إذا كان الذين يقترحون الدارجة كوسيلة للتلقين والشرح ، فإن هذا قد تم ، مع الأسف الشديد ، منذ سنين طويلة . خبرتنا في هذا القطاع بجميع أسلاكه كشفت لنا أن هذا المسلك التلقيني يعود إلى زمن مبكر لا يصعب تحديده ، هذا علما بأنه انتشر نسبيا منذ حركة تعريب المواد العلمية . ولهذا المسلك أسباب يمكن بسطها وتحليلها تتعلق أساسا بوضعيتي كل من الملقن والمتعلم معا. . نحن المغاربة، مسلمين ويهودا (ومعنا الجزائريون والموريتانيون والتونسيون والليبيون) منا من تربى في حضن الأمازيغية ، ومنا من تربى في حضن الدارجة . يتحدث الأمازيغية الأمازيغ وبعض من المغاربة العرب . ويتحدث بالدارجة كل المغاربة تقريبا . لكن الأغلبية الساحقة تتحدث الدارجة، وهي ما يشكل ،إلى جانب الأمازيغية ما نسميه «الذات المغربية». ويمكن للدارسين أن يلاحظوا، أن دارجة بعض المسرحيين المغاربة ومن ضمنهم الطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد ومحمد قاوتي هي الدارجة التي فرضت نفسها في المسرح والسينما والفن المغربي عموما . ولهذا عوامل سوسيو- اقتصادية - ثقافية لا مجال هنا لبسطها وتحليلها . وقد نهل هؤلاء من تراث دارجي عميق الأثر في ما نسميه الذات المغربية أو قل الذات المغاربية . لقد بَيَاَ قاوتي مثلا مسرحية لها تأثير عالمي، بيأها في الثقافة المغربية وتوسل إلى ذلك بدارجة مغربية راقية تتوفر على إمكانيات هائلة من أجل أن تكون كما نتصور، دارجة تتوفر على إمكانيات تواصل مغاربي . من الصعب أن تكون قد انتبهت كل تلك الآلاف التي شاهدت تلك المسرحية ، مسرحية «بو غابة « للمسرحي محمد قاوتي ، انتبهت لهذا البعد اللغوي الدارجي الذي «استنبت « به قاوتي مسرحية برتولد بريخت . ومفهوم الاستنبات هو له وليس لنا . لكن الذين قرأوا النص المكتوب للمسرحية ، لابد أنهم انتبهوا لسمو الدارجة الموظفة فيها ولذكائها الذي يفطن له كل قارئ نبيه . نعم، الدارجة المغربية مكون أساسي من الذات المغربية وهو واحد من ميراثها الضارب في القدم باعتبارها نتيجة لتراكم عميق استغرق أزمنة وركَب بين اللغة الأم ، الأمازيغية ، بكل لغاتها، ولغة العرب القادمين من الشرق العربي التي تمت مغربتها بفعل عوامل متداخلة، وهي لغة القرآن والعقيدة الدينية. وهي ميراث مشترك للمغاربة بواسطته يتواصلون وبه يشكلون القاعدة المشتركة لثقافتهم العامة منذ قرون. وهذا التلاقح لم يكٌف يوما عن الاستثراء بحيث يؤثر في مختلف الإثنيات ويتأثر بها. وقد حمت اللغة العربية هذه الدارجة وأغنتها مثلما أغنتها الأمازيغية . وعلى هذا النحو تشكلت الذات المغربية التي توحد كل الإثنيات . وإذا كانت للدارجة كل هذه الأهمية، فإنها ليست قناة للمعرفة العالمة والعلم الخالص . يتعلم الطفل ،أي طفل ، في أية مدرسة، في أي زمن ، في أي مكان ، مهما اختلفت الظروف العامة والخاصة، يتعلم أول ما يتعلم اللغة التي يُهَيَأُ لها بتعلم الكتابة والقراءة. وهي الخطوة الأولى التي تشكل مسارا خاصا ومعقدا من أجل تحصيل « المعرفة العالمة» . ذلك أن المعرفة معرفتان : «معرفة