في إطار النشاط الفكري والثقافي الذي نظمته فروع ومفتشيات حزب الاستقلال في شهر رمضان، ساهم الأخ محمد السوسي بإلقاء محاضرة في كل من مدينة مكناس ومدينة القنيطرة في موضوع: البعد الديني في فكر علال الفاسي وقد سبق نشر مراسلة حول مدينة مكناس في عدد سابق من جريدة العلم. وكما في مكناس فقد نظم الاخوة في القنيطرة لقاءا في مقر الغرفة التجارية بالمدينة وافتتح اللقاء بآيات بينات من الذكر الحكيم ثم كلمة تقديمية من الأخ مسؤول الشبيبة الاستقلالية باسم فرع الحزب والمنظمات الموازية ومفتشية الحزب والكاتب الإقليمي والكاتب الجهوي. ثم تناول الكلمة بعد ذلك الأخ محمد السوسي الذي جاء في عرضه الذي كان مرتجلا ما يلي: باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. يقول الله سبحانه وتعالى: »والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وانا الله لمع المحسنين« الأخ البرلماني المستشار في الغرفة الثانية الأخ مفتش الحزب الأخ الكاتب الجهوي الإخوة في الشبيبة الاستقلالية وفي منظمة المرأة الاستقلالية وفي الاتحاد العام للشغالين الإخوة في فرع الحزب الإخوة أعضاء المجلس الوطني الإخوة والأخوات الحضور الكريم أنا جد سعيد لحضوري معكم في هذه المدينة المناضلة المجاهدة المعروفة بنشاطها وبنضالها وبدورها التأطيري والتوجيهي في حزب الاستقلال قديما وحديثا. ويسعدني كذلك ان أبلغكم تحية الأخ الأمين العام للحزب الذي يعتز بنضالكم وبنضال هذه المدينة والتي لها مكانة خاصة عنده نظرا لارتباطه بها نضاليا وشعوريا كذلك. اللقاء عبادة ونحن في شهر رمضان المبارك ونحن نستقبل اليوم ليلة السابع والعشرين من رمضان غدا ان شاء الله وهي بالنسبة لمن صام قبلنا بيوم تحل في هذه الليلة، وعلى أي حال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر) فهذه العشر الأواخر كلها أيام فضل وأيام يمكن للإنسان أن يغتنمها في هذا الشهر المبارك بالعبادة التي لها أشكال وألوان متعددة قراءة القرآن ومدارسة العلم والصلاة..الخ ونعتبر أن تنظيم هذا اللقاء هو يدخل في هذا السياق في هذه الليلة، سياق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بمدارسة فكر له صلة قوية بالدفاع عن العقيدة الإسلامية والدفاع عن القيم والمبادئ التي كان الأجداد والأسلاف يستشهدون في سبيلها ويقدمون الغالي والنفيس في صيانتها وإبلاغها إلى الناس في مشارق البلد ومغاربها. وأنا سعيد بدعوة الإخوة لمشاركتكم هذه المدارسة في هذه الليلة وسعيد كذلك أن يكون الموضوع الذي سنتناوله هو: البعد الديني في فكر علال الفاسي، وأن يكون كذلك موضوعنا بمناسبة الذكرى المائوية لميلاده التي هي ذكرى نستعيد فيها نضاله وفكره ونضال وفكر إخوانه ورفاقه في الجهاد وفي العمل الوطني، لأنه رحمه الله كان قائدا لمجموعة خيرة من أبناء هذا الوطن الذين كانوا خير معين وخير من ينفذ ويفكر ويقترح ويبادر، لأن الزعيم علال الفاسي لم يكن وحده ليقوم بهذا الدور الذي قام به لو لم تكن تلك لجماعة ولو لم تكن تلك الفئة التي كانت معه كذلك على القدرة وعلى التجاوب الذي بمقتضاه استطاع أن يحقق ما حققه. مكناس واختيار الموضوع والواقع أن اختيار هذا العنوان