حسن أشهبار يقول عصيد ما نصه "عندما ندرّس تلميذ الجذع المشترك رسالة النبي محمد التي هي رسالة تهديدية ثم نأتي فيما بعد ونتحدث عن حوار الأديان والحريات هذا شيء متناقض. الرسالة التي تدرس لتلامذتنا هي في الحقيقة رسالة إرهابية لأنها ترتبط باليقين كان الدين ينشر فيه بالسيف والعنف.. إما أن تسلم وإما أن تموت. الجهة التي هيَّأت لتقييم الكتاب المدرسي – التربية الإسلامية - ينتمون لتيار إيديولوجي معين، ويهيمنون على التعليم المدرسي في هذه المادة". هذا الكلام كله تدليس وكذب، وتحريض على مادة (التربية الإسلامية) وأساتذتها واللجان المشرفة على إنجاز الكتب المدرسية ومراجعتها، ونظرا لخطورة ما تفوه به عصيد ارتأيت أن أناقشه مناقشة علمية هادئة؛ ليتبين للقارئ الكريم أن كلام عصيد باطل جملة وتفصيلا، وأن ما يرهبه حقيقة ليس ما ادعاه، وإنما الذي يرهبه هو الإسلام بتعاليمه السمحة وقيمه العليا.. ونقاشي مع عصيد حددته في نقاط ثلاث كالآتي: أولا: بيان دروس مادة (التربية الإسلامية) بالجذوع المشتركة، وهل فعلا فيها ما يشير إلى التهديد والإرهاب.. ثانيا: بيان دلالات كتب النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء، وعلاقتها بالإرهاب والتهديد الذي ادعاه عصيد.. ثالثا: بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، وأن سيرته العطرة خير دليل على سماحة رسالة الإسلام ورحمتها..
أولا: بيان دروس مادة (التربية الإسلامية) بالجذوع المشتركة، وهل فعلا فيها ما يشير إلى التهديد والإرهاب.. ادعى عصيد أن في دروس مادة (التربية الإسلامية) بالجذوع المشتركة ما يربي المتعلمين على الإرهاب والعنف والتطرف، ولمعرفة حقيقة ما ادعاه؛ سأقوم بوصف مختصر لدروس هذه المادة بالجذع المشترك.. يضم مقرر (التربية الإسلامية) بالجذوع المشتركة وحدتين اثنتين: وحدة التربية الاعتقادية، ووحدة التربية التعبدية، وكل وحدة تحتوي ستة دروس نظرية بتطبيقاتها وأنشطتها التعليمية التعلمية.. والذي يهمنا هنا هو الدرس الأول في الوحدة الأولى، وعنوانه: (علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة).. ومن الأهداف المسطرة في بداية هذا الدرس في كتاب "الرحاب": - أن يتعرف المتعلم تكامل الشرائع السماوية وتدرجها في النزول. - أن يبدي استعداده لاحترام كل الشرائع السماوية؛ لأن ذلك من تمام إيمانه بالإسلام. وعنوان المحور الثاني في هذا الدرس هو: دعوة الشرائع السماوية إلى التوحيد وعبادة الله، وترسيخ قيم الحوار والتسامح.. ومن المضامين الواردة في تحليل هذا المحور بالكتاب المدرسي ما يلي: (حدد الإسلام قيما سامية في التعامل مع كافة أتباع الشرائع السماوية، ومن هذه القيم: - ضمان حريتهم في العقيدة، وحماية أماكن عبادتهم؛ كما فعل عمر بن الخطاب مع أهل القدس عند فتحها... - الدعوة والإقناع بالتي هي أحسن... - استثمار كل فرص الحوار لإبراز قيم الإسلام... - الحرص على تجنب كل أشكال العدوان على أصحاب الفكر المخالف؛ ما تجنبوا بدورهم أساليب الاعتداء والظلم والطعن، والاستعداد للدفاع عن الحرمات والأوطان عند كل اعتداء أو استباحة أو انتهاك للدين أو المال أو العرض؛ لأن الإسلام كما دعا إلى التسامح والحوار، نهى عن الخنوع