في إطار النشاط الفكري والثقافي الذي نظمته فروع ومفتشيات حزب الاستقلال في شهر رمضان، ساهم الأخ محمد السوسي بإلقاء محاضرة في كل من مدينة مكناس ومدينة القنيطرة في موضوع: »البعد الديني في فكر علال الفاسي«، وكما في مكناس فقد نظم الإخوة في القنيطرة لقاءا في مقر الغرفة التجارية بالمدينة وافتتح اللقاء بآيات بينات من الذكر الحكيم ثم كلمة تقديمية من الأخ مسؤول الشبيبة الاستقلالية باسم فرع الحزب والمنظمات الموازية ومفتشية الحزب والكاتب الإقليمي والكاتب الجهوي. ثم تناول الكلمة بعد ذلك الأخ محمد السوسي وألقى عرضا في الموضوع نشرنا القسم الأول منه في الأسبوع الماضي وفيما يلي القسم الثاني من العرض. بين النقد الذاتي ودفاع عن الشريعة في القسم الأول من هذا العرض اشرنا إلى مكانة كتاب النقد الذاتي في فكر علال الفاسي، ومكانة هذا الكتاب في المشروع المجتمعي الذي يسعى إلى بنائه في مغرب ما بعد الاستقلال، وأشرت إلى أنني ركزت على هذا الكتاب في حديثي مع الإخوة في مدينة مكناس ولعلنا نخصه بحلقة خاصة من هذا البحث أو الخواطر ان شئت الدقة حول البعد الديني في فكر علال الفاسي وانتهينا إلى القول ان لدى علال الفاسي إنتاجا غزيرا آخر يجب الرجوع إليه ويتمثل في ديوانه الشعري من أربعة أجزاء أو ثلاث مجلدات كبار في الطبعة الأخيرة وكذلك أبحاثه في مدخل الفقه الإسلامي والنظرية العامة لهذا الفقه وفي مقاصد الشريعة ودفاع عن الشريعة وغيرها من الكتب الأخرى، وأشرنا إلى أن كتاب «دفاع عن الشريعة» كتاب مهم جدا وان الأمر في هذا الكتاب لا يقتصر فقط على الدفاع عن الشريعة بل هو في الواقع كتاب سعى فيه المؤلف إلى تحقيق أمرين اثنين الأمر الأول إعادة بناء الفكر الإسلامي والأمر الثاني هو كشف المقاصد الاستعمارية والنوايا الخبيثة للاستعمار والأمر الثاني مواجهة هذه المقاصد الاستعمارية بمقاصد الفكر الإسلامي واستئصال المقاصد الاستعمارية. وإحلال مقاصد الفكر الإسلامي محلها. الاستعمار يصنع كائنات على صورته ولكن في الوقت نفسه في هذا الكتاب الذي هو دفاع عن الشريعة علال الفاسي يقول أشياء ما كان ممكنا أن يقولها عندما كتب النقد الذاتي، إذ عندما كتب كتاب النقد الذاتي لم تكن هناك تجربة الحكم المغربي إذ كان المغرب تحت الحكم الاستعماري ولكنه عندما كتب كتاب (دفاع عن الشريعة) أصبح أمام تجربة وطنية مغربية وأمكنه أن ينتقد ويحلل وضع الحكم في المغرب، فمثلا في مدخل كتاب دفاع عن الشريعة يقول علال الفاسي: (لم يحدث أن فصل المسلمون عن أنفسهم في عصر من العصور كما فصلوا اليوم بسبب الاستعمار الأجنبي الذي هاجم ديارهم وأصابهم في ثرواتهم المادية ولم يكتف بذلك حتى هاجمهم في لغاتهم وثقافتهم وصاغ منهم كائنات على صورته، تردد ما يقول وتعمل بما يوحي به دون أن تدرك أنها إنما تعمل ضد نفسها وتحارب كيانها. وذلك ما أظهر الفصل الكامل بين المسلمين وبين نفوسهم، فبينما تجدهم متمسكين في الغالب بالانتساب إلى الإسلام والافتخار بتراثه وحضارته وذلك ما يعبر عن نفسهم الباطنة وذاتيتهم الكامنة، إذا بك تجدهم يقاومون كل رجوع للإسلام، ويتمسكون بشريعة المستعمر ولغته وتفكيره). جبهة داخلية لصالح الاستعمار ويقول علال الفاسي: وهكذا أصبحنا أمام جبهة داخلية ترفض علينا أن نتكلم لغتنا أو نتعلم بها، كما ترفض علينا أن نتخلى عن ما أسسه المستعمر من قوانين في بلادنا وإحلال الشريعة الإسلامية محلها. ويقول كذلك نحن لم نكافح من اجل الاستقلال ليحل المستعمر الداخلي محل المستعمر