هو اختيار من طرف إخوانكم في مدينة أخرى كما لاحظتم في جريدة العلم لقد سبق لي تناوله، ولكنه في الحقيقة تناول فكر علال الفاسي هو فكر متجدد وكلما تناوله الإنسان وكلما تعمق فيه استطاع ان يستفيد أكثر واستطاع أن يستخرج منه ما يمكنه من زاد قوي في العمل وفي التضحية وفي الابتكار والإبداع، لأن علال الفاسي رحمه الله كان مبدعا وكان خلاقا وكان مبتكرا في المجال الفكري و في المجال التنظيمي وفي المجال الفقهي، والإبداع في الفكر هو الاجتهاد كما نعرف جميعا، لأن المجتهد هو الذي يبدع في الفقه ويستطيع أن يجد لكل نازلة ولكل حادثة ما يناسبها من الأحكام الفقهية ومن الأحكام الشرعية. حول مدلول الفكر وعندما نريد أن نتناول البعد الديني في فكر علال الفاسي يفرض علينا ذلك أولا ان نتدبر معنى الفكر ومعنى الدين فلا بد من أن نتأمل وأن نستحضر عندما نقول الفكر ما هو الفكر؟ وعندما نقول الدين ما هو الدين؟ بالطبع نحن جميعا عندما اخترنا هذا العنوان اتجه فكرنا أثناء الاختيار لأشياء تصورناها وهذا هو الفكر، الفكر هو تصور حالة معينة في الذهن، الإنسان عندما يجلس ويختلي ويفكر معنى انه يستعرض في مخيلته وفي باطنه وفي شعوره أشياء يتأملها ويتصورها، بالطبع عندما تريد أن تبني منزلا أو تؤسس مؤسسة تفكر وتتصور وتتخيل الشكل الذي سيكون عليه هذا البيت وتتصور وتتخيل ما يمكنه أن يؤديه هذا البيت من وظائف وكذلك مؤسسة أو جماعة أو جمعية أو شيء من هذا القبيل. عندما تريد أن تتقدم في الانتخابات تتصور وتفكر ما يمكنك أن تقدمه لهؤلاء الناخبين الذين ستتقدم أمامهم ماذا ستعرض عليهم؟ الشيء الذي ستعرضه عليهم و التأمل فيه والتدبر فيه و تصوره هو ما يمكن ان يسمى فكرا و ما يطلق عليه الفكر، ولذلك تعريف الفكر عند اللغويين وعند الأصوليين وعند علماء الكلام وعند الفلاسفة يأخذ تعاريف تكاد تختلف وتكاد لا تختلف بمعنى أنه الشيء الذي يضاف أو ينقص هو ما له علاقة وما له ارتباط بأصحاب الفن المعين أو بأصحاب الوجهة المعينة. ولكن على أي حال مثلا عند علماء الكلام هو ترتيب الحجج التي ستدافع بها عن فكرة معينة أو عن مبدأ معين أو عن عقيدة معينة، بالطبع علماء النفس عندهم كذلك تعريف خاص بالفكر ولا نريد في هذه الأمسية ان نرافق هؤلاء أو نتحدث معهم أو نستعرض تعاريف كل فئة ولكن المهم هو أن الفكر هو هذه الصورة الذهنية التي تتراءى أمام الإنسان ويستعرضها وهو يريد أن ينجز شيئا ما، يريد أن يكتب مقالا تتصور ما هو الشيء الذي تريد أن تعبر عنه في هذا المقال؟ ما هي الأشياء التي تريد أن توصلها؟ هذا هو التفكير. ماذا نعني بالدين ومن طبيعة الحال الدين عنده تعاريف متعددة كذلك، تعاريف عند علماء المسلمين وعنده تعاريف عند علماء الاجتماع وعنده تعاريف متعددة حتى بالنسبة لكل فن ولأصحاب ذلك الفن ولا بأس أن نشير هنا إلى بعض التعاريف العامة والخاصة، فالدين عند التهناوي هو: »إن الدين وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال الفلاح في المآل وهذا يشمل العقائد والأعمال ويطلق على كل ملة كل نبي« ص:3 وعند محمد عبده هو: »أنه الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وعقله من وعاه من صحابته