»السياسة والأخلاق» مع المفكر المغربي محمد سبيلا تنظم جمعية ملتقى الثقافات والفنون بالمحمدية، لقاء مع المفكر المغربي محمد سبيلا، حول موضوع «السياسة والأخلاق»، ويتولى تقديم هذا اللقاء الشاعر صلاح بوسريف، وذلك يوم السبت 2 نونبر القادم على الساعة الخامسة مساء، بالخزانة الوسائطية بالمحمدية. وبهذا الصدد، أعدت اللجنة المنظمة كلمة تقديمية تحت عنوان « السياسة والأخلاق، أو وجْها جانُوس»، نورد في ما يلي نصها الكامل: ربما، في ضوء ما يجرى من وقائع وأحداث، وما أفْرَزَه الشارع العربي، من نُخَبٍ جديدة، في مجال تدبير الشأن العام، والانخراط في الحياة السياسية، لم تَعُد السياسة هي «فَنّ المُمْكِن»، بل فَنّ المُسْتَحِيل، بما يعنيه ذلك من استخدام مُفْرِط للسياسة، في تبرير التَّحالُفات، التي تعقدها أطراف لا يجمع بينها سوى وازع السلطة، والرغبة في احتلال مواقع القرار، وفي تبرير ما قد تُقْدِم عليه من اختيارات، حتى ولو كانت تتنافى مع الوعود الانتخابية التي باتت، في كل ما جرى من استحقاقات، في العالم العربي على الأقل، مجرد حبر على ورق، أو ما سَيَتِمّ تبريره بذرائع مختلفة، لعل بينها، «الواقعية السياسية»، أو إكراهات الواقع. المستحيلُ ممكنٌ، في السياسة، خارجَ الالتزامات، والمواثيق، والعهود، سواء أكانت أيديولوجية، بالمعنى العام لكلمة أيديولوجيا، أو عقائدية، بالمعنى الديني الإيماني. وفي هذا المعنى بالذات، تصبح السياسة في مشكلة مع الأخلاق، أو تعمل على وضع هذا المفهوم ذاته على محكّ هذه «الواقعية السياسية»، أو مع ما يظهر أنه الواقع الجديد الذي يُملي شروطه، بعكس ما كانت تسير به الريح، قبل وصول هذا الطرف أو ذاك إلى السلطة. فسياسةُ الأمْرِ، القِيامُ به، أي بما يُصْلِحُه، وهي نوع من الترويض، وهذا ما يجعل من السياسي، مثل سائس الخيل، أو من يسهر على ترويضها، وإخضاعها. وفي فعل الترويض هذا، ما يجعل من السَّائِس، أو السياسي، يفرض نوعاً من السُّلوك على من يُرَوِّضُه، يكون بمثابة المعنى الأخلاقي الذي يرتضيه لمن يَسُوسُهم، أو للرَّعِيَّة، بالمعنى الذي رَوَّجت له الكتابات المعروفة ب «الآداب السلطانية». فالتبعية والخضوع، هي ما يقوم عليه هذا النوع من السلوك، أو الأخلاق، بمفهومها الذي تأخذه في دخولها المجال السياسيّ ينطبق هذا على الدولة، كما ينطبق على الأحزاب، فكلاهُما يعمل على خلق «رَعِيَّتِه»، ويعمل على ترويضها، على ما يبدو أنه المعنى الأخلاقي الذي يعطيه لِمُمَارَسَتِه السياسيةِ. وهذا ما حَدَا ببعض العاملين في الحقل الاجتماعي، إلى اعتبار السياسة، تعمل بدون وجه «موضوعي»، لأنه ليس هناك سياسة موضوعية، فَلِذَّاتِ حضورها الذي لا يمكنُ تفاديه. وهنا تعود الأخلاق لتطل علينا من خلف مثل هذا النوع من القراءات، التي يبدو فيها أنَّ السياسي، لا يفتأ يستعمل كل الأسلحةِ، الممكن منها والمستحيل، بما في ذلك المُداهَنَة، والمُرَاوَغَة، وتغيير الحقائق، وهذا جوهر معنى الأيديولوجيا، لتثبيت المعنى الذي يرتضيه لنفسه، أو ما يمكنه أن يكون نوعاً من السلوك الأخلاقي، ولو خارج المعنى الذي يفهمه الناس من كلمة أخلاق، التي هي السلوك القويم، وقول الحقيقة، إجمالاً. هل السياسي يقول الحقيقة؟ وهل دخول التيارات الدينية على خط السياسة، هو تأكيد على هذه الحقيقة، أم أنّ السياسة تمتص الدِّين نفسَه، وتُفْرِغُه من بُعْدِه الأخلاقيّ الوَعْظِي التَّوْجِيهيّ، وتجعل منه أداةً لوضع هذه الحقيقة المفترضة، في مَهَبِّ الريح، وبالتالي اختلاق نوع من الأخلاق يصبح الدِّين، ضمنهَا، أو هذا النوع من التوظيف للدين، أحد مبرراتها، أو ما يُسَوِّغُها بالأحرى. في المشهد السياسي المغربي، باتت العلاقة بين هذين الزَّوْجَيْن، السياسة والأخلاق، على محك الاختبار، خصوصاً، في ما وصل إليه الخطاب السياسي من افتقار لآليات العمل السياسي، و«أخلاقياته»، ولما يفرضه هذا العمل من معرفة وممارسة، تسمحان بتدبير هذا الخطاب نفسه، الذي بات خطاباً يعرف من الوَهَن، والانحلال، ما لم يعرفه من قبل. فمُلْتَمَس الرَّقَابَة الذي كانت المعارضة اليسارية قدَّمتْه في وقت سابق، ضد حكومة اليمين، رغم ما عرفته المُواجَهات من حدة، في قاعة البرلمان، فهي لم تبلغ ما نقرأه، ونسمعه اليوم، من المسؤولين في الحكومة، ومن مسؤولي بعض الأحزاب السياسية، ما يشي بظهور أخلاق سياسية جديدة، نقلت السياسة إلى سلوك سياسوي، هو نوع من الفُرْجَة، أكثر منه تبرير، ودفاع عن الاختيارات، والبرامج. وإذا كانت السياسة، هي «علم السلطة»، فهذا يعني، أنها «رؤية الإنسان، ورؤية العالم، وبناء الإنسان، وبناء المدينة الإنسانية »، أي أنها «هواء لكل الناس». فهل ثمة، في السياسة ما يشي بضرورة الأخلاق، بالمعنى الذي يجعل من العلاقة بينهما وَجْها جانوس، أم أنَّ السياسة، في ذاتها، هي ما يتنافى مع الأخلاق، ويخرج عن فهمها العام، بما تحرص عليه من توليدٍ، وإعادة تكييف المفاهيم، وفق ما يبدو لها الصواب عينه؟