رجل الشارع» أو المعرفة الدارجة ، و»المعرفة الخاصة» أو المعرفة العالمة . ولم تنشأ المدرسة ولا هي تطورت وستتطور بعيدا عن هذه الضرورة التي هي من طبيعتها ، أي ضرورة تعلم الوسيلة العالمة (اللغة) من أجل الترقي في المعرفة للحصول على وسائل أرقى تمكن الإنسان من معارف وظيفية تساعده على مواجهة حاجاته الوجودية والمعيشية . ما نقوله هنا هو بداهة من البداهات وليس فيه أي جدة . وما دام الأمر يتعلق ببداهات، فإنه يتعين علينا أن نذكر ببداهة أخرى وهي تلك التي تتصل بعلاقة اللغة بالفكر . فالدارجة ، أية دارجة، في أي بلد ، في أي زمان، وأيا كانت الظروف ، لا تسهم في «صنع» كائن يُتاح له بأن ينتج فكرا . نعم ، هذه بداهة يسلم بها المختصون . لقد سبق لنا، مع الأستاذ إبراهيم مشروح ، أن ترجمنا كتاب ناعوم شومسكي الذي قدم، باعتراف العلماء المختصين اجتهادات مفيدة. وبالرغم من العروض المغرية لناشرين شرقيين، فقد حرصنا على نشر الترجمة المذكورة في المغرب أساسا. ولم يكن ذلك بدون هدف . ولابد أن البعض يتذكر مجلة «بيت الحكمة « التي أسسها الأستاذ مصطفى المسناوي والتي كانت متخصصة في الترجمة ، ترجمة الفكر الغربي وغير الغربي . وقد أسهمنا في بعض أعمالها ومن ضمنها أعمال العالم السويسري جان بياجي وبعضها يتعلق بعلاقة الطفل بالتعلم والتعليم . لا المسناوي ولا الذين أسهموا بالعمل معه كانوا يفعلون ذلك بدون هدف يرتبط حصريا بالإرادة الملحاحة في تقدم المغرب وتقدم فكره ولغته العربية الفصيحة. ولمتأمل أن يتأمل عنوان مجلة المسناوي وطبيعة الأعمال التي قدمتها لقارئ العربية الفصحى بالمغرب ، والقارئ المغربي الذي يتحدث بالدارجة ، هذه اللغة المشتركة بين الأغلبية الساحقة للمغاربة . ماهي الغاية البعيدة للتعلم ؟ إنها التحصيل على المعارف . والوسيلة الأولى والوحيدة لهذا التحصيل هي اللغة العالمة . ذلك أن كل معرفة ( كل علم ) مهما كانت بسيطة ، فبالأحرى أن تكون معقدة، تأخذ لها طريقا فيه خطوات متتالية تحكم بينها علائق منطقية في غاية الدقة . يتوهم الكثيرون، منطلقين من نزعة تبسيطية وميل فطري لدى الإنسان إلى تيسير الأمور (هيهات لو كان ذلك ممكنا) ، يتوهمون أن الوظيفة الوحيدة للغة هي «التواصل» . وهذا خطأ جسيم، ذلك أن التواصل هو واحد من الوظائف ، من بين ثلاث وظائف أخرى لا تقل أهمية عن وظيفة التواصل تلك وهي : 1- الترقي العقلي للطفل ، والإثراء الفكري المتدرج والذي يستغرق الحياة التًعَلُمية بكاملها ، من الابتدائي إلى الجامعي إلى الأكاديمي .2- القدرة على استيعاب المفاهيم وهي ُتلَقًن للطفل منذ البداية (نعم ، منذ البداية ) كي تستمر تَثْرَى مع التقدم في التعلم خلال مسيرة التعليم . وإذا كان الفيلسوف والعالم (بالمعنى الواسع والشامل لكلمة عالم) ، هما من ينتج هذه المفاهيم، فإن كليهما يحتاج إلى اللغة العالمة بسبب من كونها تملك قدرات ذاتية تسمح بذلك الإنتاج ، وهي القدرات التي يستحيل أن تتوفر عليها لغة التواصل الدارجة . 