج موفق من المنعطف؟ أكبر سائقي سيارات السباق يتفقون على تأكيد أنه يتعين توجيه عجلات السيارة في الاتجاه المعاكس، أي في اتجاه المنعرج الموالي مع توجيه النظر نحو الوجهة التي تريد السير إليها، بدل الوضعية التي توجد فيها في تلك اللحظة.
«عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم...»
الإحالات على التفسير الايجابي للواقع توجد في كل مكان. ولكن هل سنبحت دائما عن هذه الإحالات بينما نحن في وضعية واقعية.
الاشخاص الناجحون استوعبوا هذه المسلمة كجزء من شفرتهم الجينية. ويجعلون منها عادة وبعضهم يذهبون حتى الى حد اللعب بها. كما يحكي المرزوقي عندما يتذكر اللحظات البارزة من طفولته «كتلميذ صغير ، كان الاستاذ السرغيني يطلب مني المرور الى السبورة ، كان كل التلاميذ يضحكون. التلاميذ لم يكونوا يصدقون، كيف لبدوي أن يكتب هكذا؟ كان علي أن آخذ بثأري ، لذلك بدأت اشتغل واجتهد لكي أصل إلى مستوى هؤلاء الناس. كان ذلك صعبا جدا ولكن الأمر كان يستحق ذلك التعب».
هل سبق أن سمعتم أحدا يقول: «لقد نجح لأن الحظ كان إلى جانبه» بالنسبة للاشخاص المستجوبين في هذا الكتاب الحظ مصنوع لاعبي الكازينو، لأن الحظ يبتسم للعقول المستعدة.
مثل حكاية ذلك الرجل الذي كان يشتكي لزوجته كل مساء «حبيبتي الحظ لم يكن بجانبي. لم أربح لوطو اليوم.. وبعد بضعة أشهر، ملت الزوجة تشكيات زوجها اليومية وردت عليه بغضب: «تتشكى كل مساء بأنك لم تربح لوطو، ولكن إذا كنت تريد أن تربح، شارك وألعب على الاقل!»
بالنسبة للاشخاص الناجحين ،الحظ ليس من أدواتهم، هذا لا يعني أن الحظ غير موجود. يعتبرون أن الحظ هو فقط مجرد حدث يجب استغلاله للسير بسرعة أكبر أو للذهاب أبعد. وهذا الموقف لا يمنعهم من تقديره حق قدره عندما يحضر.
أكثر من ذلك ، هؤلاء الرجال والنساء يستعملون الاحداث الصعبة في حياتهم كحظ بالنسبة لمستقبلهم وكدروس لخدمة مصيرهم. كما يقول الاستاذ الجامعي البارز مهدي سعدي المنجرة. المعروف عالميا باعماله لدى مؤسسات دولية كبرى مثل اليونسكو ونادي روما والامم المتحدة: كل حدث يتضمن في ذاته البدور التي ستمكننا من تحقيق امكانياتنا.
«لي مدرستان: السجن
والاذاعة والتلفزة»
مهدي سعيد المنجرة
امين بن كيران، مؤسس أكبر شبكة لتوزيع الأثاث في المغرب (كيتيا) يقول بخصوص تعليمه بالعربية بينما كان إخوته وأخواته يدرسون في البعثة الفرنسية: «انها ثروة كبيرة اليوم، ولحسن الحظ مررت من هناك، ذلك أعطاني سلطة كبيرة...»
عندما نتحدث عن شخص ونقول إنه «هكذا».. هذا يفسر أن هذا الشخص يتعامل بشكل دائم هكذا إلى درجة أن محاوريه يستوعبون تصرفه ويعتبرونه كمعطى اساسي لا يتغير.
جمال شقرون، رجل اعمال شاب قارب الخمسين من عمره. ينظر إلينا بنظرات حادة مليئة بالصدق والشفافية. قد يكون عمره 35 سنة وكان بالإمكان أن يعوض إبن الممثل الامريكي بول نيومان في أي فيلم. والداه مع فنانين علماه منذ صغره حب القراءة وحب الاستطلاع في كل شيء. من خلال قراءآته ومناقشاته مع العائلة ، صنع لنفسه رأيه الخاص حول الحياة، حول ما يريد وبأية طريقة يريد الوصول اليه.
شريكة حياته مريم بنصالح شقرون، عرفته على «بستاني» سيواصل غرسفيه حس الالتزام والنجاح عن طريق العمل ، انه صهره المرحوم الحاج عبد القادر بنصالح، أحد كبار رجال الصناعة في المغرب. بعد وفاة والدها ستأخذ هذه السيدة الى جانب شقيقها محمد بنصالح. مقاليد المجموعة العائلية مع الحفاظ على العائلة متماسكة وفي احترام تام للقيم التي أرساها والدها. ستضطلع بهذه المهمة المليئة بالمسؤولية من خلال مجهودات كبيرة وتضحيات شخصية وكذلك رغبة واسعة في النجاح. ورغم اضطلاعها بالمهمة لم تستسلم أبدا للرداءة والكسل أو تنسى الاضطلاع بدورها كزوجة وربة عائلة. أكثر من ذلك، نجحت سنة 2006 أن تصنف كواحدة من بين 25 إمرأة أعمال عربية الأكثر نشاطا في لائحة تصنيف مجلة «فوربس » الامريكية المرموقة.
جمال بدأ تعاونه مع الحاج عبد القادر في سن 24 سنة وسرعان ما أصبح ساعده الايمن. أيام عمله المهنية كانت تعرف وثيرة عالية تفوق 14 ساعة عمل في اليوم. من خلال عمله المتواصل عزز جمال شقرون أكثر قناعاته و الموقف الواجب من أجل النجاح في الاعمال. بالنسبة له، لابد أن يكون في الاستماع للاخرين و الحفاظ على التواضع في كل الظروف وبالخصوص العمل الدائم.
جمال شقرون رجل اعمال شاب ومرموق، كان دائما محبا للتعرف على كل شيء التزم بالقراءة.
