بعد ما حاولت خلال تواصلي المستمر والمباشر مع الإخوة الجزائريين في النسيج الجمعوي والأكاديمي، كما النسيج السياسي، والاقتصادي وصناع القراربالجزائر، أن أُقَرِّب وجهات النظر فيما بيننا من خلال تنظيم لقاءات مباشرة ومفتوحة بين هؤلاء وإخوتهم في المملكة المغربية في زيارات متبادلة ونقاشات مفتوحة تمت في عز الأزمة التي شهدتها العلاقات المغربية الجزائرية سنة 2013 ، وكانت لقاءات ناجحة. إلا أن هذا التواصل بقي حبيس تمنيات وأحلام لم نستطيع أن نترجمها إلى أفعال، ونحن اليوم ما أحوجنا إلى الأفعال أكثر من الأحلام من أجل التحرر من عقدة الحرب الباردة البائدة. لذلك، قررت أن أوجه رسالتي هذه إلى شعب بعض من أهله يجاورني في المنطقة الشرقية الحدودية ويقتسم معي فضاء مغاربيا عُدَّ حلما قريبا لشعبينا( المغربي والجزائري) بعدما كافحا وقاوما معا الاستعمار البغيض قبل زهاء نصف قرن، وهما الآن(أي البلدان)يتمتعان بالاستقلال، وبعض من أهله ترسخت علاقتي بهم من خلال لقاءاتي المتكررة معهم في الجزائر الشقيقة كما في المملكة المغربية وفي الخارج أيضا،، وتقاسمي وإياهم نفس الحلم ونفس الرؤىة لسبب أساسي وبسيط ، وهو أننا نستنشق نفس الهواء، يوحدنا نفس الحلم ونفس المصير، ويربطنا مجد تاريخ أجدادنا ولغتنا وديننا الحنيف، كما يجمع شعبينا حُبُّنا لبعْضِنا البعض وتَصاهُرُنا دما ولحما ونَفَسا، فبعد كل هذا من سيفرقنا..من يُشَيْطن هذا الحب الأزلي الذي عاشت في ظله وتحت إمرته شعوب الغرب الإسلامي كلها على مر العصور، وليس الشعبين المغربي والجزائري لكونهما جارين فقط.
إن الشعب الجزائري الشقيق يعلم جيدا، أن صناع القرار بقصر المرادية يحاولون أن يوهموا أنفسهم قبل شعبهم بحق تقرير "المصير" في الصحراء المغربية، وهم متيقنون من أن المسألة بسيكولوجية محضة تداخل فيها الصراع الجيوستراتيجي الإقليمي بالدولي في ظل حرب باردة لن توتي أكلها في العصر الحالي، وغذتها المصالح الخاصة للعديد من الأطراف المحلية والإقليمية إلى درجة أن العديد من صناع القرار في الجزائر اليوم، تعترف في لقاءاتها الخاصة مع بعض الشخصيات المغربية و غيرها بأن الصحراء مغربية لا جدال في ذلك، إلا أن ظروفا سياسية - تؤكد هذه الشخصيات - معقدة عمقت هذه الإشكالية مما زاد من صعوبة حلها في ظروف تتجاذب فيها المصالح الخارجية تجاه المنطقة المغاربية كلها بعد التحولات السياسية التي أتى بها ربيع الثورات العربية والذي كان اندلاع شرارته الأولى من دول المغرب الكبير. كما أن العديد من جنرالاتها اقتنعت بعد تقاعدها بعدم إمكانية قيام دويلة ثالثة بجنوب المغرب، وأنا أسوق هذه الأمثلة دون ذكر الأسماء من منطلق تجربة خاصة وليس عن طريق السماع فقط . واللبيب بالإشارة يفهم.
لذلك، على الدولة الجزائرية أن "تترجل" وتعلن بصدق وبعزيمة الشجعان، وتضع أول الخطو حقيقة وبصفاء نية في درب بناء المغرب الكبير بلا حدود بينية بينها وبين جيرانها، وتفك عنها هذا الاختناق السياسي والجغرافي والاقتصادي، وذلك بالسماح لعقلاء وحكماء البلدين ليتذاكروا فيما بينهم،وبشراكة النسيج الجمعوي في كلا البلدين الذين تتوفر فيهم الاريحية وسعة الصدر من أجل الإسراع لإيجاد حل متوافق عليه يرضي جميع الأطراف وينهي هذا الصراع المصطنع. حول أنجع السبل لإخراج البلدين الجارين من هذه المهزلة التي أصبحت وصمة عار على جبين الوحدة المغاربية، تسمح للعالم أن يشمت فينا ويعيب علينا هذا التمزق في ظل تكتلات إقليمية وقارية ودولية ، تسمح بحرية التجوال ونقل البضائع وتسمح بالوحدة النقدية وبالشراكة الاقتصادية التي تدر الربح على جميع مواطنيها.