3- تحصيل القدرة على الإنتاج : إنتاج المعرفة ، إنتاج العلم ، إنتاج المفاهيم . ومن الواضح أن هذه الوظائف التي وقفنا عليها بإيجاز شديد إنما تتاح فقط وبصورة حصرية لما سميناه سابقا «اللغة العالمة» المرتبطة ضرورة ب»المدرسة المنظمة « وليس ب»مدرسة الحياة». تتكون المجموعة الإنسانية من مجتمعات تفرق بينها أمور عديدة أهمها عنصر «الثقافة « بمدلولها الأنتربولوجي العام . ولا يوجد مجتمع في هذه المجموعة يتواصل بلغة وحيدة . كل مجتمع يتوفر - على الأقل على لغتين ، لغة دارجة للتواصل بكل معانيه وهي كثيرة تبدأ من حاجة التخاطب وتنتهي بحاجة الفنون بمضمونهما الواسع ، ولغة عالمة لتلقي «المعرفة العالمة» والإسهام في إنتاج هذه «المعرفة»، وهو ما تشكل ما نسميه ب»المدرسة المنظمة» قناته الوحيدة. وكلما تقدم المجتمع كلما انجذب لفيض من عطاءات هذه اللغة . وإذا كانت «اللغة العالمة» تتطور فإنها تتطور لتتعمق أكثر وأكثر، ويحصل هذا عن طريق «المدرسة المنظمة»، مثلما يحصل في زماننا الجاري عن طريق وسائل التواصل العصرية والحديثة والمستجدة والتي لا تقف عن التجدد اللامحدود . وبالطبع فإن الدارجة تتطور هي الأخرى بتأثير هاتيك الوسائل ولكن وأيضا بتأثير انتشار «اللغة العالمة» التي تضمنه تحديدا المدرسة المنظمة . وإذا كانت «اللغة العالمة» واحدة ، فإن اللغة الدارجة لغات متراكبة تتضمن الأرقى والأحط . ولا يخفى في هذا الباب على السوسيولوجيين خاصة ان هناك في كل مجتمع فئات اجتماعية مخصوصة اخترعت وتخترع ضمن الدارجة نفسها دارجاتها الخاصة بها تمارس وتحقق بواسطتها تواصلا «متخفيا» . والسوسيولوجيون تحديدا يعرفون هذا جيدا، وتلك الفئات هي بعدد المهن المخصوصة في كل مجتمع. ولنشر هنا الى أن اللغة العربية مثلا، والتي نلقن بها المعارف في المدرسة المغربية ليست لغة عربية قحة كما يتوهم البعض ، فهي ليست لغة امرؤ القيس ولا حتى لغة الجاحظ ، بل إنها تقرب كثيرا مما يسميه المختصون «اللغة الوسيطة». ندرك أن وراء الدعوى ( فعلا هي « دعوى» بالمعنى الذي يقترحه عبد الله العروي وهو أديب يكتب الرواية باللغة العربية الفصحى) دواع تجريبية ، وقد تكون وراءها دواع ناتجة ليس عن دراسات علمية حولها إجماع علمي ، ولكن وفقط وجهات نظر حول ما يسمى اللغة الأم (الدارجة) في مقابل اللغة العربية أو غير العربية ،كما أنها ناتجة عن تجارب تربوية مدرسية وأخرى غير مدرسية لا تسمح لها بتعميم تصوراتها. هذا مع اعتبار ملاحظة جديرة بالتفكر ويجسدها واقع دال، وهي أن معظم «نقول معظم وليس كل « من يطرح مسألة «تدريج لغة التعليم»، ترتبط ثقافتهم العالمة بغير ما تنتجه اللغة العربية الفصحى، وهو واقع فرضته عليهم ظروف تكوينهم الدراسي، تكوين لم يسمح لهم بالنتباه إلى القدرات الذاتية للغة العربية وقوتها وعلميتها وسحرها الأخاذ ووظيفتها التوليدية اللامحدودة، هذا فضلا عن قدرتها الباهرة على الاستعداد الذاتي للتطور ول»التبسط» وقدرتها المشهود لها بها على الإنتاج في كل المعارف، وقدرتها الثابتة على التكيف السريع مع كل مستجدات المعرفة . ونحن لا نؤاخذ أحدا على هذا بقدر ما