المصطلح الاكثر حظا بين كل المصطلحات التاريخية, على الاطلاق ,هو الديموقراطية. تم تداوله دون ان نطرح السياق ولا حتى لماذا هذا المصطلح بالضبط دون غيره, مما جعلنا نهمل بشكل جلي المرجع التاريخي. والقيمة الثقافية والمعرفية التي تمثله اليونان بالنسبة لكل اوروبا, اليونان منارة اوروبا كلها وذاكرتها التاريخية و مرجعها النظري في الفكر السياسي وفي الابداع الفكري والادبي, يونان القرن الثامن قبل الميلاد, مدنية شمال البحر الابيض المتوسط ومنارة الفكرة الانساني الذي سيصدر الى كل العالم . المفهوم شكل حينها احدث الصيحات في عالم تدبير الدولة, مفهوم الدولة الحديثة لم يتمكن من الانسلاخ عن المفهوم التاريخي, الا من خلال ما يمكن ان نرصده في السلوك الرسمي, و في اعطاء مفاهيم متعددة للديمقراطية مع الحفاظ على المصطلح, كدلالة رمزية, ومرجع تاريخي يحيل الى, ان الدولة حديثة في الطرح و تقليدية في السلوك. صحيح حسب المفهوم القديم, الديمقراطية هو سلوك للدولة, وهو عملية استشارية تحمي النخبة الحاكمة من تحمل تبعات قرارتها الانفرادية, وفي نفس الوقت تعطي لقرارتها قوة كلما تم التداول على اوسع نطاق وبين نخبة خبيرة ومؤهلة كي تقود الدولة ,هنا فعلا يحيلنا السلوك الى ان النخبة المستشارة, في حقيقة الامر هي من تملك زمام الفكر السياسي للدولة, و هي ايضا من تعطيها هوية مميزة عن باقي الكيانات الاخرى, التداول الاستشاري لقرارات الدولة مع مراعات نوعية النخب التي تملك شرف الاستشارة , وخاصة في ما يتعلق: النبل, الخصوصية ,القرب , الخبرة , الثراء,..... كلما اسهبنا في الخصائص سنجد انفسنا امام خصائص النخبة المنشأ, والتي قلنا انه يستحيل في حقها: الفقر ..الضعف....التراخي...الجهل....... وهو فعلا ما يحيلنا الى ان المفهوم العميق للديموقراطية ,هو الاشتغال عبر نخب لها من الحنكة والخبرة ما يعطي للمفهوم وللتداول صفة القوة الابداعية في التدبير السياسي, الذي يراعي القراءة السليمة للوضع الاستراتيجي للدولة عبر محيطها الدولي. وراهنها المحلي . يتبن اننا امام آلية جد مهمة في تسير الدولة, ولسنا امام آلية لتشكيل الدولة, الفرق بين الأمرين كبير جدا ,ولنا في التاريخ سواء القديم او الحديث ان نبحث في عمق المفهوم, وسنجد ان المفهوم لا يمكن ان يكون سلوكا ,الا ان تم تأسيس الدولة ,وايجاد الهيكلة النموذجية والاطار التنظيمي للدولة, وقررت بعد ذلك النخب الحاكمة ان السلوك المتبني, في تدبير الدولة ,سيكون على نمط معين... ان المرونة اللازمة التي تتميز بها النخب الحاكمة في التكيف عبر كل انماط التدبير الممكنة ,هو ما يجعلها نخبة قوية قادرة على قيادة شعوبها الى بر الامان, واعفاء الدولة كلها ,من توتر يمكن ان يرهن النخبة في وضع حرج, يستحيل بعده ان تحافظ على مصداقيتها امام شعوبها,...الشعوب عبر كل وسائل التواصل الحديث يفتح لها ابواب التلاقح الفكري ويفتحها اما انماط عيش مختلفة, الشعوب تتحول بسرعة والنخب ايضا لها قدرة على رصد هذا التحول , كي تستثمره بشكل جيد في اطار بناء الدولة . هذا ما حاولنا ان نركز عليه في كثير من الاحيان, وقلنا ان الدولة هي فقط , من تحسم في نوع سلوكها ,المرتبط اساسا بالمناخ العام, و بمراحل الدولة, هل هي راكمت ثقافة في التدبير, ام هي دولة حديثة المنشأ....وهل الدولة حسمت كل اشكال التهديد الممكن ان يعصف بها وباستقرارها, آم لازال هناك ما يمكن ان يهدد البلاد والعباد في امنها وامانها. هي امور يجب في كل لحظة ,ان يستوعبها المواطن حين يقرر ان منهجية التعاقد ,تحتم ان يكون من بين بنودها الحفاظ عليه و على أمنه. صحيح بين آلية التعاقد والسلوك الديمقراطي للدولة , مجال واسع يمكنه ان يعطي للدولة الحق في تبني كل اشكال التسيير :من الشمولي الى التعاقدي الخالص. اننا نحاول ان نناقش الامر, كي نرفع اللبس على مصطلح تم حشوه بكثير من المفاهيم, وتم ربطه بكثير من السلوكيات...