توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتداءات ضد الأطباء والممرضين ومواجهات في أقسام المستعجلات
نشر في أخبارنا يوم 18 - 04 - 2012

حكايات العنف والاعتداء في المستشفيات العمومية عديدة، وتعرف ارتفاعا متزايدا في ظل الخلل الذي تعيش على إيقاعه المنظومة الصحية. وضعية أصبح معها مهنيو الصحة يعانون من تهديد مستمر في ظل الخصاص المهول في الموارد البشرية. وهو ما يؤجج شرارة المواجهة اليومية بين نساء ورجال الصحة والمواطنين الذين يجنحون إلى العنف كوسيلة للتعبير عن سخطهم على تردي الخدمات الصحية.
«غطيها آلحمار»! هكذا خاطبت الممرض الذي كان يصطحب مريضة من قسم الإنعاش إلى قسم الأشعة للقيام ب«السكانير»، بعدما انزلق الغطاء الذي كان يستر جسد تلك المريضة. لم يسلم الممرض من اللسان السليط للسيدة التي استمرت في رميه بكلمات جارحة كادت تفقده أعصابه لولا لطف الله، حيث تركها تتكلف بمهمة نقلها إلى قسم الأشعة لإجراء «السكانير»، وغادر القاعة لاسترجاع هدوئه.
صرح الممرض بعد ذلك بأن ما حدث هو مجرد جزء من مشهد يعيشه يوميا الأطباء والممرضون بالمركز الجامعي ابن رشد وخاصة في قسم المستعجلات، حيث المواجهة قد تصل إلى الاعتداء باللكم والرفس واستعمال السلاح الأبيض.
قبل أسابيع وعلى الساعة الواحدة صباحا، ولج إلى قسم المستعجلات شاب، بدت عليه معالم حالة تخدير متقدمة. أثار منظره الفزع حين أمسك بسيف وبدأ يلوح به، كاد أن يصيب به ثلاث طبيبات كن في الدوام تلك الليلة. أحدث حالة رعب وهلع لم تنته إلا بتدخل الشرطة .
ساعات في الجحيم
في المستشفى الجامعي ابن رشد، أصبحت المواجهة يومية بين المواطنين حسب مهنيي الصحة. هذا ما يجعل الأمور تسير نحو الأسوأ. كل يوم يفاجأ الممرضون أو الأطباء بمريض أو مرافقه وقد انتفض غاضبا كلما طلب منه الانتظار قليلا، وتلفظ بكلمات بديئة يقذفها في وجه الطبيب والممرض.
عثمان، الطبيب المختص في التخدير والإنعاش، لا يمر عليه يوم دون أن يتعرض لاعتداء لفظي. لم يصل الأمر بعد إلى الاعتداء الجسدي كما أقر بذلك، لكنه مازال يتذكر ما وقع لزملائه من ضرب وركل ولكم. وضع أصبح معه مهنيو الصحة في خطر.
»احنا ولينا كنخافوا على حياتنا »، يستطرد ذلك الطبيب قبل أن يضيف «أغلب المواطنين لا يعلمون أننا نتوفر فقط على ثلاثة أجهزة إنعاش في المستعجلات وعددنا لا يتجاوز طبيبين»، ثم أردف قائلا «ما يهمهم هو الحصول على العلاج بأي ثمن ولو كان بالقوة».
قبل ذلك، حضر في ساعة متقدمة من الليل، شاب بالكاد أكمل 20 ربيعا من العمر، رفقة صديقه لتقطيب جرح غائر برأسه، أصيب إثر مقاومته للصين حاولا سرقته. وقتئذ كانت الطبيبة المعالجة منشغلة بتضميد جروح مريض، ولم تتوقع أن يقتحم عليها الشابان قاعة العلاج، وشرع الصديق في الاحتجاج والصراخ «آش كتسناي داويه؟!»، ودون تردد وجه إليها لكمة قوية جعلتها تسقط أرضا. ثم أطلق ساقيه للريح وهرب تاركا المصاب لوحده. اضطرت الطبيبة إلى التنازل على مضض بعدما تدخلت الأسرة ب«التزاويك». هذا ما يحدث عادة كما أكد ذلك عبد النبي قمر مدير المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، وهو ما يجعل المستشفى لا يتوفر على إحصائيات خاصة بعدد الاعتداءات التي يتعرض لها مهنيو الصحة.
