اعتقل 585 مشتبها به هذه الأيام بالعاصمة الاقتصادية... جريمة قتل نفذها الابن في حق أبيه مساء شهر رمضان الكريم ... اعتقال أفراد من عصابة روعت الآمنين بمدينة "فاس"... تفكيك خلية متخصصة في سرقة السيارات هناك. و اعتقال أشخاص ينتمون لشبكات الدعارة هنالك ... هذه العناوين وغيرها لم تعد غريبة عن أسماعنا وأبصارنا .. إنها العادة الذميمة التي لا مفر منها .. كل صباح تطالعنا الصحف بالجديد، جديد الإجرام ببلادنا. لقد ورد "الأمن" في القرءان الكريم كنعمة عظيمة من النعم الإلهية التي لا تقاس بالأموال والأولاد إلى جانب الطعام. قال تعالى آمرا "قريشا" بإفراد العبادة له:﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)﴾. وقال ضاربا المثل لهم تحذيرا وإنذارا في سورة "النحل" :﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون﴾. قال "الشعراوي" رحمه الله معلقا على هذه الآية الأخيرة:" والأمن من أعظم نِعَم الله تعالى على البلاد والعباد". إن الوازع الداخلي حين يضعف لدى الإنسان يعوض بالوازع الخارجي المتمثل في السلطان. وهذا ما ورد في الأثر المعروف:"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرءان". تطورت الأزمان والأحداث. مرت أيام وأيام على عهود لا يخاف الإنسان على رعيته إلا من فصيلة الذئاب الحيوانية التي قد تفتك بشاة أو شاتين، أما اليوم فما أكثر الذئاب البشرية التي لا تراعي للحرمات أي قدر. قتل واغتصاب، سرقة، قطع للطريق وترويع للآمنين. لقد تغيرت الذمم فلا بد أن تتغير الأحكام. ضعفت القيم في قلوب العباد فكان لزاما على السلطة أن تتخذ موقفها. موقفا صارما واضحا يقطع الطريق أمام المفسدين والعابثين بالدين والنفس والعرض والولد والمال. ضروريات خمسة لا زيادة فيها ولا نقصان. إن وقع الخلل في إحداها انتقلت العدوى نحو أخرى. يجب أن ندرك حفظها قبل أن تضيع كلية فيسحب البساط من تحت أقدامنا. طبعا، إن القلوب الفارغة والبطون الجائعة والأبدان العاطلة لا بد أن تعالج قبل أن تفتح لها الزنازن كحل وحيد. أو بالأحرى كعلاج مؤقت يؤهلها لفعل المزيد. قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:"عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه...". لا يمكن أن نلوم كل المجرمين على أنهم المذنبون. إن المجتمع برمته يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية اتجاههم. والدليل على ذلك، إنك حين تمر أمام البيوت الغنية في الأحياء الراقية تجد الإسراف والتبذير. بطيخة لم يؤكل منها حتى السدس رميت في سلة المهملات، وأمام البيوت الفقيرة في الأحياء الشعبية كلاب ضالة أنهكها الجوع والعطش. أخطأت الهدف. استنجدت بالغرقى فغرقت معهم!! . تعجبت لحال هؤلاء، كيف يعيشون؟ كيف يرتاحون؟ بل كيف يتنفسون؟ ! وجدت الجواب حتى قبل أن اطرح السؤال. إن هؤلاء بشر. من لحم ودم. حطام آدمي أنهكته قوى الطبيعة قبل أن يدرك المنى. ولدوا وتربوا بين من يمتصون الدماء. مستأجر قاسي القلب. أولاد يبكون. ومعيشة ضنكا... حقا يصدق عليهم ما قيل:"إذا لقيت بين المسلمين فقيرا فاعلم أن من ورائه غنيا سرق ماله". إنه الإجرام الحقيقي الذي خلف إجراما بيننا. إن أصل المسألة هو هذا الحال. وبعدها إذا قضينا على الإجرام الأب فإن الإجرام الابن سيندثر عن طريق القوانين الزجرية الصارمة التي لن تترك مجالا للذين يسعون نحو ترويع الآمنين وسفك دماء الأبرياء والمظلومين. فإلى أين، إلى أين أيها الإجرام؟ !