المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بأن المغرب سيسقط من جديد في المحظور، في وقت أخذت فيه رقعة الأزمة المالية العالمية تتسع إلى بلدان عديدة. متغيرات متلاحقة ويومية يشهدها الاقتصاد العالمي. فبوادر أزمة اقتصادية عالمية جديدة ظهرت بجلاء، فيما البورصات العالمية واصلت النزيف منذ فترة ليست بالقصيرة. في هذا الوقت لا يبدو المغرب بعيدا عن المعطيات الجديدة، فارتباط الاقتصاد الوطني وثيق باقتصاديات كبرى، بدأت تتحسس تداعيات الأزمة، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هذا الوضع وإن لم يكن حاضرا خلال المشاورات التي أجراها الساهرون على الشأن الاقتصادي بالمغرب مع مسؤولين من صندوق النقد الدولي، الذين كانوا في زيارة للبلد في الفترة بين 7 و19 يوليوز الماضي، إلا أنه أرخى بضلاله خلال التقرير الذي أصدره الصندوق عقب انتهاء هذه المشاورات. فاستمرار ارتفاع أسعار النفط والغذاء بالسوق الدولي، سيزيد، حسب تقرير الصندوق، من تكلفة دعم هذه المواد بحوالي 5،5 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2011، لذلك فإن الفارق سيكون كبيرا مقارنة بنسبة 2،1 في المائة من الناتج الداخلي الخام المتوقعة في ميزانية العام الحالي. ارتفاع نفقات البلد لن يقف عند هذا الحد. فزيادة نفقات الخزينة المترتبة عن التدابير التي اعتمدها المغرب للاستجابة للمطالب الاجتماعية، سينجم عنها ارتفاع في الإنفاق الإجمالي ب1,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2011. يضاف إلى هذا الوضع بأن ارتفاع الأجور بالوظيفة العمومية من شأنه أن يزيد من تكلفة كتلة الأجور ب0,2 في المائة من الناتج الداخلي الخام لتبلغ 10,7 في المائة. كل هذه المعطيات تتجه إلى نتيجة حتمية: سيستفيد المغرب من هوامش ضيقة جدا من أجل اتخاذ إجراءات للرفع من النفقات العمومية، ذلك أن مجهودات الرفع من المداخيل تكثفت كما أن تحصيل الموارد سجل بنهاية يونيو الماضي بفعل الضرائب غير المباشرة المبالغ التي كانت متوقعة أصلا في قانون المالية لسنة 2011. لذلك فإنه سيكون على البلد اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر إن هو أراد أن يحافظ على عجز الميزانية في مستويات مقبولة، ستظل في حدود 5,7 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وفي حال تجاوز هذا الرقم فإن القادم من الأيام قد يحمل أخبارا غير سارة بالمرة: قدرات المغرب الاستقطابية للتمويلات الخارجية قد تتضائل، فيما التوجه صوب نظام الخوصصة لتوفير الأموال اللازمة لتغطية العجز، قد يكون بمخاطرة كبيرة. مؤطر الوضع الماكرو اقتصادي مطمئن أكد صندوق النقد الدولي أن “السياسات الماكرو اقتصادية الحذرة التي اعتمدها المغرب خلال العقد الأخير مكنته من هوامش مناورة كافية لمواجهة الأزمات الاقتصادية الأخيرة”. غير أن الصندوق نبه في تقريره أنه “من أجل تحقيق معدلات نمو مرتفعة ودائمة على المدى المتوسط يتعين على السلطات اعتماد إجراءات صارمة لإعادة توجيه سياسة الميزانية، ومضاعفة الجهود لتحسين مناخ الأعمال”. وأكد التقرير أنه بفضل تلك السياسات الماكرو اقتصادية التي نهجها، والإصلاحات السياسية، استفاد المغرب من هوامش مناورة كافية لمواجهة الأزمة الدولية لسنة 2009، والاستجابة لمطالب الحركات الاجتماعية التي همت العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ بداية سنة 2011، مضيفا أنه في هذا المناخ الصعب تمكن المغرب من تسجيل أداء اقتصادي جيد وتحسن في المؤشرات الاجتماعية. وذكر التقرير بأن الانتعاش القوي للناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بنسبة 4,5 في المائة سنة 2010 تحقق بفضل الأداء الجيد لقطاعات التصنيع ومكن من تعويض انكماش تم تسجيله في القطاع الأولي، مشيرا إلى أن استمرار الأداء الجيد للقطاع غير الفلاحي، بما في ذلك قطاع السياحة، وكذا تحقيق محصول جيد للحبوب سيمكنان من تحقيق نمو للناتج الداخلي الخام الإجمالي يتراوح ما بين 4,5 و5 في المائة سنة 2011.