لاحظت مؤخرا التأثير السلبي للإعلام على مقولاتنا اليومية، فكثيرا من الأقوال والكلمات قد نكررها في البداية على سبيل المزاح والاستهزاء من الواقع، لكن مع التداول المفرط لها قد لا ننتبه إلى كونها بدأت تشكل جزءا من وعيينا. هذه الكلمة بالذات قد اكتسحت أغلب مجالات حياتنا اليومية في السياسة وتدبير الشأن العام، في العلاقات الاجتماعية وعند حدوث أي نزاع أو خصام أو حوادث، فبدأت تظهر كتعليق أساسي على كل ما يحدث في بلادنا السعيدة، وكلما نطق بها الفرد أو كتبها إلا شعر بنوع من الراحة النفسية لكونها تعفيه بشكل غير مباشر من تحليل ومحاولة إستيعاب أسباب المشاكل المركبة والمتداخلة، كلمة لا شعوريا تذكره بأن صوته لا يسمع حتى وإن صرخ "وامسؤولااااه ". هذه الكلمة فعلا دخلت لقاموس المغربي اليومي، ليرسل معها إشارات لمن يهمه الأمر على تعبه و سخطه من تكرار حلم بسيط طالما رواده وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإحلال قيم العدالة و المساواة الإجتماعية وإيقاف مسلسل القهر والتهميش الممنهج ضد المواطن المغربي. هذه الظاهرة الكلامية، جعلتني أتساءل كثيرا حول تبعاتها ومآلاتها على حياتنا وواقعنا المعاش. هل كلمة "مكاينش معامن" ستقتل فينا أمل الإبقاء على أحلامنا في التغيير؟ هل سنغدو معها ننتمي لشعوب طلقت الأماني وعلقت الطموحات وأفرغت طاقتها في قراءة "اللطيف" و"الحوقلة" على حال البلاد والعباد والدعاء على كل من ظلم واستبد؟ هل كلمة "مكاينش معامن" ستحولنا لكائنات سلبية تبرر الواقع وتنادي بالصمت القاتل؟ هل سندخل في دوائر اليأس والاستسلام؟ هل ستتحول هذه الكلمة إلى أفيون ومخدر، لا يمر علينا اليوم حتى نأخذ حبات مضاعفة لنتعايش مع ما يحدث أمامنا؟ إذن كما سبق وأن أشارت هذه الكلمة التي غدت متداولة بشكل واسع تحمل في طياتها من الدلالات و المعاني النفسية للمواطن في تفاعله مع الأحداث اليومية الشيء الكثير، فطبيعة النفس البشرية تميل في حالة تعرضها لمواقف مقلقة ومحبطة إلى اللجوء لاستخدام حيل نفسية دفاعية، ومن هذه الأساليب الشائعة ما يسمى بسيكلوجية التبرير التي يقصد بها إعطاء تفسيرات مقبولة لسلوكات غير مقبولة، أي التطبيع مع ما يحدث بشكل لاواعي، وهي بهذا تعد عملية لا شعورية تقلل الصراع الذي يحصل في ذهن المواطن من جراء ما يلاحظه من تناقض وانفصام واصطدام بين الواقع الذي يعيشه والذي يحلم في تحققه. وما يعاب على هذه السيكولوجية هو اتصافها بالنزعة الفردانية، أي أن كل إنسان سيحرص على اختيار شكل من أشكال الحيل النفسية ليتكيف مع واقعه المعيشي، وسيكرس المقولات الشعبية مثل : سبق الميم ترتاح " ، " عيش جنب الحيط "، " دخل سوق راسك " ، وبهذا سيحصل نوع من الإنسحاب الإجتماعي عن الأدوار المنتظرة من كل فرد في التغيير كل حسب قدرته وطاقته الشخصية. في ظل هذا الوضع، ظهر فجأة نموذج كسر هذه الصورة القاتمة وأحيا بدواخلنا أمل جديد، وأكد لنا أن كل شيء على الشباب يهون إن هم توحدوا حول كلمة الإنطلاق وركزوا على نقطة الوصول والهدف. هم أصحاب الوزرة البيضاء، أصحاب الرسالة السامية، هم أطباء خلقوا ليمتهنوا وظيفة الملائكة بما تمثل هذه الكلمة من رحمة وعطاء لا ينقطع . الحراك الذي عرفه الجسم الطبي، كشف عن مستوى عال من الوعي والنضج أخرج فئة الشباب من دائرة التصنيفات السلبية والأحكام الجاهزة التي تتردد عنهم، هذا الحراك من إيجابياته أيضا أنه بدأ يقطع مع كلمة "مكاينش معامن "، ليتحمل كل عنصر منهم مسؤوليته الفردية في تغيير واقعهم. حراك منظم وراقي ثم خلاله كسر حاجز الخوف وضعف الإرادة ليستعيدوا بذلك الثقة التي انتزعتها منا ومنهم وسائل الإعلام التدجينية، وبيداغوجيات التعليم المترهة، وميكانيزمات التنشئة الاجتماعية المحتشمة. هذا الحراك قطع مع أسلوب التبرير والاستكانة والانسحاب ولعب دور الضحية دون بذل الجهد لتحصيل الحقوق مع القيام أيضا بكل الواجبات المفروضة. ما يمكن أن نخلص إليه، هو أن تغيير الواقع ليس بالأمر الهين ولا بالمستحيل، يتطلب صدقا في الطلب ووعي في النضال، وتلمس الحكمة والاستفادة من التاريخ، فمن لا يتستخلص الدروس من ماضي المجتمعات لن يستوعب تحديات واقعه اليومي ولن يستشرف مستقبله القادم.