يعيش العالم - اليوم - على إيقاع تداعيات أزمة مالية و إقتصادية حادة. و بحكم الترابط المعقد الذي يميز نسق الإقتصاد العالمي المعاصر، فإن هذه الأزمة عمت كل الأوساط و جل البلدان ... إذ لم تفرّق بين الإقتصاديات المحلية و المعاقل العالمية الكبرى للرأسمالية. وإذا كان معروفا أن السيرة الذاتية للرأسمالية أمست مطبوعة بالأزمات الدورية، فإن الأزمة الحالية التي بدأ يستعر أوارها من قلب الولاياتالمتحدةالأمريكية، جرّت و مازالت تجرّ تطورات خطيرة و انعكاسات بالغة الحدة، خاصة على إقتصاديات الدول النامية. في هذا المقال، سأحاول أن أقوم بقراءة سريعة في المحددات العامة لهذه الأزمة و انعكاساتها السلبية، على أن أتطرق، في البداية، إلى مدخلات (Inputs) و مخرجات ((Outputs النظام الإقتصادي العالمي القائم، الذي أفرزت تفاعلات صلبه هذه الأزمة العالمية. I - مدخلات(Inputs) النظام الإقتصادي العالمي ثمة العديد من الملامح و الخصائص المميزة للإقتصاد العالمي المعاصر، و لعل أهمها يكمن في تعاظم دور الشركات متعددة الجنسية، تزايد التكتلات الإقتصادية العالمية، التدويل المتزايد للعلاقات الإقتصادية الدولية، ثورة المعلومات و تكنولوجيا الإتصالات، تنامي دور المؤسسات في إدارة الشؤون النقدية و المالية و التجارية للإقتصاد العالمي...كل هذه المميزات و الخصائص تدخل في إطار عام شامل هو إطار العولمة (1). و إذا كان صندوق النقد الدولي قد عرّف العولمة باعتبارها " التعاون الإقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم، و الذي يحتمه إزدياد حجم التعامل بالسلع و الخدمات و تنوعها عبر الحدود، إضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية و الإنتشار المتسارع للتكنولوجيا في أرجاء كل العالم" (2)، فإننا نرى أن هذا التعريف يبقى متهما في أصله ما دام أنه جاء على لسان إحدى أهم أدوات و آليات هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى. إذ حسب بعض الدارسين(3) للإقتصاد العالمي، فالعولمة ما هي إلا مرحلة ثالثة في تاريخ الإمبريالية (4). فهي و ليدة تضافر عدة عناصر، و هذه العناصر تتجلى في إنهيار النموذج المجتمعي للبلدان الإشتراكية، و نجاح دول "المركز" في إفشال الخطة التنموية الطموحة للأنظمة الراديكالية في الدول النامية، و إستنفاذ السياسة الفوردية-الكينزية في البلدان الصناعية لطاقتها القصوى في القرن العشرين، و تحكم الشركات متعددة الجنسيات في غالبية النشاط الإقتصادي سبعينات العالمي، و تثبيت قوة العمل على تخوم النظام الرأسمالي العالمي، بالإضافة إلى تحول الهيمنة الأمريكية على العالم إلى هيمنة ساحقة (5). و إذا كانت العولمة الإقتصادية هي خاصية واحدة من خصائص ومظاهرالإقتصاد العالمي المعاصر، فإنه ثمة معالم أخرى مميزة لهذا الأخير، نذكر منها ׃ ● تزايد التكتلات الإقتصادية العالمية الكبرى، حيث تبقى المقومات الأساسية للتكتل أو الإندماج متجلية في عوامل ذات طبيعة جغرافية و ديموغرافية و سياسية و اقتصادية. كما أن الأسباب الرئيسة للتكتل تقوم على أساس توسيع السوق و زيادة فرص التنسيق بين الدول الأطراف بالإضافة إلى تعبئة الموارد الإقتصادية. ● ثورة المعلومات و تكنولوجيا الإتصالات إن على مستوى