هي حالات من بين المئات التي تحدث بمستشفياتنا المغربية سواء الإقليمية أو الجهوية أو الجامعية، وقد يصل معدلها إلى ستة اعتداءات في نهاية الأسبوع وفي فصل الصيف وأثناء الديربي بين فريقي الرجاء والوداد، وقد يتجاوز سقفها الأعلى عشرين مواجهة .
المشاحنات تبدأ من الباب الرئيسي، لتستمر وتصل إلى قاعة الفحص والتضميد فأقسام الجراحة. ويأخذ الاقتحام أشكالا متعددة، يتم بجرأة ودون إعلان ولايستثني عونا ولا حارسا ولاطبيبا ولا ممرضا.
فشل التجربة

عملية تنظيم الزيارة بالباب الرئيسي، وكلت إلى أفراد الأمن الخاص، في إطار تعاقد بين إدارة المركز الاستشفائي وشركة للأمن الخاص. لم يخضع هؤلاء الأفراد لأي تكوين في هذا المجال، ومستواهم الدراسي يتأرجح بين الابتدائي والثانوي.
المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2007، اعتبر أن استقبال المرضى يتم من قبل حراس غير مؤهلين لإرشادهم، بالإضافة إلى عدم خضوعهم لأي تكوين في المجال، وغالبا ما يدخلون في شجار مستمر مع المرضى وأقاربهم، وهو ما لامسناه خلال زيارتنا للمستعجلات ليلا، ولا يسلم من هذه المواجهات حتى الأطباء الذين يعتبرون أنفسهم ضحية خلل منظومة صحية، جعلتهم في مواجهة يومية مع المواطنين، ويتساءل الأطباء مستغربين كيف لرجال الأمن الخاص الذين تنعدم فيهم أبرز مقومات استقبال المواطنين وإرشادهم، أن يتكلفوا بهذه المهمة؟ ثم كيف يمكن لأناس مستواهم الدراسي يتأرجح بين الابتدائي والثانوي، أن يطلعوا على وثائق المرضى ومواعدهم ومن ثم إرشادهم إلى المصالح المعنية؟! عند زيارتنا الليلية إلى قسم المستعجلات، كان رجل الأمن الخاص في البوابة الرئيسية لقسم المستعجلات، يحاول أن يثني شابا عن الولوج إلى أجنحة القسم، فنشب بينهما نزاع كاد يتحول إلى مواجهة لولا تدخل بعض المواطنين لإخماد شرارتها.
أجمع جل من التقيناهم على اعتبار أن جوهر المشاكل التي يتخبط فيها المركز الاستشفائي ابن رشد، يعود إلى سوء التسيير والتدبير، وهو ما تضمنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات قبل ثلاث سنوات، حول ما يتعلق بمعدل العمليات الجراحية في كل أسبوع، والذي لم يتجاوز عملية جراحية لكل طبيب، فقسم المستعجلات لا يتوفر سوى على طبيب جراح واحد مختص في الدماغ وآخر للأمراض الباطنية ثم طبيبين مختصين في الإنعاش والتخدير، أما قسم جراحة العظام فلا يتجاوز عدد المختصين به ثلاثة، وهو نفس العدد الذي يشتغل في قسم الأشعة، أما بالنسبة للممرضين فالخصاص كبير حيث لا يتجاوز العدد ثلاثة.
انخفاض معدل إجراء العمليات الجراحية يعود بالخصوص حسب الأطباء، إلى غياب للأطر شبه الطبية وإغلاق بعض قاعات العمليات الجراحية، والخصاص المتكرر في مخزون الأدوية، وهو الأمر الذي يعرقل طريقة تقديم العلاجات ويتسبب في انتشار العدوى التي أصبحت تهدد حياة الكثير من مزاولي مهنة الطب والتمريض.