والذلة..). أما في كتاب (المنار)؛ فقد ورد ما يلي: التوجيهات الإسلامية لمعاملة أتباع الشرائع الأخرى: يشهد واقع المسلمين منذ عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على قبول الإسلام معايشة أهل الملل الأخرى على أسس وقيم سامية منها: - ضمان حرية عقيدتهم وحماية أماكن عبادتهم شعاره (لا إكراه في الدين ). - الدعوة والمجادلة بالحسنى كما في الآيات الكثيرة. - تجنب كل أشكال العدوان على أصحاب الفكر المخالف متى قابلونا وعاملونا بالمثل. - استثمار فرص الحوار لإبراز قيم الإسلام.. فبهذه القيم وغيرها انتشر الإسلام في وقت وجيز.... وإذا رأينا في واقعنا خلاف ذلك فسببه ضعف المسلمين في استلهام توجيهات الإسلام ومنهجه في التعامل مع الآخرين. بالله عليكم أين ما ادعاه عصيد من بهتان وأباطيل؟؟ أين التربية على الإرهاب والتهديد والقتل؟؟ أين السيف والعنف والذبح؟؟ أين: إما أن تسلم أو تموت؟؟ أين التيار الإيديولوجي المهيمن على هذه المادة؟؟ وإذا انتقلنا إلى الشق التطبيقي لهذا الدرس؛ فإننا نجد تأكيدا لما سبق في الشق النظري، وبيان ذلك: أن عنوان الدرس التطبيقي في كتاب (الرحاب) هو: (العهدة العمرية).. وهو عبارة عن نص الوثيقة التي كتبها الخليفة عمر بن الخطاب لأهل القدس بعد أن فتحها المسلمون، وقد أمنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم صلبانهم، وهي من أهم الوثائق في تاريخ علاقة المسلمين بغيرهم.. ومن أهم الأهداف المسطرة في هذا الدرس: أن يتعرف المتعلم على بعض النماذج التطبيقية في معاملة المسلمين لغيرهم من خلال نص وثيقة العهدة العمرية.. ولو قرأ عصيد نص هذه الوثيقة لأدرك قمة الأخلاق والقيم في معاملة المسلمين لغيرهم، وما أظنه إلا قرأها، وأي قبح أعظم من أن يصبح المرء يرى حسنات الناس سيئات.. أما رسالة النبي صلى الله عليه وسلم التي ادعى عصيد أنها تحمل تهديدا؛ فقد وردت في النشاط التعليمي التعلمي بكتاب (المنار) في درس (العالمية والتوازن والاعتدال) ص46. وواضح من صنيع مؤلفي الكتاب أنهم يقصدون بها أن الإسلام رسالة عالمية وليست رسالة إرهابية تهديدية.. ثم لماذا غفل عصيد عن كل مقرارات مادة التربية الإسلامية، وكلها دعوة إلى التسامح والحوار واحترام الآخر، وذهب إلى وثيقة وحيدة واردة بأحد الكتابين المقررين ليوصل من خلالها حقده على هذه المادة وأساتذتها؟؟ أليس من العدل والإنصاف أن يذكر ما لهذه الكتب وما عليها إن كان صادقا؟؟ أيليق بالأستاذ الفيلسوف المفكر أن يضرب صفحا عن كل النصوص والوثائق والتعليمات الواردة بالكتاب المدرسي التي تحث على التسامح ومعاملة غير المسلمين بالحسنى، ويقتطع كلاما دون سياقه السابق واللاحق ليبني عليه ويشيد البهتان والكذب؟؟ ويتهم الجهات التي وضعت هذه المقررات بالانتماء ليتار إيديولوجي معين؟؟ وكذلك المدرسون لهذه المادة؟؟ إن الذي يرهب عصيد هو الإسلام نفسه.. بتعاليمه السمحة، وأخلاقه العالية، وانتشاره الواسع في كل بقاع العالم.. وما زاد من حقده وحسده هو ما يشاهده اليوم من وصول الإسلاميين إلى مراكز القرار في الدول الإسلامية؛ فأصبح خائفا يترقب سقوط علمانيته؛ فلم يتمالك نفسه وأطلق العنان لقلمه ولسانه دون وازع من خلق أو دين أو عقل..
