وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يلتقي بوريطة في الرباط    الملك محمد السادس يهنئ خادم الحرمين الشريفين بمناسبة الذكرى العاشرة لبيعته    المغرب يحتضن النسخة الأولى لمؤتمر الحوسبة السحابية    قرعة الكونفدرالية الإفريقية تضع نادي نهضة بركان في المجموعة الثانية    السلطات المغربية تعتقل مجرما خطيرا فر من السجن بإحدى الدول الأوروبية    سجن الأوداية بمراكش ينفي مزاعم انتحار سجينين وتعذيب سجينة    بركان تتعرف على منافسي "كأس الكاف"    الأرصاد الجوية تتوقع زخات مطرية وتراجع درجات الحرارة في المغرب    حموشي يمنح ترقية استثنائية لشرطي توفي بسبب أحداث الفنيدق    افتتاح السنة التشريعية حدث دستوري وسياسي واجتماعي واقتصادي بدلالات وأبعاد وطنية ودولية    مفتش شرطة بمراكش يضطر لاستعمال سلاحه الوظيفي لتوقيف جانح    اغتيال حسن نصر الله.. قراءة في التوقيت و التصعيد و التداعيات    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    نسبة مشاركة هزيلة.. الشعب التونسي يرفض مهزلة الانتخابات الرئاسية    سفير الملك بالصين: المغرب مستعد للإضطلاع بدور ريادي في تعزيز علاقات التعاون الثلاثي بين الصين وإفريقيا    أسعار الذهب تتراجع في المعاملات الفورية    الداكي يطلق برنامجا تكوينيا لتعزيز القدرات في مجال استخدام أدلة الطب الشرعي    نقابة تنبه إلى أن مسببات حراك تعليمي جديد قائمة وتدعو إلى التصدي للتطبيع التربوي        هروب ثلاثة مغاربة من غرفة طلب اللجوء بمطار مدريد    تقييم تجربة مدارس الريادة في أفق تعميمها: محاذير منهجية    أرباب المخابز يحتجون على عشوائية القطاع وتدهور وغياب الدعم المالي    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    ريال مدريد يعلن إصابة داني كارفاخال بتمزق الرباط الصليبي الأمامي وعدة إصابات خطيرة أخرى    مطالب بتعديل "تعريفة العلاجات" من أجل تخفيف عبء الانفاق الصحي    بطولة احترافية بمدرجات خاوية!    جهة سوس تسجل أعلى معدل بطالة على المستوى الوطني    انحياز ‬صارخ ‬لضغوط ‬الجزائر ‬و ‬تجاهل ‬واضح ‬لصلاحيات ‬مجلس ‬الأمن    الخلفيات السياسية لقرار محكمة العدل الأوربية إلغاء الاتفاق التجاري مع المغرب    كتائب القسام تقصف إسرائيل تزامنا مع ذكرى "طوفان الأقصى"    الدحاوي تمنح المغرب الذهب ببطولة العالم للتايكوندو للشبان في كوريا الجنوبية    منتخب "U17" يواجه السعودية استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    مزراوي يغيب عن المنتخب الوطني بسبب الإصابة ونجم الرجاء الأقرب لتعويضه    إسرائيل تقتل غزة.. يبدو أن العالم فقد إحساسه بالعدالة والإنسانية!!    تعريف بمشاريع المغرب في مجال الطاقة المتجددة ضمن أسبوع القاهرة للطاقة المستدامة2024    حماس تعلن إطلاق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل تزامنا مع إحياء ذكرى 7 أكتوبر    "حزب الله": لا بد من إزالة إسرائيل    مشعل: إسرائيل عادت إلى "نقطة الصفر"    فيلم "جوكر: فولي آ دو" يتصدر الإيرادات بأميركا الشمالية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعزي في وفاة الصحفي مصطفى لخيار    في لبنان مصير العام الدراسي معلق على وقع الحرب وأزمة النازحين    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    "أيقونة مغربية".. جثمان الفنانة نعيمة المشرقي يوارى الثرى في مقبرة الشهداء    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    مهرجان "الفن" يشعل الدار البيضاء بأمسية ختامية مبهرة    7 سنوات على موجة "مي تو"… الجرائم الجنسية تهز قطاع صناعة الموسيقى بالولايات المتحدة    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    الملك محمد السادس يشارك الأسرة الفنية في حزنها لفقدان نعيمة المشرقي    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارهاب ضد الدولة وارهاب لصالحها
نشر في أخبارنا يوم 20 - 10 - 2018

