هي النّواة الأولى في المُجتمعات بشكلٍ عام، وفي المجتمع الإسلاميّ بشكلٍ خاصّ، لذلك فقد عَنِي الإسلام بالفرد والأسرة عنايةً خاصّةً وجعلها الرّكيزة الأولى التي تقوم عليها الأمم والممالك، وبها أيضاً تفسد وتخرب، وقد أجاد الشّاعر حافظ إبراهيم حين قال: من لي بتربية النّساء فإنّها في الشّرق علَّةُ ذلك الإخفاقِ الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيِّب الأعراقِ بالأم الصّالحة تعمُر الأُسَر، ويظهر العلم، وتنمو المُجتمعات، ويَنشأ الجيل الصّالح الفاعل في وطنه وفي مجتمه، وتزدهر البلاد، وتعظم الجيوش، وبالأم الفاسدة يخرب العمران، وتفسد المُجتمعات، وتغفو الأوطان وتكون عرضةً للفتن والآفات، ومرتعاً للشّهوات، وإنّ تربية الأبناء حملٌ ثقيل لا يقوم بحقّه إلا من أدرك عِظَم حجم المسؤوليّة وتنبّه له، وأخذ على عاتقه ترك الرّاحة ومُكابدة السّهر حتّى تَنشأ الأجيال بأفضل ما يُمكن أن تنشأ عليه. مكانة الأبناء في الإسلام رُوِي عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: (ما نحل والدٌ ولدًا مِن نحْلٍ أفضلَ من أدبٍ حسنٍ)، وقال ابن عمر رضي الله عنه: (أدِّب ابنك فإنّك مسؤول عنه: ماذا أدّبته، وماذا عَلَّمته؟ وهو مسؤول عن بِرِّك وطواعيته لك)، كما ذكر بعض العلماء أنّ الله سبحانه وتعالى يسأل الأب عن ابنه يوم القيامة قبل أن يسأل الابن عن أبيه، ومن المعلوم للعموم بالدّلائل والبراهين والوقائع الثّابتة أنّه ما أفسد الأبناء مثل إهمال الآباء في تأديبهم وتعليمهم، حتّى يتمكنوا من العبور إلى الآخرة بسلام، ولا أسوأ من تفريط الآباء في حمل أبنائهم على طاعة الله وزجرهم عن معصيته، وحملهم على الابتعاد عن شهوات الدّنيا ومُغرياتها، يَحسب الوالد أنّه يُكرمه ويُعزّه بذلك وهو في الحقيقة قد أهانه وظلمه، وقد أشارت النّصوص النبويّة السّابقة إلى أهميّة العناية بالأبناء، وضرورة تربيتهم التّربية القويمة، ففي الحديث الذي يرويه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يُشير رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ أفضل ما يُقدِّمه الآباء لأبنائهم من العطايا التّربية الحسنة والأخلاق الحميدة، وأنّ ذلك أفضل لهم من الكنوز والجواهر والثّروات والأملاك والعقارات والأرصدة الماليّة، كما يُشير الحديث الآخر الذي يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن الآباء أول ما يُسألون عنه هو كيف ربّوا أبناءهم وماذا علّموهم، وذلك إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على أهميّة تربية الأبناء في المنظور الإسلاميّ. كيفية تربية الأبناء تربيةً إسلاميّةً صحيحةً إذا أراد الوالدان لأطفالهم تنشئةً صحيحةً قويمةً فإنّ عليهما أن يسعيا إلى تربيتهم في جميع مراحل حياتهم تربيةً حميدةً يكون أساسها تقوى الله سبحانه وتعالى وإطاعته في كلّ حينٍ وفي كل حال، والنّاظر في آداب الإسلام في التّعامل مع الأبناء من قبل الآباء يجد أنّه وضع قواعدَ أساسيّةً لتربية الأبناء من أولى مراحلها وحتّى قبل أن يولد ذلك الطّفل وقبل أن يتزوّج والداه، هي:[4] اختيار الزّوجة الصّالحة التي ستقوم بتربية الأبناء بعد ولادتهم، وهو أوّل لبنة توضع في أساس تربية الأبناء تربيةً سليمةً وذلك لقوله عليه الصّلاة والسّلام: (ثلاثةٌ من السَّعادةِ: المرأةُ الصَّالحةُ تراها تعجبُك، وتغيبُ فتأمنُها على نفسِها ومالِك، والدَّابَّةُ تكونُ وطيئةً فتُلحقُك بأصحابِك، والدَّارُ تكونُ واسعةً كثيرةَ المرافقِ. وثلاثٌ من الشَّقاءِ: المرأةُ تراها فتسوءُك وتحملُ لسانَها عليك وإن غبت عنها لم تأمَنْها على نفسِها ومالِك، والدَّابَّةُ تكونُ قطوفًا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تُلحِقْك بأصحابِك، والدَّارُ تكونُ ضيِّقةً قليلةَ المرافقِ).