أكد صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له أن المغرب تمكن بفضل السياسة الماكرواقتصادية التي نهجها من التعبئة جيداً واستطاع أن يواجه الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008، والاستجابة للاحتياجات الاجتماعية الضاغطة. وفي هذه الظرفية الصعبة حصل المغرب على نتائج اقتصادية جيدة وعرفت مؤشراته الاجتماعية تحسنا ملحوظاً. وتعرض الصندوق في التقرير ذاته لسنة 2011، حول المغرب، أنه رغم بطء تعافي اقتصاد منطقة الأورو، التي تعتبر الشريك الرئيسي والتجاري للمغرب، فإن الناتج الداخلي الإجمالي الخام سجل نموا قدر بين 4.5 و5% بفضل الإنتاج الفلاحي الجيد، وأيضا بفضل النتائج الصلبة للقطاعات الأخرى، خصوصاً الخدمات والاستهلاك الداخلي. وأضاف نفس التقرير أن نسبة البطالة استقرت حوالي 9%، لكنها بقيت مرتفعة في المدن وضمن الشباب. ويرتكز الرهان على المدى المتوسط على ضمان نمو مرتفع للناتج الداخلي الخام الحقيقي على نحو يقلص من نسبة البطالة وتحسين مستوى العيش، ويمكن لنمو بطيء في أوروبا أن يلقي بظلاله على النشاط الاقتصادي ويحد من آفاق البلاد. وأبرز التقرير أن نهج المغرب لسياسات احترازية خلال السنوات الماضية، مكنته من إقامة هامش للتحرك المالي لمواجهة الأزمة الدولية وعواقبها . وأضاف أنه سنة 2011، استجابت الحكومة للمطالب الاجتماعية برفع الأجور في القطاع العام والإبقاء على الدعم للحفاظ على أسعار الطاقة وبعض المواد الغذائية. وأوضح أنه إذا كانت هناك ميزانية على المدى القصير لدعم مسلسل الإصلاحات السياسية وضمان التلاحم الاجتماعي، فإن المغرب مطالب سنة 2012، أن يعتمد تدابير مالية مهمة، خصوصاً إصلاح نظام المساعدات المعممة، وذلك من أجل ضمان فعالية المالية العامة على المدى المتوسط. وأضاف أنه رغم إصلاح نظام الدعم، سيكون صعبا سياسياً إلا أن الدولة مصرة على أن يكون هذا النظام موجها بطريقة جيدة، وجعل تكلفته في نسبة 3% من الناتج الداخلي الخام وتقليص كتلة الأجور بالقطاع العام إلى 10% من الناتج الداخلي الخام على المدى المتوسط. وذكر التقرير أن القطاع المالي بلغ حجماً مهما، لكن هناك موارد داخلية أخرى يجب تعبئتها من أجل دعم نمو الاعتمادات والمالية. وبما أن الميزانية تمول من موارد داخلية، فيمكن أن يكون خطر إبعاد المستثمرين الخواص. وقد اتخذت السلطات تدابير مهمة لتشجيع الادخار ومنتوجات مالية جديدة. ويرتكز تمويل الأبناك المغربية الذي يتضمن تمويل الفروع الأجنبية بصفة رئيسية على ودائع المغاربة بالدرهم مما سيساهم في الحد من الأخطار المرتبطة بتقليص عرض السيولة في السوق المالية بمنطقة الآورو. وأوضح التقرير أن تعميق الإصلاحات الهيكلية أصبح مطلباً ملحاً لرفع الإنتاجية بالمغرب. وقد أعلنت الحكومة في هذا الصدد عن إصلاحات لتحسين مناخ الأعمال والمؤشرات الاجتماعية على نحو يمكن من الرفع من إمكانية النمو وتقليص حجم البطالة. الإصلاحات السياسية أكد التقرير أنه لتلبية المطالب الاجتماعية، قامت الحكومة المغربية بإصلاحات عميقة دستورية وسياسية، ورفعت سنة 2011 سقف النفقات المخصصة للإعانات والأجور والمعاشات. وعرف المغرب إصلاحات على نحو جعل النظام السياسي يتطور في اتجاه ملكية دستورية، ووضع إطار مؤسساتي ضروري لتمكين شريحة كبيرة من المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية