طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الاستراتيجي جاسم سلطان: قضية الاستحواذ التاريخية أننا نحن المنقذون للأمة ليس لها مكان من المصداقية
نشر في التجديد يوم 30 - 07 - 2010

يرى الدكتور والخبير الاستراتيجي القطري جاسم سلطان أن قضية الاستحواذ التاريخية أننا نحن المنقذون للأمة ليس لها مكان من المصداقية، لكن التحول عنها عملية ليست بالسهولة بمكان، إذ يحتاج ذلك في منظوره إلى جهد تربوي وجهد معرفي لإعادة هندسة المدخلات الثقافية، وأوضح سلطان في حوار لموقع الإصلاح أن أكبر مشكلة تواجه الحالة الإسلامية الآن أنها لم تغص عميقا في مقولاتها الكبرى وتناقشها، وأكد أن التغيير يحتاج إلى جرأة كبيرة جدا مثل أن نقول إننا لسنا بديلا عن المجتمع وليس شيئا آخر غير المجتمع الذي نعيش فيه، وهذا بدوره يقول سلطان يحتاج إلى شيء من الثقافة والوعي والتنظير يجعل له قوة دفع بديلة عن الأفكار القديمة، مؤكدا أن الحالة الإسلامية لكي تستمر في القيادة والتطور هي في حاجة إلى أن تنظر إلى اعتراضات الخصوم باعتبارها أسئلة حقيقية ينبغي أن تتعامل معها وتستفيد منها في تطوير قدراتها. وفي ما يلي نص الحوار:
معروف عن فضيلتكم التنظير في مشروع النهضة، هل هناك تفاعل مع هذا المشروع أم أنه لم يراوح مكانه بالنظر إلى الواقع وتحولاته؟
بالنسبة للمشروع بدأ بثلاثة أشخاص، وفي خلال أربع سنوات كان ما يقرب إلى 25000 ألف شخص في داخل المشروع، والآن عندنا 179 ألف شخص، وهناك انتشار تقريبا في كل الوطن العرب، بالإضافة إلى المحيط الموجود بالوطن العربي والمحيط الإفريقي كالصومال وكينيا وإثيوبيا، إضافة إلى دخوله على أجزاء من أوربا وعلى تركيا، إذا فالمشروع بالنسبة لنا يتحرك بشكل سريع ومتواصل، فبالنسبة لنا لا نشتكي من بطء لأن الحركة موجودة، وهناك انتشار كثيف.
إذا هل يمكن القول بأن قطار النهضة قد انطلق أم لازالت تعترضه عدة معوقات؟
إذا شئت أن تقول إن قطار اليقظة انطلق تكون أقرب إلى الصواب، لأن المرحلة التي نشتغل فيها هي مرحلة اليقظة، وهي تختلف في طبيعتها عن مرحلة النهضة، فهي تشكل مقدمة لحراك نهضوي كبير جدا لكن قطار اليقظة إن شئت أن تقول هو الآن بفضل الله قد انطلق انطلاقة كبيرة جدا في توقعاتي والله تعالى أعلم. أما كيف تسير الأمور فنحن نستهدف في هذه المرحلة كتلة بشرية تصل إلى 1 في المائة من الشباب العربي، وبالنسبة لحساباتنا قد تبلغ إلى مليون من الشباب، هذه الكتلة البشرية في تقديري سيتم إنجازها في خلال 8 سنوات القادمة إلى 10 سنوات، وستكون هذه المرحلة قد استوفت شروطها .
الكثير يلاحظ أن مرحلة اليقظة هذه طويلة جدا وتحتاج إلى كثير من الوقت، ألا ترى معي في ظل هذه التحولات التي تعرفها الصحوة الإسلامية بأننا تجاوزنا هذه المرحلة، وإذا لم نتجاوزها ألم تر بأنها فعلا قد طالت؟
بلغة المشروع الذي نشتغل فيه هي إلى الآن في بداياتها، قد يكون مشروع آخر وتصور آخر للمشهد لا خلاف في ذلك، نحن في المشروع قسمناه إلى مراحل كبرى نتمنى أن نمر بها، وذلك أن مرحلة الصحوة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولذلك ما نشهده الآن من تحرك سيصب في مجال اليقظة. بمعنى آخر أن الشاب الذي كان مكتفيا بما عنده من معرفة الآن يستشعر أن هذه المعرفة ليست كافية لإطلاق طاقاته وممكناته، فهو يبحث عن المزيد من المعرفة ومزيد من المهارات، يبحث عن أمل جديد عن رؤية جديدة للمستقبل، وفي المشروع الذي نشتغل فيه نعتقد أن هذا متوفر، الآن الناس تستطيع أن ترى بوضوح أنه ستشق الطريق، ومداه الزمني محدد، وأنا في تقديري عندما نتكلم عن 8 أو 9 سنوات في عمر مشروع من نوعية المشروع الذي نشتغل فيه لإحداث وعي ليست بالكثيرة إذا أنجز فيها المشروع، وعندها ننطلق إلى الخطوة الثانية.
