عندما تقترب الانتخابات، و تبدأ حرب الترشيحات و التزكيات، سيتحول معظم المنتخبون و رؤساء الجماعات إلى فرسان شجعان يشهرون لسانهم و أقلامهم لمحاربة الفساد و القضاء على التماسيح و العفاريت. و لكن كيف يمكن أن يقتنع المواطن البسيط بقدرة هؤلاء المنتخبون على محاربة التماسيح إذا كانوا عاجزون على القضاء على الصراصير. ففصل الصيف في كثير من المدن، أصبح مرادفا لفصل الصراصير. فلا يمكن أن تنعم بالراحة في بيتك دون أن يطل عليك صرصور في غفلة من أمرك و هو يحرك راداراته كأنه يبحث عن جنس بشري ليزعجه. إنها كائنات مقرفة، تتمشى جنبا إلى جنب معنا في الشوارع و الأزقة، تقتحم المقاهي الفاخرة و الشعبية، توجد في المطاعم، تقتحم مداخل العمارات، تتسلق الحيطان، تقتحم المنازل من النوافذ و الأبواب و مجاري المياه. إنها كائنات تنقل الميكروبات و تزعج كثير من البشر و تسبب الأرق لكثير من النساء. و الطريف في الأمر أن كثير من النساء التي كنت أتحدث معهن بأمر الصراصير أكدن ضاحكات بأنهن مستعدات أن يصوتن على أي رئيس جماعة ينقذهن من الصراصير و يضع القضاء على الصراصير من أولويات برامجه. بيد أني لا أذكر أني سمعت سياسيا واحدا تحدث عن غزو الصراصير في الصيف، و عن الخطة التي يعتزمها للقضاء على هذا المشكل القائم. هذا مع العلم أنني سمعت كثيرا من الحكايات المؤلمة لأشخاص تخلوا عن منازلهم و باعوها بأثمان بخسة لأن الصراصير هاجمتهم و لم يستطيعوا التخلص منها. فمعظم المنتخبون يعتقدون أن مشكل الصراصير مشكل شخصي. و أن على كل شخص الاهتمام بمنزله و معالجته عبر المبيدات الحشرية للقضاء عليه. بيد أنه إذا كان الحي بأكمله يعاني من مشكل الصراصير بسبب وجود على سبيل المثال قوادس لا يتم معالجتها و رشها بالمبيدات بين الحين و الآخر، فتأكد بأنه مهما حاولت معالجة منزلك و بجميع الوسائل فإن الصراصير ستطرق منزلك طالبة ضيافتك شئت أم أبيت. فالقضاء على الصراصير في جوهره مشكل جماعي و هو من اختصاص الجماعات. و إنني أتعجب من أمر بعض رؤساء الجماعات و هم يجهرون بالقول بأنهم يريدون اختصاصات أكبر و استقلالية أكثر و سلط أقوى، و في نفس الوقت لا يحركون ساكنا من أجل تحسين الحياة اليومية للمواطن و التي في جوهرها و في أحيان عدة لا تتطلب سوى بضع أشياء بسيطة و حسن استماع و اهتمام كبيرين بشؤون العامة. فالسياسي ليس دائما مطالبا بأن يخوض المعارك الكبرى و بأن يتبنى القضايا المحرقة و التي تبدو بدون حل آني، ليظهر حسن نيته للمواطن و ليستميل عطفه،ففي أحيان كثيرة المعارك الصغرى في الحياة اليومية يكون لها تأثير أقوى في نفسية المواطن.