" إن التحولات العميقة التي تعرفها الساحة التربوية الدولية تدفع المنظومة التربوية المغربية للبحث عن مكان لها في ظل مجتمع المعلومات و المعرفة ، و ذلك من خلال إدماج تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات باعتبارها مصدرا للمعلومات ، و الوصول إلى المعرفة ضمن سيرورة التعلمات ، مما سيجعل من المؤسسة التعليمية قاطرة أساسية للتنمية المستدامة ، و لبنة محورية من لبنات مجتمع المعلومات و المعرفة " . ورقة تقديمية حول : الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات في التعليم المختبر الوطني للموارد الرقمية : شنبر 2012
( 1 ) أضحى المعطى التكنولوجي جزءا لا يتجزأ من الحياة الفردية و الجماعية للإنسان المعاصر ، كما أنه شكل وسيلة مثلى في الإنجازات التنموية الكونية ، ذات الصلة بمختلف الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية .. إذ لم يعد ينظر إلى التجليات التكنولوجية باعتبارها أدوات تساهم في بناء تطور نوعي في هذا المضمار البشري أو ذاك ، بل أصبحت ترمز إلى راهن التقدم الحضاري ، و الصراع بين الأمم و المجتمعات الناهضة من أجل الإحراز على المراتب الأولى في سلم الرقي . و غير خاف أن المنافسة محتدمة بين الدول العظمى ، أمريكا و ألمانيا و اليابان و الصين .. حول السبل الكفيلة بالرفع من إيقاع الإنتاج العلمي و الثقافي ، و السيطرة الاقتصادية عالميا ، و تعتبر النظم التعليمية أهم هذه السبل و أبرزها و أكثرها مدعاة للعناية و الحدب الفائقين . و في هذا السياق تحاول بعض الدول (و منها العربية ) التي تشكو من الخصاص التنموي ، بفعل الهوة الرقمية التي تفصلها عن المجتمعات الرائدة ، أن ترسم لنفسها نهجا علميا عسى أن ينتشلها من مخالب الضياع و الدوران في دائرة التبعة و الارتهان بالآخر . و قد سعى المغرب منذ العقد الأخير من القرن العشرين إلى الاستعانة بمستلزمات النهضة التكنولوجية لمواجهة تحديات الإقلاع التنموي الشامل ، و تقدم بمجموعة من المواثيق و الدلائل التربوية و المبادرات الرامية إلى تحسين جودة التعلم و الرفع من مستوى الأداء التكويني داخل صفوف المدارس ، بدءا من "الميثاق الوطني للتربية و التكوين " و مبادرة "نافذة " و برنامج "جيني " ، فضلا عن "المخطط ألاستعجالي " الذي خصص له غلاف مالي غير مسبوق ، و تنظيم شراكات مع مؤسسات دولية كالاتفاقية مع شركة "ميكروسوفت " و إنجاز دلائل بيداغوجية مختلفة .. كل ذلك من أجل إدماج خلاق لتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات في نظامنا التعليمي . ( 2 ) و لقد كان الشعور بأهمية استعانة المنظومة التعليمية بمنجزات البحث العلمي و التقني قديما نسبيا ، و إذا اقتصرنا على "دستورنا " التربوي ( الميثاق الوطني للتربية و التكوين 1999 ) لألفينا إشارات واضحة إلى الموضوع المقصود بالمعاينة ، ففي المادة 119 من الدعامة العاشرة من هذا الميثاق نجد : " سعيا لتحقيق التوظيف الأمثل للموارد التربوية و لجلب أكبر فائدة ممكنة من التكنولوجيات الحديثة ، يتم الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة للإعلام و الاتصال " . إذن في ظل هذا الوعي المتنامي بمحورية المنجز التكنولوجي في العملية التعليمية التعلمية ، و في نطاق الإمكانيات المادية و اللوجستيكية غير المألوفة ، و في إطار إنتاج نظري بيداغوجي لا يستهان به .. يحق لنا أن نتساءل بموضوعية و بعيدا عن أي نزعة عدمية إنكارية ، إلى أي مدى استفاد النظام التعليمي المغربي من تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات ؟ و ما هي مظاهر القوة و الضعف في هذا الوافد الجديد في واقعنا التعليمي الملموس ؟ و ما العمل من أجل تجاوز مظاهر الأداء المتواضع لتكنولوجيا التعليم ، و الانتقال من مجرد التوظيف الآلي و الاستهلاكي للمنتجات التقنية ، إلى مرحلة الابتكار و الإبداع و الإنتاج الفعال خدمة للتنمية المستدامة و الإقلاع الحضاري الأمثل ؟ ( 3 )
