ما يحتاجه الجميع هو بداية جميلة، حاملة للحقيقة، بعيدة عن الخيال، والتتمة شيء سهل لأنك تحمل صورة حول المسار الذي ستتبعه، وإلى ماذا تريد أن تصل، لكن هناك من يختار قدما آخر كي يذهب عليها، وإعفاء ترسيخ قدمه لسبب من الأسباب التافهة أحيانا، والمخادعة أحيانا أخرى. كلمات ملفوفة بالحب والحنان،غريبة في البداية، مزعجة نهايتها، حلوة المذاق، صعبة الهضم، تمر للقلب مباشرة دون أخذ موعد مع العقل، لأن الحاجة لها تكون ماسة. ليس غريبا إن رأيت أنها كلمات مزيفة، لأن الفراغ العاطفي عدو الجميع، يجعل النائم يستيقظ مرعوبا خوفا على حبيبته التي لم يجدها بعد، والمقاوم يبحث عنها بين رصاصات العدو، والطييب في دوائه، والمجنون بين أسِرَّة المرضى ... وهم جميل ومضحك، شباب يلهثون وراء المزاح، بصبغة الحب، ألوانه براقة، تأخذ في أول شكل لها أنها صداقة، هدفها تعارف ومحبة أخوية، فيترعرع في القلب فيصبح هدفها حب ورومانسية، فتجدهم يشغلون الطرقات بالأشعار والقبلات، والمحرمات ... فيدخل آنذاك حبيبهم الشيطان، فيصبح هدفها جنس ومتعة حقيقية. ومن هنا تبدأ المعاناة الحقيقية، فلا تنفع بعدها دموع ندم ولا تفكير في حلول ترقيعية. هذا الواقع المؤلم يتطلب تغييرا بطريقة سلمية، كي يُسْهم في تخطي شبابنا أفكاره الصبيانية التي قد تهوي به في عالم المآسي والأحزان الدائمين، لتهديدها ملكة الأخلاق لدى الطرفين، وتبخيسها قيمة الذات، حيث بها يرفع الستار عن الحياء. ما نشاهده في أركان الشوارع يتطلب وقفة مع الذات والسؤال عن مسؤولية كل فرد في المجتمع، فليس الجاني وحده هو المتهم، جميعا لنا قدر من المسؤولية متفاوتة الأبعاد من كبيرنا إلى صغيرنا، أبا كان أو أما، رجل دين أو رجل سياسة، مسئولون عن انحرافات مجتمعنا غافلون، ومشغولون عن شؤون شبابنا. لو وجد الفاعل حضنا يؤويه، أذنا مصغية له، قلبا صادقا يحس به، ما كان ليجعل من الخفاء نورا له، وفي الهروب عن الأنظار راحته. إن تمعن الفرد في ذلك، لن يناقشها بجانب ديني رغم أهميته، سيناقش بجانب عقلاني منطقي، فالاختباء يعني الخوف، غياب الشجاعة، احتقار للذات... إذن فكلنا مجموعون على أن احتضان الأركان والاختباء هناك وراءه ما وراءه، ليس حياء بل خوفا، وعلمهم على أن العمل عمل يخدش القيم، يزعج العيون قبل القلوب، يصيب بالتذمر والضجر، لكن مادام البعد والفراغ العاطفي، سيرفع الطلب وستباح المواعيد الغرامية، ويحصل اللاهي بطاقة شهرية لممارسة حبه بكل عفوية. فتصيح الأخلاق والقيم وتطلب النجدة، لأن الخطر يحوم حولها، إذن فهي الهاوية. حب الله والخوف منه واستشعار وجوده يجعل المتعبد يتلذذ في طاعته، يراه في ظلمته، ويخافه ويحب فيه. تلك العلاقة الجميلة، القويمة المتينة بين عبد ومالك، يفقد المتعة الهاربون ومن هم عن الأنظار مستخفون، وعن السجود مستكبرون، وفي أركان الشوارع مستلقون. كاذب ذاك من ظن لذة الحياة في مجاراتها، فهو من جرب متعة صلاة الفجر مع جماعة وفي صباح ممطر، ومن أحس بلذة قيام ليل ودعاء سجود مطول. أيها الهاربون، لا تركضوا كثيرا، ولا تبتعدوا، وتذكروا أن من خلق الظلام يراكم ويراني ويراهم.