الإنتاج و أيضا على مستوى التسويق. ● التدويل المتزايد في العلاقات الدولية، حيث يتمثل هذا التدويل في نموالتجارة الدولية بمعدلات تفوق بكثير معدلات نمو الناتج المحلي على مستوى العالم، و أيضا التوسع الهائل في أسواق المال العالمية (6). و إذا كانت الدولة الوطنية في العالم المعاصر قد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى أدوارها ووظائفها في الحياة الإقتصادية الدولية، فإن ذلك يعزى أساسا إلى بروز ساطع لفاعلين دوليين جدد، خاصة المؤسسات البنكية الدولية و الشركات متعددة الجنسيات (7) التي تشكل أهم القوى الفاعلة و المحركة للعولمة الإقتصادية. II – مخرجات((Outputs النظام الإقتصادي العالمي 1- مخرجاته على مستوى المفاهيم ׃ من أجل تدعيم النموذج الإقتصادي للرأسمالية العالمية (Internationalisé) أوالرأسمالية المعولمة (Mondialisé)، تبتكر المؤسسات المالية و الإقتصادية ترسانة ضخمة من المفاهيم و البراديغمات الجديدة، بهدف تسويغ العلاقات الإقتصادية السائدة، وطنيا و دوليا، والقائمة على التفاوت و اللاتكافئ الذي تعود انعكاساته سلبا على الإقتصاديات النامية. أ. الإقتصاد العالمي و أطروحة الحكامة׃ لقد فرضت عولمة النظام النقدي و التجاري والمالي، مرورا بما هو ثقافي وسياسي، نهج حكامة جيدة بهدف التأثير المباشر في التوجيهات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للدول و خاصة المتخلفة منها (8). و إذا كان البنك الدولي يعرّف هذه الأخيرة بأنها التقاليد و المؤسسات التي من خلالها تتم ممارسة السلطة في الدول من أجل الصالح العام، فإن مرماها الخفي لا يصب، في آخر مطاف، إلا في خدمة الرأسمال العالمي و الأهداف الإستراتيجية للشركات متعددة الجنسية. و بلغة أخرى، فإن الحكامة تبقى مجرد صنيعة نيوليبرالية خالصة صممت شكلها و مضمونها مؤسسات بروتن وودز لغايات تحجيم دور الدولة- بل و ضرب سيادتها- لحساب جهات أخرى(9)، تشمل، علاوة على هيئات المجتمع المدني و الوحدات المحلية، مؤسسات القطاع الخاص و المنظمات الإقتصادية الدولية. و هذا ما يتبدى مثلا من خلال المبادئ المؤسسة لمفهوم الحكامة، خاصة مبدأ التشاركية الذي يرمي إلى خلق إجماع "عالمي" حول التوجهات الكبرى التي تصوغها سياسات هذه المؤسسات الدولية. ب. التضامن الدولي و أكذوبة التنمية ׃ سعيا لتعميق التبعية البنيوية و رهن اقتصاديات الدول النامية بسياسات الدوائر العالمية، يتم دائما رفع شعار "التعاون الدولي" شمال-جنوب من أجل بلوغ هدف مزعوم إسمه"التنمية المشتركة". بيد أن آلية "التعاون" هذه لا تروم، في جوهرها، إلا تعبيد الطريق للبحث عن المواد الأولية من جهة، و توسيع أسواق استهلاك بضائعها من جهة أخرى. و تندرج الإعانات المالية و القروض الدولية التي "تستفيد" منها اقتصاديات العالم الثالث في صميم هذه السياسة النقدية العالمية. و في هذا الإطار ذاته، تصب التوصيات الأخيرة للجنة الدولية للشؤون المالية- التابعة لFMI - و كذلك البيان الختامي لخطة عمل سيول التي أصدرتها قادة مجموعة العشرين في الآونة الأخيرة (10). ج. حتمية العولمة أو نهاية التاريخ ׃ بعد أفول القطب الإشتراكي، سيتم اكتساح النظام الرأسمالي لكل الأسواق و المجالات الإقتصادية، بما فيها