عيب الدولة أنها ظلت تتعامل مع الشباب باعتباره مشكلة اعتبر أستاذ العلوم السياسية حسن طارق، أن خطاب العزوف السياسي، هو خطاب تبسيطي، مبني على الاختزال، في حين أنه في العمق موضوع له أبعاد عديدة، أكثر تعقيدا مما نعتقد. وأوضح خلال استضافته في برنامج مشارف الذي بثت حلقته ليلة الأربعاء الماضي، والتي تمحورت حول موضوع الشباب والسياسة، أوضح أن من منزلقات الخطاب حول العزوف السياسي، أنه لا يدرك تحولات مفهوم المواطنة، حيث يتم حصر هذا المفهوم في الممارسة الحزبية، في حين أن الانخراط الشبابي في العمل السياسي عرف تحولات، وامتدادا في منظمات المجتمع المدني، داخل المدن والقرى، وفي مجال التواصل الاجتماعي الفايسبوك، وهو إن ظل غائبا عن التأطير الحزبي، فإنه منخرط في الحركات الاحتجاجية، وفي التفاعل مع الأسئلة الوطنية والدولية، وفي تدبير العلاقة مع العالم. وكان منشط البرنامج ياسين عدنان، قد مهد لهذه المحاورة مع حسن طارق، بطرح مجموعة من الملاحظات والتساؤلات، من بينها، أن المغرب السياسي والاجتماعي يعيش مع حركة 20 فبراير دينامية لافتة، فهل هي نهاية عزوف الشباب عن السياسة؟ أم أن مُعطى العزوف الذي ظل ثابتاً منهجياً في تحليلنا لعلاقة الشباب بالسياسة في بلادنا يحتاج منا اليوم بعض المراجعة؟ ألا تعني هذه العودة القوية للشبيبة المغربية إلى المعترك السياسي أن ما كنا نتصوره عزوفاً لم يكن في العمق كذلك؟ ثم ألا يمكن القول بأن خطاب العزوف الذي انخرطت فيه كل من الدولة والأحزاب لم ينتبه ربما لتجديد الشباب لمجالات عمله ولم يلتقط التعبيرات الحديثة التي حاولت الشبيبة الحضرية في بلادنا أن تعبر بها عن هواجسها السياسية؟ ألم يحن الوقت لمراجعة النظرة الضيقة التي ظلت تربط السياسة بالانتماء الحزبي والتصويت في الانتخابات؟ أولم يحن الوقت كذلك لكي تعيد الدولة والأحزاب النظر في تعاملهما مع ملف الشباب؟ فهل يكفي أن تخصص الدولة للشباب وزارة تربط دائما ما بين الشباب والرياضة مع العلم أن لهذا الأخير اهتمامات ثقافية وسياسية، هاهو يعبر عليها الآن؟ وألا يبدو مخالفا لتحولات المجتمع الديمغرافية والسوسيوثقافية تعامل الأحزاب الوطنية مع شبيبتها بمنطق الأقلية والكوطا؟ ثم ألا يمكن القول بأن الانغلاق الحزبي والبطء الذي تتغير به دورة النخب السياسية في بلادنا هو سبب المأزق العام الذي جعل الشباب يبحثون عن مجال لممارسة السياسة في الشارع خارج الفضاء الحزبي؟ لكن من جهة أخرى كيف يمكننا تحليل هذه الحيوية الشابة ورصد أوجه حراكها دون الانجرار وراء نوع من الإيديولوجيا الشبابوية التي تختزل الكثير من الإشكالات السياسية والظواهر السوسيولوجية المرتبطة بهذه الدينامية في مقولة صراع الأجيال؟ ولفت طارق الانتباه إلى أن النخبة السياسية، توجد أمام تحولات مجتمعية، وبالتالي تحتاج إلى الوقت لاستيعاب ما يحدث، ومحاولة التفاعل معه، من أجل بناء تجربة سياسية مغربية بعيدا عن التنميطات. وعاب على الدولة كونها ظلت تتعامل مع الشباب باعتبارهم مشكلة. وبالتالي دعا إلى ضرورة معالجة هذا الجانب، عبر القيام بمجموعة من المبادرات، من بينها: دسترة المجلس الأعلى للشباب. كما توجه ضيف برنامج مشارف بخطابه إلى الأحزاب، عبر دعوته لها إلى تغيير نظرتها للسياسة، وإعداد خطاطة عمل سياسي لتدبير العلاقة مع الدولة. وأشار إلى أن الجديد في الحراك الذي يقوده الشباب هذه الأيام، أنهم بثوا شحنة في العمل السياسي، على اعتبار أنهم يقولون الأشياء كما هي، فهم عندما يفكرون في الحكامة والديمقراطية، لا يفكرون في أنصاف الحلول، بل يستمدون تفكيرهم من قوة القيم الكونية. إن حركة هؤلاء الشباب -يضيف طارق- أعادت الاعتبار للمثاليات التي كادت تهجر مع هيمنة السياسة البراغماتية، علما بأن المجال السياسي هو بحاجة دائمة لمن يحلم. وفسر خروج الشباب إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم، بالقول إن هناك أزمة حكامة وأزمة أداء مؤسساتي، فالأحزاب باعتبارها مطالبة بتأطير المواطنين، تعيش أزمة تطور، وبالتالي عليها أن تتفاعل مع التحولات الجارية. فالساحات العمومية، أصبحت بمثابة جدارية القرن الحادي والعشرين التي يكتب عليها الشباب أحلامهم وتطلعاتهم، وهي باتت تنوب عن الدور الذي كانت تقوم به الساحات الجامعية، وهذا مدعاة للتأمل في وضعية الجامعة، ومساءلة من حاربوا العمل السياسي داخل الحرم الجامعي.