كثيرا ما عرفت المدرسة بأدوارها وأهدافها التربوية والتعليمية منذ نشأتها،ونشأتها هاته لم تكن صدفة أو عبثا،بل كانت حتمية تاريخية فرضتها جملة من الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية المعرفية......الخ،وما كان لهذه المربية والمعلمة أن تولد لولا حاجة بني ادم إليها،فأخلاقهم وعلومهم و معارفهم تتوقف عليها،بل كينونة الإنسان وما يأمل فيه رهين بها، وإذا كانت كل هذه المطالب تحمل على عاتق المدرسة،فعلى أي محمل أو كتف تحمل المدرسة نفسها؟أي؛أي عقل يستطيع أن يحافظ ويصون شرف المدرسة وحرمتها،ويقودها صوب غاياتها ومقاصدها ؟ إننا لم نر بعد،هذا العقل الغيورعلى أوضاع مالكه والمفكر في معضلات عصره،والحانق على مهزلة مستواه التعليمي،إلا في المجتمعات الغربية المتقدمة التي اتخذت العقل التنويري والنقدي قائدا لها وسلاحا ضد أعدائها،ووسيلة أساسية لتدبير كل أمورها،إنه عقل عقلاني ومعقول نجح في إزاحة وخلخلة بعض الثوابت والحقائق كان العلم والدين يسلمان ويصدقان بيقينها ،فأصلح ما أمكن إصلاحه،وصحح ما وقع الخطأ فيه،قادما بالإنسانية نحو الحرية والتحرر، وما هو أحسن و أخير،هذا إذن هو العقل الذي يستحق إسمه.أما عقلنا العربي عفوا عقولنا العربية المغربية هي عقول بحروفها ليس إلا،يحركها شياطين كثيرة،مختلفة ومتناقضة الرؤى والإقتراحات والنوايا السيئة،وهذا الاختلاف عقيم لا يلد شيئا جديدا، إخلاف يقوض الأسس والمبادئ ويهدمها،أكثر مما يبني ويصلح ويعدل،وهذا الهدم(الفساد) طال مجمل الميادين والمجالات البشرية متوصلا إلى منظومة التربية والتعليم،التي لم تنج هي الأخرى من موجة الهدم الكارثة قصد إلحاقها بأسلافها،ترسيخا لمبدإ المساواة و العدل والإنصاف بين جميع القطاعات(الصحة، الرياضة،العدالة، التعليم......)هذا العقل العربي( التخريبي)عقل ديمقراطي فقط في تسوية أوضاع القطاعات من الجهة السوداء، وجعلها جسد واحد،إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. إن العقل الذي يقف وراء كل هذه الأمور هو عقل إستغلالي براغماتي،لا يفكر سوى في أغراض ومصالح صاحبه الشخصية،ولا يخطط إلا لما يخدمه وينفعه،لا ما يخدم الصالح العام.فهو عقل إنتهازي خائن،وليس وطنيا إنسانيا يحمل هم وطنه ومشكلاته،وقد ظهرت تجليات هذا العقل المتسيب،ومخططاته الواهية، بشكل واضح ومؤثر في المدرسة المغربية التي عانت الويلات ثم الويلات مع هذا النوع من العقول المنحطة أقصى درجة الإنحطاط،إذ في كل آن وحين تفاجأ بمخطط إصلاحي جديد،فبمجرد أن تبدأ في عملية الاستئناس ببرنامج ما،حتى يتم الإعلان عن فشله والتفكير في خطة جديدة، وهكذا تنتقل المدرسة من ما يسمونه الإصلاح(الميثاق الوطني) إلى إصلاح الإصلاح(المخطط الإستعجالي) إلى إصلاح إصلاح الإصلاح(إلغاء وإفشال المخطط) إلى ما لا نهاية.... يبدو أن الأمر لا يتعلق بالإصلاح قط،بل إفساد وهدم المصلوح ،هذه السلسلة اللامتناهية من الإصلاحات(المفسدات)وصل بها الحال إلى اللغة المعتمدة في التدريس،حيث تم اقتراح لهجة الدارجة كلغة رسمية بإمكانها أن تزيل كل العوائق التي حالت دون الرقي بمنظومة التعليم في بلادنا،وكأن الدارجة عصا سحرية قادرة على خلق الشيء من عدمه. يا لها من مهزلة ووقاحة أصابت مدارسنا!! فأصبح كل مفتي أو داعية له الحق في إطلاق فتوى تحرم ما يشاء وتبيح ما يشاء،حسب ما يريده هو،ومن تم غدت منظومة التعليم فضاء رحبا لكل رأي مرفوض أو فكرة لم تلق قبولا من أحد،مثل مطرح النفايات الذي يستقبل كل الحاويات والمتبقيات.
هكذا أريد للمدرسة المغربية أن تكون مدرسة موضة إن جاز التعبير تظهر في كل مناسبة بمنهاج أو مخطط جديد يبطل ويكذب صحة المخطط السابق ويعلن عدم نجاحه في منتصف الطريق،كمثل ذلك القطارالذي ينطلق من محطته فيجد نفسه أمام سكة مبتورة ومنحرفة،فهو إما أن يرى الخلل ويتوقف بحثا عن الحل،وربما يحتاج إلى وقت كبير فيؤخر الركاب عن موعدهم،وإما أن يواصل سيره فيرديهم قتلى.هذا هو مآل المدرسة المغربية ومحيطها في ظل الأوضاع الراهنة،إن لم تتأزم أكثر،لأن المعطيات المتواجدة لا تبشر بالخير طالما أن العقل الذي يدبرها طالحا.فماذا ننتظر منه وهو يبذر وقته دون جدوى؟ النتيجة بديهية وواضحة هي الذهاب إلى الهاوية والقضاء على عذرية المدرسة التي كانت تحرس عليها دائما وأبدا،فلا تستغرب من الدارجة كلغة أساسية في المدرسة،ولاعجب إن سمعت أو رأيت معلما أو أستاذا أو مديرا أو وزيرا يتحرش بتلامذته،ولا تأسف إن وجدت المدرس يعنف ويضرب أمام أعين الجميع،فهذه هي العقول العاهرة التي تقود منظومة التعليم العذراء التي يتوقف عليها مستقبل البلاد،فما فائدة عذرية هذه المنظومة إذا كان عقلها عاهرا؟ وفي الختام أود أن أقول للقارئ الكريم أعتذر كثيرا لبعض الكلمات الساقطة وردت في هذا النص وشكرا جزيلا.