شاءت الأقدار أن أقيم في جمهوريّة الصّين الشّعبيّة ما يقارب عقدا من الزّمن، وخلال هذه المدّة كلّها، لم أسمع عن حالة "كريساج " واحدة في هذا البلد، الّذي مازال 45 مليون من شعبه يعيش تحت عتبة الفقر. في الصّين لا تتوجّس من الأفراد أو الجماعات، عندما تخرج مع عائلتك أو وحيدا في أيّ وقت من الأوقات. تمشي آمنا مطمئنّا، وتترك من خلفك في البيت، آمنا مطمئنّا كذلك.

يذكّرني هذا الوضع إلى حدّ ما بالمغرب، وتحديدا المنطقة الشّرقيّة إلى أواخر التسعينيّات. حيث كنّا ننهي السهرات عند الأقارب في أوقات متأخّرة من اللّيل، ثمّ نعود إلى بيتنا مشيا على الأقدام، مارّين من أحياء شعبيّة دون خوف أو قلق. أمّا الآن، فالواحد منّا لا يستطيع المشي مع عائلته حتى وسط المدينة وفي عزّ النّهار.

لن أدخل في تفاصيل لماذا؟ لأن هذا تخصّص الأنثروبولوجيا، ولكنّني سأطرح السّؤال على الأجهزة الأمنيّة، وكذلك الدّولة. لماذا معظم المدن المغربيّة ليست آمنة؟ ومن له مصلحة في ذلك؟

نجح المغرب في بناء سمعة عالميّة في المجال الأمني. وحاليّا، أصبح قبلة للعديد من دول الشّمال والجنوب، للاستفادة من خبرته الواسعة في ضرباته الاستباقيّة الموجعة للجماعات الإرهابيّة. وكذلك للتنسيق والتّشاور معه، في كثير من الملفّات الإرهابيّة الشّائكة. وكيف لا، والأجهزة الأمنيّة نجحت في تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابيّة في المهد، وإجهاض مئات المشاريع التخريبيّة الّتي كانت تريد استهدافنا في المملكة. بل قدّم المغرب معلومات استخباراتية قيّمة أوقفت إرهابيّين دوّخوا المخابرات الأجنبيّة، وأنقذت أرواحا بريئة في الخارج. وعلى هذه الأجهزة أن تبقى متيقّظة لحمايتنا، لأنّ ضربات الإرهاب موجعة، وكلفتها باهظة. فبعد أن ترتوي من الدّم البريء، يخيّم ظلامها على الاقتصاد، والسّيّاحة، والسّيّاسة وكلّ مفاصل الدّولة. وهذا كلّه يضرّ بالمصالح الحيويّة للدولة وسمعتها. وبالتّالي وجب التّصدّي له بكلّ حزم.

في مقابل هذه الصّورة المشرقة للأجهزة الأمنيّة، فيما يخصّ الإرهاب الّذي يتهدّد كينونة الدّولة، هناك صورة قاتمة وفشل ذريع في جانب مكافحة الجريمة الّتي هي نوع من الإرهاب الموجّه نحو الأفراد. عشرات المدن المغربيّة كفاس، ومكناس، وطنجة، وسلا، والدّار البيضاء، ووجدة، وبركان، إلخ. أصبح الرّعب يسيطر على ساكنتها في وضح النّهار قبل أن يعسعس اللّيل. ذئاب منفردة وجماعات مدجّجة بالأسلحة البيضاء، مخدّرة ب "القرقوبي" تحصد كلّ ما جاء في طريقها من هواتف نقّالة، ومحافظ نقود، ومجوهرات، بل وحتّى الأحذيّة. لا

يفرّقون بين نساء أو رجال، شباب أو كهول، تلاميذ مدارس أو طلّاب جامعات. ذئاب تنام لبعد الظّهيرة، وتخرج بعد العصر لتعسكر قرب المدارس، والثّانويّات، وإشارات المرور، والأسواق، وأزقّة المدن العتيقة لتنشر الرّعب في الأفراد. وهنا نطرح سؤال المليون دولار:" أين الأمن الوطني المغربي؟"

