لحظة بلحظة تتسارع أمامنا العديد من الأحداث التي تزكي فكرة أن العالم بصدد المرور بلحظة تاريخية فارقة، فزمن ما بعد الثورة التونسية لن يكون كزمن ما قبلها بالمطلق، سواء سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، و آخر هذه الأحداث و في خطوة مفاجئة أعلن مجلس التعاون الخليجي عن البدء في دراسة انضمام كل من الأردن والمغرب إلى التحالف الخليجي. إذا كان بالإمكان تفهم الطلب الأردني في هذا الصدد، فبالنسبة للمغرب فقد أعرب العديد من المتتبعين عن توجسهم من هذه الخطوة ليس فقط بالنظر إلى البعد الجغرافي، و إنما أيضا بالنظر إلى الاختلافات السياسية بين أنظمة الحكم في الخليج و النظام السياسي المغربي على الأقل من الناحية الشكلية و المؤسساتية. فالمغرب على علاته يبقى متقدما من الناحية الحقوقية والمؤسساتية، خاصة في فسح المجال لبعض الفرقاء السياسيين لدخول اللعبة السياسية في حين أن جل الدول الخليجية دول أوتقراطية. إضافة إلى الاختلافات على المستوى الثقافي بين مجتمعات خليجية جد محافظة على الأقل حسب ما هو معلن، و مجتمع مغربي يؤمن بقدسية الاختلاف وسمو المواثيق الدولية. و على المستوى السسوسيواقتصادي بين مجتمعات تعيش على البترول، ومجتمع أغلبيته كادحة تقاوم بالسواعد لتوفير الحد الأدنى لشروط العيش. لكن في المقابل هناك من يرى أن انضمام المغرب إلى مجلس دول التعاون سيمكن تلك الدول من الاستفادة من تجربته في تدبير الاختلافات و الصراعات السياسية، و كذا الحكامة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية و الإرهاب، باعتبار أن شمس الخليج ربما ستشرق من المغرب. لكن للمرء أن يخشى من أن تطفئ براميل البترول الخليجي فتيل شمعة التغيير المغربي. نتساءل في سياق الحراك الدولي الحالي و في سياق الحراك المغربي الداخلي، ماذا سيستفيد المغرب بانضمامه إلى نادي الملكيات ؟ و ماذا ستستفيد دول الخليج من انضمام المغرب إليها خاصة في هذا الوقت بالذات ؟ لمن ستكون الغلبة هل للمقاربة الأمنية كما نهجتها دول الخليج في تعاملها مع الحالة البحرينية أم لمقاربة المنح و العطايا كما فعل النظام السعودي بمنح جملة من الهبات للمواطنين أم للمقاربة المغربية القائمة على فتح هامش للتشارك في السلطة ؟ ما نعرفه عن العلاقة بين المغرب و دول الخليج هو مجموعة من فضائح أمراء البترودولار الذين يجدون بالمغرب فسحة لتفريغ مكبوتاتهم الجنسية ... والمفاخرة بتبدير الأموال في المراقص و الكازينوهات ... بعيدا عن رقابة لجان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الموجود في بلادهم. ما نعرفه أيضا، هو نظرة الخليجين التحقيرية 'البعض على الأقل' للعمال المغاربيين بصفة خاصة. و المعاملة السيئة للخادمات، و كذا شبكات اصطياد الفتيات و تجارة الرقيق الأبيض ... ما نعرف أيضا، هو الحملات الإعلامية لنشر الفكر الوهابي لضرب الفكر الصوفي ومضايقة الفكر التقدمي... ما نعرفه أيضا أن تلك الدول العائمة على بحار البترول لم تكلف نفسها عناء التفكير في امتصاص بطالة شباب شمال إفريقيا و فضلت العمالة الأسيوية، و لم تكلف نفسها عناء التفكير في محاولة سد حاجيات الدول المغاربية غير النفطية من الطاقة في إطار التكامل و التضامن الاقتصادي ... للفرد أن يتوجس من هذه المبادرة ذات الخلفية السياسية أكثر منها اقتصادية، فقد تكون هذه الخطوة مجرد محاولة لكبح الخط التصاعدي لمسار الإصلاحات المعلن عنها في المغرب، لتفادي نجاحها بالتالي انتقال عدواها إلى دول ملكية أخرى. فنجاح تجربة المغرب في الانتقال السلمي من ملكية مطلقة إلى ملكية برلمانية... سيشكل محفزا للشعوب الخليجية للمطالبة بتعديلات سياسية مماثلة. بعد تصاعد صوت حركة 20 فبراير و مطالب التغيير بالمغرب و بعد خطاب 9 مارس، بادرت مجموعة من الدول و الهيئات إلى مدح تجاوب السلطة مع المطالب الاجتماعية للشعب. و من هذه المؤسسات نجد البنك الدولي و زيارة مديره العام للمغرب، و كذا المبادرة الأخيرة لدول الخليج، لنتساءل ألن يؤدي مجلس التعاون الخليجي و البنك الدولي الآن نفس ذلك الدور الذي قامت به الحماية الفرنسية حين تدخلت فرنسا في المغرب لحماية النظام السياسي وحماية مصالحها ؟ فالحل الذي تقدمه هاتين الجهتين لا يمكن أن يكون سوى إغراق المغرب بالديون واقتصاد الريع المبني على البترودولار لإسكات حناجر الكادحين و الفقراء. لا نعتقد أن هؤلاء الذين يخرجون للاحتجاج للمطالبة بإسقاط رموز الفساد والاستبداد، سيقبلون ببرميل بترول خليجي مقابل مصادرة حريتهم و كرامتهم. كما لا أعتقد أن المغاربة الذين يناضلون منذ زمن من أجل دولة مدنية حداثية سيقبلون بالارتماء تحت وصاية فكر ديني محنط مقابل نعيم اقتصادي موعود. الواضح أن بعض الأنظمة لم تفهم بعد أن مطالب الشعوب الثائرة في تونس و مصر مثلا أو تلك التي تخرج في دول أخرى الآن ليس الزيادة في الأجور أو بعض المنح و الهبات ... بل مطلبها الأساس هو الحرية و الكرامة... و حين تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية فليس عن طريق ديون البنك الدولي أو براميل بترول دول الخليج وإنما عن طريق إعادة التوزيع العادل للثروات.