ياسين كني لا أحد ينكر أن حكومة بن كيران الأمين العام لحزب العدالة و التنمية جاءت في ظروف عصيبة تشهدها المملكة و كان من الصعوبة بمكان ان يصل العدالة و التنمية للحكم (رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها) لولا الحراك الشعبي المحلي خصوصا و العربي عموما, وقد جاءت حكومة بن كيران بمثابة المنقذ المنتظر للسكتة القلبية التي قد يشهدها المغرب, وبالفعل فقد خمدت ولو قليلا نار الاحتجاجات الشعبية بعد نجاح العدالة و التنمية وما رافق نجاحها من تطمينات و إجراءات سواء من الحكومة أو بمبادرة منها, لكن الحكومة تعترضها معيقات كبيرة ان هي أرادة الاتجاه صوب اصلاح يبتدئ معها و لا يستمر بعدها في مسلسل قد يستمر لسنين أطول من عمر الحكومة بل و الحكومات القليلة القادمة, وتعتبر المعيقات التي تعترضها معيقات بدرجة هائلة من التعقيد نجمل بعضها في الآتي: معيقات تنظيمية رغم الصلاحيات التي حددها الدستور المغربي للحكومة المغربية و التي قيل عنها أنها موسعة إلا ان الحكومة رغم سلطاتها التنفيذية تبقى مكبلة الأيدي في ظل ضبابية بعض القوانين و السلطات الكبيرة لبعض الشخصيات و التي لا يحدد سلطاتها القانون بشكل قاطع كما ان النظام الانتخابي و الذي يعجز أي حزب ان يصل إلى ان يكون حكومته بشكل انفرادي أو على الأقل مع أحزاب بنفس الخط السياسي يجعل الحكومة قاصرة عن أجرأة برنامجها الحكومي و التنازل لارضاء الشركاء الحكوميين. كما لا تستطيع هذه الحكومة تطبيق اصلاحاتها في مجالات متعددة كانتشار الريع في الاقتصاد و عدم استقلال القضاء و هشاشة المنظومة التعليمية و الثقافية و استفحال الرشوة و المحسوبية و ظواهر متعددة تعيق التقدم الطبيعي للاصلاح في هذا الوطن,قلت لا تستطيع تطبيق اصلاحتها لأن المنظومة التشريعية لا تستجيب لهذه الإصلاحات و ان استجابت فان معيقات تطبيق القانون كبيرة و كثيرة جدا. قوة لوبي الفساد يشهد لوبي الفساد المغربي استفحالا و تجدرا عبر التاريخ و الجغرافيا جعل منه قوة قادرة في المغرب يصعب معها تحديد رؤوس الفساد و استئصالهم بل و يصعب الإشارة لهم بالبنان بفعل الحصانة الرمزية و المعنوية التي يتمتعون بها و النفوذ القوي الذي اكتسبوه عبر الزمن في مداخل ومخارج المؤسسات العمومية المسيطرة و القوية و التي لها سلطات قوية إضافة الى القوة المالية التي تجعل أية حكومة تتردد كثيرا قبل أن تضحي بهم و بالرأسمال الكبير الذي يتوفرون عليه كما ان هذا اللوبي تصل علاقاته و نفوذه القوي الى الخارج و الى قوى عالمية يخدم مصالحها فتدعمه داخليا مما يزيد من قوته و يجعله أخطبوطا ما ان تقطع إحدى ارجله حتى تنمو أخرى اكثر منعة و قوة من الأولى. ان اللوبي المفسد في البلاد لا يكتفي بالفساد فقط بل هو يروج ثقافة الفساد عبر الأفراد و المؤسسات مما يجعل الفساد فكرا في المغرب قائم الذات قوي الاوصال منيع الحصون قوي الحمى,هذا الفساد الذي ورث ثقافة الفساد في المجتمع المغربي الذي لم يعد يؤمن الا بالفساد ,فآمن المواطن ان المصالح