ومن عاصرهم وجرى العمل عليه حينا من الزمن بينهم بلا خلاف ولا اعتساف في التأويل ولا ميل مع الشيع« ص16 وعند در كايم »انه منظومة متماسكة من العقائد والطقوس المتعلقة بأشياء مقدسة أي بأشياء مفصولة محرمة وان هذه العقائد والطقوس تؤلف بين قلوب أتباعها في إطار اتحاد معنوي يسمى ملة«. أما علال الفاسي فيعرف الدين بأنه: »هو مجموع ما شرعه الله من أحكام سماوية منزلة على أنبيائه وهو جامع للإيمان وللإسلام والإحسان كما في حديث جبريل جاء يعلمكم دينكم«. المقاصد 80 ص:4. ولكن نحن الآن هنا في هذه القاعة عندما نطلق ونعبر بالدين فنقصد فقط مباشرة الإسلام ومكانة الإسلام في المجتمع المغربي، بمعنى انه عندما نريد أن نبحث عن الدين في فكر علال الفاسي معناه نريد أن نعرف ما هي المنزلة التي يضع فيها علال الفاسي الإسلام وهو يفكر في السياسة وهو يفكر في الاقتصاد وهو يفكر في الاجتماع وهو يفكر في الإسلام نفسه، نريد أن نعرف المكانة التي يضع فيها علال الفاسي الإسلام وهو يخطط سياسيا واجتماعيا وثقافيا وتربويا ووتعليميا لهذا الوطن الذي أفنى حياته في خدمته والدفاع عن استقلاله وعن حريته. علال الفاسي والفكر الإسلامي لنعرف مكانة الدين والبعد الديني في فكر علال الفاسي لابد أن نستعرض من هو علال الفاسي؟ هذا الإنسان الذي نتحدث عنه من هو؟ وكيف نشأ؟ وما هو الوضع الذي نشأ فيه؟ من طبيعة الحال عندما نرجع إلى حياة هذا الإنسان الذي يسمى علال الفاسي نجد انه ولد في سنة 1910 ونجده انه ولد من أسرة من الأسر المغربية المتميزة بالعلم وبالصلاح والتقوى وبالتصوف، وبالجهاد كذلك فجد هذه الأسرة أبو المحاسن الفاسي كان من قادة الجهاد في معركة وادي المخازن وهي من المعارك الكبرى التي كانت بين المغرب وبين المسلمين المغاربة وبين الصليبيين الأوروبيين الممثلين في جيش أوروبا قاده آنذاك الملك البرتغالي (سبستيان). هذه الأسرة هي أسرة علم وجهاد وتصوف وفكر، أسرة حتى قبل أن تأتي إلى المغرب من الأندلس كانت معروفة بهذا الدور وبهذا العمل من أجل الإسلام ومن أجل العروبة ومن أجل نصرة الحق والعدالة. غير أن علال الفاسي لم يعتمد على ما كان للعائلة في التاريخ من مجد ومكانة وإنما سعى أن يُكون نفسه وأن يَنشئ لنفسه مكانة متميزة بين أقرانه حتى بين الذين سبقوه في السن. لا أريد هنا في هذا الحديث أن استعرض كل مراحل حياته الأولى، ولكن أريد أن أقول فقط انه في منتصف العشرينيات من القرن الماضي 1925 بدأ هذا الإنسان ينتج ويبدع في مجال الفكر وفي مجال الشعر وفي المجال العلمي، في هذه المرحلة أنشد قصيدته المعروفة التي نرددها جميعا: ابعد مرور الخمس عشر العب وألهو بلذات الحياة واطرب شاعر الشباب وجامعة القرويين وفي هذه المرحلة لقب بشاعر الشباب، بمعنى أنه في وسطه وفي الشباب لقب بشاعر الشباب، وفي هذه المرحلة كانت هناك مجموعة معه من الكتاب والشعراء والأدباء، هي المجموعة التي كانت من جميع أنحاء المغرب والتي لم تكن مقتصرة على ساكنة مدينة فاس وعلى سكان مدينة فاس، ولكنه نظرا لكون جامعة القرويين يلتقي فيها الطلبة من كل القبائل المغربية والمدن المغربية، فهذه الجامعة كان فيها من مختلف أنحاء المغرب نخبة