تظهر الحكومة الإسلامية الجديدة والاصلاحات السياسية في المغرب بأن التغيير ممكن في الشرق الأوسط من دون اللجوء إلى انقلابات خطيرة. هل التقدم السياسي والاقتصادي في المغرب أفضل من أن يكون حقيقياً؟ 22 ديسمبر 2011 - تفادت المغرب الاضطراب الذي يواجهه جيرانها الآخرون في شمال أفريقيا، وحافظت على وتيرة ثابتة من النمو مع انفاق مرتفع للحكومة.
ولكن مع الحكومة الجديدة التي تمسك زمام الأمور هناك حاجة إلى تجديد الجهود من أجل التخفيف من البطالة المستمرة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في بيئة اقتصادية عالمية تزداد اكفهراراً أكثر فأكثر.
سيشكل اجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المغرب تحدياً لضعف الاقتصاد العالمي وسيرتفع بنسبة 4.6% هذا العام وقد يصل بسهولة إلى 6% خلال العام المقبل على المدى المتوسط بحسب صندوق النقد الدولي.
ويأتي تقرير صندوق النقد الدولي في ظل تحول كبير وعظيم، إذا كان سلمياً، في القطرالشمالي الافريقي.
ولا بد من ذكر أن المغرب يشهد ثورة من دون إطلاق رصاصة واحدة وذلك خلافاً للفوضى التي تعمّ ليبيا والتغيرات الصعبة في البلدان الأخرى في شمال أفريقيا مثل تونس ومصر.
هذا وقد أعطت الانتخابات الجديدة في المغرب مصداقية لالتزام الملك محمد السادس بإحداث تغيير في البلد والسعي إلى تحويل نظام الحكم إلى نظام ملكية دستورية.
وعُيّن أولا موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في المغرب في العام 2012 غير أنها أرجئت لعام واحد بُعيد اعتماد دستور جديد بموجب استفتاء حصل في شهر يوليو من هذا العام.
وتشير نتائج الانتخابات إلى أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب، حصل على 107 مقاعد من أصل 395 مقعداً (بعدما نال 47 مقعداً في المجلس السابق المصغر الذي تألف من 325 مقعداً). أما حزب الاستقلال برئاسة رئيس الوزراء الحالي الذي ترأس ائتلافاً من خمسة أحزاب منذ العام 2007 فقد فاز ب60 مقعداً وجمع ائتلاف كتلته 57 مقعداً. وفاز التجمع الوطني للمستقلين برئاسة وزير المالية الحالي ب 52 مقعداً وحصلت ثمانية أحزاب متحالفة على 108 مقاعد.
وصلت المشاركة في التصويت إلى 45.5% من أصل 13.5 مليون ناخب مسجلين على لوائح الشطب، وهي نسبة تفوق تلك التي سجلت في العام 2007 حيث لم تتجاوز المشاركة 37%.
وفي ظل أحكام الدستور الجديد، قام الملك بتعيين عبد الإله بنكيران، رئيس حزب العدالة والتنمية، كرئيس للحكومة في 29 نوفمبر ولا تزال المحادثات الائتلافية جارية.
بينما يشكك بعض المراقبين في مدى الصلاحيات التي سيتنازل عنها الملك لصالح الحكومة، كثيرون يعتبرون الملك محمد السادس زعيماً نزيهاً وصادقاً قاد البلاد، ولو ببطء، نحو نظامٍ أكثر شمولية.
وتأتي هذه التطورات السياسية بالوقت الذي نجا فيه الاقتصاد المغربي من الاضطرابات الإقليمية ومن الركود الاقتصادي الذي تشهده أوروبا حيث أهم الشركاء التجاريين.
ويفيد صندوق النقد الدولي في تقرير المادة الرابعة الذي أصدره حول البلاد: "واجهت المغرب تحديات كبيرة بنجاح بعيد الأزمة العالمية".
"بفضل عدة سنوات من سياسات اقتصاد كلي سليمة وإصلاحات سياسية، كان المغرب مهيئاً لمواجهة الأزمة العالمية التي حصلت في العام 2008 وللاستجابة للمطالب الاجتماعية التي برزت خلال الربيع العربي. وفي ظل بيئة التحدي هذه، كان أداء المغرب الاقتصادي جيداً وشهد البلد تحسناً في مؤشراته الاجتماعية".
