يبدو أن نطاق فضحة حم الخيل ماضية في الاتساع حتى تأتي على كل من شارك فيها أو استفاد منها على حساب صحة المواطنين في بلدان أوروبية عدة خلال السنوات الماضية. وفي أحدث فصول تلك القضية المثيرة للجدل، قامت الحكومة البريطانية بالتحقيق بشكل عاجل الليلة الماضية في مزاعم تتحدث عن أنه قد سبق وتم تنبيه الوزراء منذ مطلع عام 2011 بأن لحم الخيل المحظور بدأ يدخل السلسلة الغذائية.
خطاب تحذيري
وقال جون يانغ، مدير سابق بخدمة نظافة اللحوم التي تعتبر الآن جزءا من وكالة المعايير الغذائية، إنه ساعد في صياغة خطاب تحذيري لوزير الزراعة السابق سير جيم بيس. وهو الخطاب الذي علم الوزير من خلاله أن نظام المرور الحكومي، المصمم لمنع دخول لحم الخيل الذي يحتوي على عقاقير ضارة للسلسلة الغذائية، لا يعمل بأي حال من الأحوال.
ونقلت صحيفة بلفاست تلغراف الأيرلندية بهذا الخصوص عن يانغ قوله: "منحت وزارة شؤون البيئة والغذاء والريف ما يقرب من 80 منظمة سلطة إصدار إجازات مرور، لكن بعضها لم يكن أفضل حالاً من الأطفال الصغار بهذا الصدد، وكانت هناك فوضى تامة".
وأشار يانغ في الوقت عينه إلى أنه ونتيجة لتراخي نظام إجازات المرور، لم تكن هناك طريقة لمعرفة ما إن كانت الخيول قد تم منحها عقار phenylbutazone المضاد للالتهابات، الذي يحتمل أن يكون خطيراً، قبل أن يتم ذبحها، ومن ثم يتم إدخالها سلسلة الغذاء البشرية سواء كان ذلك بطريقة شرعية أو بطريقة غير شرعية.
وأوضح وزير البيئة، أوين باترسون، أنه طلب من وكالة المعايير الغذائية أن تعيد فحص سجلاتها من أجل الوقوف على طبيعة التحذير الذي تم إطلاقه من قبل. أما وزير الزراعة السابق، السير جيم، فأكد أنه لا يعلم شيء عن أي تحذيرات في ذلك الوقت.
وأضاف في تصريحات لصحيفة التايمز اللندنية "إن ثبت أن تلك المعلومات قد وصلت وزارة شؤون البيئة والغذاء والريف ولم تتحرك على أساسها، فهذا كفيل بإجراء مزيد من التحقيقات. وأنا أريد أن أعرف في واقع الأمر لما لم يتم إخطاري بذلك الأمر".
وعاود باترسون ليقول "المشكلة هي أنه بموجب القوانين الأوروبية، يتم وضع قانون سلامة الغذاء من قبل المفوضية، وأن جزء كبير منه يبني على الثقة، ولم يتم إجراء قدر كاف من الاختبارات. وأنا مضطر الآن لأن أتعامل مع النظام الذي ورثته".
لكن رئيس سلسلة متاجر "آيسلاند" أرجع تلك الفضيحة إلى سياسة خفض الإنفاق المتبعة من جانب الحكومة والسلطات المحلية، مؤكداً أنهم مصممون على إنفاق أقل قدر ممكن من الأموال على اللحوم التي تُوَرَّد للمدارس والمستشفيات والسجون.
اتساع فضيحة لحوم الخيل
هذا وامتدت فضيحة انتشار لحوم الخيل، التي بدأت في بريطانيا وايرلندا، إلى عموم القارة الاوروبية بشيوع أخبار عن سحب شركة نستلة السويسرية، عملاق الصناعات الغذائية، بعض منتجاتها من الأسواق في إيطاليا وإسبانيا، بسبب احتوائها على لحوم الخيل بدلًا من اللحم البقري.
وأكدت نستلة زيادة الاختبارات التي تخضع لها منتجاتها، بعد شائعة اكتشاف آثار للحوم الخيل في أغذية بريطانية وآثار حمض نووي مصدره خيول في منتوجين من لحوم البقر تصنعهما شركة ألمانية.
لكنها ما لبثت أن نفت نفيًا قاطعًا احتواء أي من منتجات نستلة الغذائية في الأسواق الأوروبية على آثار للحم الخيول، معلنة بكل وضوح "خلو سبعة من أطباق جيني كريغ المخصصة للتنحيف، واثنين من مستحضرات جربر لتغذية الأطفال، والتي تحتوي في العادة على لحوم بقرية، من أي آثار لحمض نووي خاص بالخيول".