ما رأيك دكتور في القول القائل بأن مشروع النهضة لا يحتاج إلى نظريات وأفكار بقدر ما يحتاج إلى أفعال وسلوكات ملموسة؟
طبعا الناس التي تعتقد بأن العمل نقيض الفكرة هو خطأ في التصور، فما العمل إلا نتاج الفكرة، أما الوحيد الذي يشتغل بدون فكرة هو أجلكم الله الحمار أما الإنسان فهو ابن الفكرة، فمن اعتقد أن الفكر نقيض العمل فهو أقرب لمن يشبه الإنسان بالدابة، لكن إذا قيل أن ما عندنا من تصور نظري والكل الذي علينا أن نعمله فالواقع يكذب ذلك، ويقول قائل إن ذخيرتنا المعرفية مازال ينقصها الكثير جدا، وحتى الفضاء السياسي مازالت أسئلته مفتوحة، والديني مازالت أسئلته مفتوحة، وأيضا الفضاء الاجتماعي مازالت أسئلته مفتوحة ، ولذلك فان فضاء النظر والبحث أصبح مفروضا فما بالك بالنظري الذي يتحول إلى عملي مباشرة.
بالنسبة لعلاقة الإصلاح بالنهضة هل هناك تفاعل وتعاطي للحركات الإسلامية مع هذا المشروع النهضوي؟
تتفاوت الحركات الإسلامية تفاوتا كبيرا، بعضها وصل إلى درجة النضج ويعتقد أنه مساعد في الحل، فالذي عنده هذا الفضاء يعتقد أنه سيتعاون مع كل من يقدم حلا يفيد ويستفيد، وهناك من يعتقد أنه الحل ويجب ألا يكون بجواره أحد له رأي آخر، فهذا يضيق فضائه في التعاون مع أي شخص، والحق أنه ليس هناك شيء واحد بل هناك من داخل الحركة قد يوجد أكثر من فضاء، هناك فضاء متعاون وفضاء عامل ومؤيد، وهناك فضاء معارض ومشارك.
تعرفت على كثير من قادة العمل الإسلامي، كيف تقيم عملهم وأداء الحركات الإسلامية بصفة عامة؟
إذا قلنا كيف سنقيس فاعلية القيادات الحالية بالنتاج المتحقق على الأرض، فيمكن أن نقول مثلا إن قيادة مثل أردوغان مثلا نتائجها على الأرض مبهرة، ويمكن أن نقيس على ذلك فنقول من هو أداؤه سيء جدا لأن الفضاء الذي يتحرك فيه ضيق والمساحة المتاحة له لم يشغلها بعد، وهناك من يتقدم بالتدرج شيئا فشيئا ويحتل فضاءات جديدة، ويتحرك في فضاء الفكر والرؤية ومقاربة التحولات العددية، فالحالة الإسلامية ليست شيئا واحدا.
وإذا نظرنا إلى القيادات الكبرى، أندونيسيا مثلا ما شاء الله تشق طريقها بشكل كبير جدا وانتهت من قضية الصراع بين الإسلام والمجتمع، إذأصبحت هي والمجتمع شيئا واحدا، تركيا نفس الشيء وماليزيا أيضا، أما إذا جئنا إلى الفضاءات العربية سنجد تفاوتا، هناك من الحركات من هي مصطدمة جذريا مع البناء الاجتماعي الموجود وفي حالة شلل تام، وهناك من خلقوا فسحة للحركة ولرؤية العالم وللتواصل، فكل حركة في نظري تقدر بمنجزاتها على الأرض في بيئتها وظروفها المعطاة، ويمكن بعدها أن نقول إن البعض واضحة إنجازاتها، والبعض غير واضحة إنجازاتها، والبعض واضحة جدا إخفاقاتها.
