التاريخ المفقود للجزائر العداوة التي تكنها المؤسسة العسكرية الحاكمة بالجزائر للمغرب لها أسباب متعددة، ولها أهداف مختلفة، وتتخذ أبعادا غامضة، يختلط فيها السياسي بالثقافي، والتاريخي بالجغرافي، والعسكري والأمني بالجيوسياسي، وتتداخل هذه الأسباب والعوامل في صناعة الموقف الجزائري من حقوق المغرب التاريخية على صحرائه، وهو ما يجعل تغيير الموقف الجزائري يصطدم بصخور كثيرة وعقبات متعددة، وإذا تلطف السياسي يتعقد التاريخي والثقافي وينكسر العسكري أمام إصرار المغرب على حقه في الصحراء، بالإضافة إلى الإحراج الجزائري الذي تلقاه لأنها حشرت نفسها في قضية بعيدة عنها. لا يمكن إنكار الأبعاد السياسية للموقف الجزائري، لكنه لا يبتعد عن البعد التاريخي حتى يعود إليه. فالجزائر التي صرفت الملايير غير المحسوبة على المؤامرة ضد المغرب، واحتضنت جبهة البوليساريو ومولتها وسلحتها ودربتها، وطافت بها في البلدان وأدخلتها إلى الاتحاد الإفريقي ومازالت تدافع عنها، لا تفعل ذلك لوجه الله ولا حبا في الصحراويين ولا في الصحراء، ولكن لها مصلحة من وراء ذلك، مصلحة يختلط فيها السياسي بالعسكري بالتاريخي وتختلط فيها الجغرافية بالتاريخ. فالجزائر لا ترغب في أن يكون المغرب دولة ديمقراطية، وقد ناورت كثيرا وعملت جهدها كي ينشغل المغرب في فترات من تاريخه بمشاكل كثيرة في الجوار، ينشغل عن التنمية وبناء سكة الديمقراطية، وكانت ترغب في أن يبقى الصراع قائما بين القصر والمعارضة الاتحادية، وشجعت كل ما من شأنه أن يعرقل التقدم الديمقراطي في المغرب. وذلك لغاية في نفس جينرالات الغاز والنفط الذين يتحكمون من خلف الستار في رؤساء الجمهورية الذين ليس لهم من أمرهم شيئا. وهنا يطرح السؤال : لماذا ينزعج الجار الحاكم في الجزائر من التطور الديمقراطي الذي يعرفه المغرب؟ لماذا لا يحب حكام الجزائر وعساكره أن يتقدم المغرب ويأخذ مساره الطبيعي في قطار التنمية؟ حكام الجزائر لا يريدون أن يتقدم المغرب لأنهم سيصبحون كالجزيرة المعزولة وسط دول تتحول وبجانبهم دولة لها مسار يغيظ الكفار بالديمقراطية ألا وهي المغرب. الجزائر تسعى لعرقلة هذا المسار لأنها تخاف من العدوى وانتقال أعراض الديمقراطية يتم بسرعة خفيفة. فلهذا لو كانت الدولة المغربية ديكتاتورية لارتاح حكام الجزائر ونفضوا أيديهم من مشكل الصحراء. لكنهم يخافون من النموذج. وكما يهابون النموذج الديمقراطي فإن لديهم عقدة الدولة اللقيطة التي لا تاريخ لها. فهم يريدون صناعة دولة صحراوية شبيهة حتى لا تبقى الجزائر في المنطقة وحدها بدون تاريخ. ولما نتحدث هنا عن التاريخ فإننا نتحدث عن تاريخ الدولة لا تاريخ الشعب والناس. وباعترافات مؤرخين دوليين لهم مصداقية في عالم التاريخ وفي علم التاريخ ودراسة الوثائق وعلى رأسهم المؤرخ الفرنسي برنار لوغان، الذي تحدث أخيرا عن عقدة التاريخ التي تعاني منها الدولة الجزائرية التي لم تتأسس إلا بفضل المستعمر الفرنسي الذي اقتص مناطق من هنا وهناك ليؤسس هذا الكيان الذي سيصبح أغنى دول المنطقة، مع العلم أنه تاريخيا كان تحت الإدارة العثمانية وانعدمت فيه شروط الدولة أو الأمة تاريخيا.