نؤاخذه على التسرع في الحكم على لغة لم يحتك بها الاحتكاك اللازم.. لغة تملك القدرة الذاتية على مقارعة أرقى لغات الإنسان . وليس هذا بغريب ، فالتاريخ والحضارة تشهدان لها به . وفي الوقت الذي نجد مجموعات شتى من شباب أمم بعيدة تتخصص في تعلم العربية ، وجامعات مشهود لها بباعها الأكاديمي تخصص كراسي جامعية للغة العربية، يسعى البعض منا ، عن سذاجة وتفكير غير واقعي ، لا- علمي، إلى تعويضها بالدارجة في منظومة التعليم التربوية. إنه كلما أثيرت مسألة نجاح وفشل وأزمة وإصلاح المنظومة التربوية وانخفاض مستوى التحصيل المدرسي في المغرب والجزائر وتونس، كلما أثيرت قضايا كبرى في قران مع اللغة العربية ومع النظام التربوي . وهذا ناتج عن كسل فكري مؤسف . وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، يتم دائما ربط إشكالية عطالة الخريجين من الجامعات من ذوي الشهادات العليا بالتعليم . وهذا في تصورنا تقدير ينسى أن عطالة هؤلاء لها علاقة بالنظام الاقتصادي أساسا، وبعدالة أو لا- عدالة توزيع الثروات داخل هذه البلدان، ولا تمت بصلة إلى فشل أو نجاح المنظومة التربوية سوى من زاوية مدرسية تدبيرية تتعلق بالتوجيه المدرسي، وسوء اختيار الشعب والتخصصات في ارتباط بالميولات الطلابية. ولقد تُعومل دائما ومنذ رحيل الحمايتين الفرنسية والإسبانية عن البلدان المغاربية الخمسة مع مسألة التوجيه المدرسي، ليس من زاوية المؤهلات العلمية للتلميذ والطالب، بل من متطلبات محض سياسية تتعلق بالخرائط المدرسية والجامعية ...ويُضاف إلى هذا سلسلة الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الدولة حين اعتقدت بأنه يكفي للقضاء على الفكر التقدمي، خلق شعب دراسية دينية تعوض الفلسفة ومعهد الدراسات السوسيولوجية . قام المغرب بهذا في عهد الملك المغفور له الحسن الثاني ، مثلما قامت به مصر في عهد المغفور له انور السادات . والنتيجة هي تلك التي رأينا فيها جيشا من الخريجين لا علاقة لتخصصهم بحاجات البلد التنموية... ونحن نلاحظ اليوم باستغراب ،أنه في المناقشات مع الأقلية من المنتصرين لإقرار الدارجة في التعليم، يتم تقديم نماذج لدول سارت في هذا الاتجاه. عادة ما يقدمون أندونيسيا كمثال . لكنهم لا ينتبهون إلى أن هذا المثال غير صالح لاستنباته في المغرب . لقد أحصت المنظمة غير الحكومية : «معهد اللسانيات الصيفي « 719 لغة في أندونيسيا . فهل يقرب هذا من واقع المغرب ؟ ونحن هنا لا نريد أن نحلل هذا المعطى ولا حتى أن نحرر بخصوصه أي تعليق . فهو ينطق بنفسه ويسمح لبلد كهذا أن يوجد لنفسه الاختيار اللغوي في نظامه التعليمي الذي ينطلق من هذا الواقع الاجتماعي والثقافي والإثني المعقد، والذي يضع أندونيسيا في المرتبة الثانية عالميا من حيث العدد الكبير والباهر جدا للغات المتداولة فيها . وحتى إذا لم نأخذ بإحصاء هذا المعهد واكتفينا برقم العالم اللساني المتخصص ، كلود هاجيج ، فإننا نصل معه إلى ستمائة وسبعين ( 670) لغة . ودون الإطالة في الحديث عن هذا المثال ، يكفي أن نشير إلى أن جاكارطا وحدها تضم ما لا يقل عن سبعمائة ألف (700000 ) طفل / خادم يشتغلون في البيوت ؟!!؟...