من الشباب المتعطش للعلم وللمعرفة والتي استطاعت ان تلتئم آنذاك في مجال الوطنية كذلك، كان فيها المختار السوسي من سوس كان فيها بوشتى الجامعي من أولاد جامع من نواحي فاس كان فيها الفقيه غازي الذي أتى من مدينة مكناس، كان فيها عبد الخالق الطريس الذي جاء من مدينة تطوان، كان فيها الفقيه داود الذي جاء كذلك من مدينة تطوان كان فيها المرحوم العلامة عبد الله كنون الذي كان آنذاك رغم ان أصله من مدينة فاس ولكن كان شابا مقيما في مدينة طنجة ..إلخ. إذن كان فيها شباب من مختلف أنحاء المغرب، هؤلاء الشباب استطاعوا أن يفكروا بالدفع بالعمل الوطني إلى الأمام، إذن علال الفاسي في هذه المرحلة كان متميزا بين هذه المجموعة كلها، في هذه المرحلة أنا أشير فقط لماذا سيكون الدين ولماذا سيكون الإسلام مصاحبا ومواكبا لفكر على الفاسي إلى مماته؟ البداية من الدفاع عن الإسلام ففي هذه المرحلة كذلك كان هؤلاء الشباب وهم يدرسون يتتبعون الثورة الريفية التي قام بها محمد بن عبد الكريم الخطابي هذه الثورة التي كانت كذلك جهادا على أساس إسلامي أحد طلبة القرويين، والتي اعتبرها المسلمون جميعا في مشارق الأرض و مغاربها على أنها الثورة التي تعيد إليهم ما كان لهم من مجد واعتبرها الأمير شكيب أرسلان رحمه الله هي الثورة التي أعادت الأمل للمسلمين وأعادت إليهم الثقة بأنفسهم، هذه الثورة هي التي دفعت كذلك بمصالي الحاج وهو أحد الزعماء الوطنيين في الجزائر إلى تأسيس ما كان يسمى آنذاك نجم الشمال الإفريقي لأنها أنعشت الأمل لدى الجميع ولدى كافة الشباب المتعطش للحرية آنذاك. ثم أول ما اختبر به هؤلاء الشباب أو اختبر به علال الفاسي هو ما يتعلق بالمس بالإسلام وبالشريعة الإسلامية وباللغة العربية عندما أصدر الاستعمار الفرنسي بالمغرب ظهير في 16 ماي 1930 هذا الظهير الذي استهدف الهوية المغربية استهدف الإسلام واستهدف اللغة العربية واستهدف الأمازيغية واستهدف الأمازيغيين لأنه كان ظهيرا يحاول أن يجعل المغرب مغربين مغرب متأصل في الإسلام وينعته بالعرب ومغرب طارئ على الإسلام أو الإسلام بالنسبة إليه شيء ظاهري فقط وهم الامازيغ الذي يريد أن يمسحهم من جديد وان ينصرهم، من جديد وهذا في الواقع تصنيف استعماري ليس له حقيقة وليس له أصل في الواقع المغربي. إذن في هذه المرحلة انطلق علال الفاسي علال الفاسي إذن انطلق من منطلقات في الأساس وفي العمق هي منطلقات إسلامية، منطلق السلفية انتم تعرفون معنى السلفية أو كيف انطلقت الحركة الوطنية من السلفية، لا نريد نحن الآن في هذه الأمسية أن نتحدث عن هذه العناصر التي أشرت إليها ولكن أشرت إليها فقط للتذكير بالظروف التي نشأ فيها علال الفاسي والتي كان فيها قائما بما قام به من دور في سبيل العمل من أجل الدفاع عن المغرب. علال الفاسي في مواجهة الجمود إذن بالنسبة لعلال الفاسي كان من بين ما قرر في واقع المغرب وفي وجدانه الشخصي هو حماية الإسلام والدفاع عنه والدفاع عن القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام، إذا كان علال الفاسي هذا هو المنطلق بالنسبة إليه فهل يمكننا أن نبحث في تفكيره؟ بين ما هو ديني وما هو غير ديني؟ علال الفاسي يجيبنا على هذا السؤال بنفسه وعن هذا التساؤل بنفسه عندما يضع أمامنا إنتاجه الفكري وإنتاجه العلمي، الإنتاج الفكري لعلال الفاسي بدأ بمقارنة الانحرافات التي كانت تطال الدين، وكذلك بتقويم الأفكار وبتقويم المفاهيم لدى النخبة المغربية ولدى الشعب المغربي. فمثلا في هذه المرحلة كتب الشيخ المكي الناصري كتابا اسماه (إظهار الحقيقة) وهو يحاول من خلاله أن ينتقد الطرقية فحكم علماء ذلك الوقت ومشايخ الطرق بتكفيره وحملوا عليه حملة شعواء وتصدى للدفاع عنه وعن مواقفه وعن فكره علال الفاسي، عندما كتب عبد الهادي الشرايبي مقالا يتحدث فيه عن الوطنية وعن الوطن وقال فيه أنه يتعشق الوطن ويتعبد الوطن واستعمل كلمة العبودية في التغني بالحركة الوطنية وبالوطن، قيل عنه أنه كفر وخرج عن الدين لأنه استعمل العبودية وتعبد غير الله سبحانه وتعالى، فتصدى للدفاع عنه كذلك علال الفاسي وكتب بحثا في معنى العبودية وكيف تطلق وهل يمكن ان تطلق فقط على الله وحد سبحانه وتعالى، من طبيعة الحال استطاع ان يستخرج من نصوص الفقهاء ومن نصوص العلماء ما يجعل كلمة العبودية تطلق في استعمالات دون ان يكون ذلك مسا بجوهر العقيدة ولا بجوهر الدين، وانه إذا حسب النية وحسب القصد لا يكون القصد انه يعبدها من دون الله ولكنه يريد أن يظهر المكانة التي تحظى بها الوطنية ويحظى بها الوطن لديه، ومن هنا كانت العبودية كلمة في المفهوم الديني الحقيقي للعبودية التي تكون الا لله سبحانه وتعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون....) فالعبودية لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى فالعبودية لله دون سواه. لذلك فعلال الفاسي ..... علال يضع مشروع مجتمع ما بعد الاستقلال ولكن عندما يعود علال الفاسي في سنة 1946 تفرغ لكتابة عمل عظيم وكتاب مهم جدا وهو كتاب النقد الذاتي نذكر كتاب النقد الذاتي اولا لأنه كتب في سنة 1949 اي منذ 61 سنة ثانيا، لأنه بني على التفكير لأنه عندما نمسك كتاب النقد الذاتي نجد في مفتتحه قول الله تعالى (قل انما أعظكم بوحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا) ونجد فيه كذلك (حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل ان توزن عليكم) وهذين النصين لا الآية القرآنية فهي تعني (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادا ثم تتفكروا معنى أنه لابد للإنسان أن يكد لله ويستعمل كل وسائل النظر ويفكر، وهذا جزء مما تضمنه كتاب النقد الذاتي أي التفكير ونجد في الحديث وإن كان فيه خلاف هل هو حديث ام هو كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وان كان في النقد الذاتي قال انه حديث (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا) هذا هو النقد الذاتي حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن تحسب عليكم بمعنى ان كتاب النقد الذاتي يتضمن أمرين أو اثنين: الأمر الأول: التفكيري والأمر الثاني نقد الذات ومحاسبة النفس قبل ان ينتقدك الغير ويحاسبك الغير، ولذلك فالآية أمر بالتفكير والحديث المأثور حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا أمر بالنقد الذاتي وزنوا أعمالكم قبل ان توزن