بوشعيب هبولي فنان تشكيلي مغربي من عيار نادر، وفي حياته الفنية كما حياته الشخصية الكثير من العلامات ومن الألغاز، عاش في مدينة أزمور حيث ولد، وحيث يوجد حي كامل يحمل اسم العائلة «درب الهبولي»، لا يتذكر من ملامح الأم أي شيء، ووالده المعلم البناي «الطاشرون»، لم ينجب غيره، لذلك كتب على الطفل أن يرافق الوالد وأن يعيش تحت سطوته. في بداية السبعينات، سيحدد بوشعيب هبولي مصير حياته بعد وفاة والده، حيث سيقدم استقالته من مهنة التعليم، وسيتفرغ للفن وللحياة، قبل أن يغادر أزمور ويهيم في الرباط مدة 15 سنة، ليعود إلى المدينة الأم شخصا آخر، ناضجا ومستوعبا الكثير من تجارب الحياة وفنانا أصيلا. نلف معه في هذا الحديث الطويل، ذلك المسار الطويل من حياة إنسان وفنان وزمن مغربي حربائي. - هل ما ينطبق على الزواج ينطبق أيضا على الممارسة الفنية في المغرب؟ < بكل تأكيد، فنحن نلاحظ أن الكثير من الفنانين المغاربة تتجاوز طموحاتهم إمكانياتهم الحقيقية، وهذا يؤدي إلى شيوع نوع من الشكوى المرضية ومن حالات الادعاء، بل وتصل إلى الاستجداء في الصحافة. - هل تقصد حالات طلب المعونة من قبل فنانين مغاربة في أوضاع صعبة؟ < لا أقصد هذا بالتحديد، ولكني أتكلم عن أولئك الفنانين المحترفين الذين لم يعد لهم من شغل غير توجيه طلبات إلى جلالة الملك من أجل أن يتكفل بهم.. يكفي من هذا، باراكا من هاذ الشي. - ولكنها ظروف الحياة الصعبة أحيانا..؟ < في نظري، إما أن يكون الفنان فنانا أو لا يكون.. لا يمكن، مثلا، أن نتخيل أن ممثلا مغربيا سيكون في مرتبة ممثل هوليودي، إذا ساروه هذا الإحساس ولو لمرة واحدة فإنه يكون قد أخطا الطريق. يجب على الفنان المغربي أن يفهم وضعه جيدا، من حيث كونه فنانا مغربيا يشتغل في ظل شروط الممارسة الفنية في المغرب، أما أن أحاول مقارنة نفسي بتشكيلي في باريس أو في نيويورك، فإني أكون قد أخطأت الطريق. - بالنسبة إليك، من يشرف على حياتك الفنية، ومن ينظم يومياتك؟ < عندما عدت إلى أزمور، اتصلت بإحدى السيدات التي كانت لي علاقة بوالدها، كان والدها يشتغل عند والدي. كانت تأتي عندي في البداية من أجل إنجاز أعمال البيت، بين فترة وأخرى، لكني طلبت منها فيما بعد أن تقيم معي بشكل نهائي، بأجرة قارة، وأقوم بكسوتها وتلبية كل حاجياتها، وهذا ما كان. وهي مستقرة معي بشكل دائم، كما أنها تزور عائلتها متى رغبت في ذلك. - هل تعرف أنك رسام؟ < هي لا تعرف ماذا أفعل، سأكون أنانيا لو أقحمتها في عالمي، لا أجد لذلك من معنى. وبالتالي حين أدخل إلى مرسمي لا تعود لها أي علاقة بي، ويصبح دورها في حدود المسح وترتيب المرسم. - تعاملها وكأنها صاحبة الدار؟ < بالضبط، حتى وإن كانت لا تربطني بها علاقة زواج، فإني أعتبرها بمثابة مولات الدار، لها تلفزيونها وغرفتها الخاصة وأشياؤها وخصوصياتها، وتتمتع بحريتها الكاملة. - هل تعرف أصدقاءك من الفنانين؟ < إنها تعرفهم جميعا، بل هي التي ترد عليهم عبر الهاتف، وعندما يتصل شخص ما تبلغني بأن فلانا اتصل. - هل تعرف جيدا بعض الأسماء؟ < الذي تعرفه جيدا هو الصديقي، لأنه كان يزورني كثيرا، وفي فترة سابقة تعرفت على داوود أولاد السيد قبل أن يصبح سينمائيا، كان يزورني كثيرا. - هل مازال يزورك أم «انقطعت رجله»؟ < لم يعد يزورني، لأنه عندما يصبح لديك شعور بالمصلحة، من الأفضل أن تتوقف علاقة الصداقة، يجب أن تكون لدينا الجرأة كي نقطع الصلة، لأنه سينتج عن علاقات المصلحة ضرر. وعندما توقف الأشياء عند حدها توقف الضرر الذي يمكن أن يتسرب منها إلى العلاقات الشخصية. - لماذا لم تستمر علاقتك بأولاد السيد؟ < لم تعد الظروف كما كانت في السابق، أصبحت انشغالات أولاد السيد أكبر، بعد أن أصبح سينمائيا، لقد كنا في السابق نخرج في جولات تصوير، هذا لم يعد متاحا اليوم. - هل مازال يذكرك؟ < بطبيعة الحال، لو أردت أن ألتقيه الآن لذهبت عنده إلى الرباط، لكن عندما يمر الإنسان إلى وضع آخر، من الأفضل أن نتركه وشأنه. - والصديقي؟ < لدي به علاقة حميمية وخاصة، وبيننا تقدير متبادل. ومازلت أحتفظ بتقديمه لمعرضي في البيضاء، في قاعة بصمات. - هل يقتني أعمالك؟ < كان يتحدث عني كثيرا ويقدمني إلى الأوساط الفنية، وبقدرما يجدك أهلا يقدرك ويدفعك إلى الأمام. - هل اعتمدت في مسارك الفني على أشخاص معينين؟ < دعني أقول لك إنه في أغلب محطات مساري الفني اعتمدت على نفسي، ولم أعتمد على الناس في يوم ما، كان عملي هو دليلي، وقوتي متأتية من اعتزازي، لقد كنت في شبابي رجلا طموحا واشتغل بجد وبقوة وبصبر، هذه هي الركيزة الأساسية التي يمكن أن تكون دليل الفنان. - كيف يمكن دعم القطاع الفني في المغرب؟ < الباب الجيد هو الرعاية وليس الاحتضان، لأن كلمة الرعاية هي الكلمة المناسبة التي تليق بالحقل الفني، وأن يكون هناك رجال مال وأعمال وأبناك ومؤسسات مالية يدعمون القطاع الفني. - هل تدعم هذه المؤسسات الفنون بطريقة جيدة؟ < لا أعتقد، ذلك أن أغلب الجهات التي تدعم الفنون ما تزال تفعل ذلك بشكل نخبوي، وعلى مستوى أشخاص محظوظين، بحكم العلاقات الاجتماعية والجاه الذين يتمتع بهما البعض، في حين أن أغلب أعمال هؤلاء بسيطة ولا علاقة لها بالعمل الفني الجاد. وأقول هذا بعيدا عن الحقد وعن الحسد والضغينة. - وماذا تقول عن فناني البعثات الأجنبية؟ < هذا نوع آخر من الفنانين، حيث نجد أنهم منذ أن تخرجوا من مدراس الفنون ومن المعاهد ربطوا علاقات مباشرة مع البعثات الأجنبية ومع مكاتب التعاون، ومنهم بعض الفنانين المغاربة الذين يحملون الجنسية الأجنبية ويمارسون التشكيل وكأنهم يسدون خدمة إلى هذه البلاد، ولولا رعاية البعثات والمراكز الثقافية الأجنبية لما كان لهم هذا الحضور.