والنهوض بالمساواة على المستوى الاجتماعي، بين الرجل والمرأة وبين المناطق ورفع نسبة الشفافية وتحمل المسؤولية. وقوبلت هذه الإصلاحات بدعم واسع خلال الاستفتاء المنظم في فاتح يوليوز 2011. وصاحبت الحكومة هذه الإصلاحات بتبني قوانين إضافية لتنزيل مضامين الدستور، خصوصاً التدابير الهادفة إلى ضمان فعالية الماليات العامة - وبتشاور مع القطاع الخاص - وتحسين مناخ الأعمال. ومن شأن هذه المخططات أن ترفع مستوى العيش مع تقوية إمكانيات التنمية، وإنجاح عملية الانتخابات التشريعية. مؤشرات اقتصادية إيجابية عرفت المؤشرات الاقتصادية المغربية تحسنا ملحوظا ويمكن إجمال هذه المؤشرات في: - تقدم الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بنسبة 4.5% سنة 2010 مقابل 1% سنة 2009 نظراً لتعافي اقتصاديات بعض دول منطقة الأورو. - ارتفاع الطلب على الفوسفاط الآتي من الدول خارج الاتحاد الأوروبي - التحكم في نسبة التضخم التي بقيت ضعيفة سنة 2010 وبقي معدل التضخم مستقراً في 1%. وفي سنة 2011 انخفضت أسعار المواد الغذائية ومكنت إعانات الدولة من استقرار الأسعار الدولية وتفادي المضاعفات الجانبية التي يمكن أن تترتب عن إعادة تقييم الأجور العامة. - ارتفاع حجم النفقات من شأنه تعميق عجز الميزانية، والذي قد يبلغ 5,55 أو 6% من الناتج الداخلي الخام مقارنة مع ميزانية 2011، هذا الارتفاع الذي يعود إلى النفقات التي خصصت لموازنة ارتفاع أسعار المواد النفطية وبعض المواد الغذائية. - تراجع المبادلات التجارية والحسابات الخارجية، مما قد يجعل العجز الخارجي الجاري يبلغ 5% من الناتج الداخلي الخام في نهاية 2011. - ارتفاع القرض في الوقت الذي انخفضت فيه السيولة. وارتفع الاعتماد المخصص للاقتصاد بنسبة 7.4% سنة 2010، بعد تقدم بنسبة 10.9% سنة 2009. وخلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2011، عرف نمو الاعتماد نوعاً من البطء، وانخفض حجم الودائع، بينما اعتمدت الأبناك على تعبئة الودائع لأجل، وانخفضت كذلك تحويلات المغاربة في الخارج. وعرفت التداولات ارتفاعاً كبيراً في المغرب. - كان للأزمة التي عرفتها الدولة الأوروبية وقع على الاقتصاد المغربي، خصوصاً على مستوى جلب العملة والسياح، إلا أن بعض الأحداث التي عرفتها بعض الدول العربية، استفاد منها المغرب بصفة إيجابية، خصوصاً على مستوى تدفق السياح الذين يفضلون الاستقرار والأمان الموجود في المغرب. التطلعات على المدى المتوسط كان من المتوقع أن تلقي الأزمة التي عرفتها منطقة الأورو بظلالها على الاقتصاد الوطني، نظراً لارتباط المغرب بهذه المنطقة، لكن بعض المؤشرات العالمية والتقلبات الاقتصادية، الكبرى ساهمت إيجابيا في جعل الاقتصاد المغربي في منأى من هذه الأزمة. ورغم سجل الاقتصاد المغربي تقدماً مهماً على مستوى الإنتاجية. ومن المرتقب أن تناهز نسبة النمو سن 2012 ما بين 4.5% و5%. بفضل إعادة موازنة الميزانية بطلب داخلي. وقد تبلغ نسبة النمو على المدى المتوسط 6%. وهذا يتطلب الاستقرار الماكرو اقتصادي ومتابعة الإصلاحات الهيكلية. وفي هذا الصدد من المرتقب أن تبلغ نسبة العجز 3% من الناتج الداخلي الخام. مما قد يساهم في انخفاض الدين العمومي إلى حوالي 50% من الناتج الداخلي الخام. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض وتيرة الواردات، خصوصا من المنتوجات الطاقية والاستهلاكية ، وهو بدوره سيؤدي إلى العجز الخارجي الجاري إلى حوالي 2.5% من الناتج الداخلي وإلى دين خارجي تحت 23% من الناتج الداخلي الخام في أفق 2016. اللمسات الإصلاحية للسياسة الاقتصادية خلال سنة 2011، وبسبب بعض الاضطرابات الداخلية، زادت السلطات من حجم النفقات العامة في بعض المجالات من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية بالنسبة لبعص المواد الغذائية والطاقية في الوقت الذي عرفت فيه المواد الأولية في السوق العالمية ارتفاعا مهولا، وبلغت نسبة دعم الدولة حوالي 5% من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة فاقت ما كان متوقعاً أي 21% من الناتج الداخلي الخام الذي كانت الميزانية تنبني عليه نسبة 2011. إضافة إلى ذلك تم رفع الأجور في الوظيفة العمومية بمعدل قدر بحوالي 75 دولار أمريكي، مما سيرفع كتلة الأجور إلى حوالي 0.2% من الناتج الداخلي الخام وجعلها تمثل حوالي 10.7% من الناتج الداخلي الخام سنة 2011. وبما أن هذه الزيادة أدمجت جزئياً في ميزانية 2011. ورغم أن هذه الزيادات في الأجور والمعاشات وإنعاش الوظيفة العمومية لن يكون لها تأثير كبير على الميزانية إلا أنها سترفع حجم النفقات العامة بنسبة 2.5 من الناتج الداخلي الخام مقارنة مع ميزانية 2011. في نفس الوقت اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير تروم الموازنة واحتواء عجز الميزانية الذي قدر ب 5.7%. وعرفت المداخيل خصوصا المتأتية من الضرائب المباشرة ارتفاعا مهما في الفصل الأول من السنة، الشيء الذي أدى إلى تحسن بنسبة 1% من الناتج الداخلي الخام من المداخيل بالنسبة لميزانية 2011. تدابير لاحتواء العجز وموازنة الماليات العامة من أجل التحكم في النفقات الكبيرة التي عرفتها سنة 2011، وضعت الحكومة مخططاً صلباً لإعادة التوازن للماليات العامة لسنة 2012 وضمان نجاعة الميزانية. وفي هذا الصدد صرحت الحكومة على الرفع من المداخيل وذلك بتكثيف الجهود لتعبئة المداخيل الضريبية وغير الضريبية وجعل المقاولات العمومية تستفيد من تعافي الاقتصاد وترفع مساهماتها في الميزانية وتحقيق ذلك رهين بإصلاح نظام الضريبة على القيمة المضافة وذلك بنقل رقم النسبة من 4 إلى 2 من أجل الحفاظ على المداخيل في مستواها الحالي. ومن أجل احتواء النفقات والتحكم فيها، فإن إصلاح الوظيفة العمومية أصبح أمراً ملحاً وذلك من أجل الزيادة في فعالية النفقات وجعل كتلة الأجور تنزل تحت 10% من الناتج الداخلي الخام. أمر ملح آخر يطرح بشدة هو إصلاح نظام المقاصة، رغم الصعوبات التي قد يواجهها هذا الورش، لكن المضي فيها من شأنه أن يؤدي إلى التوازن الاجتماعي بين الطبقات. تشجيع الاستثمار وفعالية اختيار المشاريع إن من شأن رفع فعالية النفقات وتوجيهها إلى الاستثمار العمومي وتحسين مسلسل اختيار المشاريع، مع منح الفرصة للاستثمار الخاص، خصوصاً في مجال البنيات التحتية، أن ينعكس إيجاباً على النفقات الاجتماعية، خصوصاً مجالات الخدمات والصحة والتعليم. كما أن ضمان نجاعة النظام العمومي للمعاش الإجباري، من شأنه أن يرفع من رأسمال تمويل نظام المعاشات، ذلك أن الصندوق المغربي للتقاعد الذي يدير معاشات الموظفين والعسكريين ، سيبدأ في استنزاف احتياطاته ابتداء من 2014، لذلك