وبينما كانت كل من تونس وليبيا ومصر تشتعل، طالب المغربيون بمزيد من الاصلاحات الاجتماعية واستجابت الحكومة عبر السعي إلى إصلاحات دستورية وسياسية هامة.
كما كان المغرب يحذو حذو الخليج من خلال زيادة الانفاق على الاعانات المالية وزيادة الأجور ومعاشات التقاعد.
وتخطط الحكومة لوضع تشريعات إضافية تعزّز الأحكام الدستورية الجديدة بما في ذلك تدابير تضمن الاستدامة المالية وتحسّن مناخ الأعمال بالتشاور مع القطاع الخاص. ومن شأن هذه السياسات أن تدعم المستوى المعيشي وتعزّز في الوقت عينه إمكانات النمو.
استمرار النمو
إن صندوق النقد الدولي متفائل جداً حيال الاقتصاد المغربي ويتوقع أن تبلغ نسبة النمو على المدى الطويل 6% على المدى المتوسط.
ويرى صندوق النقد الدولي: "سيعتمد ذلك على استقرار الاقتصاد الكلي المتواصل وتنفيذ الاصلاحات الهيكلية المخطط لها".
"تنوي السلطات لهذه الغاية خفض العجز في الميزانية على المدى المتوسط إلى حوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي، ما من شأنه أن يجعل معدل الدين العام يقارب ال50% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط. ولا بد من أن يبطئ ذلك من وتيرة الواردات لا سيما منتجات الطاقة والسلع الاستهلاكية التي تساعد على خفض نسبة العجز في الحساب الجاري إلى حوالي اثنين ونصف في المئة من إجمالي الناتج المحلي ونسبة الدين الخارجي إلى ما دون 23% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2016".
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية السيئة في العالم، تمكن المغرب من زيادة صادراته بنسبة 26% في عام 2010 وهي مرشحة للنمو بالوتيرة ذاتها في العام 2011 مع نمو الصادرات غير المرتبطة بالفوسفات بنسبة 23%.
وتتوقع الحكومة المغربية نمو إيرادات السياحة بنسبة 13% وتحويلات العمال بنسبة 11% في العام 2011.
يتواصل احتواء التضخم بحيث لا يتعدّى 2% منذ مطلع العام 2009 ولم تسجّل الأسعار الدولية المرتفعة لبعض السلع اختراقاً، مما ساهم في الحفاظ على معدل منخفض للتضخم الرئيسي.
ويتوقع أن يصل العجز الاجمالي إلى 5.4%، وهي أعلى نسبة خلال سنوات. وتستعدّ السلطات لتطبيق تدابير مالية موحدة تبدأ في العام 2012 لخفض العجز إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط، مما سيجعل الدين العام يصل إلى حوالي 50% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط.
قال محمد ديري، مدير تنفيذي مناوب من المغرب: "في مسعى إلى الحد من الأثر المالي للانفاق المتزايد على الإعانات المالية، خفضت السلطات الانفاق المتكرّر الذي لا يشكّل أولوية في الاقتصاد في منتصف العام 2011 واقتصرت التحويلات على المؤسسات العامة على ما هو ضروري لبرنامجها الاستثماري في حين تم تعزيز تحصيل الضرائب".
ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن يرتفع العجز في عام 2011 بنسبة لا تتعدى ال 1.1% من إجمالي الناتج المحلي مقارنةً بعام 2010 على الرغم من تزايد الإعانات المالية بنسبة 2.2% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى المدى المتوسط، يكمن هدفهم في الحد من كلفة نظام الدعم بما في ذلك التحويلات الاجتماعية المستهدفة بحيث لا تتجاوز 3% من إجمالي الناتج المحلي بعدما بلغت 5.7% في عام 2011.
كما تمكن القطاع المالي من المحافظة على الاستقرار إذ انخفضت القروض المتعثّرة إلى 4.8 % من مجمل القروض في عام 2010 مقارنةً ب 15.7% في العام 2005. وهو انجاز جدير بالثقة في الوقت الذي خرج الدين عن نطاق السيطرة في جميع أنحاء العالم تقريباً.