[5] تسمية الأبناء والبنات تسميةً حسنةً. تعليم الأبناء القيم والأخلاق الحسنة في بداية نشوئهم وابتداء عمر الإدراك عندهم. تعليمهم الصّلاة عند بلوغم سن السّابعة من العمر، واستمرار تعليمهم أحكام الدّين وآدابه وشعائره، حتّى يصلوا فيه إلى مرحلة العلم المُطلَق من حيث الحلال والحرام، وما هو واجبٌ وما هو محظور. تعليمهم شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام- وسيرة أصحابه، وعلماء الأمّة وقادتها. استغلال البرامج الثقافيّة المُتطوّرة، والتّقنيات الحديثة، كالفيديو والكمبيوتر ونحوها، في التّربية، بشرط أن يكون الآباء رُقَباء على تصرُّفات أبنائهم خشية استخدامها بطريقة تُؤدّي إلى نتائجَ عكسيّةٍ. اختيار الرّفقة الصّالحة لهم، والتأكّد من أنّ جميع رُفقائهم من الذين لا يُخشى عليهم من رفقتهم. إشغالهم في وقت المُراهقة بالنّافع؛ لأنّ الفراغ في هذه المرحلة أساس تدمير الأخلاق. إشعار الطّفل إذا بلغ مرحلة المُراهقة أنه قد صار رجلاً يُعتمد عليه؛ لأنه يشعر ذلك بنفسه من خلال التغيُّرات الفسيولوجيّة التي يمرّ بها، فإذا لم يجد في البيت من يُشبِع له ذلك الإحساس بإعطاءه الثّقة بالنّفس، طلبه خارج المنزل. توجيهات للتّعامل مع الأبناء ذكر بعض الباحثين والأخصاء النفسيّين والتربويّين بعضاً من التّوجيهات التي ينبغي على الآباء الاهتمام بها للخروج بنتائجَ أكثر نفعاً، وحتى تكون الوسائل التربويّة التي يتّبعونها أكثر نجاعةً، ومن تلك التّوجيهات ما يأتي: إنّ شخصيّة البنين والبنات تبدأ بالظّهور في السّنة الثّانية لمولدهم؛ لذا لا بد من أن يبدأ الآباء معهم بترسيخ العقيدة الإسلاميّة، وحبّ الله سبحانه وتعالى، والتّعامل بالآداب الإسلاميّة كالصدق، والبذل والكرم، والعطاء، ومساعدة الآخرين، بشرط أن يكون ذلك بأسلوبٍ ليِّن رقيق، فإذا ما استخدم الآباء أسلوب العنف والعقاب في ذلك فغالباً سيُؤدّي إلى نتائجَ عكسيّة، كما أنّ الدّلال الزّائد أيضاً يُؤدّي إلى نتائجَ سلبيّةٍ، وأفضل شيءٍ في ذلك التوسّط. زرع المَحبّة والعطف وحبّ الخير للجميع في قلوب الأبناء من خلال حبّ الجميع لهم؛ فإن الأبناء يحتاجون إلى أن يكونوا مَحل محبّة الآخرين وعطفهم، إذ إنّ الطّفل يتغذّى عاطفيّاً من خلال ما يجد من أمه وأبيه وذويه بشكلٍ خاصّ، كما يتغذّى جسديّاً بالطّعام الذي يُنمِّي جسده ويبعث فيه دفء الحياة، وقد وجَّه رسول الله عليه الصّلاة والسّلام الآباء إلى ذلك عمليّاً، حيث يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبَّل الحسَنَ بنَ عليٍّ والأقرعُ بنُ حابسٍ التَّميميُّ جالسٌ فقال الأقرعُ: إنَّ لي عشَرةً مِن الولدِ ما قبَّلْتُ منهم أحَدًا قطُّ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ). يجب ألّا يُغفل الآباء حاجة أبنائهم للَّعب والمُغامرة والمُخاطرة، وذلك من خلال الأنشطة التي يقومون بها؛ لتجريب قدراتهم، ولاكتساب مزيدٍ من القدرات والخبرات الحياتيّة، والتغلّب على الصّعوبات التي ربما تُواجههم في حياتهم، حيث إنّ بعض الآباء والأمهات يُبالغون في منع أبنائهم من اللّعب خوفاً عليهم، في حين يُؤثّر ذلك على إدراكهم وتعلُّمهم، إذ من أهمّ وسائل التّعليم هو التعلُّم عن طريق اللّعب، وباللّعب تنمو قدرات ومعارف الأبناء، وبها تتفتح مداركهم. ملاحظة المواهب والقدرات عند الأبناء، والاهتمام بجوانب الإبداع لديهم، ورعايتها وتنميتها بما يُناسبها، وتوفير اللازم لها قدر المُستطاع، فإن ذلك سيفيد الأبناء كثيراً. أن يُدرك الآباء حاجة الأبناء إلى توفير الأمن مَعنويّاً، حيث يُدرك الأطفال أنّهم بحاجة دائمة لمن يقف خلفهم يُساندهم، فهم يشعرون بحاجة دائمة إلى من يحميهم ويرعاهم ويكون عوناً لهم وقت الضّيق.