فإن الدولة اتخذت تدبيرين يقوم الأول على رفع سن التقاعد ومراجعة الأجر الأساسي الذي يحسب المعاش بناء عليه، والثاني إصلاح إجمالي يروم توسيع تغطية نظام المعاشات ووضع نظام ينبني على عدة ركائز، مع معاش أساسي يعتمد على نظام للتوزيع، نظام إجباري ونظام اختياري برسملة مندمجة. بالمقابل، تمكن المغرب من الحفاظ على نسبة التضخم في المستويات المبرمجة من قبل بنك المغرب. كما أن التدبير الفعال للسيولة من طرف بنك المغرب ساعد على الحفاظ على معدل الفائدة بيوم قريب من مستواه المرجعي. كما أن السلطات النقدية تبنت نظاما للاستهداف أكثر نظامية للتضخم وبالموازاة معدل للصرف أكثر مرونة. تعبئة الموارد وتحسين التدبير عرف القطاع المالي في المغرب تقدماً ملحوظاً، لكنه يبقى دائما بحاجة لموارد إضافية لدعم النمو المالي ونمو ملائم للاعتمادات المالية. وأصبح القطاع البنكي اليوم يلعب دوراً مهما وكبيراً. حيث يمثل أزيد من 110% من الناتج الداخلي الخام، كما أنه يلقى دعما من تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وإقامة فروع بنكية في إفريقيا للبنوك المغربية. كما أن سياسة تقوية بعض الصناديق الأساسية الخاصة قد أتى أكله لكن الجهود مدعوة للمواصلة من أجل زيادة رساميل بعض المؤسسات. إصلاحات اجتماعية وهيكلية تواصل السلطات جهودها من أجل وضع برنامج طموح للإصلاحات الهيكلية بهدف رفع إنتاجية الاقتصاد. والنتائج الاقتصادية الإيجابية للسنوات الأخيرة تعود إلى الإصلاحات التي تمت مباشرتها في القطاعات الاقتصادية الأساسية (مثل القطاع المالي والمقاولات العمومية)، وأيضا إلى الجهود المبذولة من أجل تحسين مناخ الأعمال، الذي يتطلب إصلاحات إضافية. وبناء على الإصلاحات المذكورة، فإن نسبة البطالة عرفت انخفاضاَ ملحوظاً، وانتقلت من 13.4% سنة 2000 إلى 9.1% سنة 2009، لكن هذا التوجه توقف سنة 2009 بسبب الأزمة الاقتصادية. لكن هذه الآفة تبقى نسبتها مرتفعة في الحواضر وضمن الشباب. بالمقابل، رغم التحسن الملحوظ بمستوى العيش، لاتزال عدة تحديات على المستوى الاجتماعي. وإذا كانت الدولة قد تابعت نهج سياستها الاجتماعية التي ساعدت على تراجع نسبة الفقر إلى 7.5% ما بين 1997 و2008، مع تحسين المؤشرات الاجتماعية، بقيت بعض الطبقات الاجتماعية تعاني الهشاشة الاقتصادية. كما أن بعض مؤشرات الصحة بقيت منخفضة عن المعدل العادي. بالإضافة إلى أن ولوج التعليم الابتدائي يبقى ضعيفا بالنظر إلى معدل التلاميذ 6 و11 سنة الذين لا يكملون تعليمهم الابتدائي. وتبقى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أساسية في هذه السياسة وذلك من أجل مساعدة الفئات المحرومة والتي تعاني من الهشاشة، وكذا محاربة العديد من المشاكل الاجتماعية. بصفة عامة، سجل المغرب نتائج اقتصادية مهمة، لكنه مطالب أيضا بمواجهة تحديات مهمة. ففي السنوات الأخيرة عرف نمواً ملحوظاً بفضل سياسته الماكرواقتصادية الاحترازية. وأيضا بفضل الإصلاحات الهيكلية التي باشرها. هذه الإصلاحات التي ساعدته على الحفاظ على وضع مالي صلب مع تخفيض الدين العام. بالمقابل فإن الإنتاجية ومناخ الأعمال في حاجة إلى تحسن على نحو يمكن من تقوية دور القطاع الخاص كمحرك لتنمية مستدامة على المدى البعيد. وتبقى أيضا الحاجة ماسة إلى الإصلاحات الهيكلية لخفض نسبة العطالة ضمن الشباب.