وأضاف السيد ديري أن الحكومة إذ تعوّل على هذه القوة تنشئ مركز الدارالبيضاءالمالي إلى جانب معالجة ضريبية ملائمة من أجل الترويج له كمركز مالي دولي وإقليمي من خلال مجلس مالي مغربي أنشئ خصيصاً لهذه الغاية وسيعرض مجموعة من الاقتطاعات الضريبية.
تحديات البطالة
على الرغم من هذه الأرقام المثيرة للاستحسان تبقى نسبة البطالة مرتفعة خاصة في صفوف الشباب. وتجدر الإشارة إلى أن مصر وليبيا وتونس كانت كلها تنشر أرقاماً تعبّر عن الوضع السليم لإجمالي الناتج المحلي بيد أنها شهدت سقوطاً لأنظمتها بسبب عجزها عن مواجهة مشكلة البطالة.
تصل البطالة لدى الفئة العمرية بين 17-24 عاماً إلى 18% بحسب البيانات الرسمية وتبلغ 31% بالنسبة إلى مصادر مستقلة.
واقترح صندوق النقد الدولي أنه يجب أن تحافظ السلطات على الاصلاحات الهيكلية بما فيها تحسين فعالية الانفاق العام وتكوينه.
ومن الضروري بذل المزيد من الجهود لتحسين الحكم الرشيد ومناخ الأعمال التجارية والتكامل التجاري على المستويين الإقليمي والعالمي وتعزيز الرأسمال البشري بغية زيادة الاستثمار الخاص والاستمرار في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وفي هذا السياق، يصرّح صندوق النقد الدولي: "يبقى إجراء المزيد من عمليات الإصلاح لزيادة مرونة سوق العمل واحتواء كلفة التوظيف أيضاً مهمّاً لخفض نسبة البطالة في صفوف الشباب".
ويبدو المغرب النموذج في الاستقرار والاصلاح على الصعيدَين السياسي والاقتصادي في منطقة يمكنها الاستفادة من بعض الأمثال التي تحتذى.
تقدمت المغرب بطلب رسمي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي الذي قد يكون له سيئاته وحسناته. في حين قد تؤذن العلاقات الاقتصادية الوثيقة بتدفقات كبيرة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وقد تؤدي في الوقت عينه إلى مزيد من التدخل السياسي للأنظمة الخليجية الأكثر محافظةً.
وسبق أن سعت، قبل يوم واحد من إجراء الانتخابات، كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت إلى إغراء المغرب بحيث وعدت باستثمار قدره 2.7 مليار دولار في قطاع السياحة وغيره من القطاعات.
ومما لا شك فيه أن الانهيارات داخل الاتحاد الأوروبي سلط الضوء مؤخراً على المشاكل مع التكتلات الاقتصادية. إن اقتصاد المغرب المستهلك للنفط يختلف كثيراً عن دول الخليج المصدّرة له التي تتخذ مجتمعة الكثير من القرارات الاقتصادية التي قد تؤثر سلباً على اقتصاد المغرب المعتمد على الطاقة.
ولكن، في حين برزت فكرة المزيد من التكامل الاقتصادي في مطلع العام لدى الملكيات الاقليمية في الخليج والمغرب والأردن، إلا أنه يبدو أن حماستها قد هدأت في ظل المشاكل مع تجربة الاتحاد الأوروبي.
وينبغي أن يرحب المغرب بعلاقات اقتصادية أكثر أهمية مع دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالرساميل إلا أن الوقت قد لا يكون مناسباً للانضمام رسمياً إلى التكتل الاقتصادي.
بحكم جواره، أبلى الاقتصاد المغربي بلاءً حسناً وبشكل لافت ولكن من الواضح أنه لا مجال لعدم الاكتراث. فستحتاج الحكومة الإسلامية الجديدة إلى أن تبرهن بأنها قادرة على إيجاد فرص عمل بما لا يقل عن 300 ألف لخفض البطالة المستمرة، وتوفير فرص استثمارية جديدة خاصةً بعدما تضاءلت التدفقات الاستثمارية من دول الخليج والاتحاد الأوروبي.