وصرّحت جيني كريغ للصحافة قائلةً: "نؤكد أن نستلة أخضعت كل أطباقها التي تحتوي لحومًا والتي تباع في بريطانيا وإيرلندا، للفحوص المخبرية وفق المعايير الدولية المعترف بها، وأتت النتائج سلبية، ما ينفي وجود أي منتج خاص بالخيول في أطباقها".
سحب على الاشتباه
وكانت نستلة قررت سحب منتوجين من الباستا المجمدة من الأسواق في ايطاليا واسبانيا وسحب منتوج لازانيا بولونيز المعد للاستخدام في المطاعم في فرنسا ايضًا، والاستعاضة منه بمنتوج من لحم البقر الخالص.
وقالت نستلة إن مستوى الحمض النووي للخيول في المنتجات كان يزيد على السقف الذي حددته وكالة المعايير الغذائية البريطانية بواحد بالمئة، وبناء على ذلك تقرر سحب هذه المنتجات. واستدركت مؤكدة أن لا وجود لقضية تتعلق بالسلامة الغذائية العامة، "لكن عدم ذكر المحتويات بدقة على الملصق يعني عدم استيفاء المعايير الصارمة التي ينتظرها المستهلك من الشركة". وتدرك نستلة أهمية السمعة التجارية لعلامتها، بعدما كانت هدفًا للمقاطعة بسبب ضلوعها في قضية تسويق حليب أطفال في بلدان نامية قبل فترة.
أميركا الخالية
ووصلت أزمة لحوم الخيل في الأغذية المصنعة إلى نحو 12 بلدًا اوروبيًا، وأعلنت الشركة السويسرية أن منتجاتها في السوق الاميركية لم تتأثر بالفضيحة. فقد اصدرت نستلة بيانًا قالت فيه إن فرعها في الولاياتالمتحدة لا يستخدم لحومًا أوروبية، وأن مفتشيها موجودون في كل معامل تصنيع اللحوم الاميركية، وهم مسؤولون ايضًا عن سلامة أي لحوم مستوردة.
كما تلقت نستلة تأكيدًا من مورديها باللحوم أنهم لا يوردون إلى فرع نستلة في الولاياتالمتحدة أي لحوم من بلدان شملتها الفضيحة. وقالت وزارة الزراعة الاميركية إن الولاياتالمتحدة لا تستورد لحوم الابقار من أي من البلدان التي عُثر فيها على لحوم ملوثة. وأكدت نستلة أن فرعها الأميركي يستخدم لحم ابقار من الولاياتالمتحدة وكندا ونيوزيلندا.
أزمة ثقة
وعلى الرغم من أن فضيحة لحم الخيول الحالية تُعد قضية احتيال وتلاعب بما يعلنه ملصق الأغذية المعلبة، فإن أدلة ظهرت أخيرًا تشير إلى أن عقاقير بيطرية قوية ربما تسللت إلى السلسلة الغذائية. واكتُشفت هذه العقاقير في ثمانية خيول نُحرت لأغراض غذائية في بريطانيا، ستة منها صُدرت إلى فرنسا من أجل الاستهلاك البشري.
وبدأت شركات الأغذية في بريطانيا برنامجًا واسعًا من الاختبارات والفحوص، بعد أزمة الثقة بالمنتجات التي تصل إلى المستهلك عبر سلسلة معقدة من عمليات التجهيز. وأعلنت وكالة المعايير الغذائية البريطانية يوم الجمعة الماضي نتائج 2501 اختبار ، أُجريت على منتجات لحوم البقر، كانت 29 منها تحوي نسبة تزيد على واحد بالمئة من لحم الخيل.
وأعلن الاتحاد الاوروبي تكثيف الاختبارات والفحوص الغذائية بعد الدعوات المتزايدة لتشديد الرقابة على المستوى الأوروبي.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ريتشارد سيبر، منسق لجنة البيئة والصحة العامة والسلامة الغذائية في البرلمان الاوروبي، قوله: "ما اكتُشف خلال الأيام الأخيرة هو عملية احتيال واسعة النطاق، وخرق صارخ للقواعد الاوروبية في كتابة الملصقات الخاصة بالمنتجات الغذائية، ومن هنا ضرورة تشديد الضوابط والتوثق من تنفيذ القواعد المعمول بها على نحو أفضل".
ودعت غلينس ويلموت، زعيمة كتلة حزب العمال البريطاني في البرلمان الاوروبي، إلى تشريع أوروبي لضمان إعلان المنشأ والمحتوى بوضوح في الملصق وتشديد الرقابة.