التشاور...الاستفتاء...الانتخاب... واعتبروا ان غياب المفهوم في سلوك الدولة, يعني بالضرورة تجاوز وتضيق على حريات الشعوب, في التعبير وفي توفير فرص التنمية اللازمة للحفاظ على السلم الاجتماعي...صحيح ان التأويل غالبا ما لا يكون مرتبطا بمعرفة سليمة ,بواقع الامور والظرف الداخلي للدولة, لكن حين يكون مطلبا مبنيا على, ان الشعوب لها من الكفاءة والمسؤولية ما يخول لها ان تنعم بمناخ ديمقراطي, يمكن ان يوفر على الدولة تكلفة الشك والريب, حينها يصبح الوطن في أمان وله كل الصلاحيات كي تنخرط النخب مع شعوبها في جو ديمقراطي سليم. ان اكثر من انتقد المفهوم ,هم من اعتقدوا انه يعني: استشارة الشعوب في تدبير مقدرات الدولة...دون ان يقترحوا آليات واقعية يمكنها ان تعطي للمفهوم ممارسة ممكنة ,بل توجهوا في كثير من الاحيان الى ان الحسم في الخيارات والتوجهات الاستراتيجية للدولة يجب ان تكون باستشارة شعوبها....واقترحوا الاستفتاء كآلية ممكنة.... واهملوا بشكل صريح ان الشعوب ليست بنية منسجمة في تكوينها ,وفي توجهاتها, وحتى في معتقداتها....وان الذي جعلهم يحسمون في قضية التعايش والتعاقد, هي خيارات مرتبطة بالأمن و السلام... صحيح, يكون النقاش اكثر تعقيدا كلما ارتبطنا بالمفهوم التقليدي للدولة, المبني على اسس ومرجعيات تاريخية, في الغالب ما تكون الصفة المميزة لها هي الهيمنة والقوة والسطوة. وهنا صعب ان نقترح الديمقراطية كمسلك للنفس العام. لكن مع المفاهيم الحديثة للدولة التي اصبحت تحت ضغط النمو الديمغرافي المتزايد, والتكثلات والتداخلات المرتبطة بسرعة التواصل بين المرجعيات الفكرية و ان التبادل المعرفي اصبح بسرعة البرق,اصبح امر مراعاة التمثيليات لكل الاطياف المشكلة لثقافة الشعوب مع احترام تبايناتها الفكرية والعقدية مادامت لم تتحول الى مشاريع سياسية, يمكنها ان تقوض مبدأ التعاقد و الارتباط الوجداني بالدولة , ان منهجية الدولة في الضبط يجب ان تتجاوز سؤال الشك الى منهج التبني والرعاية. مما يجعلنا امام مفهوم الدولة المرتبط. بالإنسان كمرجع كوني والحداثة كسلوك تدبيري....يصبح فيه البعد الثقافي آلية للتعايش في ظل دولة ضامنة للاستقرار والاستمرار. ان المفهوم وكل مظاهر تطوره, يلزمنا ان نوفر له مناخ الاستنبات وبشكل طبيعي , لأننا اذا حسمنا ,ان السلوك الديمقراطي لا يستقيم الا في ظل مناخ ديمقراطي وفي ظل دولة قائمة مستقرة قوية, لها فكر سياسي و ثقافة تداولية ...... الديموقراطية بين سلوك الدولة الممنوح, او مطلب الشعوب المنتزع. في الحالتين يكون الامر مرتبط بشكل مباشر مع مراحل الدولة و مناخها العام او مرتبط بقدرة الشعوب على اقناع النخب انها شعوب تريد الانخراط في بناء الدولة وليس في نيتها ان ترفع سقف مطالبها الى تغيير الانظمة, من الواقعية السياسية ان تستوعب الشعوب ان لكل دولة مراحل و ان الديمقراطية لن تكون بمفهوم واحد عبر كل مراحل الدولة, بل من المهم ان يتحول الأمل في مناخ ديمقراطي سيرورة وسلوكا مرتبطا بتطور الدولة و تأهيل مؤسساتها وهياكلها., وان المناخ الديمقراطي سيصل الى مفهومه الخالص حين تصل الدولة الى مفهومها الخالص, ان من خصائص الدول العربية انها اوطان لها تاريخ ولها خصوصية, يصعب معها استيراد نموذج معين في التدبير, كل الوطن العربي عليه ان يساير كل مراحل تطوره بشكل طبيعي وذاتي, يراعي فيه استقرار الدولة و رهانات الشعوب.