يواصل الملك محمد السادس بلا كلل انتهاج سياسة اليد الممدودة نحو الجزائر، رغم إصرار الاخيرة على (الفجور) في مخاصمته، دونما داع موضوعي، اللهم إلا ما ترسب لدى بقايا نخب من زمن مضى، من أوهام يفترض أنها صارت متجاوزة، بحكم تغير الزمن، وتبدل الأحوال، وتعاقب الرجال. فبعد خطابه، بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش الذي وجه من خلاله للجزائر دعوة صادقة، لطي صفحة الماضي، والشروع في التأسيس لعلاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، عاد الملك محمد السادس، اخيرا، في مبادرة انسانية دالة، لإبداء استعداد المغرب لمساعدة الاشقاء في الجزائر على إخماد الحرائق التي شبت في جهات مختلفة من البلاد. لكن، وا أسفاه!، لم تقابل مبادرات الملك بالإيجاب، لا في الأولى ولا في الثانية، كل ذلك، والملك يستمر في تجسيد قوله تعالى "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، مترجما بذلك احدى اهم صفات القادة الملهمين، المؤمنين بوحدة المصير، وانتصار إرادة الخير. لايثنيه في ذلك اعراض النخب الحاكمة في الجزائر عن المضي قدما في الطرق على (جدار برلين) العلاقات المغربية الجزائرية، الذي يحاول البعض ان يبقيه حائلا بين الشعبين الشقيقين، خدمة الأهواء، ومصالح، واجندة استراتيجية مرتبطة بنخب مهزومة تاريخيا، وفاشلة سياسيا، ومرفوضة شعبيا. وكم هو مؤسف، أن يعرض الماسكون بتلابيب الحكم في الجزائر الشقيقة، عن دعوة صادقة، لبناء شراكة حقيقية، قوامها الحوار والثقة وحسن الجوار، مهدرين بذلك سانحة تاريخية للم شعث الشعبين الشقيقين عبر فتح الحدود بينهما، والسماح للأفراد بالتنقل في الاتجاهين، وتسهيل انتقال البضائع و رؤوس الأموال، بما يؤدي الى رفاهية الشعبين، في أفق بناء فضاء مغاربي، ينتصب كمحاور قوي أمام الاتحادات الاقليمية، لاسيما أمام الاتحاد الأوربي، والدفاع عن مصالح الشعوب المغاربية في التنمية والرفاه الاجتماعي و الاقتصادي. وانه مما يدعو للأسى ايضا، ان يتجاهل حكام الجزائر لفتة انسانية من بلد جار وشقيق، وهي اللفتة التي ترجمت مشاعر المغاربة قاطبة وتفاعلهم مع اشقائهم في مواجهة نيران الحرائق التي شبت في أنحاء متفرقة من البلاد، مصرين على تسييس شأن إنساني خالص، وهو ما خلف احباطا شديدا وسط الغيورين من الشعبين الشقيقين ازاء الانحدار الأخلاقي الذي آل إليه سلوك (حكام الوقت) في الجزائر، حتى انهم لم يكلفوا انفسهم عناء الاعتذار المهذب، كاشفين عن صفاقة وقلة ذوق غير مسبوقة في العلاقات بين الدول. والأدهى ان تنساق الجوقة الإعلامية التضليلية العاملة بجانب الطغمة الحاكمة في الجزائر الى التشكيك في النوايا المغربية، والترويج لأوهام لا توجد إلا في مخيلة العاملين على تأبيد منطق التأزيم، سعيا إلى إشاعة المين والكذب في أوساط الرأي العام الجزائري، تجاه المغرب ،بكونه بلد (عدو)، لا يمكن أن يأتي منه الخير، امعانا في حجب أي مبادرة انسانية تأتي من المغرب، حتى لا ينكشف زيف ادعاءات الطغمة الحاكمة. وفي هذا السياق، تجاهل حكام الجزائر مبادرة المغرب بالمساعدة في إطفاء نيران الحرائق التي اندلعت في مناطق شتى من البلاد، وذلك خشية أن تكسر هذه المبادرة الانسانية الصورة النمطية التي درج حكام الجزائر على رسمها في أذهان الرأي العام الجزائري عن المغرب، وفي خضم ذلك ،لم يتردد الملك محمد السادس ،رئيس الدولة وممثلها الاسمى، في بعث رسالة مواساة وتعزية الى الرئيس الجزائري ،ومن خلاله إلى الشعب الجزائري الشقيق، بضحايا الحرائق، مجددا في الآن نفسه تضامن المغرب مع الجزائر في مصابها الجلل، وفي ذلك امعان في تأكيد الالتزام بقيم الجوار والتآزر وحسن الخلق، وذلك بغض النظر عن موقف الجانب الاخر.. إنه تعبير عن سلوك سياسي نادر، وراق جدا ،
كما أنه تجسيد لمعايير أخلاقية وقيمية من صميم ديننا الحنيف، الذي يحض على المدافعة بالتي هي أحسن( ادفع بالتي هي أحسن ..) الآية 34 و35 من سورة فصلت)، والجنوح الى الصلح، (و الصلح خير..)الآية 128 من سورة النساء )، والاتصاف بحسن الخلق، وفي الهدي النبوي، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة، عليك بحسن الخلق، قال أبو هريرة، وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال (تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك) رواه البيهقي، فأين حكام الجزائر من هذه القيم النبيلة؟!