والإطلاع حتي تكون له فكرة عن الحياة أوسع من الحياة المحصورة في المهن التي يمارسها ويتوفر علي حس حاد للإنصات طوره بمهارة مع صهره الحاج عبد القادر بنصالح أحد كبار رجال الأعمال المغاربة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
عند وفاة أستاذه، غادر جمال المجموعة العائلية ليترك قيادتها للورثة. وأسس شركته الخاصة (GD هولدينغ ) سنة 1995 التي أصبحت بعد أقل من 10 سنوات إحدى أكثر المجموعات تنوعا ونجاحا في البلد. يعترف جمال دائما أن نجاحه كان أولا بفضل عمل الفريق، وياله من فريق.. لأن جمال كان على رأس شركة تضم آلاف الأشخاص باعها فيما بعد لشركة دولية. في خطابه ومن خلال مختلف المناقشات التي أجرينا معه كانت كلمة «نحن» تتردد على لسانه باستمرار، وكرجل مسؤؤل وملتزم يعترف بنفسه بالآثار الكارتية لبضع قراراته. في الواقع كل شيء يبدأ به ولكن لا شيء يخصه».
«الإرادة تجعل كل شخص ينجح»
جمال شقرون
ومع توالي حياتنا، نطور ردود أفعال تجاه المحيطين بنا ، آباءنا، أساتذتنا، إخواننا وأخواتنا، زوجاتنا، أصدقاءنا في العمل.. إلخ نصبح شيئا فشيئا، مجموعة من ردود الفعل المشروطة التي تغذي وتؤثر في إرادتنا.
لنتصور النتيجة بعد أن يتكرر هذا المسلسل مئات المرات خلال حياتنا.. ننخرط في الأمر بشكل طبيعي لأنه ليس فقط لأننا تعلمنا فعل ذلك، بل إننا كررنا ردود الفعل هاته مرات ومرات إلى أن أصبحت... جزاء منا.
ولكن إذا كنا قد نتأثر بالرغم منا لأننا بشر، فإننا نقوم بردود فعل كبشر ، أي بشيء من العفوية والتلقائية وربما عدم الدقة ، بانفعالات وأخطاء في التقدير أو أخطاء قد يؤثر على المعنويات في بعض الأحيان ..في مثل هذه الظروف كيف يمكننا تجاوز ردود فعل محتملة قد تبعدنا عن أهدافنا؟
الجواب بسيط لأنه متضمن في السؤال ، لاحظنا أن؟ : لاحظنا أن الجواب رهين بالسؤال لأن الأهم قبل كل شيء هو السؤال الذي نطرحه ولكن بأي سؤال يتعلق الأمر؟
عندما ضبط الحاج ميلود الشعبي في القطار وهو صغير لأنه لم يؤد ثمن التذكرة. قال في قرارة نفسه أن هذا الأمر لا يجب أن يقع له أبدا. ربما كان الأمر سيتوقف عند هذا الحد، لكن هذا التساؤل عزز قناعته حتى لا يقبض عليه مرة أخرى وهو يفكر «كيف يجب أن أعيش حياتي حتى لا تقع لي مرة أخرى مثل هذه المشاكل؟«، حياته، عاشها كما يجب بتطوير مجموعة تشغل اليوم عشرات الآلاف من الأشخاص في المغرب وافريقيا في ميادين الصناعة والعقار والتوزيع.
عندما ذهل البروفيسور الهاروشي بحالة المستودع الذي وضع رهن إشارته لاستعماله كمستشفى، لم يستسلم للإحباط وبدل أن يتشكى من المهمة المستحيلة التي استندت له، قال في قرارة نفسه «كيف يمكنني أن أجمع فريقا من المتطوعين لمساعدتي علي بناء مصحلة لجراحة الأطفال في مستوى أفضل المستشفيات في العالم؟» وبهذا السؤال الذي يبدو عاديا، لم يفتح فقط لنفسه عالما من الإمكانيات بل حدد لنفسه كذلك سقفا أراد أن يصل إليه. والمستقبل أتبت أنه كان على حق.
«الأطفال في سني كانوا يذهبون الى البحر، بينما أنا كنت أشتغل خلال العطلة الصيفية. عندما كنت أعود في المساء إلى البيت، كنت أجري وأنا ألبس نفس الملابس».
هشام الكروج
لا يمكن أن نتحدث عن الكبار في الرياضة في المغرب دون أ ن نتحدث عن هشام الكروج ابن بركان المزداد سنة 1974 - بطل أولمبي مرتين وبطل العالم أربع سمرت، عندما سقط فجأة خلال نهائي 1500 متر في الألعاب الأولمبية بأطلنطا سنة 1996 وحل في الموتبة 12 ، تحمل كامل مسؤولية أفعاله. لم يلق بالمسؤوية في هذا الفشل على الزمن أو بركة ماء أو منافس. علي العكس أعاد طرح السوال التالي على نفسه : كيف بإمكاني أن استعمل هذا الحدث المأساوي كدرس للمستقبل؟
في سنة 2000 بمناسبة الألعاب الأولمبية بسيدني استمر الخط العاثر يلاحقه عندما احتل المرتبة الثانية، ولم يكتف بهذا الفوز بالبسيط، وأخذ علي عاتقه عهدا بالعودة بعد أربع سنوات وفي الألعاب الأولمبية بأثينا سنة 2004 ختم مساره الأولمبي بامتياز ليس فقط من خلال ميدالية ذهبية واحد بل بحصوله علي ميداليتين ذهبيتين في مسابقة 1500 متر و5000 متر، إزدواجية أولمبية لم يسبق تحقيقها مند الألعاب الأولمبية بباريس سنة 1924.
هذا البطل الاستثنائي حقق الوعد الذي وعد به والديه وهو طفل عندما غادر مسقط رأسه بركان ليستقر في الرباط. حيث وعدهم بمداليتين أولمبيتين وليس بواحدة فقط.
وإذا كان من درس نود أن نبرزه من هذا العمل، فهو الملاحظة التالية: النساء والرجال الذين نجحوا في المغرب يختلفون عن الذين يقضون وقتهم في التشكي والعتاب أو البحث عن الأعذار، يختلفون عنهم بقدراتهم الخارقة علي التمرن وطرح الأسئلة البناءة في كل محطة من حياتهم.
علينا أن نفهم أن كل ردود الفعل على أحداث سواء كانت بإرادتنا أو خارج إرادتنا ومهما كانت طبيعتها يجب أن تكون إرادية موضوعة رهن إشارة مصالحنا وقيمنا وأهدافنا.
