مع صدور نتائج انتخابات رئاسة المجالس الجماعية، يبدو أن حزب العدالة و التنمية تدارك خطأ استحقاق انتخابات رئاسة الجهات التي لم تعكس ما حققه مقارنة مع باقي الأحزاب، فالحزب لم يفز سوى بجهتين من 12 مقابل اكتساح الأصالة و التجمع لجل الجهات و أغناها. و هنا نقف قليلا حول منطق التنازلات أمام المخزن و الذي خيب به بنكيران و رهطه آمال مؤيديه، فمنذ أن دخلت العدالة و التنمية كحزب مشارك في معترك اللعبة الديمقراطية، فرضت عليه الدولة مبدأ التدرج في المشاركة و عدم تغطية جميع المناطق الانتخابية، ولعل الحزب في عملية رفع التهمة عنه و في محاولة لإرضاء الدولة و اقناعها بأنه لا ينافسها أو لا يريد الاستفراد بالسلطة دونها خاصة و هو ذو المرجعية الإسلامية، استسهل دور التنازل و امتهنه في استحقاقات كثيرة و اختصاصات شرعها له الدستور.
رغم ذلك و بالنظر لما حققه الحزب في الانتخابات الأخيرة، يمكن القول أن بنكيران حقق فوزا لا يمكن التشكيك فيه، بغض النظر عنه نسبة المشاركة، و عن حجم المقاطعة، فبنكيران بلغة الأرقام استطاع أن يثبت أن له شرعية شعبية و قبولا جماهيريا، و حجة القول في ذلك و بدون تبخيس رئاسة الحزب لجل المجالس الجماعية لكبريات المدن المغربية. مضيفين إلى ذلك نصره المعنوي، بعودة الاستقلال المفاجئة لصف الموالاة و لو بتسمية المساندة النقدية.
بالنسبة لشباط و حزبه، الخروج المفاجئ من ثياب المعارضة، التي لم يحسن الرئيس حميد شباط قيادتها، بخرجاته الإعلامية الشعبوية و اللامهنية، يكشف أن الحزب يعيش نوعا من التخبط، رغم أن أنه لم ينهزم بقدر ما انهزم شباط في عقر داره، فالاستقلاليون حافظوا على مركزهم الثاني من حيث حجم النتائج، غير أن الخسارة الكبرى التي مني بها الاستقلال، هي اقتصاره على جهتي الصحراء، والتي هي في الحقيقة فوز لشخصية حمدي ولد الرشيد، لا لحزب الاستقلال، ففي الجنوب كما في بعض مناطق المغرب،لا يؤمن و لا يعترف الناخبون بالأحزاب بقدر ماهم يصوتون للشخص بعينه .
الاتحاد الاشتراكي دفع خطأ حكومة التناوب الثانية، و يدفع أكثر خطأ تمترسه في حكومات متعاقبة أفقدته ذاك الزخم التاريخي و إرث المعارضة الذي استجمعه من الستينات حتى التسعينات، و يدفع خطأ اعتلاء لشكر رئاسة الحزب، الاتحاد الاشتراكي بات أشبه بالاتحاد الدستوري، قد لا يندثر عاجلا لكنه سيستمر في الساحة السياسية بحصيلة متواضعة، فقد راكم الحزب من خلال سنوات المشاركة، ثلة من الأعيان و رجال الأعمال و المنتسبين ممن يذكرون اسمه و رمزه كلما حانت فرصة الانتخابات...
بالنسبة لباقي الأحزاب، و التي هي أحزاب الدولة، فقد حافظت الأصالة و التجمع و الحركة الشعبية على نتائجها، مع تقدم ملحوظ للأصالة و التجمع، هذان الحزبان اللذان باتا يمثلان ذراع الدولة القوي في كبح جماح الحزب العدالي لربما، و يلعبان دور الدولة في المعارضة و الموالاة، بشكل غريب و يثير عدة تساؤلات، فالحزبان رغم تمركزهما في موقعين متناقضين، فهما متقاربان، يفسر ذلك لربما تصويت بعض أعضاء التجمع للأصالة دون العدالة. في موقف لا يعكس كذالك تجانس الأغلبية، و هذا ما أغضب حزب التقدم و الاشتراكية و بعض العداليين الذين تحدثوا عن خيانة حزبي التحالف لمبدأ التصويت المشترك. نافلة القول، أنه ورغم السخط المتداول ضد قرارات الحكومة العدالية، استطاع بنكيران أن يفند قول معارضيه بخصوص تراجع شعبيته، مما يرفع من ثقته وثقة حزبه في الحصول على نتائج أكبر في الانتخابات البرلمانية القادمة، غير أنه قد يصطدم بمنافسة قوية من طرف حزب الأصالة و المعاصرة، مشهد سياسي قادم ينبئ بمفاجآت عدة، تجعل من الحزبين الأخيرين قطبي اللعبة السياسية مقابل تراجع باقي الأحزاب التي قد تعيش أزمات ما بعد انتكاسات الانتخابات الجماعية.