عندما ينتهي كل شيء ... تأتي لحظة الحسم ولا يبقى إلا المصحح، وجها الى وجه مع أوراق التحرير، تحت رعاية الإدارة وفي أحضان المؤسسة ... يتعامل الأستاذ المصحح مع ورقة التحرير كأي ورقة تحمل إجابات ... حيث لا يمكنه التعرف على التلميذ صاحب الورقة ولا على البلدة أوالمؤسسة التي يدرس بها هذا التلميذ ... يتحمل الأستاذ مسؤوليته الجسيمة في تحديد مصير ومستقبل التلميذ بواسطة تقييم هذه الإجابات تقييما من المفروض أن يكون موضوعيا ... ويُتَوج التقويم بنقطة تصبح بمثابة عنوان لتلك الورقة ... يتأكد المصحح من الشعبة وعدد الأوراق المدون على غلاف إحدى الرزم فيجد ( ع الحياة والأرض - 112 ورقة) ... يتحسس سمكها لتقدير الوقت اللازم للتصحيح في عملية حسابية ذهنية وسريعة ... غالبا ما يكون الأستاذ مسلحا بالحل الذي أنجزه في منزله بشكل قبلي وبقلمين أحمرين على الأقل ... وربما بآلة حاسبة تحسبا للطوارىء ... يضع الحل النمودجي أمامه وكذلك سلم التنقيط ... ثم يتوكل على الله ... يبدأ الأستاذ مع الورقة الأولى ... يكون معها التصحيح بطيئا جدا ... لا مجال للسرعة حيث يعمل الأستاذ بِتَأنٍ ويتأكد من كل شيء أكثر من مرة ... يتأكد من أجوبة التلميذ ويقارنها مع الحل الموجود لديه ... ويدقق في سلم التنقيط الخ ... الورقة الثانية تستغرق هي الأخرى وقتا طويلا نسبيا ... بصفة عامة فإن تصحيح الأوراق العشرة الأولى تعتبر مرحلة استثنائية لا تقبل السرعة والتسرع ... بعد ذلك يستأنس الأستاذ وتنطلق عملية التصحيح بشكل عادي ... الموضوعية : الموضوعي عكس الذاتي ... والنقطة الموضوعية هي التي تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ . لا تتعلق الموضوعية فقط بإجراءات السرية والسلامة وتحييد ذاتية المصحح ... لأن هذه الاجراءات عادية وضرورية وتم تجاوز المشاكل المرتبطة بها من زمان ... حينما كان بإمكان الأستاذ أن يصحح الأوراق في منزله ... أو حتى على شاطىء البحر ... دون أن يلومه احد على ذلك ودون أن يُعْتبر الأمر غريبا ... أما الآن فهناك إجراءات ولجان تواكب عمليات التصحيح ... لكن السؤال المطروح ... هل عملية التصحيح تحقق الموضوعية المنشودة ؟ هناك عدة عوامل تتحكم في الموضوعية ، منها ما يتعلق بالاختبار ومنها ما يتعلق بالتلميذ و منها ما يتعلق بالمصحح. العوامل المرتبطة بموضوع الاختبار: من المفروض أن يتعلم التلميذ العديد من الأشياء في المدرسة؛ المعارف والمهارات وطرائق صياغة البراهين الخ ... ويفترض في الاختبار أن يحترم بعض المعايير المتفق عليها مسبقا وهي المعايير التي يجسدها الإطار المرجعي الذي يحدد بكل دقة كيف ينبغي للآختبار أن يكون ... هذا لايعني طبعا أن يكرر الاختبار نفسه كل سنة بل أن أبواب الاجتهاد والتجديد تبقى مفتوحة في إطار ما يسمح به البرنامج وما تسمح به بنود الاطار المرجعي لاختبار مادة الرياضيات ... وقد جاء الإطار المرجعي لتلجيم الانزلاقات المحتملة من طرف مقترحي أو واضعي الاختبار الوطني وهكذا ومنذ 2007 بدأنا نلاحظ تقديم أسئلة على شكل بين أن ... أي أن المطلوب من التلميذ، غالبا، هو فقط إثبات نتيجة معينة تمنح له مسبقا ... مما يتيح له الأجابة عن الأسئلة الموالية التي تستخدم نتيجة هذا السؤال ولو في حالة عدم الإجابة عليه . وهذا في الحقيقة أسلوب ذكي وعادل أزاح المشاكل السابقة في النمط القديم جانبا. بهذا الشكل تمت معالجة النقائص التي كان يعاني منها النمط القديم للإختبار ... ويعتبر النمط الجديد أكثر إنصافا وموضوعية ... حيث