المعاقل الإشتراكية التي كانت إلى عهد قريب محصنة من قبل الأنظمة السياسية القائمة بالكتلة الشرقية. و في غمرة هذا الإكتساح، سيتم الإعلان، في الأوساط الغربية، عن نهاية التاريخ الذي يزعم أنه نجم عن ذلك الإنتصارالكاسح وغير المسبوق للمنظومة الرأسمالية.. و في هذا السياق بالذات، سيسود الإعتقاد بأن العولمة تشكل مسارا زاحفا غير قابل للإرتكاس(Irréversible)(11)، أو بتعبير آخر، هي الأفق الأقصى و الأسمى في تطور تاريخ البشرية...و بالتالي فما على العالم الثالث إلا أن يتكيف مع هذه الحتمية التاريخية- في صيغتها الأمريكية- وعلى كل مستوياتها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية. لكن في نظر الكثير من المهتمين، فإن هذا الإعتقاد أو "وهم الخلود" هذا، يجانب الصواب في الكثير من الأصعدة. ذلك لأن العالم، اليوم، يسير في إتجاه تكريس عولمة بديلة ما فتئت تتشكل معالمها،خاصة إذا استحضرنا تصلب عود الجبهات المناهضة للعولمة هنا و هناك من جهة، و من جهة أخرى بروز متنامي لأقطاب اقتصادية معاكسة للنزعة الهيمنية التي تتأسس عليها ديكتاتورية الواحدية القطبية. بل و الأكثر من ذلك، فإن النظام الرأسمالي في حد ذاته، يعاني من أزمة ذاتية مزمنة(12)، أزمة ما انفكت تطمئن شعوب العالم بأن التاريخ لم ينته بعد - كما تتوهم ذلك- عقيدة اللبيرالية الجديدة. 2- مخرجاته على مستوى الإستراتيجيات ׃ أ- الإمبريالية الإقتصادية ׃ صدق فلاديمير لينين حينما كتب أن الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية(13). فهي بالفعل كذلك لأن جوهر الرأسمالية يقوم أساسا على غزو الأسواق و التنافس المحتدم حول المواد الأولية.. و في هذا الإطار، توظف الإمبريالية إستراتيجيات متعددة أبرزها الحروب الإقتصادية التي تقودها أقطاب المال و الأعمال و أرباب الشركات العملاقة بهدف تحقيق "الربح الأقصى" و بسط الهيمنة الاقتصادية و بالتالي تعميق التبعية السياسية. و هذا هو عين ما حدث و يحدث في كل حالة من حالات التدخل العسكري الذي تقوده الإمبرياليتين الأمريكية حاليا و الأوروبية في بدايات الألفية الثانية؛ حيث أن رهان السيطرة على الموارد الإقتصادية و هاجس الإستحواذ على مصادر الطاقة هما هما المتحكمان في شن الحروب الإستعمارية. و هذا يدل أساسا على أولوية العوامل الجيو-اقتصادية على العوامل الجيو-سياسية في فهم الميكانيزمات المؤثرة في دينامية العلاقات الدولية المعاصرة (14). ب- برامج التعاون و الشراكة الإستراتيجية ׃ في إطار الحرص على إيجاد منافذ لتصريف الخدمات و السلع المنتجة من قبل الدول الرأسمالية، تسعى هذه الأخيرة إلى إبرام صفقات تجارية مختلفة و عقد إتفاقيات إقتصادية متعددة مع الدول النامية..و في هذا المضمار تأتي الشراكة الأورومغربية و إتفاقية التبادل الحر المبرمة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية و غيرها...