الأجنبي. (لقد أصبح قسم من المسلمين- جلهم من المسؤولين في الحكومات الإسلامية- يقومون مقام المستعمر في الذب عن الفكر الأجنبي المتمثل في القوانين المحدثة. وكيل الطعن المتوالي على الفقه الإسلامي ورجاله ودعاة العودة إليه. بينما يقف أنصار الشريعة وعلماؤها موقف المشدوه ضعيف السلاح لأنه لا سلطة لهم ولا حول ولا قوة يواجهون بها هذا الزحف الاستعماري المتستر باسم قادة المسلمين المستغربين الذين وصلوا للحكم باسم شعوبهم المسلمة ونضالها في سبيل الحرية. الواقع المر والمناضلون الأولون وعن المغرب المستقل يقول: وفي المغرب لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية. سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب، فبمجرد ما أعلن الاستقلال وتكونت الحكومة الأولى، اصدر جلالة المرحوم محمد الخامس أمره بتأسيس لجنة لتدوين الفقه الإسلامي استعدادا لجعله القانون الرسمي للدولة في جميع المحاكم التي أخذت تسير في طريق التوحيد. ولم يكن يخطر ببال جلالته ولا ببالنا نحن أعضاء لجنة التدوين الذين شرفهم جلالته بتعيينهم لأداء المهمة أن عملنا سيقتصر على مجرد الأحوال الشخصية. والدليل على ذلك أننا اشتغلنا في قسم الأموال بعد انجازنا للأحوال، ولكن قسم التشريع بالكتابة العامة الذي يشرف عليه لحد الآن فنيون فرنسيون عام 1966، أوقف أمر البت فيه، وترتب على ذلك أن توقف سير التدوين في بقية أبواب الفقه الأخرى.) ويظهر أن الكتابة العامة للحكومة رغم أنه أصبحت أطرها مغربية ولكن الروح والفلسفة التي كانت تشتغل بها لا تزال تؤثر حتى الآن. قضية المسلمين اليوم إذن في كتاب النقد الذاتي يضع مشروعا مجتمعيا للمستقبل، ولكنه في كتاب دفاع عن الشريعة يحلل أمورا أخرى تتعلق بالوضع الذي آل إليه أمر المجتمع المغربي بعد الاستقلال وبعد الحرية بحيث يقول: (إن قضية المسلمين اليوم، في أن المتولين على الحكم في مختلف إنحاء العالم الإسلامي جلهم ممن تربى في أحضان الأجنبي وتلقى من معينه، ومع أن معظمهم من المخلصين لأوطانهم، والذابين عن حرمتهم، فإنهم امتلأوا بعقدة نقص أمام الأجنبي، وأصبحوا لا يستطيعون المجاهرة بدينهم والاعتداد بحضارتهم الخاصة ان أنانيتهم أصبحت لا تجد مجال ترعرعها إلا إذا أعجبوا في أقوالهم وأفعالهم الأجانب. اثر الثقافة الأجنبية ثم يقول: والحقيقة أن الثقافة الغربية أثرت في نفوس رجالنا، الذين أصبحوا هم أهل الحل والعقد في بلداننا فلم يعودوا يفكرون بثقافة الإسلام ولا بروحانيته، والمتدين منهم لا يتجاوز حدود أداء بعض الشعائر ، ويعتبر ذلك أمرا فرديا ولا ينقل دينه إلى المجتمع ولا يفكر في مشاكل بلاده حين يفكر فيها وهو مسلم. وما ذلك إلا لأن هذه الثقافة أعطيت لنا بمقدار بعدما انتزعت منها كل مقومات الثقافة الإسلامية، فليس فيها دين، ولا تاريخ للإسلام ولا لحضارته، ولا بعث لأفكاره وفلسفة رجاله، وإنما هي خليط من تاريخ الغرب وأفكاره وحضارته وثوراته المختلفة وفلسفاتها. وانك لتجد فئة من أعظم حملة الشهادات المسلمين لا يعرفون شيئا عن ماضي بلادهم القريب، بل لا يعرفون شيئا من مجتمعهم، لا عن أعرافه حسنها وقبحها ولا عن تراثه الشعبي وأدبه فضلا عن مجده وثقافته، وشريعة دينه.) إذن هذا الكتاب (دفاع عن الشريعة) الذي لا أريد أن أطيل عليكم في قراءة فصوله فهو كتاب جاء لكي يوضح أن ما كان يناضل من أجله هو وأصدقاؤه ورفاقه والشهداء لم يعد هو ما تعمل به الحكومات المغربية، والكتاب نشر في سنة 1966م. فإذا أضيف إلى هذه الكتب التي أشرنا