قبل أن ندخل إلى صلب الموضوع لابد من طرح مجموعة من الإشكاليات التي ستشكل المحاور الأساسية لهذا الموضوع الذي أصبح محور نقاش جميع الأفراد داخل المجتمع المغربي في هذه الفترة الراهنة وسنطرح هذه الإشكاليات على الشكل التالي: ما هو المجتمع الذي نريده بالضبط ؟ ما خصائصه ومميزاته وصفاته ؟ وما هو الإصلاح الذي نسعى إليه ؟ هل هو إصلاح المرحلة، أم هو إصلاح بناء النهضة المستمرة؟ وهل للإصلاح خطوات لابد من اتباعها أم هو خطوة واحدة تنطبق مع الطرح الذي يقول "مسحت الطاولة وبدأت من جديد "؟ يتضح من خلال الفلسفات التي تتناول مسألة الإصلاح الاجتماعي أنها تؤكد على أن الإصلاح ليس بخطوة واحدة ولا يمكن تنزيله في مرحلة واحدة لأرض الواقع وخصوصا إذا كانت هذه الأرضية صلبة وجافة بمعنى كونها تتخبط وتعاني من كثرة الفساد وآليات الفساد والمفسدين. ومن هذا المنطلق لابد من التعامل مع المجتمع الذي يسري الفساد في جذوره وأركانه، تعامل الطبيب مع المريض الذي أصيب بمرض مزمن قد يؤدي بحياته، حيث يقوم الطبيب بتشخيص حالته الخاصة واكتشاف مكامن الخلل، ثم يقوم بالبحث عن وسائل العلاج وآلياته، وحينما يشخص هذا المرض ويصل إلى أعراضه وأسبابه وطريقة علاجه يتعامل مع المريض خطوة خطوة قد تأخذ سنوات، وهذا هو حال الإصلاح داخل المجتمعات التي تعاني من انتشار شتى أنواع الفساد فيها. أن النظر إلى الإصلاح نظرة التنزيل المباشر لهو الجهل بعينيه، لأن التعاطي مع الفساد والمفسدين يحتاج إلى بناء الوعي الفردي قبل الجماعي بمعنى بناء الوعي لدى الفرد كمجتمع، وهذا الوعي مبني على أساس خلق الإرادة الإصلاحية لدى المجتمع، بمعنى أن الإصلاح يحتاج إلى الفرد كفرد وإلى الأسرة والجماعة كمجتمع وذلك من طرف الساعين وراءه، أي أن الإصلاح لا يمكننا التأسيس له وبناءه من طرف جهة واحدة وفي ظرفية زمنية واحدة بل يحتاج إلى الراغبين فيه فردا وجماعة. ففي الدولة المغربية نرى أن الفساد يسري في عروقها وأركانها وزواياها، والدولة عبارة عن مجتمع والمجتمع هو تجمع بشري فردي وفق ضوابط وتنظيمات متفق عليها لتحقيق أهداف مشتركة. نعم فالمغرب كما قلنا، نعرف ما يتخبط فيه من مشاكل وما يواجهه من تحديات وما يتعرض له كذلك من استغلال، من طرف فئة معينة تسعى وراء الاستفادة واستغلال كل شيء، من أجل مصالح مبنية على احتكار السلطة وتوسيع النفوذ وتكديس الأموال، وندرك تمام الإدراك أن المغرب يعاني من الرشوة والزبونية واستغلال السلطة، وتهريب الأموال، ومن ذلك خلق آليات استحمار الشعب وأبناء الشعب كالإعلام المنسلخ من هويته ومن الدور المنوط به، والمخدرات والجنس وغيرها من الملذات المادية الشهوانية البهيمية التي لا ترقى إلى مستوى الإنسانية. ومن هنا نخلص القول إلى أن لبنة الإصلاح تحتاج إلى إرادة جماعية مبنية على أساس تقبله داخليا والتعاطي معه بمعنى آخر، التضحية من أجل إنزاله لأرض الواقع فلا يمكننا أن نحقق الإصلاح الذي نريده دون أن نضحي بالغالي والنفيس من أجله فكما يقول بعض الفلاسفة الكبار التغير يحتاج إلى تضحية جيل من أجل إحياء جيل آخر. وبهذا لابد أن نعي الدور المنوط بنا أفرادا وجماعات للسير بهذا العالم المريض نحو اليقظة والنهضة ، فكل شيء يحتاج منا إلى أن نعي ونستوعب معنى التغير والإصلاح لكي ندرك ما علينا القيام به من أجل إنجاح هذه الخطوة التي نتحدث عنها ونؤيدها ونسعى إليها دائما. فالإصلاح لا يأتي عبثا وصدفة وفي اللحظة الزمنية التي نحددها وإنما يحتاج إلى الكثير من الوقت والكثير من التضحيات لبناء مجتمع قوي ومتين عادل يتحقق فيه ما يسمى بالعدل الاجتماعي يسير نحو النهضة والتقدم، ولا يستطيع أحد أن ينزل بالإصلاح في اللحظة التي يريدها حتى ولو كانت عصى موسى في يده. إذن ما الإصلاح الذي نسعى إليه؟ وما السبيل لتحقيقه؟ وكيف نساهم في إنجاح خطواته؟ وما المجتمع الدي نريده؟ وما مميزاته وصفاته؟ وما هي الوسائل التي ستساعدنا على بناءه ؟ وهل نعي دورنا أفرادا وجماعات في هذه العملية التي نؤيدها ونطالب بها ونسعى إليها؟