إن المجهودات الكبيرة التي بذلت من أجل استحضار العدة التكنولوجية و التكوينات الدورية التي خصصت للسادة المدرسين و الإداريين طيلة عقد من الزمن ، و في مختلف الأسلاك التربوية لم تحقق إلا النزر اليسير من المرامي و الأهداف المسطرة . فإذا اقتصرنا على مستوى تجهيز الإدارات التعليمية و استعمال الحواسيب لتخزين و توظيف و عقلنة المعطيات و الإحصائيات الإدارية ، و تتحقيق قدر من الضبط الإداري بالمعنى العام للكلمة ، مع تسهيل عملية التواصل المحدود بين أطراف العملية التربوية من إداريين و مدرسين و آباء و أولياء التلاميذ .. فإنه يصعب الحديث الجدي عن إحداث طفرة نوعية أو سبق بيداغوجي مخصوص ، اللهم بعض الاجتهادات الفردية الصادرة عن بعض السادة المجتهدين في فصول الدراسة . إن إدماج تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات في نظامنا التعليمي لم يحقق أي اختراق ثوري في الأداء التربوي ، ولم يقو على تعميق الكفايات الإستراتيجية و المنهجية و الثقافية و التواصلية .. لقد اعتقد البعض خطأ أن خلاص النظام التعليمي من أزمته الخانقة يتمثل في التمكن من استخدام الحاسوب و الشبكة العالمية للمعلومات ، و حسن الاستفادة من وظائف الأقراص المدمجة و البرمجيات التربوية و البريد الإلكتروني و باقي الوسائل المعلوماتية فائقة الأهمية . و دون التقليل من القيم المضافة لهكذا وسائل حديثة ، إلا أن الأمر جلل ! و يتوقف خصيصا على مناخ تربوي ملائم إلى أبعد مدى ؛ يستدعي جملة من الاشتراطات أقلها إيجاد فصول مدرسية مهيأة للتعليم المستند إلى تكنولوجيا المعلومات ، من حيث فضائها الصحي و العصري ،و التوفر الفعلي على مستلزمات هذه التكنولوجيا من السبورتين البيضاء و التفاعلية ، و جهاز الداطاشاو) ، وحواسيب تلبي أفق انتظار الأطقم التربوية و الإدارية ، ويتوجب أن يكون عدد التلاميذ داخل الفصول المدرسية محدودا لتحقيق الغاية المنشودة : تحسين جودة التعلمات . والتنصيص على الكفاءة الثقافية و العلمية للمدرسين و استعدادهم المتواصل لمواكبة المستجدات المعرفية الكونية ، و العناية بأوضاعهم الاجتماعية و الاعتبارية ، و بناء مدارس حقيقية بمعايير بيداغوجية دولية ، و ربط كل المدارس التعليمية الوطنية في المدن و البوادي بشبكات الماء و الكهرباء و الاتصالات .. مع الإلحاح على التكوين المستمر بالمدرسين و الإداريين ، لما يشهده عالم المعلوميات من تطور و تجديد يحبسان الأنفاس ، و المراقبة الإيجابية للمؤطرين المشهود لهم بالكفاءة في ميدان تخصصاتهم المعرفية و مجال تكنولوجيا التعليم الفائقة التقدم . إن التحفيز المادي و المعنوي للسادة المدرسين الذين أبانوا عن تميزهم و تألقهم في جميع الأسلاك التعليمية ، و قدموا إنجازات صفية اتسمت بالابتكار و الإبداع و التجديد لخير وسيلة تشجعهم على مواصلة تنمية الكفايات التربوية و الرفع من جودة التعلمات ، و إحداث قطيعة بين مرحلة الاستهلاك السلبي للمنتجات التكنولوجية في ميدان التعليم ، و مرحلة الإنتاج الذي يتلاءم و السياق السوسيو- ثقافي و الحضاري المغربي . مع استحضار القاعدة الذهبية المتمثلة في كون تكنولوجيا الإعلام بقدر ما أنها رافد من روافد التعليم و التثقيف الذاتيين ، فهي لا يمكن أن تحل محل العلاقة الإنسانية الأصيلة بين أقطاب العملية التعليمية التعلمية ، لذلك يفترض أن يتحصل الوعي لدي المعنيين بالمنظومة التربوية بكون تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات أداة و ليست هدفا في حد ذاتها ، حتى لا نسقط في مطبات التعليم التقليدي القائم على التلقين و الحفظ و شحن الذاكرة . لن تتأتى الاستفادة من الموارد التكنولوجية الحديثة إلا بنشر ثقافة الحوار و الانفتاح و العمل على غرس الوعي العلمي و العقل النقدي و القيم الديمقراطية الكونية في نسقنا التربوي و مجتمعنا المغربي ، و غني عن البيان أن هكذا رهانا يستدعى وعي رجال التعليم و أصحاب القرار السياسي و الاقتصادي و الثقافي إدراكهم بالخط الفاصل بين التكنولوجيا كوسيلة ( أداة ) للاستعمال اليومي و الجزئي ، و التكنولوجيا كغاية ( رؤية ) للعالم و الكون و الإنسان !!