إليها ما قدمه من عروض ومحاضرات، وما جاء في تقاريره المذهبية في مؤتمرات الحزب وبالأخص عقيدة وجهاد ومنهج الاستقلالية ومعركة اليوم والغد، ودائما مع الشعب و الدراسات التي وضعها حول المذاهب الاقتصادية والإنسية المغربية يوضح كل ذلك مدى ارتباط فكر علال الفاسي بالجانب الإسلامي وبالعقيدة الإسلامية، من طبيعة الحال علال الفاسي كما قلت عندما كتب النقد الذاتي بالفصول التي أشرت إليها عنده فصل بعنوان: الفكر الديني. الإنسان والجدال والفكر الديني هو موضوع جدال ونقاش منذ خلق الله الأرض، فمن طبيعة الحال الإنسان عندما خلقه الله خلقه ليعبد الله سبحانه أي يوحده فالعبودية هنا معناها التوحيد، ولكن الإنسان ينحرف لأن الإنسان تغلبه الشهوات وتغلب عليه بعض الأشياء التي هي جزء أساس في الطبيعة الإنسانية، لان الإنسان هو إنسان قبل كل شيء وبعد كل شيء وعن الانسان يقول القرآن: (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) (وخلق الإنسان ضعيفا) (وخلق الإنسان عجولا) أي الإنسان خلق هكذا إذا مسه الشر جزوع وإذا مسه الخير طغى وتجبر، وفي كل الحالات ما هو ايجابي ينسبه لنفسه وما هو سلبي ينسبه لغيره، هذه الطبيعة الإنسانية ولكن الإنسان في مراحل معينة من التاريخ عندما ينحرف يبعث الله نبيا أو رسولا ليوجه وليصلح ما فسد من طبيعة البشر وما فسد بطبيعة التقادم وما فسد بطبيعة الأهواء وما فسد باستغلال الرهبان و رجال الدين.. الخ. إلى أن وصلت الإنسانية إلى مرحلة معينة وهي مرحلة ختم النبوة فجاءت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لتختم وليصبح الإنسان أمام توجيه رباني جديد لم يعد معه الإنسان ينتظر رسالة جديدة وإنما عليه وقد بلغ هذه المرحلة من النضوج ان تعتمد على عقله وفكره وهذا معنى من معاني ختم الرسالة. بالطبع علال الفاسي عندما وضع كتاب النقد الذاتي في الاربعينيات، ولكنه في الستينيات من القرن الماضي ظهر نوع من الجرأة والتجرؤ على نقد ما سمي بالفكر الديني وبصفة خاصة في كتاب جلال العظم (نقد الفكر الديني)، فهذا العمل الذي قام به علال الفاسي وهو يكتب النقد الذاتي خصص فصلا معينا للفكر الديني، ومناقشته للفكر الديني يناقش الجانب الإسلامي عرضا لأنه سيكتب فصلا بعنوان الفكر الإسلامي، ويناقش ما حصل بالنسبة للمسيحية وبالنسبة لليهودية. الإنسان والإلحاد وعندما يناقش علال الفاسي هذا الموضوع يرى أن الإنسان في حد ذاته بقطع النظر عن كل التطورات لا يمكن ان يعيش ملحدا، إذ الإلحاد ضد الطبيعة الإنسانية بحيث يقول: (لا نستطيع متى تعمقنا التاريخ وأطوار الحياة الاجتماعية للشعوب فيه الاعتراف بهذه الحقيقة وهي: أنه ما سرى الإلحاد وعدم الاعتداد بالدين في أمة إلا رجعت القهقرى وآلت بعد عزتها ومجدها إلى الانحلال، وما حافظت في شؤونها على مراعاة المثل الأعلى الإلهي إلا احتفظت بحياتها وفخرها ومكانتها). الإسلام والخطيئة الأصلية عندما يناقش الفكر الديني يرى أن ما تمتاز به الحياة الدينية عند اليهود وعند المسيحيين غير موجود في الإسلام أولا: المسيحيين أو المسيحية تقول بفكرة الخطيئة الأصلية، الخطيئة الأصلية عند المسيحيين هي جرأة أبينا آدم عليه السلام وأمنا حواء عليها السلام الجرأة على الأكل من الشجرة هذه تعتبر عند المسيحيين الخطيئة الأصلية أي الخطيئة التي ارتكبها آدم وحواء والتي استوجبت أن ينزل آدم وحواء إلى الأرض وأن يكدحا ويتعبا ويشقيا ويعيشا وذريتهما ما نعرفه جميعا في هذه الحياة الدنيا من متاعب ومشاق لعمارة