بالنسبة لخصوصية تجربة حركة التوحيد والإصلاح، كيف تنظرون إلى تجربتها من خلال اطلاعكم على أوراقها التصورية خصوصا قولها إنها تسهم مع جميع الفاعلين في إقامة الدين؟
أعتقد أن هذه خطوة كبيرة جدا في رؤية المجتمع الذي تعيش فيه، وإن كان الفضاء الثقافي الصرف للجموع تنازعه عدة رؤى وليست رؤية واحدة، ففي حديث واحد مع شاب واحد تجد عندنا كل الرحلة التاريخية من التحولات داخل الحركات موجودة عنده، فالفكرة الانقلابية معها الفكرة التجميعية معها الفكرة التواصلية مع المجتمع، سنجد ثلاث فضاءات يعملون بالتناوب داخل العقل الجمعي، لذلك أعتقد أن فكرة أننا جزء من المجتمع و لسنا بديلا عنه تحتاج إلى خدمة نظرية كبيرة جدا، وإلى تأصيل معرفي، وإلى تربية وتثقيف جماعي، وأن تتحول من أقوال إلى ممارسات عملية منفتحة على هذه البيئة الخارجية، وعلى ما أشهد من نقاشات الآن في المغرب أظن أنه يتجه في هذا الاتجاه، ولكن اعتقد في أول خطوتين، فالخطوات الأولى الاعتراف بالآخر، أما كيف أن هذا سيسهم بعد ذلك في التواصل وإمكانية تشبيك بدون حواجز وبدون عقد نفسية فهذا موضوع آخر كبير جدا لم يتم بعد.
من أجل تنزيل المشروع النهضوي البعض يقول إنه بإمكان جهة ما أو شخص الانفراد بالعمل النهضوي، فكيف يمكن تحقيق التعاون والتكامل بدل انفراد جهة ما بعملية النهضة؟
هو أصلا الإصلاح اليوم لا يمكن أن تقوم به جهة واحدة، الجهة الوحيدة المرشحة لأن تقود تخطيطا مركزيا هي الدول، أما إذا جئنا إلى الفاعلين الآخرين، سواء كانوا أفرادا أو تجمعات فهم مسهمون، ومن ثم لا يمكن الإشارة إلى طرف بأنه يغني عن بقية الأطراف بالمطلق. الآن المسألة هي كيف تتعاون هذه الأطراف، هل هو تعاون إيجابي أو احترام أو تنافس سلبي في الفضاء العام الموجود؟ هذا يعتمد على ذكاء وعي الناس في فهم هذه القضية المبدئية، فقضية الاستحواذ التاريخية أننا نحن المنقذون للأمة، ونحن هنا تشمل تنظيمات محددة بعينها وأن الآخرين ليست لهم أدوار، أعتقد أنه ليس لها مكان من المصداقية، لكن التحول عنها عملية ليس بالسهولة بمكان، تحتاج إلى جهد تربوي وجهد معرفي لإعادة هندسة المدخلات الثقافية.
وكيف يمكن تحقيق مبدأ التكامل والتعاون مع الآخر في مشاريع النهضة ضدا على مشاريع الإفساد؟
أولا أن نزيل الأفكار القاتلة، وهذه مثل فكرة أننا شيء والمجتمع شيء آخر، نحن المصلحون وغيرنا المفسدون، الفكرة الثانية القائلة إننا نحن الحل وليس جزء من الحل، هذه فكرة أيضا قاتلة متداولة بكثافة تعيش في الفضاء العام، المسألة الثالثة أن نخلق نفسية وفضاءات للتعاون لا يهيمن عليها أحد، يعني أن نؤمن أنه من حق المجتمع أن ينظم نفسه دون أن نهيمن عليه ونحن سنساعده في أن ينظم نفسه، هذا فضاء لابد من خلقه إذا تضافرت عمليات القناعات مع عمليات التثقيف مع عملية الممارسات، هذه الثلاثية ستخلق لنا فضاء جديدا من التعاون، ولذلك نحتاج أن نقيس مصداقية الأفكار التي نطرحها بالواقع الذي نخلقه على الأرض.
