لقد جاء على لسان نيلسون منديلا قائلا : إن أي بلد أو أي مجتمع لا يهتم بأطفاله لا يمثل أمة على الإطلاق ، و من هذا المنطلق والمنظور ، يمكن التأكيد على أهمية الطفولة في المجتمعات، خصوصا تلك التي تحترم نفسها (...) ، اهتماما بالتعليم الجيد والصحة والتطبيب ، و الرعاية الاجتماعية والنفسية ، وذلك لتكوين فرد صالح ، قادر على ضمان استمرارية سنة الله في الأرض . لقد شكلت قضية الامهات العازبات نقطة تحول في المجتمع المغربي ، نقطة اختلف فيها الفاعل و المفعول والذال و المدلول ، توسعت فيها التأويلات والتحليلات ، إلا أنها تبقى قضية وعي مجتمعي ، ناتجة عن هشاشة ثقافية مجتمعية ، وناتجة كذلك عن عوامل اقتصادية محضة .
الأمهات العازبات ينقسمن إلى أصناف ، الصنف الأول والذي جاء نتيجة ، تنامي حالات الاغتصاب الناتج عنها حمل ، والصنف الثاني ناتج عن العلاقات الغرامية الغير شرعية ، و الصنف الثالث والناتج عن ممتهنات الدعارة دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة (...) ، كلها أصناف تفرز لنا «أما عازبة» تلعب دور الضحية ، « وطفلا» يمثل دور الضحية ، و «أبا عازبا» بعد أن قضى وطرا ، فر من الضحيتين .
لقد أشارت بعض الدراسات التي أجريت سنة 2009 إلى أن 27199 ام عازبة ، بالمغرب وضعن 45424 طفل خارج مؤسسة الزواج ، بما يناهز 153 رضيعا كل يوم 24 منهم يرمى في الشارع . مقاربة ليست بالعجيبة ، في وطن لا يوفر اي مكتسب او قيمة للمنظومة الاجتماعية على حد سواء ، وأرقام ليست بالصادمة في وطن عيش الفقير فيه يناصيب (ضربة حظ) مع لقمة العيش.
إن وضعية الاطفال المتخلي عنهم في المغرب ، هي الوضعية التي تستجلب اهتمام الفاعل السياسي و المدني افراد و حكومات، ليس فقط بالتنصيص القانوني ، بل ضرورة إشراك كذلك حتى الفاعل الديني في القضية ، و بالتالي تلفيفها بإطار ديني اخلاقي ، يجعل من حماية حقوق و مكتسبات الأطفال المهملين ، من أولويات الدولة إن كانت حقا إسلامية ، فلا ذنب للطفل المتخلى عنه في القصية ، حتى يجد نفسه ملقى به في القمامة ، او بأبواب المساجد ، والأوفر حظا فيهم يتخللا عنه في المستشفى (...) .
إن الأطفال المتخلى عنهم فهم أطفال يتامى ، وهم الذين جاء فيهم قول الله تعالى في سورة البقرة الآية 220 « ويسألونك عن اليتامى ، قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم ، والله يعلم المفسد من المصلح » ، وفي الحديث الذي رواه الترميدي « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا و كافل اليتيم كهاتين ، واشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما ».
إن المشرع المغربي أسند مهمة الكفالة ، في الأزواج الذين تتوفر فيهم الشروط التي سنتطرق إليها ، وكذلك للجمعيات التي يتوفر فيها الأهلية و النصاب القانوني لكافلة الاطفال المهملين، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ولا يستقيم ذلك إلا بالمرور عبر المسطرة التي حددها الظهير الشريف رقم 1.02.172 الأمر بتنفيذ قانون 15.01 المتعلق بكفالة الاطفال المهملين .