الأرض. هذه الخطيئة الأصلية يقابلها عند المسيحيين الفداء والخلاص وهو ما يعتبرون أن عيسى عليه السلام قدمه عندما قبل أن يصلب و تم صلبه، ونحن من طبيعة الحال عقيدتنا تتعارض مع هذا فليست الخطيئة الأصلية وما يتبعها واردة و بالنسبة إلينا فنحن: »وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدا«. إذن ليست هناك خطيئة لأن آدم استغفر ربه وندم وقال: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وعيسى لم يقتل ولم يصلب هذه هي عقيدة المسلمين. إذن بالنسبة إلينا فالخطيئة لا وجود لها انتهت باختيار واصطفاء الله سبحانه وتعالى لآدم والتوبة التي تقدم بها آدم وهي في قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). إذن بالنسبة لنا نحن المسلمين متحررون من هذه الفكرة فكرة الخطيئة الأصلية وصلب عيسى وقتله وفدائه للناس. ليس في الإسلام اكليروس نحن كمسلمين كذلك متحررون من الإكليروس و الإكليروس كما هو معروف هم رجال الدين الذين يتحكمون في رقاب الناس ويتعبدونهم من دون الله، لذلك فسر ابن عباس قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم رهبانهم أربابا من دون الله) قال انه حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلك عبادتهم إياهم نحن لا أحد يستطيع ان يحلل ما حرم الله وإذا أحله تركه الناس وحده ولا أحد يستطيع أن يحرم ما أحل الله وإذا فعل أحد فلن يتبعه أحد. وإذا ارتكب مسلم خطيئة أو ذنبا أو إثما فإنه يستغفر الله فيغفر له قال تعالى: »والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله«، وليس عندنا ما يسمى بالاعتراف وصكوك الغفران كما يفعل القس في الكنيسة حيث يذهب الناس إليه ويعترفون ليغفر لهم أو كما كان سابقا تباع صكوك الغفران ويجعلها الإنسان معه في صندوقه وفي تابوته عندما يموت ليغفر له الله، هذا شيء غير موجود عندنا في الإسلام. علال الفاسي والفكر الأوروبي علال الفاسي عندما يدرس هذا الفكر الديني الذي كان سائدا في الغرب والذي لا وجود له في الإسلام، ويستعرض كذلك فكرة فصل الدين عن الدولة، يرى أن هذه القضية مفتعلة عندنا إذ هي جاءت من طبيعة الحال في أوروبا لأسباب معينة، فهي حسب ما هو شائع أنها اقترنت بالثورة الفرنسية هي التي قامت بهذا الدور ثم بعد ذلك جاء قانون 1905 بفرنسا الذي سن ما يسمى بضوابط اللائكية أو العلمانية ولكن الذي حصل هو أنه عندما قامت ثورة الإصلاح في أوروبا في ألمانيا وقام البروتستات بالاستيلاء على الحكم شعر الكاثوليك في ألمانيا بأنهم ضعاف وأن البروتستات يستغلونهم لأنهم هم الذين يتولون الحكم فطلبوا بفصل الدين عن الدولة ليتحرر الكاثوليك، هذه الفكرة تقمصها اليهود في الثورة الفرنسية وفرضوا فكرة المساواة، فلكي يتنفس اليهود الصعداء في أوروبا لأن أوروبا كانت كلها تضطهدهم فرضوا فكرة فصل الدين عن الدولة أي التهرب من تحكم الكنيسة وتحكم الرهبان في الدولة وفي الشعوب وفي إنقاذ الناس. فصل الدين عن الدولة: وفي موضوع فصل الدين عن الدولة يقول: على أن هذه الفكرة (فصل الدين عن الدولة) خرجت كما بينه المسيو طارديو في كتابه (الشعب المأسور) من الأوساط الكاثوليكية في ألمانيا بعد انتصار البروتستانية وتوليها الحكم هناك فطالب الكاثوليكيون بفصل الدين عن الدولة لئلا يخضعوا لحكومة بروتستانية. ومن المعلوم أن البروتستانية كانت رد فعل عنيف أشعلت حربا دينية في أوربا استمرت مدة ثلاثين عاما وانتهت بإبرام معاهدة وستفاليا، التي كان أهم ما حققته: 1/ القضاء على نفوذ البابا في رئاسته الزمنية على الدول، فلم يعد هناك رئيس أعلى يسيطر على الدول الأوربية. 