ثانيا: بيان دلالات كتب النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء، وعلاقتها بالإرهاب والتهديد الذي ادعاه عصيد.. لقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة رؤساء وملوك الدول إلى الإسلام امتثالا لأمر الله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته).. وهذه الرسائل التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء تتضمن عدة دلالات؛ منها: - أن رسالة الإسلام رسالة عالمية؛ فهي إلى الناس كافة، وليست للعرب فقط. - أنه يجب على المسلمين تبليغ رسالة الإسلام إلى كافة الأمم، وإلى قياداتها. - وفي هذه الرسائل تحذير لتلك القيادات من رفض الاستجابة لدعوة الإسلام، وترتيب الإثم المضاعف عليها بسبب صد شعوبها عن الإسلام بالقوة أو بالقدوة. وليس في هذه الرسائل أي تهديد بقتل أو قتال، أو إرهاب أو تهديد.. وتمعن معي في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى.. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين". يبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم بالبسملة، ويعظم هرقل، ثم يتبع ذلك بالسلام.. فأين التهديد والإرهاب؟؟ أم أن عصيد فهم من الرسائل ما لم يفهمه المرسل إليهم؟؟ إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل يهدد ويرهب؛ فلماذا لم يقم هؤلاء المرسل إليهم بتجييش الجيوش وإرسالها إلى المدينة لتبيد دولة الإسلام الفتية؟؟ إن هذه القيادات كانت أعلم من عصيد بدلالات هذه الرسائل؛ وقد أدركت أنها لا تحمل أي إنذار بشن الحرب عليها إذا لم تحصل الاستجابة، لأنهم يعلمون أن الدولة الإسلامية حينها لم تكن قادرة على فتح جبهات للقتال في كل مكان، ولذلك أدركوا أن الغاية من وراء تلك الكتب والرسائل إنما هي إيجاد الفكرة الإسلامية في أوساط تلك البلاد لدى القيادات والشعوب.. كما أن فيها إعلان من جانب الدولة الإسلامية بقيامها ووجودها، وهو أمر متبع في القانون الدولي الحالي؛ فإذا ما قامت دولة ولو بالانفصال عن غيرها؛ فإنها تخطر الدول الأخرى بقيامها، وكأنها تسأل الاعتراف بها.. وقد وجدنا أن معظم من أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم برسائل قد تلطفوا في ردودهم، وهو اعتراف صريح منهم بالإسلام دينا، وبالدولة الإسلامية في الجزيرة العربية !! وفي عصرنا هذا أرسل الخميني إلى عظيم الاتحاد السوفياتي "غورباتشوف" رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، وإلى نبذ المذهب الشيوعي الذي تقوم عليه دولة الاتحاد السوفياتي.. فهل كانت مثل هذه الرسالة إعلانا من دولة إيران للحرب على الاتحاد السوفياتي وإرهابا له؟؟ أم أنها كانت تود لفت نظره إلى قيام جمهورية إيران بعد الثورة؟؟ بل في عصرنا هذا أيضا أرسلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر سنة 1996 رسالة إلى الرئيس الفرنسي تدعوه إلى الإسلام؛ فهل هذا أيضا تهديد من هذه الجماعة الصغيرة لدولة فرنسا العظمى وإرهاب؟؟
ثالثا: بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، وأن سيرته العطرة خير دليل على سماحة رسالة الإسلام ورحمتها.. وأختم كلامي مع الأستاذ عصيد بهذا الفصل في بيان أخلاقه صلى الله عليه وسلم خصوصا مع أعدائه؛ ليعلم عصيد ومن وراءه أن رجلا بمثل هذه الأخلاق والفضائل والمكارم لا يجوز لمنصف أن ينبزه بقبيح الكلام.. محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه هو الرحمة المهداة، أرسله الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا؛ فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت بها القلوب بعد شتاتها.. وإن التاريخ بأجمعه لم يشهد جسدا آدميا اجتمعت فيها خصال وأخلاق