يستدعي التطور المعرفي وانفتاح البيداغوجيا على الوسائل الحديثة للاتصال والتواصل، أن يتم تنويع الوسائط والدعامات البيداغوجية والديداكتيكية بالانفتاح على عوالم الاتصال والشبكات العنكبوتية لصالح التربية والتكوين في المدرسة المدرسية من خلال إدماج تكنولوجيا المعلومات والتواصل في التربية والتكوين باعتبارها مصدراً حقيقياً للتعليم والتعلم لما تزخر به التكنولوجيا اليوم، من إمكانات للعمل ومناهل للمعرفة ووسائط للاتصال. وبقدر ما تساعد التكنولوجيا التلميذ (ة) والمدرس (ة) على البحث والاستكشاف وتعميق المعرفة، فإنها تمكنها من التواصل والتبادل والتحاور دون اعتبار لإكراهات المكان أو الزمان، لكون الاستعمال الناجع لتكنولوجيا المعلومات والتواصل في التربية، من شأنه أن يساهم بشكل جوهري في كسب رهان الجودة. وإن إمكانية العمل التشاركي الافتراضي بين التلميذات والتلاميذ والمدرسات والمدرسين في مختلف بقاع العالم لدليل على عمق وأهمية وسهولة التواصل التربوي والتبادل الثقافي التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والتواصل في سباق عالمي يعرف تحولات عميقة خاصة في مجال المعلومات والمعرفة. وأمام هذا الرهان الكبير، الذي يفرضه الاكتساح الهائل لعوامل افتراضية، وانفتاح الطرق السيارة للمعرفة، فقد نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على إدراج التكنولوجيات الحديثة للإعلام والتواصل في المؤسسات التعليمية، والإدماج يعني اعتماد الحاسوب أداة للتصرف الاداري في المؤسسة التعليمية، واستعماله أداة للاتصال بين أطراف العملية التعليمية، واعتماد التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصال، وسيلة للتعلم والاتصال. ومن أهداف هذا الإدماج، تحمل التلميذ (ة) مسؤولية التحصيل المعرفي ودعم قدرته على البحث، وتوفير ظروف العمل الجماعي داخلياً وخارجياً، وتوفير فرص التكوين المستمر للأطر التربوية والادارية، وتفعيل التكوين عن بعد. وانطلاقا من هذا التوجه، عمدت وزارة التربية الوطنية خلال عشرية الإصلاح إلى تجهيز بعض المؤسسات الثانوية التأهيلية والإعدادية بقاعات متعددة الوسائط مع الربط بشبكة الأنترنيت ولكن هذا التحفيز كان محتشماً ولم يتمكن من تحقيق أهداف الميثاق الداعية الى تعميم الوسائط التكنولوجيا لتحقيق تكافؤ الفرص بالاستفادة من مصادر المعلومات وبنوك المعطيات وشبكات التواصل، وكذا معالجة مشكلات التمدرس المرتبطة ببعد أو عزلة الفئات المستهدفة، واعتمادها أيضا في التكوين عن بعد في مستوى التعليم الإعدادي والثانوي خاصة في المناطق المعزولة. وبالرغم من المجهودات المبذولة في هذا الصدد، فإن تفعيل القاعات المتعددة الوسائط الموجودة لم يرق إلى مستوى تطوير وإغناء الممارسة البيداغوجية على مستوى المؤسسة التعليمية، باستثناء مبادرات بعض مديرات ومديري المؤسسات التعليمية، واجتهادات بعض الممارسين التربويين المعتمدة على التطوع في غياب موارد بشرية مؤهلة لتنشيط هذه القاعات المتعددة الوسائط. وفي سنة 2005، أعطيت انطلاقة مشروع أجنبي (GENIE) الذي بادرت إليه الحكومة المغربية لتعميم تكنولوجيا المعلومات والتواصل في الأوساط المدرسية. وكان المشروع يرتكز أساسا على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين التلميذات والتلاميذ المنتمين الى أوساط سوسيو ثقافية وجغرافية مختلفة، بتسهيل ولوجهم الى القاعات، متعددة الوسائط التي يصل عددها الى 8600 قاعة ينبغي أن تكون مجهزة ومرتبطة بشبكة الأنترنيت، كما أن من أهداف المشروع هو التربية على التحكم في التقنيات الحديثة لكسب رهان تكوين الرأسمال البشري. لذا كان المشروع يستهدف تجهيز كل المؤسسات التعليمية بقاعات متعددة الوسائط ليضمن ولوج التلاميذ الى المضامين ومصادر المعرفة. واستهدف المشروع وضع مخطط عمل من أجل تكوين الأطر التربوية وتأهيل الموارد البشرية عموما في مجال إدماج تكنولوجيا المعلومات والتواصل في التربية واستعمالها بشكل ملائم كمستلزمات للعمل التربوي، وكذا العمل على إنتاج محتويات ومضامين رقمية وطنية تلبي الحاجيات الحقيقية للتلاميذ والأساتذة. وإذا كان قد تم تجهيز بعض المؤسسات التعليمية بالعتاد المعلومياتي، فإن الجهد المبذول في هذا المجال، يبقى دون المستوى المطلوب، وخاصة على مستوى