ومن خلال المادة 9 من الباب الثاني من المادة القانونية سالفة الذكر، والتي نصت على التالي :
تسند كفالة الأطفال الذين صدر حكم بإهمالهم إلى الأشخاص والهيئات الأتية ذكرها :
* الزوجان المسلمان اللذان استوفيا الشروط التالية ، (1) أن يكونا بالغين لسن الرشد القانوني ، وصالحين للكفالة أخلاقيا و اجتماعيا ولهما وسائل مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل (2) ألا يكون قد سبق الحكم عليهما معا أو أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال. (3) أن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع من تحمل مسؤوليتهما (...).
* المرأة المسلمة المتوفرة للشروط السابقة .
* المؤسسات العمومية المكلفة برعاية الأطفال المهملين ، و الهيئات و المنظمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعية المعترف لها بصفة المنفعة العامة ، المتوفرة على الوسائل المادية و البشرية برعاية الاطفال وتنشئتهم تنشئة إسلامية .
وبهذا وبعد مراجعة المسطرة، يتطلب الإدلاء لذا المحكمة، بطلب الكفالة، شواهد طبية تثبت السلامة من الأمراض المعدية، نسخة من عقد الزواج للزوجين، نسخة من البطاقة الوطنية للزوجين، و الوثائق الضرورية التي تثبت الدخل، السجل العدلي (...).
كما ان المشرع المغربي شدد كذلك و جرم كل العلاقات الجنسية خارج مؤسسات الزواج و التي تفضي بشكل او بآخر إلى حدوث إنجاب و بالتالي اطفال مهملين ، وذلك من خلال المادة 490 من القانون الجنائي التي نصت على ما يلي : كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية ، تكون جريمة الفساد يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة .
إن ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج ، بسبب الظروف الاقتصادية و الاجتماعية للشباب المغربي ، والهشاشة الاجتماعية و الظروف الصعبة لبعض الفتيات ، يجعل من بعضهن يرضخ لإغراءات بعض الشباب ، وبأنهن سيصبحن زوجات لهم مستقبلا ، وبالتالي يرضخن لطلباتهم في المعاشرة خارج مؤسسات الزواج ، و دونما احتياطات وقائية تتسبب في حملهن ، و بالتالي تملص الطرف الثاني في القضية من المسؤولية امام الله و المسؤولية المجتمعية في حفظ النسل ، و الرغبة كذلك في التملص من المسؤولية الجنائية .
كما تمثل أقدم مهنة في التاريخ (الدعارة) بكل تمثلاتها ، إحدى المنافذ الاساسية نحو زيادة أرقام الاطفال المتخلى عنهم ، بغض النظر لما لها من عواقب خصوصا أنتشار الأمراض المنقولة جنسيا ، لتأتي بعض
التحليلات والتي تؤكد على ضرورة نشر الثقافة الجنسية بالوطن العربي ، لما لها من أهمية في التقليل من مخاطر و تبعات ، ينتج عنها اطفال متخلى عنهم ، وهي مقاربة تبقى ناقصة في إطار الوازع الديني و الأخلاقي للمجتمع المغربي ، و كذا أهمية الإطار الدستوري و القانوني للمملكة ، التي يفرض عليها أسلوب و نمط عيش معين (...).
إن الرعاية الاجتماعية للأطفال المتخلى عنهم أولوية في عنق الدولة ، والتي بدورها مررت تدبير ملف مؤسسات الرعاية الاجتماعية للفاعل المدني، المؤسسات التي اغلبها لا يتوفر على أبسط شروط الإقامة خصوصا التتبع فيما يتعلق بالتعليم والرعاية بالإضافة إلى الرعاية اللاحقة بعد استكمال مدة الإقامة المحددة قانونيا في بلوغ سن 18 ، ليبقى انجع حل هو رعاية الأسر و تفعيل النصوص الدينية ، (كفالة اليتيم ) خصوصا ان الأسر لا تود التخلي عن الأطفال حتى بعد بلوغ السن 18 ، وبالتالي حفظ هذه الفئة من التشرد والضياع .