يعرض الفنان التشكيلي محمد قنيبو (تازة) معرضا للوحاته الفنية بفيلا الفنون بالرباط وذلك إلى غاية نهاية غشت المقبل. ويشكل الفنان قنيبو تيارا فنيا تأثر بثلاث مرجعيات على الأقل، الأولى تعود للفنان الإنجليزي الإيرلندي فرنسيس بيكون، والثانية تخص سلفادور دالي، أما الثالثة فهي تميز أعمال الفنان المغربي بوشعيب الهبولي.
واستطاع قنيبو المزج بين هذه المرجعيات ليطبع لوحاته الفنية بقواسم مشتركة بين هؤلاء الثلاثة. فالقاسم المشترك الأول يكمن في تضخيم جانب من جوانب شخصيات الفنان أو في تشويه طرف دون الآخر أو في المبالغة في الامتدادات الطبيعية أو غير الطبيعية لهذا المنحى أو ذاك. وهو ما يظهر في عمل بيكون حين رسمه لأوديب معطوبا كما أشار الناقد إدريس كثير، وهو النمط الذي وظفه دالي في قساوة الذاكرة وأبدع فيه الهبولي ومحمد قنيبو. أما القاسم المشترك الثاني بين هؤلاء، فيتجلى في مزاوجتهم خلال عملهم الفني بين ملامح الفن التشخيصي التي تطبع وجوه الأشخاص والأشياء المرسومة، وبين نظيره التجريدي من خلال الخطوط والألوان والضوء. وهو عمل يميز هذا الخط الفني الذي ينتمي إليه الفنان محمد قنيبو. ويعتمد الفنان المغربي الهبولي اللون الأسود في رسم لوحاته الفنية، وهو ما تأثر به الفنان محمد قنيبو الذي أضفى على لوحاته إبداعا خاصا ميزه عن غيره، بعدما استثمر ألوانا مختلفة للتعبير عن ملهاته الفنية وتلوينها بالأزرق والأحمر والأبيض والأسود، آخذا بعين الاعتبار فلسفة الألوان وما يعبر عنه كل واحد منها من معاناة وحروب وسلم وطهارة وقهر وبذخ، مع العلم أن لكل لون معنى يؤديه. وتتميز لوحات الفنان محمد قنيبو بدمج للواقعية للتعبير عن الفن التجريدي، وهو أمر ليس سهلا تحقيقه لتفجير المتناقضات. ويقول الناقد إدريس كثير عند تتبعه لأعمال ومسار تطور الاشتغال عند محمد قنيبو «كثيرا ما أثار انتباهي ذلك الحس والطقس التصويري الذي يحضر كخيط نظر ناظم لهذه الأعمال، والذي يتبدى وكأنه أفق رمزي يلاحقه الفنان، تارة يمسك ببعض ملامحه التي تبدو منفلتة، وتارة أخرى تحافظ تلك التشكلات الصباغية على «خاميتها» أو بساطتها التي تتقدم وكأنها تحاول الإفصاح عما وراء الظاهر والبسيط والواقع. أمام أعماله تنكشف رغبة الفنان في الحكي، لكن سرعان ما ينقلب الحكي تصويرا فترميزا، وهنا تبدأ إمكانيات قراءة تلك التشكلات والاختيارات الصباغية، سواء على مستوى الرسم والتركيب أو من حيث المعالجة اللونية، داخل الطقس الصباغي الذي يحاول نسجه وتعزيز جماليته عبر وميض الضوء والعتمة، وتضاد النور والسواد، وإيحاءات الجسد الذي فقد هويته المرفولوجية واندرج في دوائر رمزية وتعبيرية تتعدى الوجود المادي لتلامس أبعاد الرمزي والمتخيل».