تعرض على الإنسان عدة مشاريع نهضوية أو غير نهضوية، ولكن في بعض الأحيان تتصارع في ما بينها، وفي المحصلة تؤدي إلى نتائج معكوسة، كيف يمكن الوعي بهذه المعضلة ؟
من طبيعة الحياة أن الناس مختلفون، لكن الاختلاف درجات، هناك اختلاف تناقض، تعبر عن نفسها في صراعات سلبية تعيق حركة المجتمع مثل تيار اليسار مع الإسلاميين أو التيار الليبرالي مع الإسلاميين أو الإسلاميين مع الحكومات، هنا درجات تعارض لا تسمح لأحد الطرفين بأن يتحرك، وهناك مساحات مقبول جدا فيها الاختلاف التي هي اختلاف تنوع، ورؤى الناس تتعاون في المساحات المتفق عليها وتظل مختلفة في مساحات، هذا محمود ومقبول، أما الاختلافات الكبرى فهذه هي جوهر قضية التدافع، فأحد الفريقين يصبح لرأيه قوة دفع تدفع الطرف الآخر وتكتسب منه صحة، أو يقتنع الطرفان أنه لا مجال لتقدم العالم إلا أن يتم تعاون وهذا يقتضي نوعا من التنازلات بين الجميع.
بعض التنظيمات الإسلامية بدل تعميق التفكير في سبل التعاون والتكامل مع المشاريع الأخرى تدخل في صراعات ومعارك غير مجدية، كيف يمكن تنمية فكر التجميع بدل التفريق؟
أكبر مشكلة تواجه الحالة الإسلامية الآن أنها لم تغص عميقا في مقولاتها الكبرى وتناقشها، هي تظهر على السطح بشكل أفعال، ومن ثم تؤدي إلى ذات النتائج كالشخص الذي هو مقتنع أنه لن يصل إلى ما يريد إلا إذا شتم الآخرين عند قناعاته، قد يلبس ملابس رجل دين ويشتم الآخرين، وقد يلبس ملابس رجل إفرنجي ويشتم الآخرين، لذلك فتغييره للشكل لا يعني تغييره للمضمون لأن الممارسة ستكون واحدة، وفي كثير من الأحيان الحركة الإسلامية في نشأتها كانت مبنية على قضية التجمع للانقضاض، هذه الفكرة تغيرت مع الزمن إما بفعل القناعات وإما ضغوطات الواقع الخارجي؛ إما التجمع لتجمع وإما التجمع لاختراق المجتمع، لكن جوهر الأفكار هو واحد؛ نحن والمجتمع لسنا على وفاق ولسنا مقتنعين أن هذا المجتمع مجتمعنا بالدرجة التي تكفي أن نتقبله ونشترك معه في الفعل، ففكرة التجمع للانقضاض قد تخفف لكنها في جوهر الموضوع هي ذات الفكرة الأولى مع بعض التحويرات إذا لم تتم مراجعة هذه الأفكار الكبرى من الأساس وطرح بدائل لها توازي قوتها.
فالتغيير يحتاج إلى جرأة كبيرة جدا أن نقول إننا لسنا بديلا عن المجتمع وليس شيئا آخر غير المجتمع الذي نعيش فيه، نريد أن نسهم في بناء المجتمعات، في اعتقادي يحتاج ذلك إلى شيء من الثقافة والوعي والمعرفة والتنظير يجعل له قوة دفع بديلة عن الأفكار القديمة، وأن يعلن القطيعة مع هذا النوع من الأفكار، وتسحب منها مبرراتها التاريخية بحيث لا تعود تشغل على الواقع أو أن تعيد إنتاج نفسها في مظاهر أخرى .
هناك رؤى وتصورات منفردة وجذابة لكن السؤال هو كيف يكون التسويق الجيد والمثمر لهذه المشاريع؟
هي طبعا أدوات التسويق اليوم تعطينا بعض الدروس، إذا كان هنا منتج جيد فالخطوة الأولى أن يوضع ليشعر به الناس فقط، يشعروا أن هناك شيئا جديدا سيطرح أو مطروح، المرحلة الثانية أنه يصل إلى بعض الأيدي التي تختبره، ابتداء تنظر فيه تتكلم عنه تناقشه ثم يوضع في دائرة الضوء الكبرى، أن يلتقي به جمهور عريض عبر مؤتمر عبر ملتقى عبر ندوات كبرى بحيث أنه يدخل في دائرة الضوء عندها، فإذا كانت له قابلية التسويق الحقيقية يلتقطه الناس وينطلقون به وإذا لم تكن له يكون قد خرج من دائرة التداول إلا أنه منتج من المنتجات المطروحة في السوق، اليوم أدوات التسويق تساعدنا وأفكار التسويق تساعدنا كثيرا في أننا نستطيع أن نخترق بأي منتج المجتمع، بعد ذلك صلاحيته هل الناس تتقبله أم لا تتقبله ذلك مرهون بجودة المنتج الفكري.
