بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    إسدال الستار على الدورة الحادية عشرة لمهرجان "فيزا فور ميوزيك"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"        ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        منظمة الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتداءات ضد الأطباء والممرضين ومواجهات في أقسام المستعجلات
نشر في الأحداث المغربية يوم 18 - 04 - 2012

حكايات العنف والاعتداء في المستشفيات العمومية عديدة، وتعرف ارتفاعا متزايدا في ظل الخلل الذي تعيش على إيقاعه المنظومة الصحية. وضعية أصبح معها مهنيو الصحة يعانون من تهديد مستمر في ظل الخصاص المهول في الموارد البشرية. وهو ما يؤجج شرارة المواجهة اليومية بين نساء ورجال الصحة والمواطنين الذين يجنحون إلى العنف كوسيلة للتعبير عن سخطهم على تردي الخدمات الصحية.
«غطيها آلحمار»! هكذا خاطبت الممرض الذي كان يصطحب مريضة من قسم الإنعاش إلى قسم الأشعة للقيام ب«السكانير»، بعدما انزلق الغطاء الذي كان يستر جسد تلك المريضة. لم يسلم الممرض من اللسان السليط للسيدة التي استمرت في رميه بكلمات جارحة كادت تفقده أعصابه لولا لطف الله، حيث تركها تتكلف بمهمة نقلها إلى قسم الأشعة لإجراء «السكانير»، وغادر القاعة لاسترجاع هدوئه.
صرح الممرض بعد ذلك بأن ما حدث هو مجرد جزء من مشهد يعيشه يوميا الأطباء والممرضون بالمركز الجامعي ابن رشد وخاصة في قسم المستعجلات، حيث المواجهة قد تصل إلى الاعتداء باللكم والرفس واستعمال السلاح الأبيض.
قبل أسابيع وعلى الساعة الواحدة صباحا، ولج إلى قسم المستعجلات شاب، بدت عليه معالم حالة تخدير متقدمة. أثار منظره الفزع حين أمسك بسيف وبدأ يلوح به، كاد أن يصيب به ثلاث طبيبات كن في الدوام تلك الليلة. أحدث حالة رعب وهلع لم تنته إلا بتدخل الشرطة .
ساعات في الجحيم
في المستشفى الجامعي ابن رشد، أصبحت المواجهة يومية بين المواطنين حسب مهنيي الصحة. هذا ما يجعل الأمور تسير نحو الأسوأ. كل يوم يفاجأ الممرضون أو الأطباء بمريض أو مرافقه وقد انتفض غاضبا كلما طلب منه الانتظار قليلا، وتلفظ بكلمات بديئة يقذفها في وجه الطبيب والممرض.
عثمان، الطبيب المختص في التخدير والإنعاش، لا يمر عليه يوم دون أن يتعرض لاعتداء لفظي. لم يصل الأمر بعد إلى الاعتداء الجسدي كما أقر بذلك، لكنه مازال يتذكر ما وقع لزملائه من ضرب وركل ولكم. وضع أصبح معه مهنيو الصحة في خطر.
»احنا ولينا كنخافوا على حياتنا »، يستطرد ذلك الطبيب قبل أن يضيف «أغلب المواطنين لا يعلمون أننا نتوفر فقط على ثلاثة أجهزة إنعاش في المستعجلات وعددنا لا يتجاوز طبيبين»، ثم أردف قائلا «ما يهمهم هو الحصول على العلاج بأي ثمن ولو كان بالقوة».
قبل ذلك، حضر في ساعة متقدمة من الليل، شاب بالكاد أكمل 20 ربيعا من العمر، رفقة صديقه لتقطيب جرح غائر برأسه، أصيب إثر مقاومته للصين حاولا سرقته. وقتئذ كانت الطبيبة المعالجة منشغلة بتضميد جروح مريض، ولم تتوقع أن يقتحم عليها الشابان قاعة العلاج، وشرع الصديق في الاحتجاج والصراخ «آش كتسناي داويه؟!»، ودون تردد وجه إليها لكمة قوية جعلتها تسقط أرضا. ثم أطلق ساقيه للريح وهرب تاركا المصاب لوحده. اضطرت الطبيبة إلى التنازل على مضض بعدما تدخلت الأسرة ب«التزاويك». هذا ما يحدث عادة كما أكد ذلك عبد النبي قمر مدير المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، وهو ما يجعل المستشفى لا يتوفر على إحصائيات خاصة بعدد الاعتداءات التي يتعرض لها مهنيو الصحة.
هي حالات من بين المئات التي تحدث بمستشفياتنا المغربية سواء الإقليمية أو الجهوية أو الجامعية، وقد يصل معدلها إلى ستة اعتداءات في نهاية الأسبوع وفي فصل الصيف وأثناء الديربي بين فريقي الرجاء والوداد، وقد يتجاوز سقفها الأعلى عشرين مواجهة .
المشاحنات تبدأ من الباب الرئيسي، لتستمر وتصل إلى قاعة الفحص والتضميد فأقسام الجراحة. ويأخذ الاقتحام أشكالا متعددة، يتم بجرأة ودون إعلان ولايستثني عونا ولا حارسا ولاطبيبا ولا ممرضا.
فشل التجربة
عملية تنظيم الزيارة بالباب الرئيسي، وكلت إلى أفراد الأمن الخاص، في إطار تعاقد بين إدارة المركز الاستشفائي وشركة للأمن الخاص. لم يخضع هؤلاء الأفراد لأي تكوين في هذا المجال، ومستواهم الدراسي يتأرجح بين الابتدائي والثانوي.
المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2007، اعتبر أن استقبال المرضى يتم من قبل حراس غير مؤهلين لإرشادهم، بالإضافة إلى عدم خضوعهم لأي تكوين في المجال، وغالبا ما يدخلون في شجار مستمر مع المرضى وأقاربهم، وهو ما لامسناه خلال زيارتنا للمستعجلات ليلا، ولا يسلم من هذه المواجهات حتى الأطباء الذين يعتبرون أنفسهم ضحية خلل منظومة صحية، جعلتهم في مواجهة يومية مع المواطنين، ويتساءل الأطباء مستغربين كيف لرجال الأمن الخاص الذين تنعدم فيهم أبرز مقومات استقبال المواطنين وإرشادهم، أن يتكلفوا بهذه المهمة؟ ثم كيف يمكن لأناس مستواهم الدراسي يتأرجح بين الابتدائي والثانوي، أن يطلعوا على وثائق المرضى ومواعدهم ومن ثم إرشادهم إلى المصالح المعنية؟! عند زيارتنا الليلية إلى قسم المستعجلات، كان رجل الأمن الخاص في البوابة الرئيسية لقسم المستعجلات، يحاول أن يثني شابا عن الولوج إلى أجنحة القسم، فنشب بينهما نزاع كاد يتحول إلى مواجهة لولا تدخل بعض المواطنين لإخماد شرارتها.
أجمع جل من التقيناهم على اعتبار أن جوهر المشاكل التي يتخبط فيها المركز الاستشفائي ابن رشد، يعود إلى سوء التسيير والتدبير، وهو ما تضمنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات قبل ثلاث سنوات، حول ما يتعلق بمعدل العمليات الجراحية في كل أسبوع، والذي لم يتجاوز عملية جراحية لكل طبيب، فقسم المستعجلات لا يتوفر سوى على طبيب جراح واحد مختص في الدماغ وآخر للأمراض الباطنية ثم طبيبين مختصين في الإنعاش والتخدير، أما قسم جراحة العظام فلا يتجاوز عدد المختصين به ثلاثة، وهو نفس العدد الذي يشتغل في قسم الأشعة، أما بالنسبة للممرضين فالخصاص كبير حيث لا يتجاوز العدد ثلاثة.
انخفاض معدل إجراء العمليات الجراحية يعود بالخصوص حسب الأطباء، إلى غياب للأطر شبه الطبية وإغلاق بعض قاعات العمليات الجراحية، والخصاص المتكرر في مخزون الأدوية، وهو الأمر الذي يعرقل طريقة تقديم العلاجات ويتسبب في انتشار العدوى التي أصبحت تهدد حياة الكثير من مزاولي مهنة الطب والتمريض.
الخصاص الذي تعيش على إيقاعه المستشفيات فيما يخص اللوازم الضرورية للعمليات الجراحية والأدوية، أصبح كبيرا، بحيث يطلب من المريض اقتناء وصفات طبية، وأدوات طبية، وأحيانا في منتصف الليل. ما يجعل المواجهة يومية والاعتداء دائم ومتواصل، قد يبدأ الأمر بسيطا ويقتصر على السب والقذف، وقد يصل إلى التشابك بالأيدي ثم الضرب فاللكم، وينتهي أحيانا بالشروع في القتل.
«العمل بالمستشفيات وخاصة ليلا أصبح مغامرة غير محمودة العواقب»، تقول إحدى الطبيبات المقيمات، «فالاعتداءات ارتفعت وتيرتها، وستزداد أكثر مع دخول نظام المساعدة الطبية المجانية راميد حيز التطبيق» تسترسل الطبيبة. الخصاص الذي يعاني منه القطاع الصحي فيما يخص الموارد البشرية، يجعل المواجهة واقعا يوميا، فبطاقة استعابية لا تتجاوز 1619 سريرا وطاقم طبي وتمريضي لا يتجاوز 4000 طبيب وممرض وبعدد أيام استشفاء تجاوز 100 ألف يوم هذه السنة، يصبح تقديم خدمات صحية في أعلى مستوى صعبا، وإن لم يكن مستحيلا كما يؤكد ذلك الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة »ففي ظل النقص الحاد الذي يعاني منه القطاع الصحي في الموارد البشرية وضعف البنيات التحتية والتجهيزات، سيستمر هذا المسلسل الذي لن يعرف إلا التفاقم». نفس الإحساس يؤكده مهنيو الصحة من ممرضين وأطباء وأعوان وتقنيين، الذين يتملكهم الخوف الذي يصل إلى الهلع كلما وطأت أقدامهم أبواب المستشفى.
ارتفاع الوتيرة
عمل بتونس سبع سنوات كطبيب مختص في الأشعة، ولم يعتقد أن الوضع قد وصل إلى هذا التردي، «نحن في مواجهة يومية مع المرضى وتنتهي دائما بتدخل الأمن الخاص أو الشرطة»، فعدد أفراد الأمن الخاص المكلف بتنظيم عملية الدخول إلى مستعجلات ابن رشد لا يتعدى فردين، يبدأ دوامهما الليلي من السابعة مساءا إلى السابعة صباحا، ولا يتوفران على وسائل للدفاع عن أنفسهم أو خطة للردع.
مصطفى الذي يعمل كحارس أمن خاص منذ عام، يرجع سبب هذا المد العدواني الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى إجرام مع نهاية الأسبوع وفترة الديربي البيضاوي، أولا إلى قلة عدد حراس الأمن الخاص، وعدم توفرهم على وسائل للدفاع عن أنفسهم، ثم إلى الاكتظاظ الذي يعرفه المستشفى حيث يستقبل المرضى مصحوبين بأقاربهم الذين قد يتجاوز عددهم الخمسة.
وفي غياب إحصائيات وأرقام ترصد هذه الظاهرة، فإن مهنيي الصحة الذين التقت بهم «الأحداث المغربية»، يتوقعون أن ترتفع وتيرة هذه الاعتداءات وتناميها، لأن خلل المنظومة الصحية مستمر، وكذا لانعدام الأمن حيث أصبح الوضع يعرف انفلاتا كبيرا، جعل نشاط القاصرين والخارجين عن القانون في الإجرام يتنامى، ليصبح ظاهرة اجتماعية جوهرية، تميز الشارع كما المستشفى، حيث الاحتكاك بين مهنيي الصحة والمواطنين أصبح ظاهرة ملموسة.
فرياح الربيع العربي التي هبت نسائمه على المغرب، أتاحت مساحة كبرى للحرية والتعبير، وزادت في ارتفاع وتيرة هذه الاعتداءات التي تتم جهارا دون خوف أو تردد، فيوم الزيارة الملكية إلى مستشفى ابن رشد لم يتوان مرافق لمريض في الاعتداء على رجل الأمن بالضرب وهو يردد «عاش الملك» ليقتحم المستشفى وهو يسب «واش باغي تمنعني؟! السبيطار ديالي»! لم تتوقف عملية الاقتحام إلا بعد أن سد الممرضون كل المنافذ أمامه، وتدخل المواطنون لمؤازرته. وخوفا من أن يتطور الأمر إلى مواجهة تصعب السيطرة عليها، أخلى الأمن سبيله.
تغير المفاهيم الأساسية لاحترام الآخر والحفاظ على ممتلكات الغير، تغير أصبح معه العنف وسيلة للإضرار بالآخر وبالممتلكات، وساهمت في هذا الارتفاع كما يقر بذلك الأخصائيون النفسيون الذين أخذت رأيهم «الأحداث المغربية».
وهي الوقائع التي تؤكدها إحدى الطبيبات المقيمات التي استرسلت في الحديث عن المعاناة التي تجعل نساء ورجال الصحة معرضين للتهديدات أثناء تأديتهم لعملهم، وطالبت بحمايتهم من طرف الدولة قائلة «أنا بغيت نعرف واش احنا خدامين مع الدولة ولا في الشارع؟!». مازالت هذه الطبيبة تتذكر ما تعرضت له وهي تقوم بواجبها. كانت منشغلة بتقديم العلاجات لأحد المصابين بجروح أثناء عربدة ليلية، وبينما هي تقوم بعملية تقطيب الجرح، شعر المصاب بالألم، فنهض غاضبا، وأمسك بها بقوة ورمى بها لتصطدم بالجدار، ثم ركلها ركلة قوية على مستوى الرجل! لم تجد من سبيل للانفلات منه سوى الصراخ والعويل الذي وصل دويه إلى زملائها فهرعوا لإنقاذها من موت محقق. منذ تلك الحادثة والخوف والرعب يخالجانها كل لحظة وحين. نفس حالة الخوف تعيشها زميلتها في المهنة، والتي لم تجد حلا آخر غير التعبير عن رغبتها في ترك هذه المهنة النبيلة التي «مابقى فيها غير الاسم.. الناس ما بقاوش كيحترموا الطبيب وولينا مهددين في حياتنا».
ففي مستشفى العيون، تجاوز العدد 17 اعتداء خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس، وهو ما دفع مهنيي الصحة إلى دق ناقوس الخطر، وتنظيم وقفات احتجاجية في كل من العيون وتطوان ومراكش وآسفي وتيزنيت، ضد ما يتعرضون له من اعتداءات تهدد حياتهم، لتسير النقابات الأكثر تمثيلية على سكة الإضراب طلبا للحماية من الأحكام الجائرة، والاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها مهنيو الصحة أثناء قيامهم بمهامهم.
تدني الخدمات
سواء تعلق الأمر بمستشفى ابن رشد أو غيره من المستشفيات العمومية، ك«محمد الخامس» أو «الحسن الثاني» أو «مولاي يوسف»، فالانتظار وسط أجواء تطبعها اللامبالاة وغياب الاهتمام، يؤجج الصراع اليومي بين مهنيي الصحة والمرضى وذويهم.
دخول مستشفى ابن رشد وسط الاكتظاظ أمر لا يحتمل، مع وجود أربعة إلى خمسة مكلفين باستقبال المرضى الذين يعدون بالآلاف. وضع يجعل تنظيم الدخول ليس أمرا سهلا لضخامة المستشفى الذي يعد قبلة للمرضى من مختلف أنحاء المغرب، لكونه يضم مختلف التخصصات. فرائحة المرض تشتمها وأنت تتجول بين مختلف أقسامه حيث تتردد عبارات المعاناة والآلام. أما في قسم المستعجلات، فالفوضى عارمة، والصراخ يملأ الأرجاء، والسب والقذف يخترق الآذان. النقص الحاد في الموارد البشرية والتجهيزات الذي ينضاف إلى الاختلالات والمشاكل التي فضحها المجلس الأعلى للحسابات في سنوات سابقة، تجعل الاعتداء يصبح ظاهرة تميز المستشفيات المغربية.
فالازدحام حسب المواطنين والأطر الصحية هو ما يجعل المواجهة تتأجج شرارتها كل لحظة وحين، ويؤدي ثمنها الطرفان. تتداخل العوامل، فهناك المرضى الذين يكونون برفقة أفراد من عائلاتهم، وهناك الانتظار الطويل لإجراء الفحص، وطول المواعد وارتفاع أثمنة الفحوص التي لا يستطيعون أداءها والازدحام الذي يشهده قسم الأشعة، كلها عوامل تساهم في استفحال ظاهرة العنف في المستشفيات. فقسم الأشعة بمستعجلات ابن رشد، يستقبل كل ليلة أكثر من 60 مريضا، أربعون منهم يخضعون للسكانير و20 للفحص بالصدى، ويسهر على استقبالهم ثلاثة أطباء وتقني واحد فقط، يشتغلون من الساعة السادسة مساء إلى الثامنة صباحا، وهي موارد حسب رئيس القسم غير كافية، وتجعل مواعد الاستفادة من خدمة «السكانير» تصل أحيانا إلى أشهر أو أكثر بسبب تراكم المواعد وكثرة الأعطاب التي تصيب الجهاز.
المستعجلات هذه الأيام، أضحى مدخلها واجهة للمشاحنات وللكلام النابي بين المواطنين والحراس الذين تحولوا إلى أذرع بشرية في مواجهة المواطنين الذين منهم من يتضور ألما أو في حالة صحية يرثى لها.
المواطنون يعتبرون ما يحدث في المستشفيات أمر غير مقبول، فلا أحد ينصت لمعاناتهم، ليظل الشجار والتشابك وسيلتهم الوحيدة للتعبير بأعلى صوتهم عن سخطهم واستنكارهم للوضع المتردي للخدمات الصحية بالمغرب.
ويفسر مصدر من المستشفى حالات الاكتظاظ والازدحام بكونها تعود إلى الرغبة في «التدويرة» أو ما يسمى عند أصحاب الميدان «القهيوة»، فعندما يشتد الازدحام يرغب المواطنون في الإسراع بالعلاج، وهو ما يدفعهم إلى تقديم المال مقابل دخولهم وحصولهم على «حق» الأسبقية في العلاج، سواء كان الأمر يتطلب جراحة أو وصفة طبية عادية.
فالمعاناة لا تختلف مظاهرها في ابن رشد عن مستشفى أبو وافي أو مولاي يوسف أو مستشفى محمد الخامس أحد أكبر المؤسسات الصحية في الحي المحمدي بالدار البيضاء، والذي يعاني، بدوره، من الاكتظاظ، ويتجرع أطره مرارة نقص التجهيزات الأساسية والموارد البشرية، فضلا عن ارتفاع تكاليف الفحص والعلاج التي تثقل كاهل الفئات ذات الدخل المحدود.
فالنقص الحاد في عدد الممرضين والمعدات، يؤثر بشكل سلبي على الخدمات الصحية المقدمة إلى المرضى. يقول أحد الممرضين في قسم المستعجلات في مستشفى بوافي، أن المريض قد يأتي إلى القسم ولا يجد كرسيا متحركا أو سريرا يستقبله، ليظل ملقى على الأرض ينزف دما دون أن يقدم له العلاج. نفس الوضع عاشته سيدة حامل، جاءت إلى مستشفى مولاي يوسف ليلا، ورفض المسؤولون استقبالها، وطلبوا من والدتها مرافقتها إلى مستشفى ابن رشد نظرا لحالتها الخطيرة، فاستمر نزيفها لساعات دون أن تتلقى العلاج.
3 أسئلة إلى: البروفيسور عبد النبي قمر
ماهي أسباب المواجهة اليومية بين الأطر الصحية والمرضى؟
عادة ما تكون المواجهة بين الأطر الصحية والمرضى ومرافقيهم، ناتجة عن الخصاص المهول في الموارد البشرية، حيث نعاني نقصا في عدد الممرضين يقدر ب 300 ممرض، رغم توفرنا على مايكفي من الأطباء الأساتذة وأكثرمن 900 طبيب مقيم هم في فترة التكوين.
فالمواجهة اليومية، والتي ترتفع حدتها في قسم المستعجلات، تعود بالأساس إلى رغبة كل وافد في العلاج وأحيانا بالقوة دون اتباع الإجراءات سواء على مستوى الأداء أو الانتظار .
كما أن المستشفيات الإقليمية رغم توفرها على تجهيزات وأطر طبية ذات تكوين عال، لاتقوم بتطبيب المرضى الذين يفدون عليها، فتتخلص منهم عبر إرسالهم إلى مستعجلات ابن رشد، ما يسبب الضغط على الممرضين القلائل بالمستعجلات.
ولتفادي هذا الصدام، سيتم توظيف أطر صحية ستتكلف باستقبال المرضى وذويهم، وهو المشروع الذي جاء ثمرة شراكة بين وزارة الصحة ووزارة المالية، لضمان ظروف استقبال جيدة بالمستشفى الجامعي ابن رشد0
كما أرجع أسباب هذا الاندفاع إلى انعدام الدور التربوي والتحسيسي لوسائل الإعلام التي ترسم صورة قاتمة عن مستشفياتنا، ووصفها بكونها تقدم خدمات صحية ضعيفة، فترسخت صورة سلبية لدى المواطنين ومرافقيهم الذين يصل عددهم في بعض الأحيان إلى أكثر من 10 أشخاص، يرغبون جميعهم في ولوج المستشفى جميعهم دون أدنى احترام لمواعد التشخيص، أو الزيارة، مايساهم في الاكتظاظ وارتفاع عدد الاعتداءات والمواجهات اليومية بين المرضى والأطباء والممرضين.
هل تعتقدون أن ظاهرة الاعتداءات على الأطر الصحية ستعرف تناميا؟
وصلت نسائم الربيع العربي إلى المستشفيات، حيث أصبح المواطن أكثر إلحاحا للحصول على خدمات صحية جيدة وفي وقت وجيز، ولا تهمه الإكراهات التي يواجهها سواء الطبيب أو الممرض. المستعجلات تستقبل يوميا أكثر من 500 حالة رغم أن قدرتها الاستيعابية لا تتجاوز 100 مريض، وعلى سبيل المثال فالمركز الاستشفائي يتوفر على 45 تخصصا، أي أن عدد الذين يتم تشخيص حالاتهم كبير ويقدر بالآلاف، ما يجعل هذه المواجهة تحدث بصفة يومية، وقد تصل أحيانا إلى الاعتداء.
ماهو السبيل في نظركم للحد من هذه الظاهرة؟
كمركز استشفائي تعاقدنا مع عدد من الشركات الخاصة، آملين في إنهاء مشكل الصدام اليومي مع المواطنين، لكن شيئا من هذا لم يحدث، واضطررنا إلى تغيير المؤسسة المكلفة بالحراسة والاستقبال لثالث مرة. لنكتشف بعد ذلك أن المشكل أعمق، وتتداخل فيه مجموعة من العوامل، أهمها انعدام الوعي لدى المواطنين الذين يتشبثون بأوقات الزيارة في غير مواعدها، وينتج عن ذلك شجار وتشابك مستمر بين الأمن الخاص والمواطنين.
أما في داخل المستشفى، فتأخذ المواجهة شكلا آخر قد يصل إلى الاعتداء، بدعوى الحق في العلاج. ويعتبر قسم المستعجلات وقسم الأشعة، أكثر المصالح التي تعرف حدة في المواجهة نظرا للإقبال المتزايد. فكيف يعقل أن نجري فحوصات لأكثر من 400 شخص، علما أنه في الدول الأوربية لإجراء «السكانير» يجب أخذ موعد قد يصل إلى ثلاثة أشهر، أما في المغرب إذا ما طلبت من المريض الإنتظار، فسوف ينتفض غاضبا ويوجه إليك كلاما قاسيا «آش كتديركاع؟!».
وأشير في الختام إلى أن المركز الجامعي مازال يعاني خصاصا في الموارد البشرية، ونقصا في الوسائل رغم ارتفاع عدد الوافدين، والذي وصل إلى 100 ألف مريض خلال السنة الماضية .
سعاد شاغل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.