في غمرة التفاعلات الداخلية في الجزائر، سواء بمناسبة جولة كريستوفر روس في المنطقة أو عقب خلافات برزت بين بعض أركان الجيش أو علاقة بالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة ونقله من جديد للعلاج بفرنسا، فإن المغرب بدا حاضرا بقوة في المواقف والمواقف المضادة وسط الطبقة الحاكمة في البلد الجار. لقد تابع الجميع ما كتبته الصحف الجزائرية عقب الخطاب القوي والصريح لجلالة الملك بمناسبة عيد المسيرة، وأيضا ما علق به مسؤولون جزائريون، وخصوصا وزير الخارجية، ثم قرأ الكل كيف فهمت هذه الصحف نفسها تصريحات رئيس الحكومة أمام مجلس المستشارين حول الحدود المغربية الجزائرية، وكل هذا يُبين الإصرار المرضي على إدامة استغلال ورقة المغرب في الصراع الداخلي، كما يُبين تفاقم حالة الخوف وسط الطغمة الحاكمة من تنامي الوعي لدى الجزائريين بكون المغرب ليس عدوا كما يجري تصويره لهم منذ عقود. الطبيعة التوظيفية والاستغلالية لورقة المغرب من لدن جينرالات الجزائر تبرز أكثر عندما نجدها واضحة، بمناسبة وبدونها، في تصريحات ومواقف وممارسات النظام الجزائري، وفي المقابل نرى جمودا مروعا في دينامية الإصلاح السياسي الداخلي وعجزا لدى النظام في تحقيق أي خطوة ديمقراطية أو الاستجابة لانشغالات ومطالب الشعب، وبدل ذلك الإمعان في تحريف نظر الناس إلى الانشغال بعدو وهمي هو المغرب والحذر من سوء نية مزعومة لديه. إن المشكلة الحقيقية أمام عسكر الجزائر تكمن هنا، أي في قدرة جينرالاته على التخلص من عقدة المغرب وإخراج هذه الورقة من التوظيف ضمن مناورات الصراع السياسي الداخلي، ومتى تحقق ذلك ستتأسس فعلا مرحلة جديدة في هذا الجوار الصعب بين البلدين . من جهة أخرى، إن الانحسار المخيف الذي يميز الحالة السياسية الداخلية في الجزائر، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والتنموية، وفي نفس الوقت تراجع موارد الدولة وعائدات النفط، ثم استمرار الوضعية الصحية الحرجة للرئيس وبروز الخلافات وسط بعض أركان النظام الحاكم، كل هذا بات اليوم يمثل مشكلة أمنية واستراتيجية حقيقية ليس فقط لدول الجوار القريب، وإنما لكامل المنطقة. وفضلا عن كل ما سبق، فان النظام العسكري الجزائري، رغم كل ما أنفقه من ميزانيات ورغم كامل البرامج والمناورات، لم ينجح في إقناع النخب والعديد من فئات الشعب لجعل معاداة المغرب قضية الناس وهمهم الأول، فالكل يسجل إقبال الجزائريين عندما تتوفر لهم الإمكانية على زيارة المغرب، كما يتابع الجميع حضور الفنانين والأدباء والمثقفين والجامعيين الجزائريين إلى المملكة للمشاركة في المؤتمرات والمهرجانات ومختلف التظاهرات، وقد تابعنا أيضا مؤخرا تصريحات الأمين العام للحزب الحاكم حول قضية الصحراء، وأيضا ما عبرت عنه زعيمة حزب العمال الجزائري وغيرهما، وكل هذا يؤكد أن النظام العسكري الجزائري ليس منشغلا بموضوع المغرب فقط، وإنما هو يخشاه ويخاف منه، خصوصا جراء ما تحقق للمملكة من مكاسب ونجاحات دبلوماسية بإفريقيا وفي المعركة ضد الإرهاب، ونتيجة لما يميزها من أمن واستقرار، وما تحققه داخليا من تقدم على صعيد ديناميتها السياسية والديمقراطية والتنموية العامة. تقتضي المرحلة اليوم إذن تقوية اليقظة في العلاقة بالجار الشرقي، وفي نفس الوقت مواصلة الدبلوماسية الهجومية دفاعا عن الوحدة الترابية والمصالح الوطنية المشروعة لبلادنا، وأيضا الاستمرار في الانفتاح المبدئي على حسن العلاقات مع البلد الجار نفسه ومع البلدان الإفريقية تقوية للتوجهات الجديدة للسياسة المغربية الخارجية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته