هو عنوان لكتاب صدر باللغة الفرنسية للكاتب الفرنسي إريك جوفروا ERIC GEOFFROY تحت عنوان :L'ISLAM SERA SPIRITUEL OU NE SERA PLUS .ونقله إلى العربية المفكر والمترجم السوري هاشم صالح وراجعه أسامة نبيل. الكتاب مشكل من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة .
الفصل الأول تحت عنوان :من الوحي إلى التاريخ :كيف حدثت عملية قلب القيم في الإسلام
الفصل الثاني تحت عنوان :"إصلاح" الإسلام أم "ثورة في المعنى"؟
الفصل الثالث تحت عنوان :مابعد الحداثة :مأزق مسدود أم نعمة إلهية ؟
الفصل الرابع تحت عنوان :الصوفية في شكل طريقة :محصلة وتحديات.
في التقديم نقرأ مايلي:"تثبت الأزمات الراديكالية الشمولية التي تواجهها البشرية منذ الآن فصاعدا أنه لم يعد هناك من حل "أفقي" لمشاكل كوكبنا؛فالإنسان الحديث المشدود إلى أفق "التقدم"المادي البراق قد أصبح مخرّبا للأرض وسارقا لثرواتها وطبيعتها.انظر ما فعله الإنسان الحديث بالطبيعة والبيئة .وهو بذلك يهدد وجوده على هذه الأرض وكذلك وجود أنواع الحيوانات والنباتات الأخرى.نقول ذلك على الرغم من أن المفكر الفرنسي الشهير "توكفيل" كان قد نبهنا إلى مخاطر التقدم قبل حدوثها .قد اخبرنا أن الأنظمة الديمقراطية بحاجة إلى الطاقة الروحانية كي تقاوم الميل الطبيعي للإنسان نحو المبالغة في الأنانية الفردية والنزعة المادية والعقلانية الضيقة.ينتج عن ذلك أن أشكالا جديدة من الروحانيات معروفة،أو غير معروفة،سوف تظهر حتما قريبا. في الفصل الأول يدعو الكاتب إلى إحياء المعنى في الإسلام من أجل اكتشاف بعض الأسس الأصيلة التي طمستها تراكمات الحياة اليومية وكذا الجمود الفكري والتحجر والدخول في عصر الإنحطاط والتكرار والإجترار.في الصفحة 51 يقول الكاتب مستدلا بعبارة للكاتب M.C.Ferjani:"إن الآيات التي تدعو إلى التسامح واحترام حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد ينبغي اعتبارها ذات صلاحية عامة وكونية.أما آيات "القتال" فهي مرتبطة بظروفها الخاصة في ذلك العصر".بمعنى أنها مرتبطة بسياقها التاريخي في القرن السابع الميلادي ولم تعد ملزمة لنا.وبالتالي فقيمتها نسبية لا مطلقة على عكس الأولى.أما بالنسبة للكثيرين من المتصوفة فإنهم يقولون ما يلي : لاينبغي أن ننظر إلى كونية الوحي فقط من زاوية التسامح ،وانما من زاوية الوحدة المتعالية للأديان.هكذا نلاحظ أن الباطنيين يميلون إلى التسامح والإعتراف بالأديان الأخرى عموما.لماذا؟ لأنهم وحدهم يرون اللحمة المشتركة أو البنية الداخلية الواحدة التي تجمع بين كل الأديان.إنهم يعتقدون أن لها أصلا واحدا مشتركا.أما الظاهريون فهم عموما ينبذون الأديان الأخرى ولا يعترفون بها لأنهم مسجونون داخل حدود العقيدة الخاصة بهم دون غيرهم. وفي صفحة 53 نقرأ ما يلي :"مقولة نسخ الأديان السابقة بواسطة الإسلام مقولة لاغية عفى عنها الزمن من الناحية الدينية.وبدلا من أن يضيع المسلم المعاصر وقته فيها،عليه بالأحرى أن يركز اهتمامه على النسخ الداخلي:أي نسخ تصوراته الخاطئة وأوهامه القديمة ،الجامدة،التي تمنعه من رؤية الحقيقة العليا الخالدة والمثولية المحايثة في آن معا،كذلك الحقيقة المتجددة في كل لحظة. في الفصل الثاني صفحة 83 نقرأ ما يلي :"يقع كل دين على نقطة التقاطع بين البعد الروحاني"الرأسي"،والبعد الاجتماعي "الأفقي".وبهذا المعنى فهو "جسم"يندرج داخل الزمان والمكان ويتضمن "مجموعة نصية" من الخيارات الأخلاقية،والعقائد،والطقوس الشعائرية.وبما أن الدين يندرج داخل مناخ مكاني-زماني فإنه يخضع لتطور مستمر....". وفي الصفحة 114 يضيف الكاتب :"بالنسبة لمعظم المفكرين المسلمين والباحثين الأجانب المهتمين بإصلاح الإسلام،هذا الإصلاح غير ممكن مادمنا لم نضع على محك التساؤل والشك المكانة الكبيرة التي يحتلها الفقه في الثقافة الإسلامية.وإذا كانت "عبقرية" الفقه وأصالته في الإنتاج البشري لم تعد بحاجة إلى دليل فإننا مضطرون للإعتراف بأن هذا العلم شهد منذ القرن الثاني الهجري تطورا كبيرا جدا.وهذا التطور أو قل هذه المكانة المبالغ فيها أدت إلى تهميش العلوم الأخرى(كعلم الدين وعلم الأخلاق وعلم الروحانيات والفلسفة على وجه الخصوص).لقد زاد الاهتمام به عند المسلمين على حساب هذه العلوم كلها،الأمر الذي أفقر الثقافة الإسلامية وأضر بها كثيرا؛فقد همشوا الفلسفة وكل هذه العلوم وراحوا أكثر فأكثر يطابقون بين "الإسلام" والفقه فقط أو الشريعة.عندئذ ضاع الجوهر الروحي لرسالة محمد.وإذا كانت اليونان قد اشتهرت بالفلسفة،والغرب الحديث بالتكنولوجيا،فإن الحضارة الإسلامية اشتهرت بالفقه والعقل القياسي الذي يعتمد عليه(م.ع.الجابري) .هكذا راح الناس أكثر فأكثر يطابقون بين "الإسلام"والفتاوى الفقهية. لكن في مواجهة هذه "الإمبريالية الفقهية"(جاك بيرك) أين يمكن أن نعثر على الجوهر الروحاني لرسالة محمد ؟. في الفصل الثالث صفحة 173 نقرأ ما يلي :"سيولة الروح هذه أو ديناميكيتها يستطيع التصوف أن ينفثها أو يبثها حتى داخل مجال الشرع أو القانون المقدس. هكذا نجد "ابن اللحظة" شخصا براجماتيا:يرفض مماحكات الفقهاء العقيمة التي تثير أحيانا قضايا وهمية أو أسئلة خيالية،لا واقعية،لا تهم المجتمع في قليل أو كثير.وفي مواجهة "التفاهة الفكرية للفقهاء" يعتقد الصوفي أنه "ليس مطالبا بأن يستبق على قوانين الحكمة الإلهية،بل مطالب فقط بالتوافق مع ما تقتضيه في اللحظة"(س.شوذكيوفيتش). مفهوم "القانون المقدس" الذي اتخذته بمرور الزمن الكلمة العربية"الشريعة"يعبر عن تصلب وجمود غريبين على المعنى الأصلي لاستخداماته الأولية.فالشريعة في البداية كانت عبارة عن مفهوم ديناميكي جدا.كانت تعني "الطريق" المؤدي إلى نبع الماء من أجل الشرب حيث يمكن أن نرتوي .وقد حددها المفسرون المسلمون "كطريق للنجاة"،"كمصدر أو كمستودع مليء بالمعنى والقيم" بالنسبة للبشر(م.ش.فرجاني) .في قاموسه المدعو بكتاب "التعريفات" نلاحظ أن الجرجاني يقدم الشريعة أيضا على أساس أنها "الطريق إلى الدين".والمصطلح يفتح أيضا على تعددية المقاربات وذلك طبقا لكلام النبي (المنقول في القرن التاسع بواسطة الطبراني) والذي يقول:"إن شريعتي جاءت على ثلاثمائة طريقة وليست منها طريقة يلقى العبد بها ربه إلا دخل الجنة".هكذا نجد أن الشريعة هي أكثر بكثير من لائحة
طويلة بالأوامر والنواهي كما يحاول أن يوهمنا الفقهاء.إنها بالدرجة الأولى تحتوي على المبادئ الفكرية التي تحدد المعرفة الصحيحة والأساليب العملية لإكمال "الصفات الحميدة" للإنسان. وعلى الصفحة 180 نقرأ ما يلي:"يشير عصر ما بعد الحداثة إلى انهيار الأنظمة الشكلانية للفكر،والدين،والمجتمع،وكذلك نهاية اليقينيات القطعية.........والواقع أن "التقدم"،أقصد التقدم التكنولوجي-العلمي،راح يولد أيضا تقدما في الشك والإرتياب واللايقين،وكذلك يولد ازديادا وتقدما للقلق المرتبط به.على عكس ذلك فإن الصوفي،ككل كائن تأملي،راسخ،احتمالا في اليقين القرآني ،يعيش مطمئنا في "اليقين" الذي يقول له أن فيما وراء الأوهام الأنانية ،والأفخاخ الاجتماعية وتقلبات الزمن هناك حقيقة أبدية أزلية لا تتغير ولا تتبدل.وهي الحقيقة التي تؤدي إلى الحق:الله.الحقيقة كالسماء الزرقاء التي لا يمكن لأي غيمة للفكر ولا لأية انفعالات أن تفسدها أو تغيرها.وإذا كانت هذه اللوحة الخلفية،أيا تكن الصيغة التي تتخذها ،غائبة من الأعماق النفسية للفرد،فإن هذه النفسية تستنفد قواها في الإنتساب إلى مختلف خشونات عالم الظواهر الخارجي. على الصفحة 181 يواصل الكاتب ما يلي:"غياب المعنى ،أي العدمية،أصبح يصيب الآن الغرب كما الشرق وذلك عن طريق إظهار أعراض متعاكسة في كلا الجانبين لكنا متضامنة في الواقع.في الغرب ولّد غياب المعنى هذا التيهان الأخلاقي،أما في الشرق فقد ولد عقدة التواضع الذليل تجاه الغرب وثقافة المرارة والحقد على هذا الغرب بالذات في آن معا:الانسدادات التاريخية العميقة المعاشة في المجتمعات "الإسلامية " ما كان ممكنا إلا أن تؤدي إلى الاستلاء على الدين كرهينة من قبل المتزمتين .وهكذا راحوا يستغلونه كمجرد أداة لغايات أخرى غير روحانية وغير دينية. وفي كلتا الحالتين فإن سماء الروحانيات كانت قد أغلقت.ولكن هذه اللحظة بالذات التي تم الاستشعار العام بالعدمية بها أثارت بيضة القبان:عودة انبثاق الروحانية تحت أشكال وصيغ متجددة.
