في الوقت الذي مازال فيه فتيل غلاء الأسعار مشتعلا في البلاد، وإعلان الحكومة عن فشلها الذريع في مواجهة مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات وما ترتب عنه من زيادات صاروخية في جميع المواد الغذائية من خضر وفواكه ولحوم وأسماك ومنتجات الحليب وغيرها. حيث لم تجد بدا من الاعتراف عبر الناطق الرسمي باسمها مصطفى بايتاس، بأنها لم تتمكن من تحقيق ما كانت تطمح إليه من هدف في خفض الأسعار والتصدي للوسطاء والمضاربين، وتبين لها بأن أزمة الغلاء القائمة منذ شهور أعقد مما كان يتصور "حكماؤها"... وفي الوقت الذي ما انفك فيه الغضب الشعبي يتصاعد من خلال ما يعبر عنه توالي الاحتجاجات وتعالي الأصوات المنددة بارتفاع الأسعار، وفي ظل ضغط أحزاب المعارضة والمركزيات النقابية، التي لم تعد تخفي استياءها العميق وقلقها الكبير من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومن السياسة العقيمة التي تنتهجها الحكومة في التعاطي مع الارتفاع الرهيب في أسعار المواد الاستهلاكية، والاعتداء السافر على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، أمام تدني مستوى الأجور والدخل المحدود لآلاف الأسر، وتزايد معدلات الفقر والبطالة. تأبى حكومة عزيز أخنوش إلا أن تظل غارقة في مستنقع الصمت وتتخبط في البحث عن مخرج لتهدئة النفوس وإخماد نيران الغضب الشعبي، ولاسيما بعد أن تعددت وقفات الاستنكار والاحتجاج في مختلف شوارع المدن المغربية، وتنظيم مسيرات احتجاجية إقليمية من قبل المنظمات النقابية وفعاليات المجتمع المدني، تنديدا بالقهر والتهميش وغلاء المعيشة واستفحال الأزمة الاجتماعية الخانقة، فضلا عما وجهته لها فرق المعارضة في البرلمان من انتقادات لاذعة، متهمة إياها بالقصور والتقصير في معالجة إشكالية ارتفاع أسعار المحروقات التي ترخي بظلالها على باقي أسعار المواد الأساسية. ومما ساهم بقسط وافر في الرفع من منسوب التوتر والاحتقان في أوساط كافة فئات المجتمع المغربي، هو أن حكومة "الكفاءات" التي أخفقت في حل أزمة ارتفاع الأسعار ومواجهة الغلاء في الداخل، لجأت في الأيام الأخيرة إلى الخارج لاستيراد الآلاف من رؤوس الأبقار البرازيلية المخصصة للنحر، ضمن ما اعتبرته خطة لتمويل السوق المغربية باللحوم الحمراء، بهدف الحد من أسعارها التي ما فتئت ترتفع هي الأخرى، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد مائة درهم. ففي هذا الصدد وبناء على ما أوصلتنا إليه حكومة أخنوش من غيظ وتذمر، لم نجد للتعبير عن ذلك أفضل من المثل القائل "شر البلية ما يضحك"، إذ رافق دخول الشحنات الأولى من هذه الأبقار المخيف شكلها والمخالف منظرها لما اعتادت عليه العين المغربية، موجة من التهكم على منصات التواصل الاجتماعي، التي شكك الكثير من روادها في هوية هذه "المخلوقات" الحيوانية، حيث اعتبرها البعض من سلالة الجاموس، دون أن يصدر أي رد من وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات التي قامت باستيرادها حول هذه السلالة إن كانت فعلا من فصيلة الجاموس أو غيرها. والجاموس من سلالة الأبقار التي تفضل الحياة البرية، وهو من الحيوانات التي تنتشر في بعض بلدان جنوب الصحراء وآسيا وفي عديد بلدان أمريكا اللاتينية. ومن جهة أخرى يشار إلى أن سعر لحم الجاموس أكثر انخفاضا مقارنة مع سعر لحم البقر المحلي، ويؤكد في هذا الصدد عدد من المهتمين بتربية المواشي، على أن سعره لا يتجاوز دولارين أي عشرين درهما في البرازيل، بينما يتراوح سعر اللحوم الحمراء في بلادنا ما بين 90 و100 درهم. هذا دون إغفال اختلاف طعم الجاموس وما يتطلبه طبخه من مدة زمنية تستوجب "صبر أيوب"، فهل معنى هذا أن حكومتنا الموقرة ذاهبة في سياستها الرعناء إلى تقسيم المغاربة؟ وبعيدا عما خلفته عملية استيراد الأبقار البرازيلية دون غيرها من الأبقار الإسبانية والفرنسية من لغط وردود أفعال متباينة حول مدى جودتها واحترامها للمعايير والشروط الصحية، فقد تفاجأت ساكنة العاصمة صباح يوم الأحد 9 أبريل 2023 بثورين من فصيلة الجاموس البرازيلي يتجولان بحرية في شوارع المدينة، بعد أن فرا هاربين من مجازر البلدية إبان اقتيادهما للذبح، دون أن تحرك جماعة الرباط ساكنا تجاه الحادث. لكن بمجرد ما حاول بعض المواطنين القبض عليهما حتى تحول المشهد إلى واحد من مشاهد "الكوريدا" الإسبانية، وتسببت عملية المطاردة في إحداث فوضى عارمة خاصة في منطقة أكدال، أدت إلى إلحاق أضرار بليغة بعدد من السيارات والمحلات التجارية، وأثارت مخاوف وهلع المواطنات والمواطنين الذين هرعوا إلى البيوت المفتوحة للاختفاء، كما توثق لذلك مقاطع من فيديو تم تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولولا تدخل السلطات المعنية مدعومة بعدد غفير من الجماهير، لحدث ما لا يحمد عقباه ولما كان من الممكن السيطرة عليهما ونقلهما في شاحنة خاصة. إننا أمام فوضى الأسعار والأبقار، لم نعد ندري إلى أين تسير بنا "سفينة" أخنوش وسط تلاطم "الأمواج" العاتية، بعد أن فقدنا الثقة في قائدها الذي اتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أنه فاقد للبوصلة ويفتقر إلى أبجديات القيادة. ونسأله تعالى أن يلطف بنا ويخرجنا من هذه الأزمات المتلاحقة بأقل ما يمكن من الأضرار والأخطار..