مدينة الفنيدق، التي كانت تعدّ لؤلؤة على شاطئ المتوسط، باتت اليوم عنوانًا للفوضى والعشوائية، وكأنما أطلقت العنان للقوى التخريبية لتعبث بأركانها وتحوّلها إلى مرتع للتسيب ومرتع للتشرد والهجرة السرية. تعد الفوضى والعشوائية في مدينة الفنيدق نتيجة لعدة عوامل مترابطة، تضافرت لتخلق واقعًا يصعب تجاهله. كان أولها غياب الرقابة والتسيير العقلاني، حيث افتقدت المدينة لخطة تنموية شاملة تُعنى بتنظيم الفضاءات العامة وضبط الحركة التجارية. تهاون المسؤوليزن في تطبيق القوانين الرادعة، مما سمح بانتشار ظواهر احتلال الملك العمومي، وتُركت الأرصفة والطرقات للباعة الجائلين وعربات الأكلات التي تنتشر في كل مكان دون ضوابط، حاملة شعار "خانز وبنين"، لتلوث المدينة بصريًا وصحيًا. هذا التسيب أوجد بيئة مثالية لتفاقم مشاكل أخرى مثل الهجرة السرية، حيث صارت المدينة محطة عبور للمهاجرين من جنسيات مختلفة، بحثًا عن فرصة للهروب نحو الضفة الأخرى، هؤلاء المهاجرون، ومع غياب الرقابة الاجتماعية والأمنية، أصبحوا جزءًا من المشهد اليومي للمدينة، مما زاد من تعقيد الأزمة وخلق مناخًا من الخوف والقلق لدى سكانها. إلى جانب هذا، تغلغل الإهمال إلى المرافق العامة، التي تعاني اليوم من تدهور واضح، فأصبح من المعتاد رؤية المتشردين في كل مكان في الشوارع و الاسواق و الساحات العامة حتى أصبح المواطن يشهد عن تراجع الخدمات الأساسية، مما يعكس انهيارًا شاملًا للبنية التحتية. إن غياب المبادرات المدنية الفعالة والتراجع في مستوى الوعي الاجتماعي جعلت الفنيدق بيئة خصبة لهذه التجاوزات، لم يقتصر الأمر على سوء التسيير فقط، بل تجاوز إلى تقاعس المجتمع المدني عن ممارسة دوره كقوة ضغط، لتحمل مسؤولياته في التصدي لهذه الفوضى. علاوة على ذلك، فإن انتشار العشوائية واحتلال الملك العمومي يُظهران هشاشة التخطيط الحضري وعدم قدرة المسؤولين على مواكبة النمو الديموغرافي للمدينة، حيث تركت المدينة عرضةً للمضاربات العقارية والاستغلال غير المشروع للفضاءات العامة، مما جعل من الصعب إعادة النظام إلى شوارعها وأحيائها. إن مدينة الفنيدق اليوم باتت تعاني من مشكلات معقدة تتطلب تدخلًا عاجلًا من جميع الأطراف المعنية، وعلى المسؤولين أن يضعوا حدًا لهذا التسيب ويعيدوا للمدينة رونقها المفقود من خلال تنظيم الأسواق وإخلاء الملك العمومي من المحتلين، مع تفعيل دور الأجهزة الأمنية والقضائية. كما يجب أن تتكاتف جهود المجتمع المدني لتوعية السكان بأهمية الحفاظ على النظام العام، وضرورة التعاون بين جميع الفاعلين لإعادة الفنيدق إلى سابق عهدها. الحل لن يكون سهلًا أو سريعًا، لكنه يبدأ بالاعتراف بحجم المشكلة وتحمل الجميع لمسؤولياته. فقط من خلال خطة شاملة وتنسيق مشترك بين السلطات والسكان، يمكن للفنيدق أن تستعيد بريقها وتتحول من جديد إلى مدينة نابضة بالحياة، بعيدًا عن الفوضى والعشوائية التي أضحت عنوانًا لها.