أكدت دوائر سياسية في تل ابيب أن وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري هو أكثر الشخصيات الأميركية المُلمّة بمنطقة الشرق الأوسط وما يجري فيها، كما يدرك جيداً الروح التي تدار بها تلك المنطقة. إسرائيل حاضرة دائماً في ناظري الوزير الجديد ولم تكن اسرائيل بطبيعة الحال غائبة عن ناظري كيري، فالرجل كسلفه في المنصب هيلاري كلينتون، من ابرز المؤيدين لها، واكثر المتفهمين لتطلعاتها واحتياجاتها باستثناء رفضه لسياسة الاستيطان الاسرائيلية، الا ان هذا الموقف لا يزعج اسرائيل، فلن يستطيع كيري او غيره من ساسة الولاياتالمتحدة تغيير سياسة باراك اوباما، ولابد بحسب تقديرات صحيفة يديعوت احرونوت العبرية ان يسير كيري في فلك رئيس الادارة الأميركية.
كيري البالغ من العمر 69 عاماً، كان مرشحاً للرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي عام 2004، إلا انه خسر أمام منافسه العنيد جورج بوش الابن، لكن خسارته لم تكن بفارق كبير في الأصوات، وربما يعود ذلك وفق تقديرات في واشنطن، إلى رغبة الجماهير الأميركية في عدم تغيير قيادتهم السياسية قبل انتهائها من (مستنقع) الحرب الدائرة في العراق حينئذ.
ويرى المراقبون في إسرائيل ان جون كيري من ابرز الشخصيات التي تتمتع بتجارب سياسية كبيرة، الامر الذي يؤهله اكثر من غيره لتولي المنصب خلفاً لهيلاري كلينتون، فكان الرجل رئيساً للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، واستمر في عمله العام كسيناتور عن ولاية مستشوستس لمدة 27 عاماً على التوالي، فهو خريج جامعة ييل وحرب فيتنام، التي حصل بعد ان وضعت اوزارها على نوط القتال الاعلى من نوعه عسكرياً، كما انه متزوج من وريثة المليارات تريزا هيينش، الامر الذي يضعه ضمن قائمة اثرياء الولاياتالمتحدة السياسيين. خلافات غير مرئية بين اوباما وكلينتون اما وزيرة الخارجية المنتهية ولايتها هيلاري كلينتون، التي تغيبت عن حضور مراسم حفل تسلم خلفها المنصب إثر اصابتها بوعكة صحية شديدة، فأخفت خلال السنوات الأربع الأخيرة خلافها مع اوباما حول كيفية التعاطي مع الملف الفلسطيني الاسرائيلي، فرفض اوباما على سبيل المثال وصاياها بالعدول عن تعنيف اسرائيل علانية على خلفية سياستها الاستيطانبة في الاراضي الفلسطينية. وعلى مدى سنواتها الطويلة في وزارة الخارجية، كلف أوباما هيلاري كلينتون بتوبيخ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، وجرى ذلك في سياق العديد من الأحاديث والاتصالات الهاتفية بين كلينتون ونتانياهو، غير ان كلينتون رفعت في نهاية المطاف يدها، حينما أيقنت أن تواجدها في منطقة الشرق الأوسط لا يتجاوز إضاعة الوقت، وأعطت هذا الملف الشائك للموفد الأميركي للمنطقة جورج ميتشل، وفي حين زارت كلينتون اسرائيل مرات متفرقة خلال خدمتها الدبلوماسية، زارت سابقتها في المنصب كوندوليزا رايس اسرائيل ما لا يقل عن 25 مرة، واعتبرت تل ابيب تلك الفترة من ازهى الفترات، خاصة انها شهدت اكبر كم من الاتصالات المباشرة بين رئيس الحكومة الاسرائيلية حينئذ ايهود اولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأعربت محافل يهودية في الولاياتالمتحدة عن ارتياحها لقرار اوباما تعيين جون كيري وزيراً للخارجية الأميركية، وجاء في بيان صادر عن المجلس اليهودي في الحزب الديمقراطي: "ان خبرة جون كيري في القضايا الخارجية لا تقبل التشكيك، كما انه الشخص المناسب لتمثيل الولاياتالمتحدة على منابر العالم، كما انه سياسي مخضرم، مزود بكفاءات في الاشكاليات الخارجية، خاصة ما يتعلق منها بقضايا الطوائف اليهودية في مختلف دول العالم، فضلاً عن قيادته المحنّكة للعديد من الملفات ذات الصلة باسرائيل، وأوضح اكثر من مرة – مثل ادارة اوباما – انه يقف بشكل واضح إلى جانب (الدولة اليهودية)، كما ان التزام كيري واضح حيال اشكالية البرامج النووية الايرانية". المدافع الأول عن أمن اسرائيل في اخطر المناطق المؤسسة اليهودية الأميركية المعنية بمكافحة التحريض ضد اسرائيل، باركت هى الاخرى تعيين كيري في منصبه الجديد، وقالت المنظمة في بيان لها: "انه خلال الفترة الطويلة التي قضاها في مجلس الشيوخ، كان كيري داعماً بارزاً لأمن اسرائيل في منطقة هى الاخطر من نوعها في العالم، واظهر مواقفاً التزام فيها بمكافحة (العداء للسامية) في مختلف دول العالم، وزار اسرائيل مرات عديدة جداً، وكانت زيارته الاولى عام 1986، ضمن وفد من اعضاء الكونجرس، ونظمت الزيارة المؤسسة اليهودية الأميركية لمكافحة التحريض ضد اسرائيل". ويعتبر اقطاب المؤسسة التي يدور الحديث عنها، أن كيري كان أول من خاض نضالاً في الكونغرس الأميركي من أجل تحرير يهود الاتحاد السوفييتي السابق، ولم يختلف صراعه في تلك القضية عن تأييده لسياسة الرئيس باراك اوباما، الرافضة لامتلاك ايران اسلحة نووية، فكان السيناتور كيري شريكاً خلال السنوات القليلة الماضية في صياغة عدة تشريعات بمجلس الشيوخ ذات صلة بايران وحزب الله وحماس، وخلال الاسابيع القليلة الماضية، حرص على اظهار موقفه الرافض للخطوات الفلسطينية، التي وصفها بأحادية الجانب على مسار إعلان قيام دولة فلسطينية، حينما توجهت السلطة الفلسطينية لمنظمة الاممالمتحدة من اجل الحصول على مقعد دولة مراقب في المنظمة الاممية، وهى الخطوة التي اعتبرها كيري مخالفة للاتفاقات التي سبق وابرمها الفلسطينيون مع اسرائيل برعاية الولاياتالمتحدة. كما احتل كيري المركز الاول بين المصادقين الأميركيين على عملية "عامود السحاب" العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة، ودافع عن ما وصفه بحق اسرائيل المستقل في الدفاع عن نفسها، ومن ضمن انشطته ذات الصلة باسرائيل داخل مجلس الشيوخ مشاركته في صياغة مشروع قرار، يقضي بالالتزام برفاه وامن اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية مع حدود آمنه.