لكن ما يجدر التذكير به هنا هو أن هذه الإتفاقيات و تلك البرامج لا تأتي حبا في سواد عيون الشعوب المستضعفة لدول الجنوب، بقدر ما تخدم عموما المصلحة الأنانية للشركات العملاقة عبر الوطنية (..). مع ذلك- و حتى لا نقع في شرك العدمية- ، فلابد أن نسجل بعض النتائج المثمرة نسبيا لمثل هذه البرامج، خاصة فيما يتعلق بإنعاش الإقتصاد و توفير فرص الشغل و تحريك عجلة الحركة التجارية، وغير ذلك مما تقدمه من خدمات في مختلف المجالات و الميادين التي تقصّر بشأنها سياسات الحكومات المحلية. III- الأزمة المالية العالمية و الإقتصاد المغربي نقصد بالأزمات المالية حالة إضطراب/توتر مالي يفضي إلى تعرض المتعاملين في الأسواقالمالية لمشكلات سيولة و إعسار، مما يستدعي تدخل السلطات القائمة لإحتواء الأوضاع. وقد تأخذ الأزمة المالية شكل أزمة مديونية أو أزمة عملات أو أزمة مصرفية (15). و الأزمات المالية أصبحت تحدث بصورة متكررة و بوتيرة متسارعة، بحيث إن الفاصل بين كل أزمة و سابقتها يضيق بإستمرار على الشكل التالي ׃ انهيار نظام بروتن وودز(1973-1974)، أزمة المديونية (1982)، انهيار بورصة نيويورك(1987)، أزمة نظام النقد الدولي(1992)، أزمة الميكسيك(1994-1995)، الأزمة الأسيوية(1997)، أزمة روسيا و البرازيل (1998-1999)، أزمة الأرجنتين(2001) ثم أزمة الرهن العقاري(2006-2008)...و تعزو بعض الإجتهادات أسباب انفجار الأزمات المالية إلى أخطاء السياسات الإقتصادية و أيضا إلى نشاط المضاربين الكبار في الأسواق المالية، بل و ثمة من يرجعها إلى وجود مؤامرة من جانب الدول المتقدمة تستهدف تركيع الدول حديثة التصنيع للتخلص من منافستها الشرسة( الأزمة الآسيوية)، أو سلب الدول النفطية الثروات التي تراكمت لديها، و الموظفة أساسا في المراكز المالية في أوروبا و الولاياتالمتحدةالأمريكية(الأزمة الحالية) (16). في هذا الفرع، سأكتفي بإلقاء لمحة عامة مختصرة حول الأزمة المالية و الإقتصادية الحالية معرّجا على الأخطار و الإنعكاسات السلبية المحدقة بالإقتصاديات النامية، و بالخصوص على الإقتصاد الوطني المغربي. أ- الأزمة العالمية/ الإطار العام تعود جذور الأزمة الحالية في القطاع المالي العالمي إلى ما قبل نحو ثلاثة عقود، مع تطور قطاع الخدمات على حساب قطاعات الإقتصاد التقليدية من تجارة و صناعة و زراعة(17). و تأتي هذه الأزمة كثاني كبريات أزمات الرأسمالية و أولى أزمات العولمة(18). و لقد تعددت مؤشرات الأزمة مع نهاية العقد الأول من الألفية الجارية، حيث سجل ما يلي ׃ ● انخفاض سعر النفط في دجنبر 2008 إلى أقل من 40دولار للبرميل بعد أن وصل في منتصف نقس السنة إلى أكثر من 147 دولارا .. مما يدل على تقلص واضح للطلب، ليس في البلدان المتقدمة فقط، بل كذلك في البلدان المنبثقة كالصين و هي البلدان التي لعب طلبها دور القاطرة سواء بالنسبة للنفط أو بالنسبة للمواد الأولية المستعملة في الصناعة أو بالنسبة للمنتوجات الفلاحية الأساسية. ● تدهور أوضاع العديد من المقاولات العاملة في قطاعات الصلب و السكن و الحديد و صناعات السيارات و ما يحيط بها من فروع، إضافة إلى البنوك..