فالعالم شهد سنة 2008 أسوأ أزمة اقتصادية، هل هذا يعني أن كل شيء سينهار وأن العالم بأكمله سيغرق في الفوضى؟
بالطبع لا.
وكما الشأن بالنسبة للأزمات السابقة، يتأقلم العالم مع شكل جديد من التجارة. الدول تتحدد لوضع إجراءات للمساعدة والتنظيم. الشركات تعيد هيكلة نفهسا وسط الألم لكن يبرز نوع جديد من المقاولين والمنتوجات وانماط الاستهلاك ما كانت لتظهر من قبل. هل يجب أن نؤاخد الأحداث التي تقع؟ صحيح أن لهدنة البطيئة بعد فورة سنوات 2006 و2007 كان يمكن أن تكون أفضل من هذا الانفجار للفضائح المتتالية، وهذه الإفلاسات المدوية وملايين الأفراد بدون مورد. فهذه القدرة علي المقاومة والمواجهة لدى الأفراد هي الأقوى. القدرة التي تتطور من خلال الأجوبة الجيدة الناجمة عن الأسئلة الجيدة التي نطرحها.
الرجال الذين ينجحون في المغرب ليسوا بحاجة لموافقة الاخرين لمواصلة أحلامهم. لهم الجرأة في اتخاد مبادرات خارج الضغوط الاجتماعية. هم منشغلون في تنفيذ ما يحبون أكثر من أن يبحهم الآخرون. هؤلاء الأشخاص غير مهووسين بأي من هزائمهم أو فشلهم ولا يبحثون أبدا عن شماعة لتبرير لماذا لم يتصرفوا بطريقة أخرى. وعندما يتم الوصول للهدف يعبرون عن الارتياح وهينئون أنفسهم ويرجعون النتائج المفرحة لفريقهم، وعندما يكون هناك فشل يعطل مؤقتا مسارهم يحملون كامل المسؤولية.
ما
نريد
هو
الشغف
ينبغي على الشخص أن يكون واضحا و دقيقا جدا في ما يريد
الشغف هو أفضل المحفزات للبقاء في السباق و تحقيق المنجزات الكبرى
على شعلة الشغف أن تبقى مشتعلة دوما
«لا نملك المستقبل، و لا نتنبأ به.و لكننا نشتغل بمؤشرات، إذا لم تعرف من أين أتيت فلن تعلم إلى أين أنت ذاهب»
المهدي السعدي المنجرة
استقبلنا بحرارة في فيلا صغيرة متوارية بحي الرياض بالرباط. جلسنا في قاعة استقبال صغيرة. و بسرعة انتبهنا إلى كم الكتب الموجودة. كتب في مكتب أمامنا، كتب في مكتبة بجانبنا، كتب بدأت تغزو الصالون، باختصار كانت الكتب تحيط بنا من كل جانب.
و منذ الأسئلة الأولى، أحسسنا بهذا الشغف الاستثنائي المنبعث من هذا الرجل، ذي المسار الدولي المهيب.فبالنسبة له، كل وثيقة، ، كل حدث و كل لحظة في مساره المهني و الشخصي الطويل ،مرتبة كشواهد على لحظات ثمينة، مليئة بالعواطف، و الفرح و السعادة و الانتصارات، و في بعض الأحيان للأسف، تكون مليئة بالآلام و المآسي.
فهناك لوائح مرقمة و مرتبة تحوي مختلف تنقلاته منذ شبابه الأول مرورا برحلاته إلى أكثر من مائة بلد في العالم في إطار الوظائف التي تحملها، سواء كأول مدير للإذاعة و التلفزة المغربية، أو كمدير مساعد لليونيسكو أو كعميد لجامعة محمد الخامس بالرباط أو كمستشار خاص للأمم المتحدة أو كعضو في معهد المستقبليات الشهير و عالي المستوى «نادي روما». إضافة إلى ألبومات صور ترسم تاريخه و حياته، من صور ترصد طفولته في مغرب يسعى للاستقلال السياسي، حتى صور أحفاده.
حينما نزور موقعه الإلكتروني على الأنترنت، نطلع على لائحة لا متناهية لمنشوراته في مختلف المجلات المتخصصة، و لكتبه المنشورة و للمحاضرات التي نشطها . فحتى الأقراص المدمجة المقرصنة التي تباع في «درب غلف» تشهد للرجل بنشاطاته الكبيرة و المتحمسة حين يأخذ الكلمة دفاعا عن مُثُل و مبادئ عزيزة عليه،و التي حارب من أجلها طوال حياته: الحق في الاحترام و في الكرامة الإنسانية للجميع.
كل شيء في حياته يغذي هذه الرغبة التي تتملك البروفيسور المهدي السعدي المنجرة في أن يعيش الأمور بقوة و كثافة،مع قناعة راسخة بأن كل حدث في الحياة هو حدث ثمين، له وزنه و له أهميته و ينبغي أن يُعاش بشغف.
هذا العشق للحياة سيتأكد باستمرار من خلال مختلف مراحل حياة البروفيسور المهدي السعدي المنجرة.
«الإيمان بالأفكار، الإيمان بالنفس. الشغف، نغذيه بتركه يغذينا.من المحقق أنه حين نمضي حتى النهاية بشغف، نجد هذه «الدفعة» التي تجعلنا نتقدم.يرى الناس ما نقوم به عن قناعة، و لكني أؤكد لكم أنه لبلوغ الأهداف ينبغي الشعور بسعادة تجاوز الذات. أنا حين لا أرتعد لا أشعر بأني مرتاح»
المهدي السعدي المنجرة
ما هو مهم، هو أننا نعثر على هذه الخاصية عمليا لدى جميع الأشخاص الذين التقيناهم. سواء مولاي حفيظ العلمي الذي يعتبر أنه لا نتحرك في الحياة إلى أي مكان بدون شغف، شغف للحياة و شغف للنجاح، و هو ما لاحظه فيه مُبكرا أساتذته الذين التقى بهم منذ سنواته الجامعية الأولى أستاذا في الجامعة نفسها التي درس فيها. أو السيدة مريم بنصالح شقرون المدفوعة دوما بشغف يتخذ شكل الهيام الدائم في البناء و التطوير و المساهمة، و التي نشعر، في حضورها، أنها تعرف ما ينبغي أن تفعل و كيف، و كل هذا بتواضع و تكتم مثيرين.