لا تسير الا بالفساد بمختلف أنواعه فتعامل معه كأنه ظاهرة عادية مشروعة و دعمه بل و أعطاه مشروعية معنوية و رمزية حتى تفشى في الاماكن التي لا يجوز ان يصل اليها كالمؤسسات الدينية و التعليمية و الخيرية... موروث الحكومات السابقة لا احد يجادل ان أغلب الحكومات المغربية السابقة وان استطاعت تحقيق بعض المكاسب الا أنها تبقى مكاسب فئوية في غياب مشروع طويل المدى يخرج البلاد من ظلمات التاخر و الثالثية الى نور التقدم و التنمية المستدامة و على هذا الوضع بدات تبني الحكومة الحالية اصلاحاتها مما يشكل صعوبة كبرى في تطبيق مشروع على اساس هش متصدع قد ينهار على الرؤوس بفعل سياسات متراكمة و متوالية لم تنظر الى الأفق البعيد المدى للمغرب و لم تراعي التطور الطبيعي للواقع المغربي في ظل واقع عالمي معقد, وبهذا فان حكومة العدالة و التنمية رمي على كاهلها حمل ثقيل يجعلها تسبح ضد التيار و يحتاج منها الى قراءة الماضي و اعادة بناء الأساسات قبل الانطلاق في عملية البناء. معارضة قوية داخلية وخارجية لم تكن لحكومة من الحكومات معارضة قوية كما لحكومة العدالة و التنمية اذ بدأت هذه المعارضة بالتشكل مع نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات مرورا بمعارضة الاحزاب اليسارية القوية تاريخيا من داخل البرلمان اضافة الى أحزاب سميت بالادارية لها نفوذ قوي هذا من داخل البرلمان اما من خارجه فنجد يسارا بدا يتقوى تدريجيا بتحالفه مع قوى شعبية في الحراك الشعبي إضافة الى جماعة العدل و الإحسان و زخمها الشعبي زد على هذا و ذاك ترسانة من الجمعيات المدنية على رأسها جمعيات حقوق الانسان و الجمعيات النسائية و الامازيغية...كل هذه القوة المعارضة و التي من ضمنها من يعارض لاختلاف في الرؤى و الاديولوجيات و منها من يعارض للمعارضة و لكره للحزب كحزب أو كتيار اديولوجي هذه المعارضة القوية كفيلة بإلهاء الحكومة و خاصة العدالة و التنمية عن الإصلاحات خاصة بعدما وضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع كل هؤلاء,أضف الى هذه المعارضة الكتلة الهائلة من طالبي الشغل الذين طوروا من اشكال معارضتهم و اصبحت تحرج بشكل كبير الحكومة و تضعفها كما ان المعارضة المتجسدة في الشارع المتعدد الاطياف تزيد من تقوية المعارضات المتعددة ,هذه المعارضات التي منها من لا تراعي الأخلاقيات في معارضتها و قد تضرب تحت الحزام. معيقات داخلية في الحزب الحاكم يشكل حزب العدالة و التنمية حزب استثناء مغربي بامتياز فهو من جهة شكل من طرف رجل لم يعارض النظام المتمثل في شخص المرحوم الخطيب قلت لم يعارضه كما عارضته قوى داخل هذا الحزب انتمت الى مختلف التنظيمات الاسلامية التي واجهت النظام و التي شكلت فيما بعض حركة التوحيد و الاصلاح حتى أصبح الحزب الذراع السياسي للحركة بشكل أو بآخر, الحزب الذي انخرط في المنظومة السياسية المغربية و شارك في اللعبة شهد تناقضات كبرى في سياساته بين المعلن و المتناقل, الحزب اعتبر معارضا منذ تشكله و بدت مطالبه مقبولة من طرف