هناك عشرات الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مجرمين يتحدّون الأمن على مسمع ومرأى من العالم، بينما عناصر الأمن قابعة داخل سيّارة الأمن الوطني. هناك مجرمون يتباهون بغنائمهم من داخل السّجون المغربيّة، خلف كاميرات جوّالاتهم، مستهزئين من العدالة ومن ضحاياهم. ويبشّرون إخوانهم في الخارج، أن لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون داخل السّجون المغربيّة. كيف للأمن الّذي يفكّك الخلايا الإرهابيّة، ألّا يصل إلى مروّجي المخدرات في الأحياء الشّعبيّة؟ كيف للأمن الّذي التقط توفيق بوعشرين داخل مكتبه، ألّا يلتقط صنّاع وبائعي الأسلحة البيضاء؟ كيف للأمن الّذي أوصل ناصر الزّفزافي لعشرين سنة خلف القضبان، ألّا يريح المغاربة من هؤلاء المجرمين؟ كيف يصل الأمن المغربي للمسدّسات المهرّبة، ولا يصل إلى سكاكسين "رامبو" الّتي تباع على قارعة الطّرقات. ببساطة شديدة، الدّولة المغربيّة مستفيدة من هذا الإجرام. لماذا؟ لأنّ النّموذج التنموي والاقتصادي المغربي لا يحتمل الأمان شبه المطلق كما في الصّين مثلا. كيف؟

في سنة 1943 أسّس أبراهام ماسلو لنظريّة الاحتياجات والتي تقول بأن الإنسان لديه خمس مستويات من الاحتياجات:

1- الاحتياجات الفسيولوجيّة: الطّعام، الماء، النوم، الجنس إلخ.

2- الاحتياجات الأمنيّة: السّلامة الجسديّة، سلامة الأسرة، أمن الممتلكات، أمن الموارد. إلخ.

3- الاحتياجات الاجتماعية: الصّداقة، العلاقات الأسريّة والاجتماعيّة.

4- الحاجة للتّقدير: احترام الذّات، احترام الآخرين، الثّقة، الانجازات إلخ.

5- الحاجة لتقدير الذّات: حلّ المشاكل، تقبّل الحقائق، الابتكار إلخ.

ولا ينتقل الشّخص إلى المستوى الموالي من الحاجيّات إلّا بعدما يشبع المستوى الّذي هو فيه أصلا. فالمواطن المغربي في الأحياء الهامشيّة تحديدا، تشعر بأنه مخطّط له، أن يبقى في المستويين الأوّل والثّاني، ليبقى خزّانا انتخابيا فقط لمن هم في المستويات العليا. وحتّى لا يرهق أصحاب القرار بمتطلّباته الأكثر تعقيدا. فإلى بدايات التسعينيّات من القرن الماضي، استطاعت الأحياء الشعبيّة أن تخرج للوجود مسرحيّين وكتّاب، وسيّاسيين، وريّاضيين، وفنّانين، كانوا يبعثرون أوراق الدّولة من خلال اجتهاداتهم ونضالاتهم وكتاباتهم. أمّا الآن فالوضع مختلف تماما. لو تحقّق الجانب الأمني كما يجب، فستصبح المطالب أكثر شراسة، ولن تكون

غوغائيّة بل ستكون مؤطّرة فكريّا وسيّاسيّا، لأنّ الأمان يدفع النّاس للتفكير العقلاني وليس الحيواني. سيطالبون بالشّغل والصّحة والتّعليم ليس بشكل مناسباتي ولكن بنضالات مستمرّة. وسيصبح أبناء الأحياء الشّعبيّة، فاعلين وليس مفعولا بهم كل موعد انتخابي. وهذا كلّه ليس في صالح الدّولة للأسف ولا في صالح مصّاصي خيرات البلاد. وعوّدتنا الدّولة أن تتدخّل فقط عندما تهدّد مصالحها. فالدّولة تحرّكت ضدّ أباطرة المخدّرات أمثال: الذّيب، الرّماش، الشريف بين الويدان، الجبليّة إلخ. فقط عندما اخترقت هذه الشّبكات أجهزة الأمنيّة. فيما عدا ذلك فلا حاجة للضّرب بيد من حديد.


لا شكّ عندي مطلقا أنّ الدّولة المغربيّة لا إرادة حقيقيّة لديها للقضاء على الإجرام في المملكة. ومن مصلحتها أن تبقى الأمور في المنطقة الرّماديّة. فكما قال الأخ المرحوم محمّد عابد الجابري على شاشة القناة الثّانيّة سنة 2000: "نهار كيبغي المخزن إطلع الشجر في الطريق كيطلع النخل طويل واقف"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.