الخصاص الذي تعيش على إيقاعه المستشفيات فيما يخص اللوازم الضرورية للعمليات الجراحية والأدوية، أصبح كبيرا، بحيث يطلب من المريض اقتناء وصفات طبية، وأدوات طبية، وأحيانا في منتصف الليل. ما يجعل المواجهة يومية والاعتداء دائم ومتواصل، قد يبدأ الأمر بسيطا ويقتصر على السب والقذف، وقد يصل إلى التشابك بالأيدي ثم الضرب فاللكم، وينتهي أحيانا بالشروع في القتل.
«العمل بالمستشفيات وخاصة ليلا أصبح مغامرة غير محمودة العواقب»، تقول إحدى الطبيبات المقيمات، «فالاعتداءات ارتفعت وتيرتها، وستزداد أكثر مع دخول نظام المساعدة الطبية المجانية راميد حيز التطبيق» تسترسل الطبيبة. الخصاص الذي يعاني منه القطاع الصحي فيما يخص الموارد البشرية، يجعل المواجهة واقعا يوميا، فبطاقة استعابية لا تتجاوز 1619 سريرا وطاقم طبي وتمريضي لا يتجاوز 4000 طبيب وممرض وبعدد أيام استشفاء تجاوز 100 ألف يوم هذه السنة، يصبح تقديم خدمات صحية في أعلى مستوى صعبا، وإن لم يكن مستحيلا كما يؤكد ذلك الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة »ففي ظل النقص الحاد الذي يعاني منه القطاع الصحي في الموارد البشرية وضعف البنيات التحتية والتجهيزات، سيستمر هذا المسلسل الذي لن يعرف إلا التفاقم». نفس الإحساس يؤكده مهنيو الصحة من ممرضين وأطباء وأعوان وتقنيين، الذين يتملكهم الخوف الذي يصل إلى الهلع كلما وطأت أقدامهم أبواب المستشفى.
ارتفاع الوتيرة

عمل بتونس سبع سنوات كطبيب مختص في الأشعة، ولم يعتقد أن الوضع قد وصل إلى هذا التردي، «نحن في مواجهة يومية مع المرضى وتنتهي دائما بتدخل الأمن الخاص أو الشرطة»، فعدد أفراد الأمن الخاص المكلف بتنظيم عملية الدخول إلى مستعجلات ابن رشد لا يتعدى فردين، يبدأ دوامهما الليلي من السابعة مساءا إلى السابعة صباحا، ولا يتوفران على وسائل للدفاع عن أنفسهم أو خطة للردع.
مصطفى الذي يعمل كحارس أمن خاص منذ عام، يرجع سبب هذا المد العدواني الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى إجرام مع نهاية الأسبوع وفترة الديربي البيضاوي، أولا إلى قلة عدد حراس الأمن الخاص، وعدم توفرهم على وسائل للدفاع عن أنفسهم، ثم إلى الاكتظاظ الذي يعرفه المستشفى حيث يستقبل المرضى مصحوبين بأقاربهم الذين قد يتجاوز عددهم الخمسة.
وفي غياب إحصائيات وأرقام ترصد هذه الظاهرة، فإن مهنيي الصحة الذين التقت بهم «الأحداث المغربية»، يتوقعون أن ترتفع وتيرة هذه الاعتداءات وتناميها، لأن خلل المنظومة الصحية مستمر، وكذا لانعدام الأمن حيث أصبح الوضع يعرف انفلاتا كبيرا، جعل نشاط القاصرين والخارجين عن القانون في الإجرام يتنامى، ليصبح ظاهرة اجتماعية جوهرية، تميز الشارع كما المستشفى، حيث الاحتكاك بين مهنيي الصحة والمواطنين أصبح ظاهرة ملموسة.
