اقتربنا من ليلة رأس السنة التي ليست احتفالا دينيا بالتأكيد وهي مفهوم لسنة تقويم الحياة العملية للبشرية لا أقل ولا أكثر، وبالتالي فإعطاء هذا اليوم صبغة تفوق حجمه يوحي بأن الموضوع يتعلق بعيد ديني أو عيد يحظى بنفس مرتبة الأعياد الدينية على الأقل وهذه مسألة خطيرة، خصوصا لدى الدول الإسلامية والعربية. يعرف المسلمون خصوصا اننا نحن والحمد لله لدينا تاريخنا ونفتخر به وهو هجرة النبي صلى عليه وسلم من مكة الى المدينة، ومازال السجال حامي الوطيس هل هو ذكرى أم عيد؟ وكيف نحيي ليلة مولد السراج المنير الرحمة للعالمين؟ وبمرورها تنسى كأنها لم تكن. يحتفل سكان المعمور بأسره وبجميع القارات ضعفاء كانوا أو فقراء أو اغنياء، وهو يوم فرح أكثر منه يوم أكل وأيضا هو يوم غير مكلف ماديا إذا ما قارناه بعيد الاضحى عند المسلمين، وتجتمع فيه الاسرة حول الحلوى وكؤوس الشاي للضحك ومشاهدة عواصم العالم وهي تستقبل وتودع سنة، وهناك وخصوصا شباب وعائلات متحررة يستقبلونه بكؤوس النبيذ او الجعة او الويسكي وعشاء متنوع، وهو يوم عطلة ليوم واحد الكل يترقبه. يتحسر مغاربة المهجر مثلهم مثل باقي المسلمين والعرب فهم يشتغلون في الأعياد الدينية (الفطر والاضحى)، فهم لا يعترفون بتاتا بأعيادنا ولا يهنؤوننا ولا يسمح لهم بعطلة في ذلك اليوم ولا يبيعون حلويات العيد ... لاحظنا مشاهد غريبة على التلفزة المغربية، التي خصصت في نشراتها الإخبارية حصة كبيرة لترويج لهذا العيد الميلاد المسيحي ورأس السنة أيضاً، فكل الأنبياء عندنا سواسية، لكن الاحتفال بنهاية سنة وبداية أخرى، حيث المظاهر الاحتفالية لعيد النصارى بميلاد المسيح عليه السلام، فقد تحول من عيد ديني مسيحي إلى عيد يكرس الثقافة الغربية بصفة عامة أي الثقافة المدعاة للسخرية وينم على الجهل ترجع لعصر ظلمات العالم الأوربي. هو شيء جميل ان ترى الفرحة على اوجه الناس لكن ليس بالتباهي خلال السنة الميلادية الجديدة، فغالبية الناس بالمغرب لا يعرفون الكثير عن طقوس السنة الميلادية، سوى من يعيش من المغاربة بالمهجر، فالغرب في حلول السنة الميلادية لا يحتفلون بها بالحلوى ابدا، فابتداء من عصر 31 دجنبر ترى الموائد مزينة بمختلف الاجبان والمكسرات والشوكولاتة والمشروبات الكحولية الى فترة العشاء فهناك اطباق من لحم العجل او الخنزير ما أكثره، مع شرب الكحوليات حتى حلول منتصف الليل وحلول السنة الجديدة وتبدأ الاحتفالات من جديد، لكن الغريب ومع كثرة الكحوليات فلا ترى اي عربدة او تضارب او سكر طافح، الشرب بنظام، أما في المغرب شرب على معدة فارغة والعربدة والسكر العلني والفضيحة وأيضا العنف والسرقة والكثير يحكى في المغرب بمناسبة حلول السنة الجديدة... صحيح أن احتفالات هذه السنة تخيم عليها جائحة الكورونا (كوفيد 19)، وستعمل الدول على فرض حالة التجول والتضييق أكثر على التجمعات حتى لا يتحول الاحتفال لتزايد العدوى والموتى، لكن ستكون حالات شاذة في العلب الليلية، وبعض المقاهي السرية وحتى في بعض البيوت ستشهد شلة الأصدقاء تجمعا للسكر وغيرها، هي ممارسات ليست جديدة فشرب الخمر أصبح منتشرا في كل مكان ولكل الأعمار. يعد القرن الحالي هو قرن الحرية الشخصية يعني كل إنسان حر فيما يفعل بحياته شريطة احترام حرية الآخرين، وكذلك احترام القوانين ودولة الحق والقانون والديمقراطية يعني لا فرق بين إنسان وآخر فيما يخص لونه وعرقه ومعتقداته وهذه هي ثقافة العصر الحاضر، بها تعلو الدول وبها يعيش الانسان بدون خوف او قمع وبدون عبودية، لكن يجب احترام خصوصياتنا وهويتنا العربية الإسلامية، واحترام ديننا ونبينا البدر الساطع محمد صلى الله عليه وسلم. نضحك على أنفسنا ونعيش الانفصام في كل تجلياته، نشتري الحلوى والشكولاتة بالإضافة إلى الورود وأيضا سماع الموسيقى واقتناء للخمر وممارسة الجنس... ونتمنى بل ونرجو الأماني بالسعادة وطول العمر والصحة والعافية، ورفع هذا البلاء، ونحن والعالم العربي والإسلامي، يرتكب كل هذه المحرمات؟؟؟ أطرح سؤالي للتنويريين والمنفتحين والداعين لاحترام الأديان والحريات الشخصية والثقافة الغربية، لعلهم يقنعوننا بأنه عيد يلزم كل هذا الاهتمام، هل لابد من السكر والجنس لنكون منفتحين وحضاريين وننتقل إلى مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة. سأفرح ككل الغيورين على هذا الوطن عند القضاء على الفساد، وتحقيق الحقوق في العمل والتطبيب والسكن، واحترام انسانيتنا وعقولنا، وإعادة هويتنا الثقافية الضاربة في التاريخ، والرقي بالمربين والعلماء في شتى الميادين، وتقدير الكفاءات وانهاء زمن الماديات والمحسوبية والمصالح.
لست ضد ثقافة عيد الميلاد لرأس السنة، فهي ثقافة غربية نحترمها، لكن لا نريد تكريسها كيوم احتفال في حضارتنا، فهو ليس أحسن ايام السنة، وكل عام وجميع الانسانية بخير، نرجو ان تكون بدون حروب وبدون صراعات وبدون إرهاب، ونهاية الوباء ليس كشعارات بل تجسيدا على أرض الواقع.