«الهدف هو القيام بشيء في الحياة كي يكون لها معنى»
مولاي حفيظ العلمي
من مواليد جهة مراكش، ينحدر من عائلة بورجوازية، وجد مولاي حفيظ العلمي نفسه و لما يبلغ العاشرة من العمر، مواجها لمسؤوليات تفوق سنه و ذلك عقب وفاة والده، البنكي في مصرف المغرب. كان مجبرا على «البلوغ» بسرعة و تحمل دور «رجل» الأسرة إلى جانب والدته من أجل الحفاظ على ميراث العائلة. هذا الفقد المأساوي و المفاجئ لوالده ،حفز لديه رغبة قوية في الحياة، حياة لم يخترها هو. سيتميز في كل ما يقوم به.بدأ أولا بدراسات جامعية ناجحة في كندا،لكي ينضم فيما بعد لوزارة المالية في مقاطعة كيبيك و لما يتجاوز الثانية و العشرين من عمره. و لدى عودته للمغرب، انضم لمجموعة «أونا» متعاونا مباشرة مع رئيسها سنة 1989. و بعد بضع سنوات، أنشأ مجموعته الخاصة «سهم» التي تعمل في التأمينات و التوزيع و مراكز النداء التلفونية و خدمات العقار. كما ساهم في المجال الخيري من خلال جهوده داخل جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان.
«قمت دائما بكل شيء بحب و شغف»
العربي السقاط
بالنسبة للعربي السقاط الذي يعزو نجاحه المهني إلى الشغف الذي يتصف به و إلى الإرادة الكبيرة التي يمتلكها في سعيه الدائم نحو الكمال. و مع ذلك و بالرغم من وضعه الصحي و سنه المتقدم، فإننا نشعر بأن خلف الرجل، الذي يكلمنا بتواضع جم و برقة و لين، قوة شخصية ضخمة و شغف لا يهتز.
حين استقبلنا داخل بيته بحضور زوجته الأنيقة ليلى السقاط، استنتجنا فورا أهمية الدور الذي لعبته هذه السيدة في نجاح زوجها.و طيلة حوارنا، كانت السيدة السقاط تقدم المساعدة بإضاءة بعض الأحداث التي شهدت لعظمة زوجها. و رغم عيائه شرفنا السيد العربي السقاط بإشراكنا في عناصر مفتاحية في مساره الغني، الذي كشف لنا تواضع وبساطة و صدق الرجل.
إنه إنسان كبير ظل طيلة حياته شغوفا بالأشياء المكتملة.خاصة حين يقول أنه اعتاد «تقبل» الطريقة التي يعمل بها بعض الأشخاص الذين يهمونه ، و ذلك كي يتعلموا أكثر.
«في البازارات صقلت تربيتي و حتى اللغة الفرنسية تعلمتها في البازارات»
العربي السقاط
بعد مغادرته المبكرة للمدرسة كي يتولى إعالة أسرته، أرسله مُشغله، و هو صاحب البازار الذي يشتغل فيه، إلى السويد ليقوم بالتجارة.و ما أن وصل إلى هذه البلاد و بالرغم من صغر سنه، استطاع تعلم اللغات الأجنبية و تمكن بسرعة من إنجاح تجارته و الاندماج في عالم مختلف تماما عن عالمه. و بعد ذلك عاد إلى المغرب كي ينطلق في مغامرات مختلفة جعلت منه أحد رواد الفلاحة العصرية في المغرب، غير متردد في استقدام أكبر الخبراء الفلاحيين كي يتعلم التقنيات و المناهج الفلاحية الأكثر تقدما. كما خاض مغامرة النسيج، فاتحا عدة وحدات إنتاجية و منشئا أسلوب تدبير جديد. و كان أول من أدخل الموسيقى في معامله و كان يشعر بالفخر حين يجلس في مائدة المطبخ العمالي مع عماله.
«بلوغ الهدف شغف»
أنس الصفريوي
يعتبر أنس الصفريوي، أن شغفه الكبير هو تحقيق أهدافه و بلوغها. و بذلك أصبح العمل بالنسبة إليه متعة، تنضاف إلى قدرته الكبيرة على العمل.
يعتبر أنس الصفريوي أحد كبار المنعشين العقاريين بالمغرب. و هو يعزو نجاحه إلى توجيهات والده، و لكن أيضا و خصوصا إلى رغبة لا تلين في إنجاح كل ما يقوم به. و كما يحكي هو شخصيا : «أول قطعة أرضية اشتريتها، اشتريتها بألم، ذلك الألم الذي يشد بطنك و أنت ترى أنك الوحيد الذي يعتقد بأنها ستنجح و أنك قد وضعت فيها كل ما تملك» كان يعلم أن اقتناء هذه القطعة الأرضية سيكون مضنيا، لكنه كان يعرف بأن هذه القطعة الأرضية قد تتيح له إنجاز أول صفقة مهمة.
«لدي فلسفة أريد أن أخلفها لأبنائي و هي ضرورة القيام بالعمل بنفسك.ففي رأيي، حين تنجز عملك بنفسك فإن الأمر يختلف إذا ما قام به أحد غيرك. يبدو لي أن الأمر المهم هو الوصول إلى نتيجة.فليس العمل هو ما يحفزني و لكنه إنجاز العمل»
أمين بنكيران
نعرفه حارس مرمى ثم مدربا لكرة القدم.تتبعنا خطاه من الوداد البيضاوي حتى مايوركا الإسباني. نعرف استقامته و انضباطه، نعرف جديته و صرامته.عرفناه حارسا للفريق الوطني المغربي خلال كأس العالم في مكسيكو 1986 . و عرفناه أيضا حين قاد الفريق الوطني المغربي إلى كأس إفريقيا للأمم سنة 2004 .
