تركا كل شيء ورائهما، وظائفهما التي كانا يجنيان منها آلاف الدولارات وسبل العيش المريح الذي توفره أميركا. تركا ذلك كله وشدا الرحال نحو إحدى قرى جبال الأطلس حيث استقر مصطفى جبور وهو مواطن أميركي من أصل مغربي وزوجته الأميركية دينا منذ أربع سنوات. بعد انتشار خبر عودتهما من أميركا واستقرارهما في قرية نواحي أمزميز، (تبعد 43 كيلومترا عن مدينة مراكش)، لم تستوعب أسرة مصطفى ذلك، كما قوبل الاثنان بانتقادات حادة على شبكات التواصل الاجتماعي. كثيرون لم يستوعبوا فكرة ترك الزوجين لأميركا والاستقرار بمنطقة تصنف ضمن "المغرب غير النافع"، يوضح مصطفى جبور للحرة.
وأنت تستمع إلى حديثهما، تكتشف بعدا صوفيا في رؤيتهما للحياة. "بعنا منزلنا الكبير المكون من خمس غرف، واستقلنا من وظائفنا وتركنا كل شيء وجئنا إلى المغرب".
يقول مصطفى "أميركا مدرسة، فيها تعلمت كيف أعتمد على نفسي وكيف أتحلى بالطموح وكيف أقتنص الفرص. أعتقد أننا في المغرب نحتاج إلى مثل هذه القيم".
يشبه الزوجان الحياة في المغرب بجلسة استرخاء تنسيهما مغريات الحياة ومادياتها. فحتى بعد عودتهما إلى المغرب، لم يختر مصطفى الاستقرار بإحدى المدن المغربية الكبرى بل قرر وزوجته اللجوء إلى جبال الأطلس. ويوضح للحرة "الحياة في الدارالبيضاء تشبه تماما الحياة في أميركا. هناك إيقاع متسارع للحياة. وهنا في القرية نحس فعلا بهدوء تام وبراحة بال".
وبعد الاستقرار في المنطقة الجبلية، شرع الزوج في بناء منزل صغير مستخدما القش والطين، إحدى الطرق المغربية التقليدية التي أخدت في الاندثار.
وانخرط الاثنان في برنامج WorkAway وهو برنامج تطوع عالمي، يقوم على فكرة استقدام متطوعين للمساعدة في إنجاز بعض الأعمال، مقابل إطعامهم وإكرامهم.
"بفضل هذا البرنامج، استضفنا المئات من الأجانب، ساعدوني في بناء المنزل وفي إنجاز بعض الأعمال. ومن خلال تجربتهم معنا اكتشفوا سحر المغرب وطيبوبة شعبه"، يقول المتحدث.
بالنسبة للزوجة دينا، والتي تتحدر من أصول فلسطينية، فهي أحبت كثيرا حياتها الجديدة لكنها تؤكد للحرة أنها لا تخلو من صعوبات. "هناك عائق اللغة، فأنا لا أتحدث العربية، ولكنني أبدل قصارى جهدي لتعلم اللهجة المغربية. ليس لي صديقات بعد وأعتقد أنني في مرحلة أحتاج فيها أكثر إلى أن أكون مع نفسي والاستمتاع بجمال طبيعة المكان"، توضح المتحدثة.
ومن الأشياء التي نالت إعجابها، تقول "أحببت المغرب كثيرا. رحب بي سكان المنقطة، وصدقني اندمجت هنا بسرعة.. صحيح أن البعض وصفنا بالمجانين لأننا تركنا حياة الرفاهية في أميركا ولكن وجدت ما كنت أبحث عنه".
اعتنقت دينا الإسلام، وهي تشاطر مصطفى نظرته الصوفية للحياة. في أميركا كانت تشتغل هذه السيدة في مجال الحلاقة والتجميل وفي المغرب تطمح إلى أن تفتتح مزرعة خاصة بهما، "أطمح أيضا إلى مساعدة فقراء البلدة وأن نتقاسم معهم ما اكتسبناه من خبرة في أميركا".
لم تستسغ أسرة مصطفى كيف أنه قضى 17 عاما في أميركا وعاد ليسكن في قرية صغيرة تبعد بكيلومترات عن المدينة. وفي هذا الصدد، يقول لموقع الحرة "كانوا ينتظروني أن أعود وأن أقطن في المدينة وأن يروا في ابنهم رجلا ثريا يتفاخرون به أمام الجيران وأنا ضد هذه الفكرة. جئنا إلى هنا للاستمتاع بالحياة وأعتقد أن هذه الفلسفة لن يفهمها المغاربة الذين لم يسبق لهم أن غادروا يوما المغرب".
ويطمح الزوجان أيضا إلى إنجاز مشروع سياحي، يعرف بالمغرب وبعادات شعبه.
"أستيقظ في الصباح الباكر وأمضي ساعات في التأمل في الكون وفي سر الوجود، بعدها أركب دراجتي الهوائية وأذهب إلى سوق القرية، حيث أتبضع وأتبادل أطراف الحديث مع سكان القرية"، يقول مصطفى.
ويضيف "بعد تحقيق مشروع الضيعة، سنقوم بتوظيف سكان القرية وسنعمل كل ما بوسعنا لمساعدتهم على تحسين ظروفهم المعيشية".