فرياح الربيع العربي التي هبت نسائمه على المغرب، أتاحت مساحة كبرى للحرية والتعبير، وزادت في ارتفاع وتيرة هذه الاعتداءات التي تتم جهارا دون خوف أو تردد، فيوم الزيارة الملكية إلى مستشفى ابن رشد لم يتوان مرافق لمريض في الاعتداء على رجل الأمن بالضرب وهو يردد «عاش الملك» ليقتحم المستشفى وهو يسب «واش باغي تمنعني؟! السبيطار ديالي»! لم تتوقف عملية الاقتحام إلا بعد أن سد الممرضون كل المنافذ أمامه، وتدخل المواطنون لمؤازرته. وخوفا من أن يتطور الأمر إلى مواجهة تصعب السيطرة عليها، أخلى الأمن سبيله.
تغير المفاهيم الأساسية لاحترام الآخر والحفاظ على ممتلكات الغير، تغير أصبح معه العنف وسيلة للإضرار بالآخر وبالممتلكات، وساهمت في هذا الارتفاع كما يقر بذلك الأخصائيون النفسيون الذين أخذت رأيهم «الأحداث المغربية».
وهي الوقائع التي تؤكدها إحدى الطبيبات المقيمات التي استرسلت في الحديث عن المعاناة التي تجعل نساء ورجال الصحة معرضين للتهديدات أثناء تأديتهم لعملهم، وطالبت بحمايتهم من طرف الدولة قائلة «أنا بغيت نعرف واش احنا خدامين مع الدولة ولا في الشارع؟!». مازالت هذه الطبيبة تتذكر ما تعرضت له وهي تقوم بواجبها. كانت منشغلة بتقديم العلاجات لأحد المصابين بجروح أثناء عربدة ليلية، وبينما هي تقوم بعملية تقطيب الجرح، شعر المصاب بالألم، فنهض غاضبا، وأمسك بها بقوة ورمى بها لتصطدم بالجدار، ثم ركلها ركلة قوية على مستوى الرجل! لم تجد من سبيل للانفلات منه سوى الصراخ والعويل الذي وصل دويه إلى زملائها فهرعوا لإنقاذها من موت محقق. منذ تلك الحادثة والخوف والرعب يخالجانها كل لحظة وحين. نفس حالة الخوف تعيشها زميلتها في المهنة، والتي لم تجد حلا آخر غير التعبير عن رغبتها في ترك هذه المهنة النبيلة التي «مابقى فيها غير الاسم.. الناس ما بقاوش كيحترموا الطبيب وولينا مهددين في حياتنا».
ففي مستشفى العيون، تجاوز العدد 17 اعتداء خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس، وهو ما دفع مهنيي الصحة إلى دق ناقوس الخطر، وتنظيم وقفات احتجاجية في كل من العيون وتطوان ومراكش وآسفي وتيزنيت، ضد ما يتعرضون له من اعتداءات تهدد حياتهم، لتسير النقابات الأكثر تمثيلية على سكة الإضراب طلبا للحماية من الأحكام الجائرة، والاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها مهنيو الصحة أثناء قيامهم بمهامهم.
تدني الخدمات

سواء تعلق الأمر بمستشفى ابن رشد أو غيره من المستشفيات العمومية، ك«محمد الخامس» أو «الحسن الثاني» أو «مولاي يوسف»، فالانتظار وسط أجواء تطبعها اللامبالاة وغياب الاهتمام، يؤجج الصراع اليومي بين مهنيي الصحة والمرضى وذويهم.
دخول مستشفى ابن رشد وسط الاكتظاظ أمر لا يحتمل، مع وجود أربعة إلى خمسة مكلفين باستقبال المرضى الذين يعدون بالآلاف. وضع يجعل تنظيم الدخول ليس أمرا سهلا لضخامة المستشفى الذي يعد قبلة للمرضى من مختلف أنحاء المغرب، لكونه يضم مختلف التخصصات. فرائحة المرض تشتمها وأنت تتجول بين مختلف أقسامه حيث تتردد عبارات المعاناة والآلام. أما في قسم المستعجلات، فالفوضى عارمة، والصراخ يملأ الأرجاء، والسب والقذف يخترق الآذان. النقص الحاد في الموارد البشرية والتجهيزات الذي ينضاف إلى الاختلالات والمشاكل التي فضحها المجلس الأعلى للحسابات في سنوات سابقة، تجعل الاعتداء يصبح ظاهرة تميز المستشفيات المغربية.