وأندونيسيا التي وثَقت في العام 2010 في الأممالمتحدة ما لا يقل عن ثلاثة عشر ألفا وأربعمائة وستة وستين (13466 ) جزيرة، لا يصل من مجموع تلاميذها الممدرسين سوى عدد ضئيل جدا إلى الجامعات بعد اجتيازهم لامتحانات جد صعبة . هذا علما بأن تعليمها يعصف به هو الآخر انقسامه إلى تعليم عمومي وآخر خصوصي . وهذا الأخير ترتبط معظم مؤسساته إما بالجوامع بالنسبة للمسلمين أو بالكنائس بالنسبة للمسيحيين . وبإيجاز شديد ، فإننا نُقَدر أن اندونيسيا هي أبعد ما تكون نموذجا يحتذى في مجال الانتصار لأطروحة «اللغة الوسيطة» في «تدريج» التحصيل المعرفي في التعليم بالمغرب . أما بعض البلدان الإفريقية التي يقدمها المنتصرون للدارجة من أجل إقرارها في المنظومة التربوية المغربية ، فإنها غير جديرة في تقديرنا بالوقوف عندها بالمرة . فليست فيها حالة نجاح واحدة...تسمح بأخذها مثالا للمغرب . ولذلك يحسن ألا نُخَطئ الوعي العام بالحديث عنها وكأنها حققت وتحقق نجاحات تجلب الانتباه إليها . ومن المؤسف أنه في هذا الموضوع كما في غيره، تُحاط المناقشة العمومية من قبل البعض بهرطقات لا تخطر على بال أحد . وفي هذه المواقف لا يتعلق الأمر بالكسل الفكري فقط ، بل بسوء المقصد وهو سلوك ذو خطورة . هكذا قرأنا للبعض ، ونسمع في كل مناسبة ، كلاما لا قيمة له من قبيل أن الدعوة إلى اعتماد الدارجة في التعليم يهدف إلى ضرب وإلغاء اللغة العربية . والقصد البعيد في نظر هؤلاء هو ضرب الإسلام . صحيح أن أصحاب مثل هذا الكلام المضحك الذي لم يعد ينطلي تخريفه على أحد ، وسواء جاء من التيارات الإسلامية أو من المحافظين التقليدانيين الذين يُؤثرون الحداثة التعليمية لهم ولذويهم ويدعون إلى كل ما هو مُتجاوز لعموم الشعب، فإنه في منظور العقل مجرد لغو إيديولوجي . لذلك فإن الجميع مطالب بأن يعي أن أصحاب القرار في السلطات التعليمية ، إذا ما أخذوا بتوصية الداعين إلى استعمال الدارجة في التعليم، إنما يسقطون في خطأ تاريخي يمثل خطرا حقيقيا على اللغة العربية في المغرب . فلا يغْترَنَ وزير التعليم أو أي مسؤول بمسوغ يبدو في ظاهره معقولا ، وهو في عمقه بداية السيل الذي سيأتي على الكل . ذلك أن الأمر يتعلق أولا واخيرا ليس بمصير مجتمع فقط ، بل بمصير دولة . يقولون إن الأمر كله لا يعدو كونه تيسيرا لتحصيل المعارف لدى المتعلم. ثم يضيفون إن ذلك لا يتجاوز السلك الابتدائي . هذا تصور قاصر . وقصوره لا يقف عند هذا الحد . ذلك أنه قد يقود إلى نوع من التحقيب (المقصود أو غير المقصود ) في الإجهاز على اللغة العربية التي ذَكرْنا ببعض مميزاتها ورجحانها كلغة عالمة وكضرورة تعليمية رئيسية. وفي ما يخصنا فنحن نعتبر الأمر جللا. فالشعوب لا تعبث بذاتها الثقافية والعلمية . لذلك فإننا ندعو ليس المختصين والمعنيين فقط لرفض مقترح الدارجة في التعليم ، بل يتعين على المنظمات التربوية والثقافية والحقوقية والعلمية أن تتصدى لهذا المقترح بحزم لا يلين.