إنه بادو الزاكي، المعروف بالزاكي، هو قبل كل شيء ، إنسان يعرف ما يفعل و يعرف أين يضع قدميه. ولد في 2 أبريل 1959 في سيدي قاسم، بدأ مساره المهني في هذه المدينة،مر لفترة قصيرة بمدينة سلا حيث انضم سنة 1976 لفريق الجمعية السلاوية، قبل أن يستقر بالدار البيضاء سنة 1978 في صفوف الفريق العتيد الوداد البيضاوي.
من الصعب إحصاء الجوائز و الكؤوس التي حصل عليها في هذه الصفحات، و لنكتف بذكر جائزة الكرة الذهبية لإفريقيا سنة 1986 و جائزة أفضل لاعب أجنبي في الليغا الإسبانية سنة 1987 و جاءزة أفضل حارس مرمى في الليغا الإسبانية سنة 1989 و 199à و 1991 .بل إن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم جعلت منه أفضل حارس مرمى إفريقي للقرن العشرين.
معروف بشخصيته المنضبطة و الصارمة، سيتم اختياره بسرعة كعميد لفريق مايوركا الإسباني و عميد للفريق الوطني المغربي.
واقعيته تدفعه ? كما يقول ? إلى البدء من البداية: يلاحظ ثم يطالب بالتدريج برفع سقف الإنجازات. و حتى حين تطور مساره على الصعيد الدولي، ظل يتجاوز نفسه. كما أنه يتمتع بحس استباقي و بوضوح في الأهداف ساهما في نجاحه.
«سر النجاح هو العمل و العمل المضني، دون انتظار الشكر»
بادو الزاكي
قليل من لاعبي كرة القدم في المغرب يأملون في إقامة تمثال لهم في المدينة التي لعبوا لناديها في أوربا.
«إذا كان الناس يرونني الآن كما أنا، فسيحسدونني، لكنهم إذا عرفوا ما عانيت قبل أن أصل إلى ما وصلت إليه، سيقولون نعم،حقا، ليس من اليسير. لقد كان علي أن أعمل و أن أبرز أفضل ما عندي، و هذا يتطلب تضحيات و نمط حياة قاس جدا...»
بادو الزاكي
في بحثنا عن مقالات حوله، علمنا أن صحفيا أمريكيا اعتبر أن هشام الكروج هو أفضل ما وقع في المغرب بعد الكسكس.
لكن الكروج كان عليه أن يكافح من أجل ذلك.فالرياضة ألهمته لدرجة أنه يعتبر نفسه وُلد كي يجري و أن الجري قبل كل شيء كان من أجل المتعة.مع رؤية واضحة جدا، كل يوم و كل تدريب كانا بالنسبة إليه متعة، جعلت من السباق حبا كبيرا «مثل حب المرأة» كما يحب أن يكرر هشام الكروج.يجد في مضامير السباق فضاء و عالما يستطيع التعبير فيهما. كل هذا مع إصرار فوق العادة.
«لقد وُلدت كي أجري»
هشام الكروج
«أحارب حتى آخر دقيقة من أجل أفكاري و قناعاتي و ما أحب, لا أتراجع أي أني أعطي كل ما عندي حتى النهاية. أقول لنفسي أن ما يدفعني هو الشغف، هناك شغف حقيقي، إذن فلدي كل ما يلزم، شخصيا و ماديا و لكن هذا الشغف هو ما يمنحني الحياة و هو ما يغذيني كل يوم»
مريم بنصالح شقرون
القيام
بجهد كبير
إزاء الذات.
الصرامة تجاه النفس. عدم الكف عن التحسن.
«كان أحد المدربين يقول لي:
إذا أجهدت نفسك في التدريب،
سيكون الامتحان أقل صعوبة ثلاث مرات.
إذا لم تتدرب ولم تمنح نفسك
شروط التدريب، سيستحيل عليك اجتياز الامتحان.
عليك إذن أن تؤلم نفسك خلال التداريب، وسترى أن يوم المنافسة، يوم الامتحان، سيكون مجرد إجراء شكلي.» (عبد اللطيف بن عزي)
هو سليل شرق المغرب، وقد شعر، مبكرا، بميول نحو الكرة المستطيلة نظرا لبنيته الجسدية الضخمة. بسرعة، ومع توالي المباريات، أصبح لاعبا ممتازا لينتظر بلوغ القمة في مجال نشاطه. وكما لو أن اللعب ضمن المنتخب الفرنسي للكرة المستطيلة ليس رهانا صعب المنال، فإنه تجاوز هذا الرهان وتسلق الدرجات أكثر ليصبح عميدا لهذا المنتخب وليحظى بتوشيح من طرف رئيس الجمهورية الفرنسية.
كيف حصل لبدوي منحدر من منطقة وجدة أن يجد نفسه ممسكا بقيادة فريق جد مرموق، ومواجها لأفضل المنتخبات العالمية في أرقى منافسات الكرة المستطيلة؟
الجواب عن هذا السؤال جد بسيط ومعقد جدا في ذات الآن. هو جد بسيط لأن الأمر يستلزم إرادة حديدية. وهو معقد جدا لأن الأمر يتطلب اشتغالا مستمرا ودؤوبا على الذات. وبالنسبة لبن عزي، فالنجاح يتمثل أولا في أن يكون الإنسان صارما إزاء نفسه بدرجة تفوق صرامة الآخرين حياله.
«كنت أقوم بأكثر مما يجب عبر التدريب يوميا طوال ساعتين.
هكذا، صارت دقائق المباريات الثمانين عبارة عن حصة تدريبية
وأصبحت يسيرة.» (عبد اللطيف بن عزي)
يجب على المرء، بالنسبة لبن عزي، أن يوفر لنفسه شروط التكوين حتى وهو لا يحقق انتصارا؛ وهذا ما يؤدي به إلى النجاح على المدى البعيد. لا وجود للمستحيل بالنسبة إليه، وهو لا يبحث عن السبل السهلة. كما يسعى أيضا إلى مرافقة المتفوقين، لأن الاحتكاك بالحكماء يجعل المرء حكيما، والاحتكاك بالأذكياء يجعله ذكيا، والاحتكاك بالمتفوقين يجعله متفوقا. ومن ثمة، فالأمر لا يتعلق بالتباهي أو بتقليد الآخرين، بل بالأحرى بالتعلم من مسارات وتجارب هؤلاء وبإغناء الذات بواسطتها.