عليكم. التفكير ونقد الذات علال الفاسي في كتاب النقد الذاتي استعمل الامرين معا والكتاب كله مبني على التفكير وأصناف التفكير، حيث تناول في الباب الأول مسائل الفكر، وفيه عشرة فصول والباب الثاني التفكير بالمثال وفيه تسعة فصول والباب الثالث الفكر الاقتصادي الباب الرابع الفكر الاجتماعي. هذه الأبواب التي خصها في كتابه النقد الذاتي، عندما تأخذ فصلا من الفصول الذي تناول فيه قضية من القضايا مثلا الفصل الأول الأنانية والتفكير بالأنا بطبيعة الحال حالة مرضية بالنسبة للإنسان فهنا علال عندما يستعرض الفكر الأناني أو الفكر بالأنا يستعرض مظاهره والكيفية التي يقصد بها ولكنه في الوقت نفسه يقوم بعملية النقد وعملية التحليل وكيف يمكن للإنسان ان يخرج من هذه الحالة المرضية وان يتحول التفكير بالأنا إلى تفكير ايجابي، لأن الأنانية لا تكون دائما سلبية فقد يكون فيها الجانب الايجابي لأنه لا يمكن للإنسان أن ينسى ذاته نكران الذات شيء مطلوب ولكن في غالب الأحيان في الطبيعة البشرية لابد أن الإنسان في الوقت الذي يفكر في الغير يفكر في نفسه ولذلك لابد ان يكون هذا التفكير تفكيرا ايجابيا وتفكيرا بناءا. من طبيعة الحال أنا لا أريد أن استعرض الفصول الموجودة في النقد الذاتي ولكن أريد فقط أن أقول وهذا هو بيت القصيد في المنطلق، هذا المنطلق الذي استعمل في كتاب النقد الذاتي هو الذي نجده بعد ذلك في الكتب أخرى والتي جاءت من بعد، وبالطبع الحركات الاستقلالية كتبت قبل ولكن هناك ارتباط بين النقد الذاتي والحركات الاستقلالية. الإبداع الشعري ودفاع عن الشريعة ولكن نجد علال الفاسي له إنتاج آخر وهو الشعر و يجب كذلك ان نرجع إليه وتتعمق فيه فالإبداع الشعري عند علال الفاسي يمتاز بفكر خصب وبفكر خلاق وبفكر متنوع ومتعدد وبفكر كذلك متحرر لأن علال الفاسي إنسان متحرر وليس إنسانا جامدا أو إنسانا يقبل الاستمرار في فكرة يرى خطأها، ولذلك في تقديمه لكتاب النقد الذاتي يقول على أي حال هذا موضوع أنا اقترحه والأفكار هي مقترحة وليست نهائية حتى بالنسبة إلي فأنا مستعد في كل لحظة وفي كل وقت وفي كل مرحلة أن أعيد النظر في هذه الأفكار وأن أطورها وأن اخرج فيها بشيء جديد، وهذا معناه أنه تشجيع للشباب الوطني و الشباب الاستقلالي وتشجيع كذلك للقارئ العربي المسلم لهذا الكتاب لأنه هو مشروع للنقاش ومشروع للتطوير ومشروع كذلك لوضع لبنة فكر متقدم وقوي ومتنور. بالطبع علال الفاسي فيما بعد ذلك وضع تفريع لهذه الأفكار التي جاءت في كتاب النقد الذاتي هذا التفريع الذي جاء في كتب أخرى فيما بعد ذلك، في الجانب الذي يهمنا وهو الجانب الإسلامي نجده انه توسع في بعض القضايا المتعلقة بما جاء في النقد الذاتي في كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ونجد أكثر بناء فكري جديد وبناء تصور متطور جدا للفكر الإسلامي ولما ينبغي ان يكون عليه التعامل مع الإسلام في كتاب دفاع عن الشريعة كتاب دفاع عن الشريعة هذا كتاب مهم جدا ولعل الناس عندما يقرؤون العنوان يظنون ان معنى دفاع عن الشريعة هو يجب تطبيق الشريعة ويجب كدا ويجب كدا في حين أن الكتاب مهم جدا في إعادة بناء الفكر الإسلامي. ولنا عودة لإتمام العرض.