فالازدحام حسب المواطنين والأطر الصحية هو ما يجعل المواجهة تتأجج شرارتها كل لحظة وحين، ويؤدي ثمنها الطرفان. تتداخل العوامل، فهناك المرضى الذين يكونون برفقة أفراد من عائلاتهم، وهناك الانتظار الطويل لإجراء الفحص، وطول المواعد وارتفاع أثمنة الفحوص التي لا يستطيعون أداءها والازدحام الذي يشهده قسم الأشعة، كلها عوامل تساهم في استفحال ظاهرة العنف في المستشفيات. فقسم الأشعة بمستعجلات ابن رشد، يستقبل كل ليلة أكثر من 60 مريضا، أربعون منهم يخضعون للسكانير و20 للفحص بالصدى، ويسهر على استقبالهم ثلاثة أطباء وتقني واحد فقط، يشتغلون من الساعة السادسة مساء إلى الثامنة صباحا، وهي موارد حسب رئيس القسم غير كافية، وتجعل مواعد الاستفادة من خدمة «السكانير» تصل أحيانا إلى أشهر أو أكثر بسبب تراكم المواعد وكثرة الأعطاب التي تصيب الجهاز.
المستعجلات هذه الأيام، أضحى مدخلها واجهة للمشاحنات وللكلام النابي بين المواطنين والحراس الذين تحولوا إلى أذرع بشرية في مواجهة المواطنين الذين منهم من يتضور ألما أو في حالة صحية يرثى لها.
المواطنون يعتبرون ما يحدث في المستشفيات أمر غير مقبول، فلا أحد ينصت لمعاناتهم، ليظل الشجار والتشابك وسيلتهم الوحيدة للتعبير بأعلى صوتهم عن سخطهم واستنكارهم للوضع المتردي للخدمات الصحية بالمغرب.
ويفسر مصدر من المستشفى حالات الاكتظاظ والازدحام بكونها تعود إلى الرغبة في «التدويرة» أو ما يسمى عند أصحاب الميدان «القهيوة»، فعندما يشتد الازدحام يرغب المواطنون في الإسراع بالعلاج، وهو ما يدفعهم إلى تقديم المال مقابل دخولهم وحصولهم على «حق» الأسبقية في العلاج، سواء كان الأمر يتطلب جراحة أو وصفة طبية عادية.
فالمعاناة لا تختلف مظاهرها في ابن رشد عن مستشفى أبو وافي أو مولاي يوسف أو مستشفى محمد الخامس أحد أكبر المؤسسات الصحية في الحي المحمدي بالدار البيضاء، والذي يعاني، بدوره، من الاكتظاظ، ويتجرع أطره مرارة نقص التجهيزات الأساسية والموارد البشرية، فضلا عن ارتفاع تكاليف الفحص والعلاج التي تثقل كاهل الفئات ذات الدخل المحدود.
فالنقص الحاد في عدد الممرضين والمعدات، يؤثر بشكل سلبي على الخدمات الصحية المقدمة إلى المرضى. يقول أحد الممرضين في قسم المستعجلات في مستشفى بوافي، أن المريض قد يأتي إلى القسم ولا يجد كرسيا متحركا أو سريرا يستقبله، ليظل ملقى على الأرض ينزف دما دون أن يقدم له العلاج. نفس الوضع عاشته سيدة حامل، جاءت إلى مستشفى مولاي يوسف ليلا، ورفض المسؤولون استقبالها، وطلبوا من والدتها مرافقتها إلى مستشفى ابن رشد نظرا لحالتها الخطيرة، فاستمر نزيفها لساعات دون أن تتلقى العلاج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.