ومن جهة أخرى، فالمهم كذلك، بالنسبة لبن عدي، هو أن العمل والمتابعة الشخصية يجسدان قاعدتي كل نجاح. وحسبه، فإن كل شخص يحمل خصمه في داخله. لا يجب أن يتأخر الإنسان أو أن يتباهى بنفسه، بل أن يقول لذاته إنه سيكون في المستوى مهما حدث. هكذا إذن، فاقتحام الملعب ضروري منذ البداية. وكما يؤكد ذلك ويردده، فعلى الفرد ألا يعتبر نفسه بطلا، لأن هذا سيقوده في الحين إلى خسارة كل شيء. ووفق اعتقاده، فإنه يجب ترك الآخرين يشهدون على قدراتنا وإنجازاتنا. إن كسب المعركة مع الذات يستلزم تكييف النفس وعدم التأجج إطلاقا، مع قبول مبدأ كون النجاح يمر عبر مجهود كبير وتضحيات شخصية جسيمة.
إن هذا التكيف النفسي برمته وكل هذه المجهودات في الاشتغال على النفس تشكل المقومات الجوهرية للنجاح كما لاحظنا ذلك خلال حواراتنا. وبالإمكان سرد حالة جمال بنشقرون على سبيل المثال، فهو قرأ، قبل بلوغه ربيعه الثامن عشر، حوالي 300 كتاب، ويستمر اليوم في القراءة بمعدل مائة كتاب سنويا. وبالنسبة له، فهذه القراءات، التي تعتبر روافد تعلمه الذاتي المستمر، تمنح ذهنه الانفتاح، وتجعله على دراية دائمة بالمستجدات في مجال الأفكار والتيارات، وتسمح له أساسا بالاضطلاع على فرص جديدة. وإذا كان من الطريف الإشارة إلى أن جمال لا ينام إلا أربع أو خمس ساعات في اليوم، فإن قدرته على النوم قليلا لا تسلبه صحته الجيدة التي توفر له إمكانية تعميق تكوينه ونموه المستدام.
«التكيف الجسدي عامل
من عوامل الصلابة» (علي نجاب)
من ضمن كل الأشخاص الذين حصل لنا شرف استجوابهم في إطار أبحاثنا، هناك شخصان يستحقان تنويها خاصا نظرا لشجاعتهما وللتجارب الصعبة التي عانيا منها. وقد ولدت الحوارات معهما لدينا إحساسا بالسمو الذاتي بفعل الإنصات لهما، وبالضآلة أمام شخصين يمتلكان مثل هذا القدر الفسيح من الإنسية والشجاعة.
أول هذين الشخصين اسمه علي نجاب المزداد في 20 دجنبر 1943 في مغراوة بالقرب من بو إبلان في قلب الأطلس المتوسط. وبعد دراسته الابتدائية، سيرحل إلى الدار البيضاء حيث سينال شهادة الباكالوريا.
نظرا لشغفه بمهنة ربان طائرة مطاردة، سيلتحق علي نجاب بصفوف القوات الجوية في فاتح نونبر 1965 . وبمجرد التحاقه، سيرسل إلى الولايات المتحدة لدراسة قيادة طائرات النقل في قاعدة القوات الجوية راندولف بتكساس التي سيتخرج منها محتلا الصف الأول ضمن فوجه وحائزا على تهاني قيادة التدريب الجوي.
عقب العودة إلى المغرب، سترسله القيادة إلى المدرسة العسكرية الجوية الفرنسية التي سيحصل فيها على دبلوم ورتبة ملازم أول، مما سيؤدي إلى اختياره طيارا مدربا في أولنار بفرنسا. وخلال تكوينه، سينتبه مدربوه إلى تمتعه بصفات ربان طائرة مطاردة، ويوصون بتسجيله في مدرسة المطاردة الجوية الفرنسية بمدينة تور.
بعد عودته إلى المغرب، سيعين علي نجاب في القاعدة الجوية الثانية للقوات الجوية الملكية بمكناس حيث سيتحمل عدة مسؤوليات: قائد سرب عملياتي، قائد فرقة استطلاع مصور وضابط أمن الطيران بالقاعدة. كما سيتم تعيينه من قبل القيادة العليا العامة للقيام بين الفينة والأخرى بمهمة مرافق إبان ولاية عهد سمو الأمير سيدي محمد.
في سنة 1976، سينقل الملازم الأول علي نجاب إلى الصحراء ليصبح قائد مفرزة طائرات «إف 5»، وبعدها بشهور قائدا للمعدات العملياتية بالقاعدة. وسيشارك في العمليات عبر القيام بأكثر من 120 مهمة ميدانية، ويوشح بوسام الحرب وينال رسالة تهنئة من طرف قائد الأركان العامة للمنطقة الجنوبية.
لكن مساره سيعرف منعطفا تراجيديا، فخلال مهمة جوية استطلاعية في 1978 سيتم إسقاط طائرته بواسطة صاروخ جوي، ليتعرض للأسر طوال خمس وعشرين سنة سيعاني أثناءها، بمعية رفاقه، من التعذيب والتنكيل وشتى أصناف المعاملات اللاإنسانية. لنتركه يحكي بغير قليل من الانفعال أولى ساعات أسره:
«لحظة الانقذاف من طائرتي، واجهت مشاكل في الانفصال عن المقعد القابل للانقذاف الذي كان علي الانفصال عنه في نفس وقت فتح المظلة يدويا. وبمجرد ما وطئت قدمي الأرض، مشيت خلال 35 دقيقة في اتجاه وحدة عسكرية صديقة كانت موجودة بموقع غير بعيد، على بعد حوالي 10 كيلومترات. في لحظة معينة، بدأ الرصاص يئز على يميني ويساري. التفتت فلمحت ثلاث سيارات جيب متوجهة نحوي بسرعة فائقة. أدركت بسرعة أنه البوليساريو. إنني أتساءل إلى حدود اليوم عن السبب الذي جعلني لا أرفع يدي، ولقد طرحوا علي هذا السؤال لاحقا: «لماذا لم ترفع يديك؟ كدنا نقتلك.» قلت لهم فقط إن السبب هو عدم توفري على سلاح. إذن، وبمجرد وصول سيارات الجيب، انقض علي ستة من جنودها. وحينها، ابتدأ الجحيم. شرعوا يوسعونني ضربا في كل أعضاء جسمي. بعدها ربطوني تقريبا: اليدان مكبلتان خلف الظهر ومعهما الرجلان، ثم رموني في سيارة من نوع لاند-روفر فوق مقعد طائرتي (يا للصدف) الذي كانوا قد استولوا عليه. استمروا يشبعونني ضربا لكنني لا أتذكر ما حصل لي لاحقا. في اليوم التالي، استرجعت وعيي في ساعة متأخرة من الزوال. أتذكر جيدا الشمس وهي توشك أن تغيب حين أسروني، كان الوقت شفقا تقريبا. حين استعدت وعيي، نزعوا الحبال وشرعوا في استنطاقي.»