في الصفحة 183 يبسط الكاتب مايلي:"نعم ،الحداثة والعولمة تقودان إلى تنميط الثقافات البشرية من أجل أن تستطيعا فرض رؤيتهما التجارية (المبتذلة) على العالم.نعم،تؤديان إلى هيمنة نطاق ثقافي معين (أي الغرب) على جميع النطاقات الأخرى .نعم تولدان الخيبة وخواء العالم وتجعلان من الإنسان نشالا نهابا تجاه ممالك الخلق الأخرى وتجاه نفسه... في الصفحة 189 يعرض الكاتب ما يلي:" الجديد فعلا والمدهش حقا هو تشكل "سوق للروحانيات" كبرى تطرح مباشرة مشكلة العلاقة بين الدائرة الدينية والدائرة الروحانية .تعرضت الأديان المؤسساتية الراسخة لفقدان قيمتها حاليا بشكل يقل أو يكثر وبخاصة في فرنسا،فالكثيرون مثلا يعيبون على الأديان التوحيدية الثلاثة أنها تثير العنف والتعصب والتزمت.أما مجتمعات أوروبا الغربية فتعتبر الآن مجتمعات ما بعد مسيحية أي أنها خرجت من المسيحية،هذا في حين أن قوة الإسلام الظاهري تشهد أحيانا تصلبا عقائديا وتشددا في التصرفات ضد الآخرين .قلت الإسلام الظاهري ولكن ليس الإسلام الصوفي الباطني الروحاني.الصيغ الدينية المفرغة من الروحانيات مرشحة للموت والإنقراض كما ذكرنا سابقا.نقول ذلك وخصوصا أن شعارها القائل:"خارج الكنيسة لا نجاة ولا خلاص في الدار الآخرة" لم يعد قابلا للحياة أو الاستمرارية أياً يكن الدين المعني.يقول صديق مسيحي بهذا الصدد أنه من الآن فصاعدا ينبغي إلغاء الشعار السابق وإحلال الشعار التالي محله:"خارج الروح المطلقة لا نجاة ولا خلاص"...والمقصود بالكنيسة هنا كل الأديان وليس فقط الكنيسة المسيحية الكاثوليكية .فجميعها تزعم أنها الطريق الوحيد إلى الله دون سواها.جميعها تحتكر الحقيقة الإلهية المطلقة وحدها دون سواها.وهذا لم يعد مقبولا بعد الآن في عصرنا.وعلى هذا النحو تظهر أكثر فأكثر الحاجة إلى انبثاق "روحانية علمانية" خارج الأطر الدوغمائية التقليدية الموروثة التي يبدو كأنها تشكل عقبة في وجه التحرير الروحاني.... المكان لا يتسع لسرد جميع أفكار الكاتب وهذا الكتاب غني بمراجعه ومتعدد بأفكاره جدير بالقراءة والمسائلة. فهل ما قدمه واقترحه الكاتب يصمد أمام غول الحداثة والمجهول القادم الذي لم يعد يأتينا عبر الأبواب والنوافذ بل اكتسح كل المساحات وملأ كل الفراغات وامتزج بكل شيء حتى اصبحنا ننام ونستيقظ عليه،نأكله مع أطعمتنا ونشربه مع مشروباتنا بل و نتنفسه مع الأكسجين .فهل تحمينا الزاوية من البيت الأبيض؟ هل تقينا رسائل الشيخ الأكبر ابن عربي من تويتر الرئيس دونالد ترامب ؟ هل ينجح الإسلام الروحي في الوقوف كسور مانع أمام فقهاء المنع والتحريم و زوابع الإسلام السياسي ؟ هل تحد الأخلاق من اكتساحات الشركات العابرة للقارات؟ أم الكينونة الإنسانية أفسدت مرة للأبد ولم يبقى لنا من مصير إلا التيه والعدم ؟