مما ساهم في تسريع مسلسل تسريح العمال. ● إعلان صندوق النقد الدولي و بعده العديد من الحكومات أن اقتصاديات البلدان المتقدمة ستنتقل من مرحلة النمو البطئ إلى مرحلة الجمود فالإنحسار ثم الإنكماش و ربما الإنهيار(stagnation, récession,dépression) أي أن وتيرة نموها ستكون منذ سنة 2009 سالبة. ● إعلان المكتب الدولي للشغل في نهاية يناير 2009 عن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خلال هذه السنة بأكثر من خمسين مليونا، ليصل عدد العاطلين إلى 240 مليونا، و يهم تفاقم البطالة في البلدان المتطورة كما أكدت ذلك منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية (19). و دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، فإن الأزمة التي اندلعت في قلب الإقتصاد العالمي الذي هو الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستعرف ثلاث مراحل حسب مؤلف كتابه "نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية" ׃ المرحلة الأولى ׃ تميزت بتراكم مسببات و عوامل الأزمة في الولاياتالمتحدة، حيث يقسمها ولعلو إلى عوامل إقتصادية داخلية و أخرى خارجية بالإضافة إلى عوامل جيوسياسية. فبالنسبة للعوامل الأولى تمثلت في جمود الأجور الذي تسبب في انكماش نسبي للحياة الإقتصادية، الشئ الذي أدى، في آخر مطاف، إلى الإستدانة المفرطة للعائلات و بالتالي ارتفاع العقار من جهة، و تسنيد الديون في الولاياتالمتحدة و بالتالي تراكم القروض عالية المخاطر من جهة أخرى. بينما العوامل الإقتصادية الخارجية، فتجلت في بداية ارتفاع الطلب على منتوجات الطاقة و المواد الأولية في البلدان المنبثقة، في حين كان عجز الميزان التجاري و عجز الموازنة المالية الناتجين عن أحداث 11 سبتمبر و الحروب التي قادتها الولاياتالمتحدة من بين أهم العوامل الجيو-سياسية التي ساهمت في تفجير الأزمة في هذه الأخيرة. المرحلة الثانية ׃ الأزمة المالية 2007- 2008 ׃ لقد تميزت هذه الأخيرة بارتفاع أسعار الطاقة و المواد الأولية الذي أدى إلى ظهور مؤشرات التضخم و عجز عن تسديد الديون من قبل العائلات الفقيرة و المتوسطة. المرحلة الثالثة ׃ من الأزمة المالية إلى الأزمة الإقتصادية 2008- 2009׃ و كانت لهذه المرحلة ثلاثة عناوين ر ئيسة׃ تراكم خسائر البنوك و انحدار القيم في البورصات و الكساد العقاري..التي أدت في تظافرها إلى قيام عدة إفلاسات على مستوى المؤسسات المالية و المصرفية، بل و حتى الإقتصادية/العينية (20). و سعيا منها لإنقاذ الموقف، قامت السلطات العمومية في جل الدول التي مستها الأزمة بإقرارعدة مشاريع إنقاذية لتوقيف المسار الإنهياري للمنظومة البنكية من جهة، و برامج أخرى تهم إنعاش مكونات الإقتصاد الحقيقي من جهة ثانية (...). ب- الأزمة العالمية و انعكاساتها على الإقتصاد المغربي حسب دراسة ذ.ولعلو ، يمكن أن نتناول انعكاسات الأزمة على المغرب من خلال ثلاثة مستويات ׃ - على المدى القريب الذي يهمّ بالأساس القطاع المالي׃ يبقى من الواضح بهذا الصدد أن الأزمة المالية التي عرفتها البلدان المتطورة لم يكن لها انعكاس مباشر على المغرب و على قطاعه المالي و البنكي، لسبب بسيط يرجع إلى عدم ارتباط هذا القطاع بالمنظومة المالية العالمية. فالبنوك المغربية لا تمسك سندات أمريكية كما هو الحال بالنسبة لبعض البنوك الأوروبية. كما أن النظام البنكي المغربي قد خضع في السنوات الأخيرة لعملية تنقية و تصحيح بفضل البرامج التي استهدفت تحسين أداء المؤسسات المالية العمومية، مما أدى إلى تقليص جلي لحجم القروض السيئة و دعم القاعدة المالية لهذه المؤسسات و بصفة عامة لمجموع القطاع البنكي. - على المدى المتوسط ׃ لقد أدى استقرار الكساد خلال سنة 2009 إلى تقلص في السوق الأوروبية لبعض المنتوجات المصدرة تقليديا لهذا الأخير..