دام أسر الملازم الأول علي ربع قرن، في شروط جد قاسية يعجز الخيال نفسه عن تصورها: المكوث في حفرة وسط الصحراء، المعانة من تقلبات الطقس في مكان صعب وتحمل الحرارة المفرطة نهارا والبرد القارس ليلا.
«تعرفون ماهية هذه الحفر.
لقد تم حفرها في البداية قصد استخراج الحجارة لبناء الأسوار. كانت هذه الحفر إما على شكل دائري يبلغ قطره 3 أو 4 أمتار، وإما على شكل مستطيل طوله 6 أمتار، وعرضه 3 أمتار وعمقه متران اثنان. كانوا يحشرون في الحفر الكبيرة
ما بين 140 و150 أسيرا يتكدسون بعضهم فوق البعض.
وللنوم، كلما أتيحت الفرصة، كنا نتمدد فوق قطع كارتون حين نتوفر عليها، ونتغطى بغطائين صغيرين غير سميكين نستعملها خلال النهار للحصول على بعض الظل ونتغطى بهما ليلا.» (علي نجاب)
رغم مجمل هذه المتاعب وشروط الأسر القاسية، فإن هذا الرجل المقدام والشجاع ظل يكيف نفسه ذهنيا، وظل، على الخصوص، يكيفها لكي لا يفقد إنسيته. كان يعلم أنه يجب عليه بالضرورة، في رحم هذا الجحيم، في رحم الصعوبات التي يواجهها، الاستمرار في التشبث بالحياة، عدم فقدان الأمل والحفاظ على كرامته الإنسانية.
وهو يروي سلوكا ملؤه الكرم كما يلي:
«حين ارتفعت وتيرة اتصالاتي بمنظمة الصليب الأحمر، بدأت أوضاعي في التحسن. كانت الأمراض بجميع أصنافها قد حلت في أوساط الأسرى. منذ ذاك، ورغم دعم طرود الصليب الأحمر الكبير لنا، لم نكن نتوصل إلا بثلث ما تبعثه المنظمة لنا. لم أعد أتذكر كيف حصلنا ذات يوم على برتقالة. أعطاها أسير لأحد الضباط وجاء هذا الأخير عندنا قائلا: «لدي برتقالة»، فأجبناه بأنه يجب منحها لأحد المرضى. قال لي: «لا، لن نتصرف بهذه الطريقة.» اقترح أن نقسم البرتقالة إلى 42 قطعة لتأكيد روح التضامن بيننا، ولكي يشكل سلوكنا درسا للجميع. أجل، كل شيء يتم اقتسامه هنا، وكل شيء ملك مشترك بين الجميع. حين توصلت بطرودي الأولى، قررت أن أمنح حصة الأسد للجنود المرضى وأن ينالوا حصتهم أولا وقبل الآخرين. وحتى إذا كان ما أزودهم به لا يسمن ولا يغني من جوع، فإن الأمر سيجعلهم سعداء. في أحد الأيام، حضر حارس لرؤيتي وقال لي:
- (الحارس): وصلك طرد جميل يا نجاب، أين حصتي؟
- (نجاب): حصتك، هل تطلبها مني بوصفك حارسا أم بوصفك إنسانا؟
- (الحارس): أطلبها منك بوصفي إنسانا، وليس أكثر!
هكذا منحته سروالا صغيرا وقميصا داخليا وسط تأنيب رفاقي. لحظتها قلت لهم:
- (نجاب): أنصتوا لي. إنها كمية المستقبل التي علينا استثمارها في الحاضر. إن مصيرنا بين أيادي هؤلاء الناس. وبإمكان هذه الالتفاتة أن تدفعه (الحارس) إلى التفكير، وربما قد تقنعه بمراجعة آرائه حولنا.»
كان الملازم الأول علي يعرف كذلك أن التكييف الذهني عامل أساس لنجاح رهانه، أي استمراره على قيد الحياة واستمرار رفاقه أحياء أيضا. ولذا، فهو يروي كيف كان أحد رفاقه يستهزئ يوم قدموا له عدسا في طبق موجه لعشرة أفراد، ومعه ملاعق أو بالأحرى أنصاف ملاعق. حينها، التفت علي إلى صاحبه وأجابه: «يمكننا تجاوز كل شيء بفضل الخيال. تخيلوا أننا اللحظة بالذات أمام طبق كسكس أو طاجين لذيذ. بإمكانكم أكل أي شيء بفضل الخيال.» وقد ختم هذه الحكاية موضحا أن كل رفاقه ضحكوا مدة من الوقت قبل أن الانغماس مجددا في الواقع.
«كيف يمكن لإنسان، سنة بعد مغادرته لمعتقل تزممارت الرهيب، أن يجتاز امتحان الباكالوريا وهو منهك وعليل؟» (أحمد المرزوقي)
يسمى الشخص الثاني أحمد المرزوقي، وقد قضى أكثر من 18 سنة في معتقل تزممارت الرهيب، أما أول عمل أقدم عليه بمجرد استعادته لحريته فهو الاشتغال كثيرا على نفسه عن طريق استئناف الدراسة وإصدار مؤلفه الشهير «تزممارت، الزنزانة رقم 10»، الكتاب الذي عرف نجاحا كبيرا والذي يروي مسار الاعتقال.
«كنت أردد باستمرار في ذهني
أن الصمود ضروري وأنه لا يجب أبدا الشعور بالهزيمة.