يكون التلميذ مطالبا بتبرير النتيجة إذا استطاع وفي حالة العكس ... يمكنه أن يمر الى الآسئلة الموالية دون مشاكل ... العوامل المرتبطة بالتلميذ : ما يهمنا هنا هو قدرة التلميذ على التعبير عن مستواه الحقيقي كيفما كان، بطريقة التواصل المفروضة في الاختبار ألا وهي ورقة التحرير ... ويمكن أن نتحدث هنا عن ثلاثة عناصر أساسية تهم التلميذ : حالته النفسية خلال فترة الاختبار ، وضوح الكتابة أي قابليتها للقراءة بسهولة ، الصياغة المنطقية للحل .. تحقيق هذه الشروط هي من مسؤوليات الأساتذة في جميع المستويات وليس فقط في السنة الثانية بكالوريا ... التهيىء النفسي للتلميذ يجب أن يكون موضوع تدريب دائم في جميع المستويات وبالخصوص في المستويات الإشهادية حيث يجب أن يخضع التلاميذ لاختبارات تجريبية قريبة من ظروف الاختبارالحقيقي ... ويمكن أن تنظم هذه الاختبارات في مؤسسة واحدة أو بشراكة مع مؤسسات أخرى ... قضية الكتابة غير القابلة للقراءة مطروحة بحدة لعدد لا يستهان به من التلاميذ الذين لا يستطيع المصحح أن يقرأ ويفهم كل ما كتبوه على ورقة التحرير ... وهنا ماذا بوسع المصحح أن يفعل؟ لا شيء ... معظم هؤلاء التلاميذ، وفي غفلة من الأساتذة، تعودوا على عدم كتابة دروسهم وعدم الاعتناء بدفاترهم منذ أبد بعيد في المستويات السابقة، أي أنهم لا يتدربون على الكتابة طوال الوقت ويفضلون - في أحسن الأحوال - المشاركة الشفوية فقط ... لهذه الأسباب تكون مهارة الكتابة لديهم ضعيفة ... من هنا وجب التنبيه الى الضرورة القصوى لمراقبة دفاتر التلاميذ والتأشير عليها ... وإرغامهم على الاعتناء بها منذ وقت مبكر ... هذا هو السبيل الوحيد لتدريب التلاميذ على الكتابة وهي مهارة بعيدة المدى لا تتأتي بين عشية وضحاها ... قضية صياغة البرهان كذلك مسؤولية أستاذ الرياضيات الذي يجب عليه وفي وقت مبكر أن يعمل على تدريب التلاميذ على الصياغة الجيدة للبراهين الرياضية مهما كانت بسيطة وتدريبهم على توظيف الروابط المنطقية من خلال التمارين ... بداية من دفاتر البحث لتدريبهم على العمل الفردي ثم على السبورة لتدريبهم على العمل الجماعي من خلال مناقشة الحلول التي يقترحونها بأنفسهم ويتم تعديلها شيئا فشيئا الى أن تصبح صياغتها مقبولة من طرف مجموعة القسم ... العوامل المرتبطة بالآستاذ: يتطلب التصحيح إعدادا قبليا للحلول مدونة بشكل دقيق ومضبوط ... هناك طريقتان للتصحيح ؛ التصحيح العمودي و التصحيح الأفقي ؛ يعتمد التصحيح العمودي على التصحيح الكامل لكل ورقة على حدى ثم المرور الى الورقة الموالية وهكذا ... أما التصحيح الأفقي فيعتمد على تصحيح نفس التمرين بالنسبة لجميع الأوراق ثم تصحيح التمرين الموالي بالنسبة لجميح الأوراق وهكذا حتى النهاية ... وتسمح هذه الطريقة للأستاذ أن يركز على تمرين واحد وعند الانتهاء منه يمر للتمرين الثاني ... فيتعود بسرعة على مختلف الأجوبة الممكنة وعلى مختلف الأخطاء المحتملة بالنسبة لكل تمرين على حدى ... الشيء الذي يضمن تصحيحا متكافئا بالنسبة لجميع أوراق التحرير ... كما يتمكن بسهولة من ضبط الأجوبة المتشابهة والتي قد تكون موضوع غش ... وبمقارنة الأوراق يمكن التأكد من الحالة وضبطها ... خلاصة:
لحظة التعرف على نتيجة البكالوريا وعلى المعدل المحصل عليه ... هي لحظة فارقة في عمر التلميذ وحتى تكون من أسعد اللحظات وجب التهيىء لها منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها التلميذ مشواره الدراسي ... وليس في السنة الثانية بكالوريا فقط .