قد يكون هناك خفوت وتراجع في المشروع النهضوي، فما هو السبيل لجعله محافظا على جاذبيته وقابلا للتطبيق بخطوات مدروسة ومحددة؟
أي مشروع في الكرة الأرضية طال عليه أمد وليس هناك ثمار حقيقية يفقد شدته وقوته، فالمشروع الشيوعي مثلا الواعد به التقدم في فترة من الفترات كان يحتل كل الفضاء ثم عندما لم ينجز وعده بدا يتآكل، والمشروع القومي في لحظة تاريخية كان الفضاء يحتله ولكن لما لم ينجز وعده خرج من دائرة التداول أو يكاد، والمشروع الإسلامي في حد ذاته سيمر عليه نفس الدور إما أن ينجز وعودا تستشعرها الناس وإما أن يصبح مشروعا يعتله الكلل، الآن الأفكار تتعب مثل الإنسان إذا استهلكت لمدة طويلة يصيبها التعب والكلل فتفقد حدتها، الذي نستطيع أن نفعله شيء بسيط هو أن نعد بشيء قابل للتحقق في فضاء زمني محدد، ولذلك عندما ننجزه نقول هذه مرحلة والمرحلة القادمة هذه مواصفتها، لكن الأطروحات المعاصرة تكون في أحيان كثيرة عبارة عن وعود مفتوحة إلى ما لا نهاية، يصلح أن تقال اليوم وبعد 100 سنة وبعد 200 سنة بذات الكيفيات بدون أن يسأل أحد متى سنستشعر إنجازا وما هو هذا الإنجاز، وبالتالي الناس تفقد الحدة والإصرار لأن ليس هناك مستهدف محدد، بل هناك شيء مفتوح.
أما قتل المشاريع فيكون عندما تفتح إلى ما لا نهاية، وتكون غير قابلة للمراجعة، إذا قيلت العبارة اليوم أو بعد عشر سنوات هي ذاتها، فإذا قلت مثلا نعمل وبعد 10 سنوات قلت نعمل وبعد 20 سنة قلت نعمل، الكلام هنا واحد لم يتغير لكن لو قلت إننا أنجزنا في العشر سنوات الفائتة المرحلة التي وعدنا بها وبعدها نتقدم إلى المرحلة الثانية وإن شاء الله سننجزها، هذا النوع من الخطاب يضع أمامك وضوحا شديدا جدا في المرحلة التي تريد قطعها، ومن ثم عندنا شيء نتحاسب عليه أنجزناه أم لا، وإذا لم ننجزه فلماذا وكيف نعيد النظر فيه؟.
بخصوص مسألة الوعي بالسنن وفقه الواقع، وأيضا مسألة التجديد والتطوير في الأفكار حتى لا يصيب قادة العمل الإسلامي نوع من الجمود وعدم تطوير الأفكار، كيف يمكن الحفاظ على هذه الحيوية والتجديد؟
الحالة الإسلامية حتى تستمر في القيادة والتطور هي في حاجة إلى أن تنظر إلى اعتراضات الخصوم باعتبارها أسئلة حقيقية وتتعامل معها وتطور قدراتها حتى تجيب على هذه الأسئلة، لكن عندما تتجاهل ما يقوله الخصم والخصم هو أكبر ناقد لأنه يستخرج أكبر قدراته ليشير إليك في المنطقة التي عندك فيها اختلال، فأنت إذا لم تنظر إلى هذه المنطقة التي يشير إليها وتتجاوزها تفقد القدرة على تطوير ذاتك لأنك تعيد إنتاج ما تعرفه، وهذه المنطقة تريد تجاهلها لأنها مؤلمة لسبب من الأسباب، والحالة الإسلامية إذا بدأت تنظر إلى اعتراضات العالم المحيط بها لأنها اعتراضات حقيقية وأن ما يقوله الآخرون ليس وهما، وهي تحتاج أن ترتقي ثقافيا ومعرفيا، وتحتاج أيضا أن ترتقي في خلق إجابات وبدائل عندها سيستشعر هؤلاء القادة أن هناك الكثير ليتعلموه، هناك الكثير لينظروا إليه ويعتبروا ليبنوا مستقبل أمتهم، وأنا لا أقول إن القادة الحاليين لا يفعلون ذلك لكن أقول على فرض أنه لا يحدث يفترض أننا نبدأ في النظر فيما يقوله الآخرون عنا بجدية كبيرة جدا.
حاوره: رشيد لخضر / جيهان الخياطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.