إندلع مؤخرا نقاش من نوع خاص و مشاحنات غير مسبوقة بين العديد من المفكرين و رجالات الدين بشتى أنواعهم بعد الضجة التي أحدثها كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" لكاتبه مصطفى أيلال.لكن ما يثير الإنتباه أن الأمر تحول إلى جدال منقطع النظير فخرجت الفكرة عن غايتها و تحولت إلى فتيل لفتنة نحن في غنا عنها لذا توجب إرجاع الأمور إلى نصابها و إحالة الأفكار إلى أصولها للوصول إلى نتيجة محمودة عوض هذا الكم الهائل من الملاسنات التي وصلت إلى حد خروج مصطفى بن حمزة و هو باحث مغربي؛ رئيس المجلس العلمي بوجدة ومدير معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية بوجدة, من أعضاء المجلس العلمي الأعلى بالمغرب وداعية مشارك بالعديد من المحاضرات والمقالات داخل المغرب وخارجه ليهدي عشرة ملايين سنتيم لمن يقوم بالرد على صاحب الكتاب.أما كان أفضل أن يهبها لما فيه خير. بالرجوع إلى أصل الجدال ،صحيح البخاري، سنجد أنه قد أخد أكثر من قيمته و أنه ليس فعلا فوق الشبهات و غير قابل للنقد أو كما لقب بأصح كتاب بعد كتاب الله ،كيف و هو في الأصل كتاب نقذي لما سبقه فصاحبه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (13 شوال 194 ه - 1 شوال 256 ه) لم يقم سوى بجمع الأحاديث و إقتفاء الصحيح منها، لا نبخس عمله و لا جهده، لكنه ولد بعد سنين من وفاة رسول الله عليه الصلاة و السلام و هذا ما جعل الأحاديث مسنودة إلى عنعنة قد تضيع المعنى أو تحرف الكلم عن موضعه، إضافة إلى إحتواء الكتاب على أحاديث لا يقبلها العقل و لا المنطق ، و دون نسيان أن الرسول عليه الصلاة و السلام كان قد نهى عن تدويين الأحاديث. 600000 حديث جمعها البخاري ،جزم العلماء أن الصحيح فيها هو 6000 أو أكثر بقليل هي أحاديث فيها ما صححه الألباني رحمة الله عليه و ما ضعفه و لم نقل لماذا تجرأ على الكتاب ؟ و كيف يصحح أحاديث نبوية ؟ و على ماذا إستنذ؟ ذلك أن الأمر في جوهره هو نقذ حيث أن البخاري عندما جمع هذه الأحاديث قد إصطفاها من بين أخرى لم يقبلها ،و شك في صدورها فعلا عن رسول الله عليه الصلاة و السلام .إذن فالكتاب أصلا هو نقذ لسابقه فلماذا لا يقبل النقذ؟ و لماذا يعتبر بعض الفقهاء أن فتح حوار حول الكتاب هو تطاول عل شخص الرسول عليه الصلاة و السلام أو بأقله تبخيس لعمل البخاري؟ صحيح البخاري و صحيح مسلم لا تتعدى كونها كتبا جامعة لمرويات عن الرسول عليه الصلاة و السلام ،مرويات نقلت عن طريق الحفظ من أشخاص لآخريين حتى وصلت إلى الكاتبين و هذا ما يجعلها قابلة للتكذيب خصوصا تلك التي قد تعارض آيات قرآنية كحديث أن الرسول عليه الصلاة و السلام سحر من طرف يهودي حتى أصبح يفعل الشيئ و لا يذكر أنه فعله أو لا يفعل الشيئ و يظن أنه فعله ؛ إذن كيف كان يأم الناس في الصلاة و هو قد ينسىأنه توضأ أو أنه قد لا يتوضأ و يظن أنه فعل ،و هو ما يعارض قول الله تعالى في سورة الإسراء: ( نحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا، انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً ). أما إن أردنا التدقيق أكثر في أحاديث سيد الخلق ،الصحيح منها ، فهل كلها سنة نبوية وجب إتباعها ؟ أم أن منها ما كان بمثابة دستور للدولة الإسلامية أنذاك و ما كان قوانين تنظيمية للعلاقات داخلها ؟ شخص الرسول عليه الصلاة و السلام غير قابل للمساس ، و كذا مجهود العلماء الأجلاء فهو غير قابل للتبخيس لكن النقذ أساس الإستمرار و الركن الأول لعدم الوقوع في الخطأ .