أين نحن من هذه التكتلات الاقتصادية الدولية التي تحيط بنا نحن في المغرب الكبير الذي بقي لوحده وسط الكرة الأرضية بدون تكتل نشيط ومواكب لما يجري من حوله من أحداث ومن تطورات سياسية واقتصادية ، اسمحولي أن أقول ، كفى من هذه النرجسية الزائدة وهذا التعنت الغير مجدي لدى كلا صناع القرار في الدولتين المغربية والجزائرية، يكفينا أن نتواضع لنتحمل نتائج وعواقب هذا الخلاف الزائف الذي يكهرب سماء المغرب والجزائر، يكفينا أن نتحلى بشيم التواضع، وتيقنوا أن الحل في التواضع وفي الإنصات لبعضنا البعض بروية وبسعة صدر.-ومن تواضع لله رفعه- بهذا فقط يمكننا أن نفتح الحدود ونثبت علاقة ثقة بين البلدين على درب سليم وصحيح.وهنا لست في مقام من يعطي الدروس، لكني كمواطن مغربي ومغاربي تحفزني غيرتي على هذا الوطن المغاربي الكبير في أن أتحاور وبشكل علني مع الجزائريين بالأساس وكل المغاربيين من أجل تقدم وتطور الاتحاد المغاربي.
أين نحن من كل هذا يا صناع القرار، يا من تدعون أنكم تدافعون عن مصلحة الشعوب، فمصلحة الشعوب في الحرية في التنقل والتجوال والعيش الكريم في بلدها الأم كما في باقي بلدانها المجاورة. هذا هو حلم الشعبين المغربي والجزائري وحلم باقي الشعوب المغاربية الخمس.
الشعب الجزائري لما تسأله عن مسألة الصحراء تكون إجابته هي "ماعلاباليش"وأغلبهم يقول « on a ralbole de ce dossier » ويكفي هذا التعبير الذي ينطق به الضمير الجزائري الحي. فالجزائريون يعون أكثر من غيرهم بأن الحديث عن "تقرير المصير" ما هي إلا مسرحية عقيمة لازالت نرجسية الساسة في الجزائر تلوك بعض فصولها البائدة التي لا تغني ولا تسمن من جوع الشعبين إلى التطلع إلى الوحدة والتشارك والتضامن بين الجارين الشقيقين.
أيها الجزائريون الأشاوس، أيتها الأجيال المغاربية الصاعدة ، فكروا جيدا في أن العقول إن تضافرت وفكرت ودبرت والحدود إن مُسِحَت واللغة إن نهضت وتوحدت والدين إن جمع والهمم إن شمرت على سواعد لَمِّ الشمل والجد من أجل مصلحة
الشعبين الجارين، ستكون تلك هي أسس رص الصف من أجل وضع أول الخطو السليم على التوافق تجاوزا لكل خلاف أو اختلاف.
أيها الجزائريون الأشاوس ، وفي مقدمتكم صناع القرار بالجزائر، ماذا ستربح الجزائر من تقسيم المغرب؟ أتطمع في مرور مستحيل إلى المحيط الأطلسي؟ الواقع يؤكد أن الجزائر يمكنها أن تربح من المغرب في ظل وحدته الترابية كاملة مكتملة أكثر مما تحلم به أثناء خرافة التقسيم الترابي للمملكة المغربية التي لن تصدقها أبدا الضمائر اليقضة التي تجتهد في زرع الخير للشعوب المغاربية كلما أتيحت لها الفرصة لذلك.
الجزائر يمكنها أن تنهض نهضة تنموية قوية بشراكتها مع المغرب وبتكتلهما في ظل الوحدة المغاربية لكل من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.
انظروا إلى جيراننا في أوروبا، توحدوا ومسحوا الحدود فيما بينهم بالرغم من مخلفات الحرب الطاحنة التي دارت فيما بينهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأخطرها الحرب الفرنسية الألمانية بعد استعمار هذه الأخيرة للأولى والتي خلفت مآسي إنسانية عميقة كثيرة ومعقدة، هذا إضافة إلى ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم، وبالرغم من ذلك، توحد هذان البلدان في ظل سوق أروبية مشتركة تضم 27 دولة، وتكتلوا جميعا من أجل اقتصاد قوي منحت الدول الأوروبية عملة نقدية قوية وتربعوا على عرش الصناعات الكبرى المتجددة وغزوا الأسواق العالمية، وضمنهم نحن في المغرب والجزائر،حتى بتنا أسواقا استهلاكية لسلعهم بامتياز في عز تفرقتنا واختلافاتنا.
ماذا ينقصنا نحن المغاربيون ياترى؟ لاشيء ينقصنا سوى الحكمة وصحوة ضمير من أجل أن نستثمر فيما يجمعنا ونرمي بكل ما يفرقنا إلى مزبلة التاريخ، ونشمر عن سواعدنا من أجل أن نشرع في بناء نهضة تنموية قوية في المنطقة المغاربية التي لها من الكفاءات البشرية والمؤهلات الاقتصادية ما يجعلها منطقة جذب للاستثمار كما للسياحة العالمية.