طالما الحياة مستمرة، فهناك أمل.
كنت متأكدا ومتيقنا أنه علي الاستمرار على قيد الحياة
أكبر عدد ممكن من الأيام.» (أحمد المرزوقي)
إن الذين استطاعوا الصمود على قيد الحياة داخل ذلك الجحيم والعذاب، بالنسبة للمرزوقي، هم القريون الذين تلقت أغلبيتهم الساحقة تربية جد قاسية وعاشوا في رحم ظروف عسيرة إلى أقصى حد.
«هناك درجات على المستوى الثقافي، ليس باالمعنى التربوي، بل بمعنى قوة الطبع. من المفيد ملاحظة كل فرد وهو في درجة معينة، ومن أجل العبور إلى درجة أسمى، فمن الضروري الاشتغال على الذات.» (أمين بنكيران)
كثيرون من بين الذين اقتسموا معنا معيشهم، إخفاقاتهم ونجاحاتهم، أدركوا بسرعة أن الإنجاز يتطلب أكثر من الإرادة، أن الطاقة ضرورية لمصاحبة هذه الإرادة والحفاظ عليها. وتستمد هذه الطاقة أساسا من الأنشطة الجسدية التي توفر إمكانية عودة الدفق.
هكذا هو الأمر بالنسبة لمحمد برادة الذي شيد مؤسسة عملاقة في مجال التوزيع والصحافة بالمغرب، والذي يشرح ضرورة ممارسة الرياضة ووقعها الأساسي على النجاح المهني للفرد: «الرياضة تساعد على المستوى الجسدي، إذ تسمح بالإفراز، بالتصبب عرقا وبشرب الكثير من الماء لتجديد العديد من الأشياء في الجسم. إن الرياضة تمنع المرء من اللجوء إلى اهتمامات أخرى مضرة.» أو بصيغة أخرى وفق ما يقره المثل الشائع:» العقل السليم في الجسم السليم.»
ازداد محمد برادة بمدينة وجدة في 1941، وهو أب لطفلين وحاصل على دبلوم الدراسات العليا المغربية. انطلق في التدريس بالثانوية الفرنسية للفتيات بوجدة قبل الانتقال إلى الدار البيضاء والاندماج في عالم الصحافة عبر بوابة التوزيع. شرع في تكوين نفسه في هذا القطاع، الذي كان أيامها في مرحلة البدايات بالمغرب، عن طريق إقامات في فرنسا، وخاصة لدى «الإرساليات الجديدة للصحافة الباريسية» وبعض العناوين التقليدية الصادرة خارج العاصمة باريس مثل «لو دوفيني ليبيري».
ضمن سوشبريس (الشركة الشريفة للصحافة) التي كانت في تلك الحقبة تعتبر الفرع المغربي ل«هاشيت» و«الإرساليات الجديدة للصحافة الباريسية»، سيرتقي جميع درجات المسؤولية ويصبح مدير الشركة التجاري، مدير يحظى بتقدير إدارته العامة وزملائه، وخاصة التقدير من طرف مختلف الناشرين المغاربة أصحاب الصحف الناطقة بالعربية كما بالفرنسية، وذلك بفضل صرامته ومبادئه المهنية. وسيترك هذه الشركة قصد إنشاء مؤسسته الخاصة: سابريس. كان الأمر يتعلق، بالنسبة لهذا المناضل المتحمس والوطني، بتأسيس بنية مغربية فعليا وجوهريا، بهدف وضع حد لاحتكار عملي كان نشازا ومتناقضا تماما مع ليبرالية بلده وانفتاحه الاقتصادي.
لم يكف محمد برادة عن النشاط سواء في المغرب أو في الخارج، وذلك عبر جهوده العقلانية والحماسية من أجل تنظيم المهنة. هكذا، نجد أنه أقدم، بمعية الناشرين المغاربة وبشكل براغماتي ومكثف، على العديد من المبادرات المتواصلة لفرض طموحاته ومبادئه الساعية إلى إنعاش القراءة والصحافة مغربيا.
لقد أدرك محمد برادة جيدا أن وقع الرياضة يتجاوز الإضافة الجسدية، ذلك أنها تؤدي أيضا إلى تنمية الروح الجماعية والتنافسية. إن مختلف حركات كرة السلة التمويهية، مثلما يحب ترديد ذلك، تتوفر على جانب أنيق وتطور القدرة على تعلم التخطيط وتحقيق الأهداف والتركيز لدى ممارسها. نلاحظ كذلك أن محمد برادة شخص منضبط يعطي قيمة للانتظام والاستمرارية.
ليس من المفاجئ إذن أن يستيقظ الرجل، رغم سنواته التسعة والستين، في الساعة الخامسة صباحا دائما، وأن يلتحق بمقر عمله في السادسة والنصف، وأن لا يتغير وزنه طوال ثلاثين سنة. وهو يمزح قائلا إن وزنه يبلغ 77 كيلوغراما منذ سنة 1977 . فعلا، ورغم أنشطته المهنية الكثيفة، يجد محمد برادة الوقت لممارسة العديد من الأشياء من ضمنها الجري ساعة ونصف يوميا في الأسبوع، وتمارين تنمية العضلات كل أحد، والسباحة كل سبت، بالإضافة طبعا لكرة السلة خلال باقي أيام الأسبوع. وهذا يندرج ضمن ما نستطيع وسمه بالانضباط والصرامة!
إن الحاجة هذه إلى الصرامة والانضباط والتكيف الجسدي بهدف منح الذات الطاقة اللازمة للإنجاز وتحقيق الأهداف، عوامل ثابتة لاحظناها بقوة ووقفنا عليها في عدة مناسبات.
من جانبه، يستيقظ الحاج ميلود الشعبي في الخامسة صباحا: «دائما في الخامسة صباحا!» كما يكرر للشروع في لعب الغولف مبكرا جدا، بل تحت جنح الظلام أحيانا. إن هذا الانتظام المكتسب في سن مبكر قد رسخ لديه انضباطا وصرامة استثنائيين. وينطبق نفس الوضع على جمال شقرون الذي يستيقظ هو الآخر في الخامسة صباحا، ويمارس الرياضة طيلة ساعة قبل الالتحاق بمكتبه في السادسة والنصف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.