المجتمع المغربي بمختلف تشكيلاته إلا ان الحزب شهد تحولا في ظل الربيع العربي و اقترب بشكل أو بآخر من النظام المغربي و بعد ان ورث كرسي الحكم بدأ يؤجرئ اصلاحات من التي وعد بها الا أن هذه الاصلاحات بدأت تصغر تدريجيا منذ النجاح في الانتخابات الى اليوم بفعل ضغوط شكلية و موضوعية بدأت بالتحالفات ثم بالضغوطات و لم تنتهي بما نعلمه و ما لا نعلمه, وشكل السيد بن كيران شخصية متميزة في هذا الحزب بأسولبه الغريب في الدفاع عن ما يقول و ان كان أحيانا بالمتناقضات و كذلك بمناوشاته مع مختلف الشخصيات, وقد بدأ يخلق لنفسه عداوات قبل انتخابه رئيسا للحكومة و بعدها بداية بحركة 20 فبراير التي لم تكن تعاديه و ليس انتهاء بجماعة العدل و الإحسان و التصريحات الأخيرة للرجل و التي لم تتلمس طريقا صائبا في الدبلوماسية و في رجل الدولة الحكيم. حزب العدالة و التنمية يشهد ايضا اختلافا داخليا يبدوا جليا من خلال التناقضات الصارخة في تصريحات أعضائه البارزين بخصوص قضايا مختلفة يحيل على أن سياسة الحزب بعيدة عن اعضائه اللهم شخصيات محدودة تصدر هذه السياسات والباقي لا يكلف نفسه حتى عناء الاطلاع عليها أو ربما لا يتبناها في أحسن الاحوال. ارتباط الإصلاح الداخلي بعوامل خارجية يرتبط المغرب اقتصاديا و سياسيا بالعامل الخارجي بدرجة كبيرة. يعتمد المغرب في نظامه الاقتصادي و المالي على تحويلات جاليته بالخارج من العملة الأجنبية و على استثمارات سياحية و على التجارة في المواد الأولية اضافة إلى استثمارات أجنبية في قطاعات إنتاجية و خدماتية هذا الاقتصاد الهش يتحكم فيه بالأساس برنامج التقويم الهيكلي نتيجة القروض المتوالية للدولة و التي لم تجد الطريق القويم للاستثمار, ويرتبط المغرب ضمنا مع الاتحاد الأوروبي الذي يعاني أزمة كبيرة ستنعكس لا محالة على الاقتصاد المحلي, كما أن المغرب لا يحاول الاستثمار في القطاعات الانتاجية الكبرى الصناعية , و حتى في فلاحته يعتمد على التساقطات و بشكل تقليدي تستغل القطع الأرضية باستغلاليات صغرى لا تتيح المجال لاستثمار انجح,أضف الى ذلك عدم قدرة الدولة على استغلال أمثل للبحر بمختلف الثروات التي يمكن ان يقدمها. وعلى المستوى السياسي و العسكري ارتبط المغرب باتفاقيات شراكة بدرجات متفاوتة مع دول و تنظيمات دولية تلقي بهيمنتها على الوضع الداخلي و تؤثر على الخط السياسي للدولة بشكل علني و بأشكال خفية. كل هذا وغيره يجعل من حكومة العدالة و التنمية حكومة مكبلة الأيدي تحاصرها الاكراهات من جوانب متعددة,لكن أمر الاصلاح عليها ليس بمستحيل إن توفرت الارادة الصادقة بداية, إضافة الى الحزم في التعاطي مع الامور و بالاستعانة بالكفاءات الوطنية في مختلف المجالات وقبل هذا و ذاك بالسعي لمصالحة و طنية شاملة تفتح باب الحوار و التداول في باب كل الفعاليات الوطنية, هذا و الاصلاح يجب أن يطرق باب مشروع وطني طويل الى متوسط المدى تبحث فيه الحكومة عن اجماع و أو شبه اجماع وطني و تبدؤه الحكومة الحالية و يستمر مع الحكومات القادمة.