و سيكون قطاع النسيج و قطاع مكونات صناعات السيارات بالطبع على رأس القطاعات التصديرية التي ستتأثر بانخفاض الطلب الأوروبي بسبب عامل الأزمة. كما أن انحدار قيمة الروبل الروسي بسبب الهشاشة البنيوية للإقتصاد الروسي ستخلق متاعب لصادرات المغرب من الحوامض التي يوجه قسط وافر منها إلى هذه السوق، و سيزيد من القدرة التنافسية للصادرات الروسية من الفوسفاط. كما أن انخفاض قيمة الجنيه الأسترليني خلقت متاعب لمبيعات النسيج إلى إنجلترا. و أخيرا ستتأثر مبيعات الفوسفاط و مشتقاته التي تتوجه بالأساس إلى الهند و البرازيل و بعض البلدان الآسيوية بالمد الإنحداري الذي مسّ كل المواد الأولية. - على المدى البعيد ׃ و هنا ينصح ولعلو المغرب بالحضور النوعي في كل النقاشات التي تهمّ الإقتصاد العالمي و الإنخراط الجدي في الإصلاحات التي تهم الأنظمة الأساسية للمؤسسات الإقتصادية الدولية.. مع الحرص على جعل قضايا التنمية و محاربة الفقر حاضرة بقوة في أجندة الإصلاحات المستقبلية(21 ). هذا، علاوة على الإنعكاسات السلبية التي خلفها تراجع عائدات المهاجرين المغاربة نظرا للتسريحات الواسعة التي مسّت صفوف اليد العاملة في العديد من الشركات والوحدات الإنتاجية بالدول الأورربية. كما يجب أن نضيف أيضا تراجع قطاع السياحة الذي لم يسلم بدوره من التبعات السلبية للأزمة القائمة. و في الأخير، أعود لأؤكد على أن المغرب، شأنه شأن باقي الدول النامية، يبقى في حاجة ماسة إلى بناء سياسة إقتصادية قوية، منفتحة على الإقتصاديات الإقليمية والدولية، لكن مع الحرص على عدم التفريط في حقها السيادي المتعلق طبعا بتقرير مصائرها واختياراتها الإقتصادية، السياسية و الإجتماعية. و لأنّ العالم اليوم يشهد بروز أقطاب و تكتلات إقتصادية كبرى، فإن المغرب و جيرانه مطالبين، أكثر من أي وقت مضى، بتجاوز كل العراقيل و الخلافات القطرية بينهم، و العمل الجدي من أجل إعادة بناء الإتحاد المغاربي -إقتصاديا على الأقل- حتى يتسنى لأقطاره الحصول على موطئ قدم ما في ساحة تسودها داروينية إقتصادية شرسة لا تعرف معنى للرحمة إزاء الضعفاء ... و إلاّ، فإن التاريخ سيعاقب كل من تخلّف عن الركب كما قال ذات مرة ميخائيل غورباتشوف أثناء إطلاقه لمسلسل الإصلاحات ببلاده في ثمانينات الألفية الثانية .. الهوامش ׃ 1- رضوان زهرو، الإقتصاد العالمي المعاصر- مقدمات و آفاق، منشورات مسالك، الطبعة الأولى 2004 ص׃11 2- Mohammed Ghigueur, Economie mondiale,Hilal impression Oujda 2005 78 ׃ P 3- د.الهادي التيمومي، مفهوم الإمبريالية—من عصر الإستعمار العسكري إلى العولمة. الناشر׃ دار محمد علي للنشر، الطبعة 2004. 4- يميز الأستاذ الهادي التيمومي في كتابه المذكور بين ثلاث مراحل للإمبريالية ׃- المرحلة الأولى تمتد من أواخر القرن التاسع عشر إلى 1917- المرحلة الثانية ممتدة ما بين 1917 و 1991- المرحلة الثالثة و هي مرحلة العولمة التي تبدأ مع أفول معسكر الإشتراكية. 5 - د.الهادي التيمومي، مفهوم الإمبريالية. مرجع سابق. ص׃ 110-118. 6- رضوان زهرو. الإقتصاد العالمي المعاصر، مرجع سابق، ص׃11-31. 