وسجايا تربو أو تناظر ما تحلى به محمد صلى الله عليه وسلم من عظيم الخصال وجميل الآداب.. وما إن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انهال عليه كفار قريش بالسخرية والاحتقار والاستهزاء والتكذيب والتضحيك، وإثارة الشبهات، وتكثيف الدعايات الكاذبة، والحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين، ثم ما لبثوا أن انتقلوا إلى أسلوب الاضطهاد والتعذيب.. ويمر صلى الله عليه وسلم بأتباعه وهم يعذبون في الرمضاء في بطحاء مكة؛ فما يزيد أن يقول لهم: (صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة).. ثم امتدت أيديهم إلى الاعتداء على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعارهم: مذمما عصينا .. وأمره أبينا .. ودينه قلينا وكان بعضهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي، وبعضهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، بل بلغت وقاحة القوم أن رموا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد بين يدي ربه لا يرفع رأسه؛ حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عن ظهره، وهم يضحكون ويتمايلون.. وحاولوا قتله؛ فبينما هو يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط؛ فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا؛ قأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟ ثم قاطعوه مقاطعة عامة ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب فيما يعرف بميثاق الظلم والعدوان؛ حتى أكل المسلمون الأوراق والجلود، وكان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع !! وخرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف نحو ستين ميلا ماشيا على قدميه جيئة وذهابا يدعوهم إلى الإسلام؛ فسخروا منه واستهزأوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، وجعلوا يرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتى اختضب نعلاه بالدماء.. وأرسل الله إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا) !! ثم اجتمعوا في دار الندوة وقرروا بالإجماع قرارهم الغاشم بقتله صلى الله عليه وسلم، ونفذوا قرارهم فورا؛ فطوقوا منزله ليلا (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).. وهاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن أخرجه قومه من مكة وقرروا قتله؛ فأقام دولته الإسلامية، وواصل كفار قريش استفزازاتهم، واتصلوا بعبد الله بي أبي بن سلول يحرضونه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحاربوه ونازلوه في عدة معارك، وحالوا بينه وبين المسجد الحرام عندما خرج معتمرا مسالما.. وعندما فتح الله مكة لرسوله، ودخلها صلى الله عليه وسلم فاتحا بدون قتال وهو يقرأ سورة الفتح حتى دخل المسجد الحرام، وحوله المهاجرون والأنصار؛ فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت وهو على راحلته؛ فلما فرغ من الطواف أمر بما فيها من الأصنام فأخرجت وكسرت، ثم فتح الباب، وكانت قريش قد ملأت المسجد الحرام صفوفا؛ فأخذ بعضادتي الباب، فخطب خطبته التاريخية العظيمة، وقال: (يا معشر قريش ! ما ترون أني فاعل بكم؟؟) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم.. فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تثريب عليكم اليوم؛ اذهبوا فأنتم الطلقاء) !! هذا رسول الله يا عصيد، وهذه رحمته، وهذه أخلاقه.. أما ما تلفظت به في حقه صلى الله عليه وسلم فهو عار عليك عظيم، وجهل منك كبير، وخفة وطيش، ووقاحة وقلة أدب مع سيد البشرية جمعاء الذي زكاه رب العزة والجلال بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم).