إذا أردت أن تفهم إنسانا مريضا نفسيا فعليك بالعمل تماما كما يفعل الطبيب النفساني..اطرحه على وسادة وفي مكان هادئ..ثم عد به إلى الوراء..عد به إلى تاريخه منذ صباه..عد به كي يحكي لك صدمات تعرض لها فاثرت على مساره وعلى عمقه الوجداني. تماما وعلى نفس المنوال وبنفس الخطوات يمنكننا فهم أمريكا..أمريكا لا تفهم بحاضرها فقط..امريكا تفهم من خلال دراسة تاريخها الحديث النشأة. مرت أمريكا بمراحل مهمة..حرب الإستقلال عن بريطانيا..حرب التوسع على حساب الهنود الحمر..حرب أهلية بين الشماليين الوحدويين والمناهضين للعبودية وبين الجنوبيين الانفصاليين المصرين على استمرار قانون العبودية..حرب باردة ضد فرنسا لتشتري منها لويزانيا بثمن بخس..حرب ضد إسبانيا لتسيطر على فلوريدا..حرب ضد المكسيك لتأخذ منها تكساس..حرب نفسية ضد القياصرة الروس لتشتري منهم آلاسكا وجزر آلشيان..حروب أخرى مع إسبانيا بموجبها انتزعت منها جزرا كثيرة (هاواي،سيشيل...)..حربين عالميتين مكنت الولاياتالمتحدة من هزم اليابان وألمانيا وبناء نظام دولي جديد،نظام ثنائي القطبية..سيطرة مطلقة على غرب أوروبا.. أخرجت فرنساوبريطانيا من معادلة الدول المستعمِرة بعد أن مكنت الدول المستَعمرة من نيل استقلالها..حرب باردة ضد السوفيات تخللتها صراعات عسكرية في فيتنام وفي أفغانستان من أجل هزم الشيوعية..حرب في الفضاء سميت بحرب النجوم، حيث أوصلت مكوكاتها إلى القمر وإلى المريخ. بعد سقوط الإتحاد السوفياتي،صارت الطريق سالكة أمامها من أجل عولمة العالم عن طريق أمركته اقتصاديا وسياسيا وصناعيا وقيميا.. دخلت أمريكا في حرب ضد الإرهاب الذي ربما أرادت من خلاله صناعة عدو مفترض كي تحتل وتسيطر على منابع النفط..كان لها ما أرادت من خلال تحكمها في الشرق الأوسط حتى صارت الآن تدير نزاعات الشرق والغرب العربي وفق إراداتها. في هذا الخضم برزت الصين كقوة صاعدة، ومن أجل أمركتها غيرت أمريكا سياستها بحيث جعلت أولويتها التحكم في الصين وربط قوتها بقوة الاقتصاد الأمريكي. أمريكا التي تمتلك اقتصادا ضخما وإنتاجا هائلا للمعارف والأبحاث( مثلا في قاعدة تسمى منطقة51 بصحراء نيفادا يتم إجراء أبحاثا ضخمة ومحاطة بتكتم وسرية كبيرة). أمريكا التي تغزو العالم بكميات ضخمة من تكنولوجيات الاتصال والتواصل والمعلوميات( واد السيليكون نمودجا). أمريكا التي تنتج كما هائلا من الأغذية والصناعات والخدمات وفرص العمل. أمريكا التي فيها وحولها يجتمع أثرياء وثروات العالم، بحيث أن بورصات وول ستريت وفي ساعة واحدة، يتم خلالها إجراء صفقات تماثل صفقات المغرب على مدار سنة كاملة. هذه هي أمريكا لمن لا يفهما..توسعية بتاريخها..لا تؤمن بالثبات..فهي تعتقد أن لا وجود للثبات في الوجود، فإما تطور وتقدم، وإما تراجع..إما مصالح، وإما الحرب والصراع..لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة..الحرب بالنسبة لها وجه من أوجه السياسة البراغماتية العنيفة..المال معبودها..الضحايا مجرد أرقام تسلسلية..التملك والكسب حرية فردية مطلقة ولا مكان للكسلاء..أرضك لك بها وبما تزخر أعماقها ولو بآلاف المترات..فيها لوبيات كبرى تصنع القرارات التي تخدمها..الدين كعقيدة وجهة نظر، وكعبادة حرية شخصية، مع تواجد ولايات تسود بها المسحية العمدانية..الإلحاد وجهة نظر كذلك. إن المغرب قزم اقتصادي وعسكري وعلمي وسياسي وعسكري أمام أمريكا..أما ثقافيا ودينيا وتاريخيا وحضاريا فهو يختلف تماما عنها. إن من يتكلم عن إمكانية مواجهة المغرب لوحده لإرادة أمريكا بدون الإعتماد على مساعدة الآخرين واهم..وإن من يتكلم عن صداقة أمريكية للمغرب واعتراف متبادل وعشق ومحبة فهو في الوهم ينسج..وإن من يتكلم عن رغبة أمريكا في تقسيم المغرب من أجل مصلحة الجزائر فهو نائم في سبات. إن أي سياسة عدائية لأمريكا ضد المغرب لها منظرين ولها إرادات وغايات وأهداف لا تخرج عن رغبتها في التوسع عن طريق تقزيم الآخرين اكثر، وعن طريق دفع البلد نحو الإنتحار والفوضى. لترتب الأمور في النهاية مع حلفائها الذين تأمركوا ووفق مشيئتهم..إنها أمريكا لا تقنع ولا تقتنع بالبيعة..فالبيعة بالنسبة لها هي تقديم الملايير أو الخضوع لإملاءاتها التي ترى أنها ضرورية لسكانها الذين سيسكونها بعد 50 سنة