7- يتجلى تعاظم دور الشركات متعددة الجنسية فيما يلي ׃ - أكبر من 500 شركة متعددة الجنسية بالعالم إجمالي إيراداتها يصل إلى حوالي 44٪ من الناتج المحلي العالمي الإجمالي، و تستحوذ الشركة متعددة الجنسية في مجموعها على حوالي 40٪ من حجم التجارة الدولية، و معظم الإستثمار الأجنبي المباشر في أنحاء العالم، و لذلك تلعب دورا مؤثرا في التمويل الدولي. - حوالي 80٪ من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعددة الجنسية، و هو ما يوضح مركزها في التسويق الدولي. - كذلك تتجاوز الأصول السائلة من الذهب و الإحتياطات النقدية الدولية المتوافرة لدى الشركات متعددة الجنسية حوالي ضعفي الإحتياطي الدولي، و يدل هذا المؤشر على مقدار تحكم هذه الشركات في السياسة النقدية الدولية و الإستقرار النقدي العالمي. 8- محمد بوبوش، دور المنظمات الدولية في ترسيخ العولمة، مجلة وجهة نظر. العدد ׃ 48. أنظر كذلك الحبيب المالكي، الإقتصاد المغربي و الأزمة.مطبعة دار النشر المغربية. ص׃ 79. 9- يحيى اليحياوي، الحكامة و الديموقراطية. مجلة أفق. العدد׃ 32. 2005 – ص׃ 3. 10- ، راجع المعطيات الواردة بهذا الصدد في الموقع الإلكتروني للبنك الدولي. 11- استعرت هذا التعبير من د.الهادي التيمومي"مفهوم الإمبريالية"..مرجع سابق، ص׃ 121. 12- مجلة السياسة الدولية، العدد׃ 175 (يناير 2009). مطابع الأهرام التجارية قليوب-مصر، د.سامر سليمان ׃ دور الدولة في الإقتصاد، ص׃ 123. 13- في نظر لينين ثمة عدة سمات للإمبريالية، من بينها׃ - بلوغ تركز الإنتاج و رأس المال و تكثفهما درجة عليا أدت إلى ميلاد الإحتكارات (مثل الكارتيلات و التروستات). - ظهور البنوك العظمى، و حصول الإلتحام بين رأس المال الصناعي و رأس المال البنكي، و هو الإلتحام الذي أدى إلى ميلاد "رأس المال المالي". - تبوؤ ظاهرة تصدير رؤوس الأموال من البلدان الإمبريالية نحو المستعمرات أو نحو البلدان الإمبريالية الأضعف المكانة الأولى، و تدحرج ظاهرة تصدير السلع إلى المكانة الثانية. - تقاسم العالم إقتصاديا في ما بين الإحتكارات، مع التأكيد على أن كل قسمة مؤهلة للمراجعة كلما تغير ميزان القوى بين هذه الشركات العظمى. - إنتهاء عملية إقتسام العالم ترابيا في ما بين الدول الإمبريالية الأقوى في مغيب القرن 19 و بداية القرن 20، و تواصل الصراع لأجل إعادة اقتسام العالم اعتبارا لطبيعة العلاقة بين البلدان الإمبريالية، و هي علاقة يحكمها قانون التطور اللامتكافئ.. 14- د.محمد الرميحي. النفط و العلاقات الدولية-وجهة نظر عربية.عالم المعرفة، العدد 72 (يناير 1972)، خاصة الفصل الثاني و الثالث و الرابع و السابع. 15 - مجلة السياسة الدولية..مرجع سابق، ص׃ 117. 16- نفسه. 17- مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009 .ص׃24 . 18- فتح الله ولعلو، نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية. الناشر ׃ المركز الثقافي العلربي. الطبعة الأولى 2009 . ص׃ 7. 19- فتح الله ولعلو، نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية. مرجع سابق. ص׃ 42-43. 20- راجع الخطاطات الواردة في كتاب-نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية.مرجع سابق.ص׃69-70-71. 21 - نفسه..ص׃ 91-93-96.