تحية للأخ الكبير كما يناديه ونستن في رائعة جورج أورويل الرواية الديستوبيا 1984، التي تذكرني بحواري القصير مع صديقي المناضل في أحد مقاهي مكناس، وهو يصف لي أجواء ترحيل آلاف المؤيدين على مثن حافلات وعربات والى ما غير ذلك من وسائل النقل، ترحلهم صوب المكان المزمع أن يلقي فيه الاخ الكبير خطاب له، وهنا نعود كذلك الى عبارة جميلة ترددت على لسان جوليا رفيقة ونستن أكثر من مرة وهي أسبوع الكراهية أو دقائق الكراهية، تنطبق تمام التطابق مع تلك المهرجانات التي تنظمها عادة الاحزاب المغربية. لكن من المؤسف حقا أن تقدم بعض النخب المغربية نفسها على طبق من ذهب الى سياسيين، أقل ما يمكن أن يقال عنهم تافهة، أن ينساق المثقف داخل نسق السياسي الآني تلك حقا مهزلة ومهزلة كبيرة يسجلها التاريخ على هاته النخب المتملقة التي باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى مجرد دمية يتسلى بها السياسي الذي لا يتقن حتى فن الخطابة ولكم في خطابات الزعامات السياسية للوقت الحاضر خير دليل على ما أقول، ولطالما راودني اشكال وجود ملك شاب مفعم بروح الشباب، يتطلع نحو المستقبل بنظرة تفاؤلية، محاط بثلة من زعامات أحزاب سياسية تجاوزت عقدها السادس ولازالت تفرض نفسها على آلاف المؤيدين، لكن لولا وجود خلل داخل المنظومة الحزبية لما خطر ببال هؤلاء المشايخ فكرة التربع على عرش بعض الاحزاب لما يفوق التوقع والتحمل.
وهنا لابد أن أعود الى المفهوم النضال داخل الاحزاب المغربية، للأنه ما من شيء يقوم به سياسيو الاحزاب المغربية يتطابق في تعريفه مع مفهوم النضال، بحيث كلما تأملت ما يدور داخل دواليب هذه الاحزاب، الا وخلصت الى فكرة وحيدة، أن الوصف الدقيق لما تعيشه الاحزاب المغربية، هو مجرد "تدافع" نحو مصالح ومراكز ومواقع شخصية، لأنه من المجحف حقا أن ينطبق النضال في مفهوم الكلاسيكي على ما نشهده اليوم من مسلكيات من لدن سياسي البلاد أو من يزعمون أنهم كذلك.
لكن ما يحسب لهؤلاء الساسة أنهم غيروا على أقل تلك القاعدة الكونية التي ظهرت مطلع القرن الماضي واستمرت لأكثر من مئة عام، والتي تقسم المجتمع الى ثلاث طبقات، بحيث اليوم في المغرب بفضل سياسي البلاد، أضحى لدينا فئتان ، طبقة أغنياء يزدادون ثراءا وفقراء يزدادون فقرا في تعبير مشابه لما قاله عالم الاقتصاد ڤيلفريدو باريتو. كما أن الاحزاب السياسية الثلاثين استطاعت بفضل تفانيها في خدمة المصلحة العامة، استطاعت أن تعزل نفسها عن باقي الجماهير الشعبية، بحيث تتشابه في خطابها الرديء وتتبادل مختلف أشكال السباب والشتم، ولأن الشعب أضحى أكثر وعيا من أي وقت سابق فانتظروا المفاجأة خلال الاستحقاقات القادمة، صدقا فالدولة في حاجة الى اطلاق مخطط وطني من اجل اصلاح الاحزاب المغربية واعادتها نحو سكتها الصحيحة، للأنه وبكل بساطة كيف يمكن للأحزاب عليلة تنتج نخب عليلة تقوم على تسيير الشأن العام أن تقود اصلاحات كبرى في البلاد، وكي نفهم جيدا المقصود، لن أجد أفضل من المثل الدارج "وكا كان الخوخ يداوي أكان دوى راسو"، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ونتيجة لما سبق فقد تم تقزيم دور المثقف الى مستويات باتت تهدد بنية المجتمع الفكرية، وان صح ما سأقول يمكننا أن نعلن المغرب بلاد منكوبة فكريا، بالله عليكم هل الفكر وتنوير الفكر يتم عن طريق ندوات بل جلسات عذاب تصرف عليها الملايين من أموال دافعي الضرائب، حقا لقد تم تحريف الوظائف الحقيقية للمفكر، وبات اليوم كما قلت سلفا مجرد دمى تحركها نزعات سياسية، المثقف الحقيقي لن ينبغي أن تكبله انتماءاته السياسية أو الطائفية من الجهر بالحقيقة وقول كلمة الحق في مكانها الصحيح كما يوضح ادوارد السعيد، لكن عندما تتزوج السلطة بالمثقف فانتظر بنات وأبناء الزنا، لأنه زواج في عمقه غير شرعي نتج عن علاقة عابرة في ليلة حمراء تخللتها كؤوس الخمر الغالي.
وارتباطا بعنوان المقال فالشباب وموضوع الشباب لطالما اتخذه هؤلاء المشايخ نغمة مواتية ومطربة لتغزل بهذه الفئات في جميع خطاباتهم، لكن هذه الخطابات بدورها تدخل في ما يعرف بازدواجية التفكير، أي أن الشباب غير مرحب بهم داخل الاحزاب، طبعا ليس جميع الشباب بل فقط أولئك الذين يمتازون عن غيرهم بدهاء سياسي ويرفضون الانصياع لإملاءات المشايخ أي أولئك الشباب الذين يتشبعون بروح العمل السياسي الحقيقي الذي يهدف الى خدمة الصالح العام وليس خدمة الاخ الكبير وحاشيته، ان شعار عزوف الشباب عن السياسة الذي يرفعه الساسة دائما كشعار خبيث من اجل استمالة بعض الشباب المغلوب على أمرهم، فان من يغذي هذا العزوف هو ذلك الواقع الذي تعيشه الاحزاب المغربية من الداخل، وتلك الروائح النتنة التي تفوح من الاحزاب والتي تزكم الانف وتدفع صاحبه مهرولا بعيدا عن سياسة وواقع السياسة في البلاد الى غير رجعة، وبالتالي فمادام الحال على ما هو عليه سينضاف آلاف الشباب الى المركب العزوف.