تكوين المدرسات والمدرسين من أجل استثمار هذه الموارد وتنشيط القاعات التي ظل أغلبها مقفلا لندرة الموارد البشرية، باعتبار أن هذا المنعطف التربوي سيمكن التلميذات والتلاميذ من اكتساب تعلم أحسن وبطريقة مختلفة... وكان من الممكن أيضاً تطوير الدور المحوري للقناة الرابعة التي تم إحداثها في هذا السياق. من خلال تطوير النظرة الى المعرفة، وإخراج المعرفة المدرسية من داخل أسوار المدرسة، وجعلها منفتحة على قضايا المجتمع، ولكنها ظلت باهتة الحضور والإشعاع في الساحة التعليمية والتربوية مما يستدعي البحث عن سبل تطويرها وتدعيمها لتنهض بأدوارها التربوية والتعلمية على غرار القنوات التربوية العالمية، وكان من نتائج المرحلة الأولى من مشروع GENIE تجهيز 1878 مؤسسة تعليمية فقط من مجموع المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني، وذلك بما يناهز 2058 قاعدة متعددة الاختصاصات، وتكوين حوالي 30.000 مدرسة ومدرس، كما أن نسبة استعمال هذه القاعات كانت ضعيفة نظرا لصعوبة تكليف منشطين خاصين بها، ولعدم ربطها بشبكة الأنترنيت وغياب المضامين الرقمية اللازمة، وكذا لعدم إشراك المديرات والمديرين والمفتشين في عملية الإدماج. وهذه الوضعية تعكس تأخراً في مجال إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، باعتبارها عدة بيداغوجية تهدف الى تحسين جودة التعلمات. وهذا ما جعل الوزارة الوصية تدرج ضمن البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم مراجعة استراتيجية للبرنامج في مرحلة ثانية لمشروع جيني تمتد من 2013/2009، وذلك من خلال إتمام تجهيز المؤسسات التعليمية بالمغرب (9260 مؤسسة) بمختلف أسلاكها، بالعتاد المعلومياتي والبنية التحتية الكفيلة بالإدماج وتوفير التكوين العلمي لكافة مكونات الأطر التربوية والتعليمية من هيئات التدريس والتأطير والادارة التربوية (230.000 إطارا)، وتزويد المؤسسات التعليمية والمدرسين والمتعلمين بموارد رقمية تضمن إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في مجال التدريس، للرفع من جودة التعلمات واكتساب المهارات، وهو مشروع ضخم وطموح ولكنه يحتاج إلى تظافر الجهود وإرادات قوية والتزامات في مستوى التحديات الراهنة المطروحة على المدرسة المعرفية. وفي هذا السياق، تم كذلك إطلاق برنامج »نافذة« من قبل مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين لتمكين المدرسات والمدرسين من حواسيب محمولة مع الربط بالأنترنيت، وبأثمنة تفضيلية، كما تم مؤخراً في إطار البرنامج الاستعجالي تزويد مديرات ومديري المؤسسات التعليمية بمعدات معلوماتية تضم حاسوباً محمولا وطابعة وبرمجيات لتحسين تدبير المؤسسات التعليمية. وبالنظر الى عدد من القضايا الجوهرية المرتبطة بإدماج تكنولوجيا المعلومات في المجال التربوي، فإن الفرصة الأخيرة التي يتيحها البرنامج الاستعجالي الإصلاحي يستدعي انخراط كل الفاعلين من مسؤولين تربويين على المستوى المركزي والجهوي والاقليمي من أجل إنجاح هذا المشروع، وتوفير كل الشروط الموضوعية والتربوية والديداكتيكية لتحقيق الأهداف المشنودة من هذاالمشروع الرقمي الهام بحقل التربية والتعليم. وفي هذا الإطار، يمكن أن تنهض الأطر التربوية والتعليمية بدور طلائعي في نشر هذه الثقافة التجديدية، وتسهيل ولوج التلميذات والتلاميذ الى عالم المعرفة بواسطة الاعتماد المنهجي على مزايا التقنيات الحديثة وتسخيرها في خدمة أهدافهم البيداغوجية والديداكتيكية. ولتجاوز وضعية القاعات المتعددة الاختصاصات المتعلقة أو غير المستغلة في انتظار تنفيذ مشروع البرنامج الاستعجالي المرتبط بإدماج تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في العملية التربوية، يمكن استغلال القاعات المجهزة باقتسام تنشيطها بين الأساتذة والتلاميذ الذين يمتلكون مؤهلات في المجال الإعلامياتي، واعتماد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني ومع القطاع الخاص مما يمكن من المساهمة في توفير شروط إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كما أن الخطة الوزارية ينبغي أن تعتمد تحسيس كافة الفاعلين التربويين والإعلام، والتعريف بالممارسات التربوية والتزام المخططات الجهوية الاستعجالية بالتنفيذ ومواكبتها بالتتبع والتقييم والمحاسبة.