ربما لم يعد في جسم المواطن المسكين مكان لم يجلد بنار ما يسمى بالإصلاحات الجذرية و العميقة و ...و طويلة الأمد طبعا. منذ اعتلائها عرش تسيير الشأن العام المغربي و حكومة السيد عبد الإله بنكيران في سباق مع الزمن من إجل إقرار عدد غير قليل من الإصلاحات في مجالات شتى. خطوات محمودة بالتأكيد، لكن الملاحظ البسيط و المتعمق على حد سواء لا ينفكون يسجلون اقتصار هذه الإصلاحات بقساوتها على الطبقات المستضعفة من المواطنين، و خاصة الطبقات التي توصف بالوسطى، رغم أنها لم تأخذ من هذه الصفة سوى الإسم، فهي بالأحرى أن تسجل مع الطبقات الدنيا من المجتمع، كيف لا و هي تكابد من أجل استيفاء الأساسيات المعيشية، فما بالك بالكماليات. كانت بدايات الحكومة و خطواتها تيعث على الارتياح و تدفع للتشجيع، خاصة مع اتسام أغلب وزرائها بالتواضع و العفوية، غير أن توالي الأيام بدا و كأن أنيابا خفية بدت تظهر و تتجلى، و هي تغرز في الجسم المتهالك للمواطن المستضعف. فأولى الصفعات جاءت مع زيادة ثمن المحروقات و التي أطلقت العنان لزيادات غير مسبوقة في شتى السلع، بل و حتى أثمنة النقل عبر الأساطيل الطرقية. ثم تلتها قوانين و قرارات لم تزل تكيل اللكمات الموجعة للمواطن، فهذا قرار الاقتطاع من أجور المضربين ( رغم أن الاضراب حق دستوري و ليس انقطاعا غير مشروع عن العمل)، و ذاك قرار اصلاح صندوق المقاصة، و الذي يعلم الجميع التبعات التي قد تنجم عن كذا إجراء. ثم لاحت في الأفق القريب قرارات أكثر شؤما كضرورة الزيادة في تسعيرة الماء و الكهرباء بدعوى أن المكاتب الوطنية مثقلة الكاهل بأثمنة المواد الأولية اللازمة في عملية الانتاج، ثم معضلة صناديق التقاعد التي ستعلن إفلاسها في القريب العاجل، و لم تجد الحكومة من سبيل لحل مشكلتها إلا من خلال ( الحائط القصير) الموظف؟؟ قرارات و تلو القرارات بل لكمات تلو اللكمات و صفعات تلو الأخرى، و عجبا لهذا المواطن مازال صامدا... و في خضم كل هذه الجلبة، يتراءى لنا العديد من الأسئلة من قبيل: لما لم تجد الحكومة غيرنا كأكباش فداء لتجرب فينا مدى جدوى اقتراحاتها و قراراتها؟ كيف يمكن التوفيق بين القول بكوننا دولة تمر بأزمة مالية، في حين أننا قادرون على منح لاعبينا الدوليين منحا قد تصل إلى 200 ألف دولار في حال فوزهم بكأس افريقيا؟ مع العلم أنها المنحة الأضخم مقارنة مع كافة الدول المشاركة؟ ماذا لو تحلينا بالشجاعة و تخلينا عن فكرة كرة القدم و المنتخب حتى نجتاز الأزمة؟ و كيف لدولة تدعي مرورها بأزمة مالية في حين هي قادرة على دفع الملايين مقابل نقل تلفزي لمباريات منتخبها؟ ماذا لو تخلينا عن مجالس لا دعوى منها كمجلس المستشارين و اكتفينا بالبرلمان؟ ماذا لو قلصنا من رواتب كبار الموظفين في الوزارات و الدواوين؟ ماذا لو دققنا في موارد الثروة السمكية و الفسفاطية و السياحية و.... ألم تكن مبالغها كافية لحل أزماتنا بدل ازمتنا؟ ماذا لو عملنا على استغلال طاقاتنا البديلة من شمس و رياح ألم نكن لنستغني عن المكاتب المصاصة للدماء؟ ماذا لو ... ماذا لو....؟؟؟؟؟ أسئلة تؤرق الكثيرين ممن سحقوا و يسحقون في خضم الصراع اليومي مع قوت العيش، لربما نجد من يشفي غليلنا بأجوبة شافية و كافية.