رأى الفنان والناقد التشكيلي عبد الحي الديوري أن هناك ثلاثة عناصر مترابطة تóنظم عمل الفنان بوشعيب الهبولي، الذي يعرض حاليا بالرباط لوحات عبارة عن تصوير ذاتي (بورتريه)، هي عنصر الحساسية وعنصر الإيمان وعنصر القيم ، مشيرا إلى أنه انطلاقا من الرسم الأصل تشتق باقي اللوحات بعد أن أدخل عليها تعديلات. وأكد الديوري، خلال ندوة نظمتها دار الفنون أمس الثلاثاء على هامش معرض الهبولي الذي يقام تحت عنوان "صور"، على بعدين في رسم الهبولي لوجهه، البعد الأول اعتبره نرجسيا، فيما يتمثل البعد الثاني في "تصدي" الفنان لرسم العينين في اللوحة، مما يذكر بأسطورة أوديب كما وردت في الميثولوجيا الإغريقية (فقء العينين)، وعبر هذه الثنائية المتمثلة في نرجس الذي يعني تمثل الجميل والخيöر، وأوديب الذي يعني تمثل القبيح والشر. وشدد على عامل المحو، فالفنان يبدأ برسم الصورة الأصلية، ثم يشرع في محوها، و"المحو رديف للموت" على حد تعبير الفنان الديوري، كما أن التكرار يحيل على ظواهر نفسية، وأن ذلك كله يعبر عن الحاجة إلى الاعتراف، فبين نرجس وأوديب يحتاج المرء إلى عنصر ثالث يقوم بدور الاعتراف، هذا الشخص يقوم بدور الوسيط بين الأنا والآخر، وقد يكون فنانا تشكيليا أو شخصا أو مؤسسة. وخلص الديوري في عرضه المدعم بلوحات يعرضها عبر تقنية إظهار البيانات، إلى أن بوشعيب الهبولي ليس وحده في هذه الوضعية، بل إن العولمة المتوحشة فرضت الإحساس بالغربة على عدد كبير من الفنانين التشكيليين عبر العالم برمته، مظهرا بعض الصور الذاتية المشوهة لفنانين عالميين. وتطرق الفنان والناقد التشكيلي رشيد خالص، من جانبه، إلى عملية هدم الصورة التي يلجأ إليها الهبولي، معتبرا أنه تحول إلى وسيط بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي قائلا "شخصيا أرى رأسا مائلة باتجاه اليمين وأكتافا منخفضة تنم عن الهزيمة. إنه يعمل على محو هذا الوضوح والصفاء الواقعي، فالصورة ثابتة لكن حركة الفرشاة تتغير"، خالصا إلى أن "عمل الهبولي يمثل عملا قويا وغامضا في نفس الآن". وقال الفنان التشكيلي بوشعيب الهبولي إن مساره الفني على مدى عقود من الزمن شهد ثلاث مراحل، هي مرحلة البداية وتنطلق من 1957 إلى 1961، حيث تم الاشتغال على شكل ورشات ومعامل للرسم بدور الشباب، ثم الانقطاع عن الرسم بعد الاشتغال في قطاع التعليم، ثم التفرغ للرسم، بعد قراره مغادرة التعليم بشكل نهائي، قبل أن يصل إلى معرضه الحالي المقام بدار الفنون الرباط. وأوضح الهبولي أنه استعمل في البداية صبغة برونوا (مكسرات الجوز)، وكان السند دائما هو الورق، وقد وجد صعوبة في بيع لوحات قاتمة بدون ألوان، قبل أن يبدأ في العرض الجماعي بعد انتمائه لبعض الجمعيات كجمعية الرواد وجمعية التشكيليين المغاربة. وأضاف أنه بدل الانتماء إلى مدرسة بعينها، كان عليه إيجاد بصمته الخاصة، وكان عليه التعامل مع الإنسان في مرحلة التحرر رامزا إليه بالطير، كما أنه ظل يشتغل بمسحوق الجوز فترة من الزمن، قبل أن ينتقل إلى الصباغة، لكن كان دائما يزعجه طغيان اللون في عمله، بحيث جاءت الألوان في عمله محتشمة، ذلك أن العمل في تصوره "بناء يجب ألا تطغى عليه ألوان يمكن أن تزعجه". وأشار الهبولي إلى أنه بعد استعماله لسند الورق، انتقل إلى استعمال سند القماش ثم ورق التصوير تخللها ما سماه بمرحلة الاستراحة، والتي تميزت باشتغاله بالحبر الصيني، بعد ذلك انتقل إلى الوجوه التي مكث فيها طويلا، ومنها هذا المعرض القائم بفيلا الفنون بالرباط. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال الهبولي إن المغرب، بل العالم العربي كله، منذ أن عرف الفن التشكيلي لم ينتج مدرسة من المدارس، تمثل هويته، وتحدد بصمته، بل اقتصر على إعادة إنتاج المدارس التي صنعها الغرب، ولا يمكن عند رؤية اللوحة أن يعرف المتلقي أنها تنتمي إلى مدرسة مغربية على غرار اللوحة اليابانية أو الصينية، مضيفا أن الفنانين المغاربة "يعلنون انتماءهم إلى الكونية من أجل الدفاع عن النفس ومن أجل التخلص من طابوهات لا زالت تلاحقنا". وانتقد الهبولي كون الفنانين المغاربة لا يعيشون عموما داخل أسرة ثقافيةº فكل واحد يشتغل بمفرده في ركنه الخاص منذ حوالي 60 عاما، دون تفاعل مع باقي المثقفين. وعن سؤال حول مدى أهمية مسألة الهوية في ظل الظروف الراهنة التي تتميز بالعولمة، قال إن "الوقت الراهن هو الذي يفرض التميز كإثنية، كعربي وكمغربي، أي ضرورة ترك بصماتنا وخصوصيتنا في هذا العالم، وضرورة شعورنا بانتماء الكوني إلينا، لأنه حاليا لم تعد من أهمية لمسألة الهوية لكن لماذا يترك الياباني والصيني بصماته والمغربي لا يتركها، والبصمة هي عبارة عن نكهة جديدة في المجال". ودعا الهبولي إلى "تدارك الخطأ الذي ارتكب في بلادنا والمتمثل في عدم وجود مؤسسة كبيرة تجمع الفنون جميعها بما في ذلك الموسيقى والتشكيل والرقص ...الخ، وأن يصبح الفنان مثقفا، يعرف كيف يدافع عن اختياراته الفنية وأن تكون لديه أرضية فكرية تمكنه من نقاش عالي المستوى، ومن تشكيل في المستوى ذاته". شارك بوشعيب الهبولي الذي يشتغل بمدينة أزمور حيث ازداد سنة 1945، في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل المغرب وخارجه، منذ 1970 إلى 2014، في مختلف المدن المغربية، كما أنه شارك في معارض خارج المغرب وبالأساس في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وفرنسا وإسبانيا