السياسة الفن الممكن ، ذلك العالم السحري المتدفق أفكارا حبلى بالغرابة...تقلب المفاهيم رأسا على عقب، ربما الكثيرون يتوجسون خيفة من الاقتراب من ميادينها الصاخبة، فالذاكرة إلى عهد قريب لازالت أخاديدها السحيقة تردم تحت أنقاضها آمال أجيال وريت الثرى واندثرت خلف السراب.حين كانت السلطة تكشر أنيابها تلتهم وتنقض بشراهة على كل من أشهر اشارة نحوها نقدا أورفض تشريعاتها صراحة. بين السياسة والسلطة علاقة ملتبسة، بياض وخواء ملأ فكر العامة إلا من سرديات ضحايا من نكلت بهم السلطة وجرجرتهم في أقبية الظلام.فترسبت في الأذهان صور مخيفة عن السياسة ومآلات من اشتغلوا بها، فأضحت "فزاعة" تهش من يدنو أو يُحابي أصحاب المعالي وفخامات البساط الأحمر.
لكن رياح الربيع العربي حملت معها سينوغرافية جديدة لمشهد العلاقة التي كادت أن تكون من أزليات الزمن ومسلمات العصر فلاشيء يزحزح تلك الجلاميد وأصنام هبل التي تربعت وعشعشت أساطيرها في العقول ردحا من الدهر.فاختراق جدار الخوف وتصدع أركانه زعزع وخلخل البنية العتيقة والعميقة للسلطة ورموز الاستبداد الفاسدة وبات يشار إليها بالبنان في كل ناد؛احترقت قشة التبن وصدحت الأصوات تعانق الطبيعة وتكسرأصفاد القهر والعبودية. تنفض الغبار عما علق وشاب جوهر/ماهية أنسنة السلطة.وطي صفحة استبلاد الانسان.
أكيد من لم يمارس السياسة مورست عليه هذه القولة لطالما شنفت المسامع، وحملت الكثير من الدلالات . بين الفاعل والمفعول به حقل شاسع من الرؤى والتوجهات. ومستويات للتموقع والتأثير الفيزيائي بين السائس والمسوس وشبكة حقوق وتعاقدات بين الطرفين.لكن المؤسف له أن ثمة حنين لبعض الساسة لاعادة انتاج زمن مابعد الحراك وفورة الشارع قصد ايقاف نبضه .وخلق مساحات وبياضات في وعيه وايقاض كابوس "الفزاعة" في اللاوعيه وارهابه بقوتها. غير أنهم بذلك يبعثون اشارات ركحية لنوعية الأدوار/الأرجوز التي يقومون بها ويرتجلونها ازاء عفوية الشارع.
اثارة الشارع بجاذبية وروعة " فن الممكن" بدل ترويعه وتعنيفه بالقمع. فاشراطية تعلم الاصغاء اغناءا للحياة السياسية والانخراط في تحمل فواتير الاصلاح والذود بقناعة عن الاختيار الديمقراطي واعتباره من ثوابت الدولة العصرية/أنسنة السلطة تتطلب براعة من الفاعل وقبولا بل استطبابا والتلذذ بنص خطابه من جهة المفعول/المتلقي لفعله السياسي وأيضا تغييرا في نسيج ونمط حياته نحو الرفاهية والكمال، مطلب انساني في النهاية.