2/ إقرار مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعها دون الدول الإسلامية. الخ ... وبناء على هذه الاتفاقية انعقد مؤتمر فيينا سنة 1810 بدعوة من طرف البابا وإنما اتفق عليه الدول بداعي المصلحة الأوربية. وأهم ما أنتجه هذا المؤتمر مما يعنينا هنا: 1/ ضرورة حفظ التوازن الدولي في أوربا. 2/ التحالف المقدس. وقد قالوا ان المقصود منه هو تمكين قواعد الأخلاق المسيحية داخليا وخارجيا بين الدول وذلك في نظم الحكم لكل دولة في الداخل، وفي العلاقات الخارجية بين جميع الدول في الخارج. وانضم إلى هذا الحلف لويس الثامن عشر بمجرد عودة النظام الملكي لفرنسا. فالمسيحية لم ترفض من طرف الدول الأوربية ولا الأمريكية كدين سماوي ولا كخلق، وإنما رفضت كسيطرة لبابا يعتبر نفسه الرئيس الأعلى لدول أوربا وكتحكم من الرهبان في عقائد المؤمنين وتصرفاتهم«. ليس عندنا رجال دين: وإذا كانت الثورة في أوروبا على رجال الدين فنحن ليس عندنا رجال دين، فمن الخطأ اعتبار فقيه أو اعتبار عالم متخصص في الشريعة أو في أصول الدين رجل دين. رجل دين بالنسبة للمصطلح التقليدي والمصطلح العلمي هو الذي يتخصص وحده في فهم الدين ولا يمكن لأي حد كان أن يتكلم في الدين إلا هو، هذا شيء غير موجود عندنا (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) بمعنى ان هناك تكافؤ الفرص وهناك فرض كفاية فالبعض يتخصص في الاقتصاد والبعض يتخصص في الشريعة ولكن لا يمنعه احد ان يدرس القرآن ويدرس التفاسير ويتفهم معانيها ويتعمق في فهمها ويقول رأيه شرط أن يتوفر على الآلات الضرورية لذلك، ولذلك ما يروج له بعض الناس عندنا في المغرب لا يمكن لأحد أن يتكلم في الدين ولا يمكن لأي احد أن يتكلم هذا شيء بدعة بالطبع يجب ان نشترط في الناس الذين يتحدثون في الدين ان تكون لديهم إمكانيات ووسائل علمية أن يكونوا قادرين على الفهم أن يكونوا عارفين باللغة العربية وبقواعدها مطلعين على السيرة النبوية وعلى الحديث النبوي والسنة النبوية. هذه شروط يجب ان تتوفر صحيح، ولكن أن ترغم انك متخصص ورغم انك فقيه ورغم انك متوفر على هذه الشروط على عدم الحديث في الدين وان لا حق لك أن تتكلم في الدين فهذا شيء ما انزل الله به من سلطان حقيقة هذا نوع من أسلوب ومن احتكار المسائل الدينية والتي لا يجب ان تحتكر، يجب أن يكون الإنسان مسؤولا عن عمله، إذا قال كلاما غير مناسب ان يقدم إلى المحاكمة الفكرية وأن يخضع للمناقشة العلمية وحتى القضائية إذا اقتضى الأمر. الأسلوب الإسلامي في معالجة الانحراف الفكري والذي جرى به العمل عندنا قديما في العالم الإسلامي وفي المغرب بالذات هو انه عندما يخرج شخص عن الجادة من الناحية الدينية تكون لجنة من العلماء وتختبره وتناقشه، نحن نقرأ جميعا في التاريخ أن هذا ما حصل في مسألة خلق القرآن وما حصل بالنسبة لابن تومرت، فابن تومرت لما جاء من الشرق وبدأ يتكلم في المسائل الدينية وبدأ يقوم بما يقوم به، وما اسماه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت هناك لجنة لمحاكمته ومناقشته علميا وعقائديا وهذا ما حصل مع كثير من العلماء وهو ما حصل لابن رشد فيما يتعلق بالجانب الفلسفي ما حصل لابن حزم ما حصل لكثير من العلماء وما حصل مع الحلاج في التصوف، ان هذه الحالات تكون فيها عادة لجنة من العلماء، وهو ما حصل للمرحوم الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني رحمه الله في بداية القرن العشرين عندما اتهم بمسائل اعتبرت لدى البعض خارجة عن الجادة، وتكونت لجنة من العلماء في مدينة مراكش في بداية القرن العشرين وناقشته فيما يدعيه وفيما ادعي عليه به، وبقي مدة في مراكش ثم تنازل على بعض الأفكار التي اعتبرت آنذاك غير مناسبة هذا هو الأسلوب الذي كان، وهو ما قام به كذلك الملك الحسن الثاني رحمه الله فيما يتعلق بالفقيه الزيتوني الذي كان يتخذ مواقف متطرفة في كثير من القضايا فحضر في شأنه موجب من طرف بعض العلماء من مدينة فاس و مدينة مراكش لمحاكمته ومحاسبته في بعض الانحرافات الفكرية هذا في الحقيقة ما يتعلق بالجانب العقدي والفكري. الدين والسياسة اما الجانب السياسي فيمكن للإنسان ان يكون زعيم حزب معين ويعطي رأيه من الناحية السياسية ولكن أن يصدر فتوى دينية في مجال السياسة باسم الدين فهذا موضوع له شروطه وظروفه الخاصة كذلك حتى لا يتم الخلط و استغلال الدين في السياسة او السياسة في الدين، وعلال الفاسي كان ضده ولذلك لم يثبت أن علال الفاسي نعت أحدا بالكفر، وفي الأحوال التي يضطر فيا لاتخاذ موقف معين فإنه يوقع باعتباره عالما من علماء القرويين. نحن الآن نتكلم على التاريخ وفي تاريخ الانتخابات 1963 وفي غيرها علال الفاسي كان مرشحا للانتخابات وكان في جانبه ومنافسيه أناس كانوا يؤمنون بالاشتراكية العلمية أي المادية الجدلية والمادية التاريخية المادية الجدلية والمادية التاريخية اللتين تعنيان الدهرية حسب التعبير القديم. ولكن علال الفاسي ونحن في حزب الاستقلال لم يثبت أننا استعملنا الجانب الديني والجانب الإسلامي في الانتخابات وفي غيرها. ولكن أن يستعمل بعض الناس الإسلام للحصول على الأصوات وعلى مقاعد انتخابية هذا شيء مرفوض مرفوض إسلاميا لأننا في مجتمع مسلم ولان جميع المغاربة مسلمون ومن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم »ولا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب« هذه هي العقيدة التي نؤمن بها وندافع على أساسها على الفكر الإسلامي. الإسلام والعقل على أي حال هذا موضوع حلله علال الفاسي في كثير من كتاباته لا أريد أن أطيل فيه والفكر الإسلامي والإسلام أو الفكر الديني في الإسلام مرتبط بالعقل عند علال الفاسي ولذلك يقول: (وقد رفع الإسلام قيمة العقل على النظر والتبصر والاحتكام إلى الفكر الصحيح والعقل الرجيح في عشرات الآيات، وجعله رسول الإسلام معجزته الكبرى ومناط دعوته، وهذا ما يجعلنا نؤمن بالعقل من غير تحفظ، ونعتد به في تفكيرنا الديني الذي يجب ان يسير معه جنبا لجنب في كامل الاتفاق وغاية الانسجام، وإذا كان اتصالنا بآداب الغرب وثقافته سيكشف لنا هذا الصراع العظيم الذي قام منذ القرن الثامن عشر بين العلم وبين الدين فيجب ان لا نذهل عن الحقائق وان لا ندخل في كفاح من أجل قضية غير قضيتنا، فالدين في نظر الإسلام لا يمكن إلا يكون عونا للعلم، وكيف يمكن ان يعتبر منافيا للعقيدة أو معاكسا لها ورسوله يقول: »فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم«. إذن بالنسبة لعلال الفاسي وبالنسبة للفكر الديني والفكر الذي يدافع عنه هو فكر مرتبط بالعقل وفكر ليس فيه ما يوجد في ديانات أخرى وفي عقائد أخرى وفي الفكر الديني عند الآخرين من خرافات وتعارض بين العقل والدين أو بين العلم والدين. وبهذا نكون أنهينا العرض الذي قدم في إطار أنشطة الإخوة في القنيطرة وبقي جزء متمم جاء في عرض مكناس، وسنحاول استخراجه في الأسبوع المقبل بحول الله.