انطلاقا من هذا المعطى التاريخي والديني واللغوي، وإخلاصا لكفاح أجدادنا من أجل أن يعيش المغاربة والجزائريون جنبا إلى جنب في السراء كما في الضراء، وتحكيما لمنطق هذا الواقع، ودفعا بحلمنا نحن المغاربيين إلى الوحدة والتكتل والتشارك والتضامن من أجل نهضة تنموية واقتصادية مغاربية كبرى، أوجه ندائي هذا إلى صناع القرار وإلى الحكماء في بلدينا الشقيقين الجزائر والمغرب ،وإلى الأجيال المغاربية الحالية ،أقترح ما يلي:
**أن تتحلى الدولة الجزائرية برجاحة العقل وحكمة الشجعان وتفسح للمحتجزين المغاربة الصحراويين في مخيمات تندوف المجال للعودة بحرية إلى بلدهم الأم المملكة المغربية، وتتوقف عن ترديد شريط عقيم حول ما تتوهمه"تقرير مصير الشعب الصحراوي".
* *أن تجتمع لجنة مصغرة من كبار الحكماء في كلا البلدين، وتتدارس مختلف نقط الخلاف القائم، والبحث بجدية وبحكمة وتبصر، خدمة لمصالح الشعبين الشقيقين، لا غير، في إيجاد حلول جذرية لهذا الخلاف، والذي عمر ما يزيد عن نصف قرن، وهؤلاء الحكماء موجودون ومستعدون بنَفَس قوي وأريحية عالية وروح وطنية مغاربية تسموا فوق كل هذه التفاهات التي تعكر صَفْوَ الأسرة
المغاربية، هؤلاء الحكماء ينتظرون فقط صفاء الأجواء لهم من قبل صناع القرار، وتيسير الأجواء لهم لإنجاح هذا الحوار المتواصل أصلا بين النسيج الجمعوي في كلا البلدين، لكن للأسف سرعة هذا التواصل بطيئة وتسير بشكل لا يتماشى وضغوط الظرفية السياسية الإقليمية والدولية المتسارعة التي تعاكس ما نحن فيه من تمزق وخلافات لا مصلحة للبلدين ولا للشعبين في تماديها .
* أن يواصل المجتمع المدني في كلا البلدين ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات الرباط والدار البيضاء (12-13 يناير 2013 )، وكذلك ماتم الإقرار به في نداء بومرداس بالجزائر يوم 19 أكتوبر 2013. لكن بوثيرة اسرع من خلال تكثيف التواصل بين جمعيات المجتمع المدني والأكاديمي على مستوى البلدين من خلال تنظيم
لقاءات ومؤتمرات وحفلات فنية وثقافية ومسابقات رياضية ومباريات في كرة القدم وباقي الرياضات الجماعية.
** أن نفكر في تأسيس دوري مغربي جزائري في كرة القدم، نسميه "دوري كأس الوحدة المغربية الجزائرية لكرة القدم"
** أن نحول هذا الخلاف إلى ورش تنموي كبير في كل الصحراء الكبرى التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى صحراء الجزائر، وتعد بآلاف الكيلومترات .ونجعل منها وجهة استثمارية جذابة للمستثمرين المغاربة والجزائريين كما للمستثمرين المغاربيين وللاستثمار الأجنبي أيضا، ونصنع منها جنة خضراء مثل ما حدث في ( لاسفيكاس) التي كانت لا ترقى إلى مستوى صحرائنا الكبرى، يطيب فيها العيش الكريم لكل المغاربيين وفي مقدمتهم مواطنو الشعبين المغربي والجزائري، ونمسح حدود التنقل والتجوال أمام شعبينا. ونمتص النسب العالية للبطالة في الشباب خرجي الجامعات والمعهد العليا وذلك باكتسابهم لمهارات يطلبها سوق الشغل من خلال تكوينهم في معاهد متخصص في جميع المجالات والميادين. وبذلك نحصن شبابنا من الضياع والتسكع أي (الحيطان) ونؤمن بلدينا من آفة التطرف و الإرهاب.
** أن نعمل على توحيد إقامة صلاة الجمعة في كلا البلدين نهاية كل شهر يتم التطرق في خطبتها إلى ما يجمعنا و يوحدنا ويجمع شملنا.
** أناشد إخواننا الصحراويين في مخيمات تندوف التحلي بروح الوطنيين الأحرار وبشجاعة الإنسان المغربي القوي أن يكفوا عن عنادهم الذي يتماهى وحلمهم المستحيل في تكوين "دويلة بالصحراء " ويعودوا إلى وطنهم الأصلي، إن الوطن غفور رحيم، ليعانقوا أهلهم وذويهم ويتمتعوا بخيرات بلادهم في ظل مؤسسات دستورية ورسمية مغربية قوية ولينخرطوا كباقي المغاربة في الأقاليم الجنوبية في النهضة التنموية الكبرى التي تشهدها الصحراء المغربية كما باقي الجهات في هذا الوطن العزيز في ظل ثوابت الأمة المغربية، الله، الوطن، الملك.