مرة أخرى يُطرح السؤال عن مدى إجرائية وتفعيل مفهوم الشفافية و الوضوح في الخطاب السياسي والنقابي لدى الفرقاء والمتدخلين في الشأن الوطني العام، لأنه ليس من العدل والإنصاف أن نستغفل شعبا علّق آماله على حكومة ارتضاها طوعا أو كرها، كما أنه ليس من المنطق لتنظيمات نقابية تمثل شريحة مجتمعية مهمة أن تنتهج سياسة المعايير المزدوجة، في محاولة للتمويه على الرأي العام وتكريس الحربائية السياسية. شهد الشارع المغربي عشرات الآلاف من المحتجين في تظاهرة بمدينة الدارالبيضاء، كانت قد دعت إليها النقابات الثلاث الكبرى في المغرب الاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، و الفدرالية الديمقراطية للشغل، للمطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، كما رفع المحتجون شعارات تطالب بحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصلاح أنظمة التقاعد. وسجل الملاحظون انفلاتا تنظيميا أعاد إشكالية التأطير النقابي إلى الواجهة.
شيء جميل أن نرى تنسيقا بين مركزيات نقابية في محطات نضالية تهدف إلى انتزاع حقوق الشغيلة وتتفاعل مع معاناتهم، بل هي بوادر إيجابية ومشجعة على حتمية العمل المشترك للخروج من عقم العمل النقابي وتشرذم مكوناته، لكن.... ألم يسبق للزعيم الكونفدرالي أن دعا من خلال المجلس الوطني لنقابته المنعقد يوم السبت 29 أكتوبر 2011، الطبقة العاملة وعموم المواطنين إلى الخروج من اليأس وإعادة الثقة والأمل بالانخراط الشامل في خوض المعركة الديمقراطية، الرامي إلى مناصرة ومساندة المرشحين الديمقراطيين التقدميين من الأحزاب المساندة ل ك.د.ش، حسب توصيفه. ألم يعتبر الانتخابات التشريعية 2011 فيصلا ديمقراطيا ولحظة تاريخية في المسار السياسي للبلاد. ألم يكن القائد التاريخي يراهن على حزب المؤتمر الوطني الاتحادي الذي لم يحصل على أي مقعد سياسي وخرج بذلك يجر أذيال الهزيمة السياسية. ألم يصرح الميلودي موخاريق في تجمع للنقابيين الشباب إبان حراك 20 فبراير وهو يوجه الكلام إلى منخر طي نقابة بن الصديق "لو كانت شبيبتنا في عافيتها لدفعنا بها في قلب الحراك الشبابي.." في محاولة للتملص من المسؤولية التاريخية. ألم يحث الإتحاد المغربي للشغل الطبقة العاملة بالمغرب على التصويت بنعم على دستور 2011، بالرغم من معارضة تيار عبد الحميد أمين في سابقة تاريخية لذات الإطار حول موقفه الرافض لدساتير 62، 70، 72، 92، 96. ألم يفصح الكاتب العام للمركزية النقابية المقربة من حزب الاتحاد الاشتراكي لإحدى الوكالات الإخبارية الفرنسية عقب استضافة مستشار الملك للزعماء النقابيين الخمس، بأن المغرب ماض في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أن المملكة المغربية لا يمكن أن تظل غير عابئة بما يدور حولها.
من هنا أجد لهذه الوضعية النقابية المزدوجَة تفسيرا نفسيا، حين يحس الضحية بأنه فاقد للإرادة لا يملك الآليات وأن الجلاد الذي يتحكم في شأنه، يستطيع أن يفعل به ما يشاء، يكون عندئذ أمام اختيارين: إما أن يدرك عجزه وعدم قدرته ومن ثم يبرر بلعناته الإنزواء، وإما أن يفرّ من إحساسه المؤلم بالعجز وذلك بأن يتوحد نفسيا مع الجلاد بأشكال تختلف عن المألوف.